المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفن الثانى علم البيان - عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح - جـ ٢

[السبكي، بهاء الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الفنّ الثانى علم البيان

- ‌التشبيه

- ‌أركان التشبيه

- ‌(الغرض من التشبيه)

- ‌وقد يعود إلى المشبّه به، وهو ضربان:

- ‌وهو باعتبار طرفيه:

- ‌وباعتبار وجهه:

- ‌وباعتبار الغرض:

- ‌خاتمة

- ‌الحقيقة والمجاز

- ‌الحقيقة:

- ‌والمجاز: مفرد، ومركّب:

- ‌المجاز والمرسل

- ‌الاستعارة

- ‌وباعتبار آخر ثلاثة أقسام:

- ‌المجاز المركّب

- ‌[فصل [إخماد التشبيه في النفس]

- ‌فصل [تعريف السكاكي للحقيقة اللغوية]

- ‌فصل [حسن كل من التحقيقية والتمثيل]

- ‌فصل [قد يطلق المجاز على كلمة تغيّر حكم إعرابها بحذف لفظ أو زيادة لفظ]

- ‌(الكناية)

- ‌وهى ثلاثة أقسام:

- ‌الأولى: المطلوب بها غير صفة ولا نسبة:

- ‌والثانية: المطلوب بها صفة:

- ‌الثالثة: المطلوب بها نسبة؛ كقولهم [من الكامل]:

- ‌فصل [المجاز والكناية افضل من الحقيقة والتصريح]

- ‌الفنّ الثالث علم البديع

- ‌وهى ضربان: معنوىّ، ولفظى:

- ‌المحسّنات المعنويّة

- ‌الطباق ضربان:

- ‌المقابلة

- ‌مراعاة النظير

- ‌الإرصاد

- ‌المشاكلة

- ‌المزاوجة

- ‌العكس

- ‌الرجوع

- ‌التورية

- ‌الاستخدام

- ‌اللف والنشر

- ‌الجمع

- ‌التفريق

- ‌التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق

- ‌الجمع مع التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق والتقسيم

- ‌التجريد

- ‌المبالغة

- ‌المذهب الكلامى

- ‌حسن التعليل

- ‌تأكيد المدح بما يشبه الذم

- ‌الإدماج

- ‌الهزل يراد به الجد

- ‌تجاهل العارف

- ‌القول بالموجب

- ‌الاطراد

- ‌المحسنات اللفظية

- ‌[الجناس]

- ‌رد العجز على الصدر

- ‌السجع

- ‌الموازنة

- ‌القلب

- ‌التشريع

- ‌لزوم ما لا يلزم

- ‌خاتمة: فى السّرقات الشّعريّة

- ‌الاقتباس

- ‌التضمين

- ‌العقد

- ‌الحلّ

- ‌التلميح

- ‌فصل [ما ينبغى للمتكلم المتأنق فيه]

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌الفن الثانى علم البيان

‌الفنّ الثانى علم البيان

وهو علم يعرف به إيراد المعنى الواحد، بطرق مختلفة، فى وضوح الدّلالة عليه.

ــ

(الفن الثانى فى علم البيان) ص: (وهو علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة فى وضوح الدلالة عليه).

(ش): قال جماعة: إن هذا العلم أخص من علم المعانى، وإن علم المعانى كالمفرد، والبيان كالمركب فإن صح على ما فيه من البحث، فهو متأخر عنه طبعا؛ فلذلك أخر عنه وضعا.

وقوله: علم جنس، قال الشارح أى: بالقواعد، وفيه نظر، بل الأولى أن يجعل بمعنى المعلوم، وهى القواعد لدلالة كلامه وكلام غيره عليه. وقوله:(يعرف به) مميز له من غيره، والمراد بالطرق التراكيب، والمراد الدلالة العقلية لما سيأتى. وقوله: المعنى، الجمهور على أن المراد المطابق لمقتضى الحال، وقيل المراد: جنس المعنى، وقوله: فى وضوح الدلالة يتعلق بقوله: مختلفة الانقسام الوضوح إلى: قوى وأقوى وغيره، كما ستراه فى قولك: زيد كالبحر فى السخاء، وقولك: زيد كالبحر، وقولك: زيد بحر، وقولك: البحر زيد.

