المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالثعلاقة سكوت الشارع بمرتبة العفو - طرق الكشف عن مقاصد الشارع

[نعمان جغيم]

فهرس الكتاب

- ‌شكر وتقدير

- ‌المقدمة

- ‌البَابُ الأَوّلاستخلاص المقاصد من منطوق النصوص ومفهومها

- ‌الفصل الأولتعريف مقاصد الشريعة وبيان أقسامها، وفائدة العلم بها

- ‌المبحث الأول: تعريف مقاصد الشريعة وبيان أقسامها

- ‌المطلب الأول: تعريف مقاصد الشريعة

- ‌المطلب الثانيأقسام المقاصد الشرعية

- ‌المبحث الثانيفائدة العلم بمقاصد الشارع

- ‌تمهيدبين أصول الفقه ومقاصد الشريعة

- ‌الفصل الثانياستخلاص المقاصد من ظواهر النصوص

- ‌تمهيدطرق إفادة الكلام

- ‌المبحث الأولاستخلاص المقاصد من ظواهر النصوص

- ‌المبحث الثانينماذج تطبيقية لإستخلاص المقاصد من ظواهر النصوص الشرعية

- ‌النموذج الأول: استخلاص المقاصد من النص والظاهر:

- ‌النموذج الثاني: دلالة الأمر والنهي:

- ‌النموذج الثالثدلالة العام

- ‌الفصل الثالثوظيفة السياق والمقام في تحديد المقصود من الخطاب الشرعي

- ‌تمهيدطبيعة النص الشرعي ومستويات فهمه

- ‌المبحث الأولالعناصر التي تتحكم في فهم الخطاب

- ‌المطلب الأوللغة الخطاب

- ‌المطلب الثانيالمخاطِب (المتكلّم)

- ‌المطلب الثالثالمخاطَب (السامع)

- ‌المطلب الرابعسياق الخطاب

- ‌نماذج تطبيقية

- ‌المبحث الثانينماذج تطبيقية على أهمية السياق والمقام في تحديد المقصود من الخطاب الشرعي

- ‌المطلب الأولأهمية القرائن في تحديد المقصود من الأوامر والنواهي

- ‌المطلب الثانيأهمية القرائن في تحديد المقصود من صيغ العموم

- ‌المطلب الثالثتخصيص الخطاب الشرعي بعادات المخاطَبين وأعرافهم

- ‌المطلب الرابعتخصيص العام بقول الصحابي

- ‌المطلب الخامسأهمية السياق في تحديد المقصود من النص

- ‌الفصل الرابعاستخلاص المقاصد من خلال معرفة علل الأحكام الشرعية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولتعليل الأحكام الشرعية وعلاقته بالكشف عن مقاصد الشريعة

- ‌المطلب الأولالتعليل بين القائلين به والرافضين له

- ‌المطلب الثانيتعليل العبادات

- ‌المبحث الثانيمسالك العلة ووظيفتها في الكشف عن مقاصد الشارع

- ‌الفَصْلُ الخَامَسِسكوت الشارع ودلالته على مقاصده

- ‌المبحث الأولأنواع سكوت الشارع

- ‌المبحث الثانيالفرق بين دلالة سكوت الشارع في العبادات وسكوته في المعاملات

- ‌المبحث الثالثعلاقة سكوت الشارع بمرتبة العفو

- ‌المبحث الرابعهل السكوت عن النقل نقل للسكوت (هل ترك النقل ينزل منزلة نقل الترك)

- ‌البَابُ الثَّانياستخلاص المقاصد من طريق الاستقراء

- ‌الفَصْلُ الأَوّلمفهوم الاستقراء وأنواعه

- ‌تَمْهِيد

- ‌المبحث الأولمفهوم الاستقراء

- ‌المبحث الثانيأنواع الاستقراء

- ‌أولًا: الاستقراء التام

- ‌ثانيًا: الاستقراء الناقص:

