الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في أن يكون الإنسان سمحاً في معاملاته:
ومما ورد في ذلك:
- عن عُبَادةَ بْنَ الصَّامِتِ أنَّ رَجُلاً أنَّ أَتَي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يا نَبِيَّ الله أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ قَالَ: "الإِيمَانُ بالله وَتَصْدِيقٌ بِهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ". قَالَ: أُرِيدُ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ الله. قَالَ: "السَّمَاحَةُ وَالصَّبْرُ"، قَالَ: أُرِيدُ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ الله. قَالَ؛ "لَا تَتَّهِمِ الله تبارك وتعالى فِي شَيءٍ قَضَى لَكَ بِهِ". (1)
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الله يُحِبُّ سَمْحَ الْبَيْعِ سَمحَ الشِّرَاءِ سَمحَ الْقَضَاءِ". (2)
8 -
تيسير سبيل المؤمنين
فقد وَعَدَ الله تعالى المؤمنين العاملين بتيسير أمورهم كلها، ووعدهم باليسر
بعدما يصيبهم من عُسْر، ومما ورد في ذلك:
{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)} [الليل: 5 - 7].
- {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4].
- {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)} [الشرح: 5، 6].
- عَنِ ابْنِ عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "يا غُلَامُ أَوْ يا غُلَيِّمُ أَلَا أُعَلمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ الله بِهِنَّ فَقُلْتُ بَلَى. فَقَالَ احْفَظِ الله يَخفَظْكَ احْفَظِ الله تَجِدْهُ أَمَامَكَ تَعرًّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يعَرِفْكَ فِي الشّدَّةِ وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ الله وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بالله قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كاَئِنٌ فَلَوْ أَنَّ الخلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ
(1) رواه أحمد: مسند الإمام أحمد، مسند الأنصار، ج 16، ص 401.
(2)
رواه الترمذي: سنن الترمذي، كتاب البيوع، باب (73)، ج 2، ص 390.
يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ الله عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ الله عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا وَأَنَّ النَّصرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا". (1)
9 -
النهي عن التشدد والتنطع في الدين:
ومِنْ حرصِ الإِسلام على التيسير، ولِمَا يعلمُه من شَطَطِ بعضِ النفوس، نجده يحذّر من التشديد على النفس بالسير في طريق الغلو والتنطع، لما يؤدي إليه ذلك من عنت وإرهاق للنفوس، وما قد ينتج عن ذلك من انقطاع في الطريق. ومما ورد في ذلك:
- عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ الله بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ" قَالَهَا ثَلَاثًا. (2)
- عَنْ مِسْعَرٍ قَالَ: أَخْرَجَ إِلَيَّ معنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كِتَابًا فَحَلَفَ لِي بالله إِنَّهُ
خَطُّ أَبِيهِ فَإِذَا فِيهِ قَالَ عَبْدُ الله: وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشَدَّ عَلَى الْمُتَنَطِّعِينَ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ومَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشَدَّ عَلَيْهِم مِنْ أَبِي بَكر وَإنِّي لأَرَى عُمَرَ كَانَ أَشَدَّ خَوْفًا عَلَيْهِم أَوْ لَهُمْ". (3)
- عن أَنَس بْن مَالك رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاِجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُم تَقَالُّوهَا فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ فَقَالَ: "أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُم كَذَا وَكَذَا أَمَّا والله إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لله وَأَتْقَاكم لَهُ لَكِنِّي أصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي". (4)
(1) رواه أحمد: مسند الإمام أحمد، مسند بني هاشم، ج 3، ص 244 - 246.
(2)
رواه مسلم: صحيح مسلم، كتاب العلم، باب (4)، ج 4، ص 205، الحديث (2670).
(3)
رواه الدارمي: سنن الدارمي، باب من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع، ج 1، ص 52.
(4)
رواه البخاري: صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب (1)، مج 3، ج 6، ص 437، الحديث (5063).
- عن أَنَس بْن مَالِكٌ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفقٍ"(1).
- عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعبَانَ فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ وَكَانَ يَقُولُ: "خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ الله لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّتْ وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا". (2)
- عن عُرْوَة بْن الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّ الحَوْلَاءَ بِنْتَ تُوَيْتِ ابْنِ حَبِيبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى مَرَّتْ بِهَا وَعِنْدَها رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: هذِهِ الْحَوْلَاءُ بِنْتُ تُوَيْتٍ وَزَعَمُوا أَنَّها لَا تَنَامُ اللَّيْلَ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: لَا تَنَامُ اللَّيْلَ!
خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَوَاللهِ لَا يَسْأَمُ الله حَتَّى تَسْأَمُوا". (3)
- عَنْ أنس قَالَ دَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِدَ وَحَبْلٌ مَمدُودٌ بَيْنَ سَارِبَتَيْنِ فَقَالَ: مَا هَذَا قَالُوا: لِزَيْنَبَ تُصَلِّي فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمسَكَتْ بِهِ فَقَالَ: حُلُّوهُ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ قَعَدَ". (4)
النهي عن الوِصَال في الصوم: فعَنْ هِشَامَ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ فَقَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ: "إِنِّي لَسْتُ كَهيْئَتِكُمْ إِنِّي يُطْعِمُنِي رَبِّي ويَسْقِينِ". (5)
النهي عن النَّذْر لما فيه من التشديد على النفس: فعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ قَالَ أَخَذَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمًا يَنْهَانَا عَنِ النَّذْرِ وَيَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الشَّحِيحِ". (6)
(1) رواه أحمد: مسند الإمام أحمد، مسند المكثرين، ج 11، ص 77 - 78.
(2)
رواه البخاري: صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب (52)، مج 1، ج 2، ص 608، الحديث (1970).
(3)
رواه مسلم: صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب (31)، ج 1، ص 542، الحديث (785).
(4)
رواه مسلم: صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب (31)، ج 1، ص 542، (784).
(5)
رواه البخاري: صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب (48)، مج 1، ج 2، ص 606، الحديث (1964).
(6)
رواه مسلم: صحيح مسلم، كتاب النذر، باب (2)، ج 3، ص 1260 - 1261، (الحديث 1639).
10 -
وجود الرخص الشرعية:
لم يكتف الشارع بأن جعل أحكامه على العموم ميسَّرة، بل راعى ما يمكن أن يطرأ على المكلفين من ظروف قد تجعل التكاليف العادية عسيرة، فشرع الرخص لتلك الطوارئ. واستقرأ الفقهاء تلك الرخص فخوجوا منها بقاعدة فقهية تقضي بالترخيص في كلّ ما يؤدي إلى مشقة لا تُحتمل عادة، وهي قاعدة "المشقة تجلب التيسير"، ومما جاءت به الشريعة من الرخص:
الترخيص في العفو والتنازل عن القصاص: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)} [البقرة: 178].
الترخيص لذوي الأعذار في ترك الجهاد: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)} [التوبة: 91].
الترخيص في دخول بيوت الأقارب والأصدقاء بآدابه الشرعية: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ
آبَائِكُمْ} [النور: 61]
الترخيص في الأكل من مال اليتيم بالمعروف: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 220].
استثناء الليل من الصيام: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]. وتفسير هذه الآية فيما رواه أبو داود عَنِ ابْنِ عَبَّاس في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] فَكانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّوُا الْعَتَمَةَ حَرُمَ عَلَيْهِمُ الطعَامُ وَالشَّرَابُ وَالنِّسَاءُ وَصَامُوا إِلَى الْقَابِلَةِ فَاخْتَانَ رَجُلٌ نَفْسَهُ فَجَامَعَ امْرَأَتَهُ وَقَد صَلَّى الْعِشَاءَ وَلَمْ يُفْطِر فَأَرَادَ الله عز وجل أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ يُسْرًا لِمَنْ بَقيَ وَرُخْصَةً ومَنْفَعَةً فَقَالَ سُبْحَانَهُ {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 187] الآيَةَ وَكانَ هذَا مِمَّا نَفَعَ الله بِهِ النَّاسَ وَرَخَّصَ لَهُمْ وَيَسَّرَ" (1)
الترخيص في الفطر لذوي الأعذار {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)} [البقرة: 184].
الترخيص في الجهاد: عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا
(1) رواه أبو داود: سنن أخبرنا داود، كتاب الصوم، باب (1)، ج 2، ص 736.