(وهنا تنبيهات): الأول: ينبغى أن يقيده بالكلام العربى، كما قيده فى حد علم المعانى، وهو جزء بتعلقه بالكلام العربى، فالبيان الذى هو مركب كذلك، ولعله سكت عنه إحالة على ذلك.

الثانى: أورد على هذا لحد أداء المعنى الركيك باللفظ الركيك، فالحد غير مانع.

وأجيب بأن المراد بالمعنى: هو الذى تقتضيه الحال، أو نقول: ليس لنا علم يعرف به ضوابط الركاكة، بل ذلك يعلم

من هذا العلم؛ لأن الشئ يعرف بضابط مقابله. ثم نقول: قوله: (فى وضوح الدلالة) يخرجه؛ لأن المراد مراتب الوضوح.

ويشهد له قوله بعد ذلك: لم يكن بعضها أوضح من بعض. وبهذا يعلم أن قوله:

ص: 5

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(فى وضوح الدلالة) ليس المراد وخفائها، بل الخفاء ليس بمراد، إنما الكلام فى طرق واضحة، بعضها أوضح من بعض، غير أنه يصدق على ما ليس أوضح، أنه خفى بالنسبة إلى الأوضح؛ فلذلك قال السكاكى: الوضوح والخفاء، وإنما يريد ما ذكرناه، بدليل قوله قبل ذلك: فى وضوح الدلالة عليه والنقصان، ويدل له أن ما ليس بواضح أصلا، ليس طريقا بليغا، فلا يكون مقاما بيانيا ولا فصيحا.

الثالث: أورد أيضا علم الإعراب، فإنه كذلك فالحد غير مانع. وجوابه أنه خرج بقوله:

(المعنى) إنما علم الإعراب يعرف به إيراد اللفظ، والمعنى تبع له، ثم بقوله:

(بطرق مختلفة) فإن ذلك لا يطرد فى الإعراب. ولما ذكر السكاكى هذا الحد، ذكر عقبه: ليحترز بالوقوف على ذلك عن الخطأ فى مطابقة الكلام لتمام المراد منه.

وقال الترمذى: إنه يخرج به علم الإعراب. وقال الكاشى: إنه لا يحترز به عن شئ وعلم الإعراب لا يرد؛ لأنه أحال هذا الحد على حد المعانى الذى ذكر فيه لفظ التتبع، وهو غير حاصل للعرب؛ فإنهم يتكلمون بطباعهم.

(قلت): وهذا الجواب لا يصح؛ لأن النحاة يتتبعون تلك التراكيب. ثم لو صح لما كان جوابا عن المصنف؛ لأنه لم يرتض ذلك الحد، فحينئذ لعل الجواب ما ذكرناه.

الرابع: قال جماعة كثيرة منهم السكاكى: هذا العلم أخص من علم المعانى، وأن هذا بمنزلة المركب، وذلك بمنزلة المفرد. وفيه نظر من وجوه، منها: أن الأعم موجود فى ضمن الأخص، فيلزم أن يذكر علم المعانى فى علم البيان، وليس الأمر كذلك.

فإن قالوا: إن معرفته متوقفة على معرفة علم المعانى، فبينهما حينئذ تلازم لا أن أحدهما جزء الآخر. ثم لا نسلم أن علم البيان يتوقف على معرفة علم المعانى؛ لجواز أن يعلم الإنسان حقيقة التشبيه والكناية والاستعارة، وغير ذلك من علم البيان، ولا يعلم تطبيق الكلام على مقتضى الحال. فليس علم المعانى جزءا من البيان، ولا لازما له.

ص: 6

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنها: أن تطبيق الكلام على مقتضى الحال كالمادة، وهذه الطرق كالصورة، والمادة ليست جزءا للصورة.

ومنها: أن ما سنذكر من الصور فيه تأكيد للتطبيق على مقتضى الحال، فليكن هذا العلم منزلا من ذلك منزلة التأكيد من التأسيس، لا منزلة الكل من الجزء.

ومنها: أن المعنى الواحد إن أريد به أصل المعنى فهو حاصل فى قولك: جاء زيد، سواء أكان إنكاريا، أو ابتدائيا، أو طلبيا. وإن أريد المعنى الذى يقتضيه المقام، فقد يقال: إن علم البيان يعرف به تطبيق الكلام على مقتضى الحال، وإن علم المعانى يقصد به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة.