- ‌الفَصْل الثَّانِيالاستقراء في القرآن الكريم والعلوم الشرعية

- ‌المبحث الأولالاستقراء في القرآن الكريم

- ‌المبحث الثانيالاستقراء في العلوم الشرعية

- ‌المطلب الأولالاستقراء عند الأصوليين

- ‌المطلب الثانيتطبيقات الاستقراء عند الفقهاء والأصوليين

- ‌الفَصْلِ الثَّالِثالاستقراء عند الإمام الشاطبي

- ‌تَمْهِيد

- ‌المبحث الأولتعريف الاستقراء عند الشاطبي وبيان الأساس الذي يقوم عليه

- ‌المبحث الثانيالاستقراء عند الإمام الشاطبي بين القطع والظن

- ‌المبحث الثالثحَلُّ الإمام الشاطبي لمشكلة الاستقراء الناقص

- ‌المبحث الرابعمجالات استخدام الشاطبي للإستقراء

- ‌الفَصْلُ الرَّابعِالاستقراء عند الإمام محمد الطاهر بن عاشور

- ‌تَمْهِيدٌ

- ‌المبحث الأولالاستقراء بين القطع والظن عند ابن عاشور

- ‌المبحث الثانيمجالات استخدام الاستقراء عند ابن عاشور

- ‌الفَصْل الخَامِسْدراسة تقييمية للإستدلال الإستقرائي

- ‌المبحث الأولالفرق بين الاستقراء العلمى والاستقراء في العلوم الإنسانية

- ‌المبحث الثانيإمكانية تحقيق الاستقراء وجدواه

- ‌المبحث الثالثنتيجة الاستقراء بين اليقين والظن

- ‌المبحث الرابعحل مشكلة الاستقراء الناقص في العلوم الشرعية

- ‌الفَصْلُ السَّادِسُدراسة تطبيقية لمسلك الاستقراء

- ‌تَمْهِيدٌ

- ‌المبحث الأولاستقراء علل الأحكام الضابطة لحكمة واحدة

- ‌المبحث الثانياستقراء أدلة أحكام اشتركت في علة واحدة

- ‌المبحث الثالثاستقراء مجموعة من النصوص الشرعية المشتركة في معنى واحد

- ‌الترغيب في التيسير على العموم:

- ‌العفو عن أهل الكتاب:

- ‌الأمر بالتيسير على ذوي الحاجات والأعذار في الصلاة:

- ‌الترغيب في أن يكون الإنسان سمحاً في معاملاته:

- ‌كفارة اليمين:

- ‌كفارة قتل الصيد في الحرم:

- ‌كفارة القتل الخطأ:

- ‌كفارة الظِّهار:

- ‌التيسير في المعاملات:

- ‌1 - شرع الشُّفْعة:

- ‌2 - الترخيص في الغرر اليسير والجهالة التي لا انفكاك عنها في الغالب

- ‌3 - شرع السَّلم:

- ‌4 - الترخيص في العرايا

- ‌5 - شرع القرض:

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المصادر

الفصل: ‌المبحث الثالثعلاقة سكوت الشارع بمرتبة العفو

‌المبحث الثالث

علاقة سكوت الشارع بمرتبة العفو

مرتبة العفو -على رأي القائلين بها- هي مرتبة تقع بين الحلال والحرام، والدليل على وجودها ما ورد في القرآن الكريم من نهي الصحابة رضي الله عنهم عن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عما سكت عنه الشرع في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]، ونهي النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً عن ذلك فيما رواه الدارقطني عَنْ أَبي ثَعْلَبَةَ الخُشَني رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله عز وجل فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَحَدَّ حُدُوداً فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ، فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا". (1)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كانَ رَسُولث الله صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ، فَقَالَ:"يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الله تَعَالى فَرَضَ عَلَيْكُم الحَجَّ"، فَقَامَ رَجُلُ فَقَالَ: أَفِي كُلِّ عَامٍ يا رَسُولَ الله؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَجَعَلَ يُعْرضُ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ:"لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ مَا قُمْتُمْ بِهَا"، ثُمَّ قَالَ:"دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ سُؤَالُهُمْ وَاخْتِلَافُهُم عَلَى أَنْبِيَائِهِم، فَإِذَا أَمَرْتُكُم بِأَمْرٍ فَأْتُوهُ مَا اسْتَطَعْتُم، وَإِذَا نَهَيْتُكُم عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوه". (2)

فظاهر هذه النصوص أن هناك أشياء سكت عنها الشارع من غير نسيان لها، وإنما رحمة بالناس، فهي عفو باقية على الإباحة الأصلية. ويتبيّن من هذا أن سكوت الشارع عن ذكر أحكام بعض الأشياء إنما هو عفو عنها، وليس غفلة عن حكمها.

وقد قسم الشاطبي مرتبة العفو إلى ثلاثة أقسام:

1 -

العمل بمقتضى أحد الدليلين المتعارضين وإن قوي المعارِض، وذلك في الحالات الآتية:(3)

(1) الدارقظني: سنن الدارقطني، تحقيق السيد عبد الله هاشم يماني المدني، (القاهرة: دار المحاسن للطباعة، 1386 هـ/ 1966 م)، ج 4، ص 183 - 184.

(2)

رواه الدارقطني: سنن الدارقطني، كتاب الحج، ج 2، ص 281.

(3)

انظر الشاطبي: الموافقات، مج 1، ج 1، ص 117 - 119، 120 - 120.

