الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
تعريف مقاصد الشريعة وبيان أقسامها، وفائدة العلم بها
المبحث الأول: تعريف مقاصد الشريعة وبيان أقسامها
المطلب الأول: تعريف مقاصد الشريعة
التعريف اللغوي:
القصد والمقصد مشتقان من الفعل "قصد"، والقصد: استقامة الطريق، والإعتماد، والأَمُّ، والعدل، والتوسط، وإتيان الشيء. يقال: قصده، وله، وإليه، يقصده. (1)
قال ابن جِنّي: "أصل (ق ص د) ومواقعها في كلام العرب الإعتزام والتوجه والنهود والنهوض نحو الشيء، على اعتدال كان ذلك أو جور، هذا أصله في الحقيقة وإن كان قد يُخَصّ في بعض المواضع بقصد الإستقامة دون الميل". (2)
والمقصِد اسم المكان. وجمعه مقاصد، أما جمعه على قُصُود فقد ذكر الفيومي أن بعض الفقهاء قد استعمله، وهو على خلاف القياس عند النحاة. (3) ومنه جاء تعبير الفقهاء والأصوليين بمقاصد الشارع عن المعاني والحِكَم التي قصد الشارع إلى تحقيقها من وراء تشريعاته وأحكامه.
وقد ذكر الدكتور طه عبد الرحمن أن لفظ "المقاصد" مشترك بين معان ثلاثة:
[1 - يُستعمل لفظ "قصد" بمعنى هو ضد الفعل "لغا - يلغو". لَمّا كان اللغو هو
(1) انظر ابن منظور، أبا الفضل جمال الدين محمد بن مكرم: لسان العرب، (بيروت: دار صادر، ط 1، 1410 هـ / 1990 م)، ج 3، ص 353 - 354؛ الزاوي، الطاهر أحمد: ترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة، (بيروت: دار الفكر، ط 3، د. ت)، ج 3، ص 628.
(2)
ابن منظور: لسان العرب، ج 3، ص 355.
(3)
انظر الفيومي، أحمد بن علي: المصباح المنير، (بيروت: مكتبة لبنان، 1987 م)، ص 192.
الخلو عن الفائدة أو صرف الدلالة، فإن المقصد يكون -على العكس من ذلك- هو حصول الفائدة أو عقد الدلالة؛ واختص المقصد بهذا المعنى باسم "المقصود"، فيقال: المقصود بالكلام، ويراد به مدلول الكلام، وقد يجمع على مقصودات]. (1) فيكون المقصد هنا بمعنى المقصود، وهو المضمون الدلالي للكلام.
[2 - يُستعمل الفعل: "قصد" أيضًا بمعنى هو ضد الفعل: "سها - يسهو. لَمَّا كان السهو هو فقد التوجه أو الوقوع في النسيان، فإن المقصد يكون -على خلاف ذلك- هو حصول التوجه والخروج من النسيان؛ واختص المقصد بهذا المعنى باسم "القصد"، وقد يجمع على "قصود"؛ فيكون "المقصد بمعنى القصد هو المضمون الشعوري أو الإرادي]. (2)
[3 - يُستعمل الفعل: "قصد" كذلك بمعنى هو ضد الفعل: "لها - يلهو" لما كان اللهو هو الخلو عن الغرض الصحيح وفقد الباعث المشروع، فإن المقصد يكون -على العكس من ذلك- هو حصول الغرض الصحيح وقيام الباعث المشروع؛ واختص المقصد بهذا المعنى باسم "الحِكْمة"؛ فيكون "المقصد بهذا المعنى هو المضمون القيمي". (3)
"وعلى الجملة، فإن الفعل: "قصد"، قد يكون بمعنى "حصَّل فائدة"، أو بمعنى "حصَّل نيَّة"، أو بمعنى "حصَّل غرضًا"]. (4)
التعريف الإصطلاحي:
لم يرد تعريف اصطلاحي مضبوط للمقاصد عند المتقدمين من الأصوليين والفقهاء. ومع أن الإمام الشاطبي يُعَدّ أوَّل من أفرد المقاصد الشرعية بالتأليف وتوسع فيها بما لم يفعله أحد قبله، إلّا أنه لم يورد تعريفًا اصطلاحيًا لها، وربما كان ذلك
(1) عبد الرحمن، طه: تجديد المنهج في تقويم التراث، (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط 1، 1994 م)، ص 98.
(2)
المصدر السابق، الصفحة نفسها.
(3)
المصدر السابق، الصفحة نفسها.
(4)
المصدر السابق، الصفحة نفسها.
راجعًا إلى نفور الإمام الشاطبي من التقيد بالحدود في المباحث الأصولية التي تحدث عنها ويؤيد ذلك انتقاده لنظرية الحد عند المناطقة، (1) وكذلك جريًا على منهجه في تأليف كتاب الموافقات، حيث إنه لم يقصد به تأليف كتاب يتناول كلّ موضوعات أصول الفقه، وإنما المقصود منه تحقيق بعض المسائل وبحث ما لم يسبق بحثه، أو ما بُحِث من قِبَل الأصوليين بحثًا خفيفًا لا يفي بحقه، ومن ثَمّ فإنه لا يُعنى بإيراد التعريفات والحدود.
أما الشيخ محمد الطاهر بن عاشور -وهو ثاني أبرز من كتب في مقاصد الشريعة بعد الشاطبي- فقد عرفها بقوله: "مقاصد التشريع العامة هي المعاني والحِكَم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها"، (2) وهو تعريف للمقاصد العامة أما المقاصد الخاصة فتكون بناءً على ذلك هي المعاني والحِكَم الملحوظة للشارع في باب من أبواب التشريع، أو في جملة أبواب متجانسة ومتقاربة.
(1) انظر الشاطبي: الموافقات، مج 1، ج 1، ص 38 - 41، مج 2، ج 4، ص 249 - 251.
(2)
انظر محمد الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة الإِسلامية، ص 171.