أما الأول: فلأن ما بين قولك: زيد قائم، وإن زيدا قائم، وإن زيدا لقائم من التفاوت يضاهى ما بين قولك: زيد كالأسد، وزيد أسد، والأسد زيد من التفاوت.

والمعنى فى كل منها متفاوت؛ بسبب التأكيد. فكما اختلف حال المنكر وغيره فى التأكيد بإن واللام، اختلف حاله مع غيره فى هذه الطرق المذكورة فى البيان.

وأما الثانى: فلأن غالب علم المعانى، يعلم به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة فى وضوح الدلالة فإن المجاز الإسنادى أوضح فى الدلالة من الحقيقة الإسنادية، فإن: عيشة راضية، أدل على رضا صاحبها من قولك: راض صاحبها، كما أن:

زيد أسد، أدل من قولك: زيد كالأسد. وكذلك كل واحد من مقتضيات ما يتعلق بالمسند، أو المسند إليه من حذف، وذكر، وتقديم، وتأخير، وإتباع وغيره مما يطول ذكره. وكذلك الإيجاز، والإطناب، والمساواة إنما هى طرق مختلفة فى وضوح الدلالة. ولا شك أن الطرق البيانية مختلفة بالمبالغة وعدمها. فربما حصلت المبالغة بالإيجاز دون الإطناب، الذى هو أوضح.

الخامس: قال السكاكى: فلما كان علم البيان شعبة من علم المعانى لا ينفصل عنه إلا بزيادة اعتبار كان كالمركب، وعلم المعانى كالمفرد. ثم إن بعضهم قال: معناه أن علم

ص: 7

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

البيان باب من أبواب علم المعانى، وفصل من فصوله، وإنما أفرد كما يفرد علم الفرائض عن الفقه. وهذا الكلام فيه نظر؛ لأنه صرح بأن علم البيان مركب وعلم المعانى مفرد. والباب أو الفصل من العلم، كالفرائض ليس مركبا بالنسبة إلى العلم؛ لأن الفقه، مثلا إن كان اسما لجميع أبوابه على سبيل الكل المجموعى، فالفرائض جزء للفقه، فالفقه مركب لا باعتبار الأعم والأخص، بل باعتبار الجمع والمفرد.

بخلاف علم المعانى؛ فإنه عندهم مفرد كالجنس، وعلم البيان مركب كالنوع.

وإن كان الفقه مثلا كليا، يصدق على كل باب منه، وينفصل بعضها عن بعض بخاصية، فلا يصح أن يقال: إن حد المعانى يخرج حد البيان، كما فعلوه؛ لأن حد الجنس لا يجوز أن يكون مخرجا للنوع، كما أن حد الحيوان لا يجوز أن يخرج الإنسان.

ولعل هذا القائل اغتر بقول السكاكى: شعبة منه، والشعبة كالباب. وغفل عن قوله: إنه منفصل عنه بزيادة اعتبار، فإنه إشارة إلى أنه ليس كالباب، بل كالنوع فإن الإنسان شعبة من الحيوان، ينفصل عنه بزيادة النطق.

السادس: أورد بعض شراح المفتاح أن قولهم: فى وضوح الدلالة، لا ينبغى؛ فإن الوضوح ليس بمقصود، بل المقصود: الخفاء، فإنه كلما كان الكلام خفيا فى الدلالة، كان أبلغ. فلو قيل: فى خفاء الدلالة كان أقرب إلى الإشارة إلى اعتبارات الأبلغ. واعترض على هذا بالمنع، وبأن ذكر الوضوح، يستلزم ذكر الخفاء؛ لأن كل واضح، خفى بالنسبة إلى غيره وبالعكس، وبغير ذلك مما لا طائل تحته. والسؤال قوى فلذلك عبر الطيبى بالخفاء.

السابع: لا شك أن الإيراد الواحد للمعنى الواحد بالطرق المختلفة لا يمكن. فلو قال المصنف: بإحدى طرق، لشمل الإيراد الواحد، وكان أحسن؛ لأن قوله: بطرق لا يتأتى إلا عند تعدد الإيراد. وليس القصد منحصرا فى ذلك.