نَزَلَتْ {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حِينَ فُرِضَ عَلَيْهِم أَنْ لَا يَفِرَّ وَاحدٌ مِنْ عَشَرَة فَجَاءَ التخْفِيفُ فَقَالَ: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 66] قَالَ: فَلَمَّا خَفَّفَ الله عَنْهُم مِنَ الْعِدَّةِ نَقَصَ مِنَ الصَّبْرِ بِقَدرِ مَا خُفِّفَ عَنْهُمْ" (1)
إنقاص عدد الصلوات من خمسين إلى خمس: فعن أنس بن مالك في حديث طويل عن الإسراء والمعراج أن الله تعالى أوحى فِيمَا أَوْحَى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسِينَ صَلَاةً عَلَى أُمَّتِكَ كُلَّ يَوْمَ وَلَيْلَةٍ ثُمَّ هبَطَ حَتَّى بَلَغَ مُوسَى فَاحْتَبَسَهُ مُوسَى فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَاذَا عَهِدَ إِليْكَ رَبُّكَ قَالَ: عَهِدَ إِلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَالَ: إِنَّ أُمَّتكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ فَارجِع فَلْيُخَفِّف عَنْكَ رَبُّكَ وَعَنْهُمْ فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى جِبْرِيلَ كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فِي ذَلِكَ فَأشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ أَنْ نَعَمْ إِنْ شِئْتَ فَعَلاً بِهِ إِلَى الْجَبَّارِ فَقَالَ وَهُوَ مَكانَهُ: يا رَبِّ خَفِّفْ عَنَّا فَإِنَّ أُمَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ هذَا فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرَ صَلَوَاتٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسىَ فَاحتَبَسَهُ فَلَم يَزَلْ يُرَدِّدُهُ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ حَتَّى صَارَتْ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ
…
". (2)
إسقاط عقوبة النجوى: عَنْ عَليِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12]، قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَا تَرَى دِينَارًا" قُلْتُ: لَا يُطِيقُونَهُ قَالَ: "فَنِصْفُ دِينَارٍ" قُلْتُ: لَا يُطِيقُونَهُ قَالَ: "فَكَمْ" ـ قُلْتُ: شَعِيرة:
قَالَ إِنَّكَ لَزَهِيدٌ قَالَ: فَنَزَلَتْ {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} [المجادلة: 13]، الآيَةَ قَالَ: فَبِي خَفَّفَ الله عَنْ هذِهِ الأُمَّةِ". وَمَعْنَى قَوْلِهِ شَعِيرَةٌ يَعْنِي وَزْنَ شَعِيرَة مِنْ ذَهبٍ. (3)
الترخيص في أكل المحرمات عند الضرورة: ومما ورد في ذلك:
(1) رواه البخاري: صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب (8)، مج 3، ج 5 ص 243 - 244، الحديث (4653).
(2)
رواه البخاري: صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب (37)، مج 4، ج 8، ص 567 - 569، الحديث (7517).
(3)
رواه الترمذي: سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، تفسير سورة المجادلة، ج 5، ص 80 - 81.
العفو عن اليمين اللغو {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)} [البقرة: 225].
رفع الخطأ والنسيان والإكراه: ومما ورد في ذلك:
- عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخْطَأَ
وَالنِّسيانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيهِ" (1)
- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النّبَي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الله وَضَعَ عَنْ أُمَّتي الجْطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ". (2)
11 -
التدرُّج في التَّشريع:
ومن مظاهر التيسير ما سلكه التشريع من تدرُّج في تحريم بعض العادات التي طُبِعت بها حياة العرب في الجاهلية، ويشقّ عليهم التخلي عنها مرة واحدة، ومن ذلك: التدرُّج في تحريم الربا:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)} [آل عمران: 130].
(1) رواه ابن ماجة: سنن ابن ماجة، أبواب الطلاق، باب (16)، ج 1، ص 377، الحديث (2043).
(2)
رواه ابن ماجة: سنن ابن ماجة، أبواب الطلاق، باب (16)، ج 1، ص 378، الحديث (2045).
التدرج في تحريم الخمر:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43]
- التدرج في الدعوة: ومن ذلك التدرّج في الدعوة كما ورد في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل عندما أرسله إلى اليمن. ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً رضي الله عنه -على اليمن قال: "إِنَّكَ تَقْدم عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تدعُوهُم إِلَيْهِ عِبَادَةُ الله، فَإَذَا عَرَفُوا الله فَأَخْبِرهُم أَنَّ الله قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِم خَمْسَ صَلَواتٍ فِي يَوْمِهِم وَلَيْلَتِهِم، فَإِذَا فَعَلُوا الصَّلَاةَ فَأَخْبرهُم أَنَّ الله قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِم زَكاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِم وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِم، فَإِذَا أَطَاعُوا بِها فَخُذْ مِنْهُم، وَتَوّق كَرَائِمَ أَموَالِ النَّاسِ". (1)
12 -
شرع الكفارات
لما كان الإنسان مطبوعاً على الخطأ والتقصير، فإنه كثيراً ما يتجاوز حدود الله تعالى ويقع في المحرمات، وذلك يؤدي إلى استحقاق العاصي العقوبة، ووقوعه تحت وطأة آلام الندم على ما فَرَط منه، وتيسيراً عليه شُرعت الكفارات، والتوبة لرفع عقوبة ما وقع فيه المؤمن، ومن ذلك:
(1) رواه البخاري: صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب (43)، مج 1، ج 2، ص 449.