ص: 190

- عند عدم إمكان الجمع بينهما، فإن إهمال أحد الدليلين -وإن كان الدليل المُهمَل قد يكون في نفسه أرجح من المعمول به- لا بُدّ أن يكون معفوّاً عنه لإستحالة التكليف بالعمل بهما معاً، لأنه يصير من باب التكليف بما لا يطاق.

- العمل بالعزيمة وإن كان دليل الرخصة متوجِّهاً.

- العمل بالرخصة وإن ترجح جانب العزيمة.

- المجتهد المخطئ في اجتهاده، فإنه معفو عمّا يقع فيه من خطأ إذا استجمع شروط الإجتهاد ولم يقصر في شيء من لوازمه.

2 -

الخروج عن مقتضى الدليل من غير قصد، أو عن قصد لكن بتأويل سائغ. ومثال ذلك عمل الشخص على خلاف دليل لم يبلغه، فإنه معفو عن خطأه ذلك، وكذلك عمل الشخص على وفق دليل بلغه لكنه غير صحيح أو منسوخ، ومن ذلك العمل على خلاف الدليل خطأً، أو نسياناً، أو إكراهاً، (1) لقوله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ الله تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ". (2)

3 -

العمل بما هو مسكوت عن حكمه.

ولكن قد يُعقرض على إدخال المسكوت عن حكمه ضمن مرتبة العفؤ إذْ الثابت من قواعد الشريعة أن أحكام الأشياء تثبت إما بالنص عليها، وإما بإلحاقها بالمنصوص عليه، فلا نازلة إلّا ولها في الشريعة حكم، ومن ثَمّ فإن ما يسمى "المسكوت عنه" داخل ضمن دائرة الإجتهاد التي أساسها إلحاق المجهول حكمه بما هو معلوم الحكم، خاصة المنصوص عليه منها. ويكون مؤدى هذا نفي عَدِّ المسكوت عنه من باب العفو.

وفي المقابل نجد النصوص التي سبق ذكرها في أدلة اعتبار مرتبة العفو تشير إلى أن المسكوت عنه قد يدخل في باب العفو وقد رجح الشاطبي هذا الأخير، وقسّم

(1) انظر المصدر السابق، مج 1، ج 1، ص 117 - 119، 121 - 124.

(2)

رواه ابن ماجة: سنن ابن ماجة، أبواب الطلاق، باب (16)، ج 1، ص 377.

ص: 191

المسكوت عنه الذي يُعدّ من باب مرتبة العفو إلى ثلاثة أنواع:

أ - ترك الإستفصال مع وجود مظنتة، أي إصدار الشارع حكماً عامّاً دون تفريق بين جزئيات المحكوم عليه مع علمه بها. ومثال ذلك إحلال طعام أهل الكتاب في قوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]، فإن عموم كلمة الطعام تشمل ضمن ما تشمل قرابينهم التي يذبحون لأعيادهم وكنائسهم. فهل ما في تلك الذبائح من زيادة تنافي مبادئ الإِسلام يجعلها مستثناة من الإحلال؟ أم أنّها تحون عفواً فتدخل ضمن ما أُحِلّ بناءً على أن الشارع تعالى كان عالماً بها ولم يفصل لها حكماً خاصّاً بها؟ وقد رُوِي عن مكحول أنه لما سئل عنها قال:"كُلْهُ، قد علم الله ما يقولون وأحل ذبائحهم". (1)

ب - ما حرّمه الإِسلام من عادات الجاهلية بالتدرج، فإن ما ارتُكِبَ منه أثناء التدرج في التحريم وقبل صدور الحكم النهائي يُعدّ معفوّاً عنه، وذلك مثل ما شُرِب من الخمر وأُكِل من الربا قبل صدور التحريم المطلق، ويشهد لذلك قوله تعالى في الخمر:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)} [المائدة: 93]. وقوله في الربا: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)} [البقرة: 275]، وقوله:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)} [البقرة: 279](2)

ج - ما عمل به الناس من عبادات ومعاملات موروثة عن ملّة إبراهيم عليه السلام، أو مما جرت به أعرافهم قبل أن يأتي الشرع بإقرار ما أقر منه ونسخ ما نسخ، وتقويم ما قوَّم، فكل ما عمل به على ذلك فهو عفو (3)

وبناءً على ما تقدّم يمكن أن يفهم أن الشاطبي يرى أن المسكوت عنه الذي يدخل ضمن دائرة العفو -بعد استقرار الشريعة وتمامها- ينحصر في نوع واحد، هو ترك الإستفصال مع وجود مظنته.

(1) انظر الشاطبي: الموافقات، مج 1، ج 1، ص 124؛ القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج 6، ص 76.

(2)

انظر الشاطبي: الموافقات، مج 1، ج 1، ص 125.

(3)

انظر المصدر السابق، مج 1، ج 1، ص 125.

ص: 192