الثامن: أورد الترمذى على هذا الحد أنه يلزم عليه أن من عرف لمعنى واحد طرقا مختلفة يكون يعرف علم البيان. وليس كذلك؛ لأن هذا لآحاد العوام.

ص: 8

ودلالة اللفظ: إما على تمام ما وضع له، أو على جزئه، أو على خارج عنه. وتسمى الأولى وضعية، وكل من الأخيرتين عقليّة.

ــ

قال: ولا ينجى من ذلك، أن تكون الألف واللام للجنس؛ لأن الجنس يصدق فى فرد واحد، ولا للاستغراق، فإنه مستحيل؛ لأن المعانى لا تتناهى، فكيف تعلم كلها؟ وأجيب عنه بأن الأداة للاستغراق، ولا يلزم الإحاطة بتفاصيل المعانى غير المتناهية، فإنها تعلم بوجه كلى.

التاسع: كان ينبغى أن يقول: فى إيضاح الدلالة؛ إذ هو فى الطرق والوضوح عند السامع.

ص: (ودلالة اللفظ إلى آخره).

(ش): وهى كون اللفظ، بحيث إذا أطلق، فهم منه المعنى من كان عالما بالوضع.

وقيل: هى صفة للسامع. وهى إما على ما وضع له، أو على جزئه، أو على خارج. هذا تقسيم صحيح وذكروا للحصر أدلة، أصحها الاستقراء، ومراده على جميع ما وضع له، وبقوله:(على جزئه) أى: من حيث هو كذلك، وكذا

قوله: (على خارج) فإن اللفظ قد يوضع للشئ ولبعضه، كالإمكان فإنه مشترك بين العام والخاص، والعام جزء الخاص. ونوزع فى هذا المثال، وقيل: إنه كل. ومثل بلفظ الحرف، فإنه اسم للشئ وبعضه، كليت فإن الحرف اسم لها ولبعضها، وللشئ ولازمه كالشمس للكوكب ولضوئه، والفعل فإنه اسم للمصدر، ولازميه المكان والزمان، ولا يحتاج أن نقول: فى المطابقة من حيث هو كذلك، كما صنع الخطيبى وجماعة؛ لما ذكرناه فى شرح المختصر.

وهذا التقسيم يعم المفرد والمركب، إذا قلنا: إن المركبات موضوعة.

وقد ذكرنا فى هذه المواضع مباحث شريفة فى شرح المختصر، فلتطلب منه.

ص: (وتسمى الأولى وضعية وكل من الأخيرتين عقلية).

(ش): يريد أن الذى يدل عليه بالوضع هو دلالة المطابقة، والأخريان بالعقل، بمعنى أن الواضع إنما وضعه؛ ليفيد جميع معناه، غير أن العقل اقتضى أن الشئ لا يوجد بدون جزئه ولازمه، وهذه طريقة بعضهم. وبعضهم يجعل الثلاثة وضعية، وبعضهم يجعل الأولى والثانية دون الثالثة، وهى طريقة الآمدى، وابن الحاجب، وصاحب البديع.

ص: 9

وتختصّ (1) الأولى بالمطابقة، والثانية بالتضمّن، والثالثة بالالتزام. وشرطه اللزوم الذهنى ولو لاعتقاد المخاطب بعرف عام أو غيره.

ــ

ولا خلاف أن الدلالات الثلاث لفظيات، بمعنى أن للفظ فيها مدخلا، وهو شرط فى استفادتها منه. وإنما الخلاف فى أن اللفظ موضوع لها أو لا.

(قلت): وعندى أن هذا الخلاف لا تحقيق له؛ لأنه إن عنى بالوضع، أنه بقيد الاقتصار، فلا خلاف أنه ليس كذلك. وإن عنى بقيد الانضمام، فلا خلاف أن الأمر كذلك. لم يبق إلا أن يقال: موضوع للهيئة الاجتماعية من الأجزاء أو لا. فعلى الأول، يكون الجزء كالشرط للموضوع، لا يلاقيه الوضع. وعلى الثانى بخلافه.

ص: (وتقيد الأولى بالمطابقة، والثانية بالتضمن، والثالثة بالالتزام).

