الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
أنواع الاستقراء
يُقسم الاستقراء إلى تام وناقص، وأساس هذا التقسيم أن الدليل الإستقرائي يُبنى على تعداد الحالات والأفراد، فإذاكان التعداد مستغرقًا لجميع أفراد أو حالات النوع محل الاستقراء اعتُبِر الاستقراء تامًّا، أما إذا لم يشمل التعداد كل الأفراد والحالات فإنه يُعتبر استقراءً ناقصًا.
أولًا: الاستقراء التام
تعريفه: الاستقراء التام هو: "أن يستدل مجميع الجزئيات ويحكم على الكل". (1)
فهو الاستقراء الذي يتم فيه استيعاب جميع جزئيات أو أجزاء الشيء الذي هو موضوع الحث، بالنظر والدراسة العلمية، للوصول من خلال ذلك إلى حكم كل يحكم به على جميع تلك الجزئيات.
نتيجة الاستقراء التام:
تكون -عادة- نتيجة الاستقراء التام يقينية إذا توافرت شروط ذلك. وهناك عاملان يتحكمان في يقينية نتيجة الاستقراء التام، هما: الأول: مدى قطيعة ثبوت الحكم للجزئيات المستقرأة عند إجراء عملية الاستقراء، أي هل الحكم المنسوب إلى كل جزئية من الجزئيات المستقرأة مقطوع به أم لا؟ والثاني: مدى إمكانية الجزم بعدم وجود جزئي آخر غير الجزئيات المستقرأة. فإذا كان ثبوت ذلك الحكم لتلك الجزئيات قطعيًّا، وجزمنا بعدم وجود جزئي آخر غير تلك التي تَمَّ استقراؤها كانت نتيجة الاستقراء يقينئة، أما إذا كان ثبوث الحكم للجزئيات ظنيًّا، وكان القول بعدم وجود جزئيات أخرى ظنيًّا أيضًا، أو كان أحد العامبين فقط ظنيًّا، فإن نتيجة
(1) التهانوي، محمد علي: موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، تقديم وإشراف ومراجعة الدكتور رفيق العجم، (بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، ط 1، 1996 م)، ج 1، ص 172.
الاستقراء ستكون ظنية (1)
إمكانية وجود الاستقراء التام:
يرى البعض أنه من العسير الوصول إلما استقراء تام لأن استقراء الأفراد مهما كان شاملًا ومستوعبًا فإنه لا يمتد خارج نطاقا الأفراد الموجودة فعلا، أما الأفراد الممكنة الوجود، أي التي لم توجد بعد ويحتمل وجودها في المستقبل، فإنها غير مشمولة يهذا الاستقراء، ووجودها يؤدي إلى خروج الاستقراء عن كونه تامّا (2). كما أن شمول الاستقراء الكامل محدود زمانًا باللحظات التي تَمَّ فيها الاستقراء، ولا يمتد إلى الأوقات الأخرى التي يمكن أن يتغير فيها الحكم على الأفراد تبعًا لتغيَر حالاتها. وإذا أردنا أن نحكم بثبوت هذا الحكم ونقطع به فإننا نحتاج في ذلك إلى استقراء آخر لكل فرد من الأفراد المستقرأة في جميع أوقات وجوده لنتأكد من عدم تغير حكمه بتغير الزمن، وهو أمر عسير وقد يؤدي إلى توقف عملية الاستقراء.
نقد الاستقراء التام:
فضلًا عن التشكيك في إمكانية وقوع الاستقراء التام، فقد انتُقِدَ بكونه استقراءً شكليا، لا يقصد منه سوى زيادة عدد إلى عدد، وتركيب لشيء فوق الشيء، ليسهل اقعبير عنها جميعًا. فنحن لا نضيف بهذا النوع من الاستقراء علمًا جديدًا إلى معلوماتنا، وإنما الأمر لا يعدو تجميع الجزئيات المستقرأة، والتعبير عنها جميعًا بكلمة واحدة. وعلى الرغم من أنه يعطينا صورة استدلالية، إلَّا أنها لا تعطينا القدرة على التنبؤ بما يقع في المستقبل من حوادث وعلاقات، وتلك في الأصل هي الغاية من الاستقراء. (3)
فالاستقراء التام لا تفيد نتيجته معرفة جديدة، بل هي مجرد تلخيص لما هو
(1) انظر التهانوي: موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، ج 1، ص 172؛ أبو حامد الغزالي: معيار العلم في فن المنطق، ص 152.
(2)
انظر د. علي عبد المعطي محمد، ود. السيد نفادي؛ المنطق وفلسفة العلم، ص 287.
(3)
انظر: د. محمد فتحي الشنيطي: أسس المنطق والمنهج العلمي، ص 120.
موجود في المقدمات، أو هي تقرير لما سبق تتبعه وملاحظته.
ومن هنا ذهب البعض إلى أن الاستقراء التام لا يعتبر في الحقيقة استقراء، بل هو استنباط، لأن النتيجة فيه تجيء مساوية لمقدماتها، ومن ثم ليس فيه انتقال من الخاص إلى العام. (1)
والواقع أنه مع كون نتيجة الاستقراء الكامل مساوية لمقدماتها إلَّا أن فيه نوعًا من الإنتقال من الخاص إلى العام، إذ يتم فيه الإنتقال من آحاد الأفراد والحالات المستقرأة إلى حكم يعمُّ كل تلك الأفراد، فنحن نَتَتَبَعّ صفة معيَّنة في مجموعة من الأفراد، ثم نتتبَّع تلك الأفراد في انتمائها لنوع واحد، لنستخلص من ذلك أن تلك الصفة ملازمة لجميع أفراد النوع. (2) ولئن كانت نتيجة الاستقراء التام أقل عمومًا من نتيجة الاستقراء الناقص، إذ هي الاستقراء التام تشمل الحالات المستقرأة فقط، وفي الاستقراء الناقص تشمل الحالات المستقرأة وما هو موجود أو يمكن أن يوجد من مثيلاتها، فإن ذلك لا يخرجه عن كونه نوعًا من أنواع الاستقراء.
ويمكن القول بأن الانتقادات المشككة في جدوى الاستقراء التام، إنما تصدق على مجال المبحث في العلوم الطبيعية، وليس معنى ذلك أنه لا يفيد في ميادين العلم الأخرى، خاصة العلوم الشرعية.
فوائد الاستقراء التام:
مع ما وجه للإستقراء التام من انتقادات فإنه يحقق فوائد تتمثل في الآتي:
1 -
التثبت من أن ما سبقت ملاحظته في آحاد جزئياتِ كل ما تعمّ كل جزئياته.
2 -
تحقيق الإقتصاد في التفكير بتجميع الجزئيات وإدراجها تحت قاعدة عامة، ولولا وجود الاستقراء الإحصائي لأصبحنا نعيش في فوضى الجزئيات التي لا ضابط لها ولا رابط.
(1) انظر د. علي عبد المعطي محمد، ود. السيد نفادي: المنطق وفلسفة العلم، ص 287.
(2)
انظر: د. محمد فتحي الشنيطي: أسس المنطق والنهج العلمي، ص 120.