(ش): سميت الأولى مطابقة؛ لتطابق اللفظ والمعنى، والثانية دلالة تضمن؛ لتضمن الكل لجزئه، والثالثة الالتزام؛ لما فيها من الاستلزام.

ص: (وشرطه اللزوم الذهنى ولو لاعتقاد المخاطب لعرف أو غيره).

(ش): الضمير عائد على الالتزام، والمراد دلالته، واللزوم الذهنى لا إشكال فى دلالة اللفظ عليه. وأما الخارجى فاختلف فى دلالة اللفظ عليه، فالمنطقيون يشترطون الذهنى؛ لأن الدلالة إما من وضع اللفظ، أو من انتقال الذهن

إلى اللازم، وهما منتفيان فى الخارجى. ولا يشترطون الخارجى؛ لحصول الفهم دونه، كالعدم، والملكة مثل:

دلالة العمى على البصر.

وذهبت جماعة إلى اعتبار اللزوم مطلقا. قال فى الإيضاح: الخلاف فى ذلك بعيد، ولعل المانع إنما منع اشتراط اللزوم العقلى لا الذهنى. وقد أطلنا الكلام فى ذلك فى شرح المختصر.

(قوله: ولو لاعتقاد المخاطب بعرف أو غيره) أى: لا يشترط اللزوم العقلى، الذى لا يتصور انفكاكه، بل لو اقتضى العرف العام أو الخاص ملازمة أمر لآخر، واطرد ذلك بحيث صار استحضار أحدهما مستلزما للآخر، كنفى ذلك فى اللزوم الذهنى. قال الشارح كان ينبغى أن يقول: لاعتقاد المتكلم لأن الملازمة من جهته.

(قلت): ليس كذلك؛ بل الدلالة كون اللفظ، بحيث يفهم منه المخاطب ذلك. ثم من أين لنا أنه لم يقل: المخاطب بكسر الطاء؟ إلا أن كلامه فى الإيضاح يوضح إرادة السامع.

(1) وفى بعض النسخ (وتقيد).

ص: 10

والإيراد المذكور لا يتأتّى بالوضعية؛ لأن السامع إذا كان عالما بوضع الألفاظ لم يكن بعضها أوضح؛ وإلا لم يكن كل واحد منها دالّا عليه. ويتأتى بالعقلية؛ لجواز أن تختلف مراتب اللزوم فى الوضوح.

ــ

واعلم أن اللزوم العرفى هو اصطلاح البيانيين، لاحتياجهم إلى ذلك فى الاستعارة، والكناية، والتشبيه. أما المنطقيون، فإنما يعتبرون اللزوم العقلى.

(تنبيه): اعلم أن جعل اللازم إما عقليا، أو عرفيا، لا يتعدى إلى الجزء، بل الجزء لا بد أن يكون عقليا. فلو ظن أهل العرف أن شيئا جزء لشئ وليس جزأه، فهذا ظن كاذب لا عبرة به، بخلاف قولنا: لازم عرفى، فإن معناه: أن العرف قضى له بأن استحضار هذا يلزم منه استحضار ذلك، وإن لم يكن مجرد العقل يقتضى لزومه. نعم يمكن أن يقال: ما توهمه أهل العرف جزءا هو لازم ذهنى، أما جزء عرفى فلا. وإنما نبهت على هذا؛ لأن فى المفتاح، أن التعلق إما أن يكون باعتبار الجزء، أو اللزوم. ثم قال: لا يجب فى ذلك التعلق، أن يكون مما يثبته العقل فهذه العبارة ربما توهم أن التعلق بنوعيه، يمكن أن يكون عرفيا، كما توهم ذلك الخطيبى، وجعل كلام المصنف مخالفا له. وليس هذا مراده؛ لأنه قال فى آخر كلامه: وقد سبق أن اللزوم لا يجب أن يكون عقليا. فقد علمنا أن مراده بالتعلق الذى لا يجب أن يكون عقليا: تعلق اللازم، لا تعلق الجزء من حيث هو جزء، فليتأمل.

(تنبيه): فسر اللزوم فى الإيضاح بأن يكون حصول ما وضع اللفظ له فى الذهن ملزوما لحصول الخارج عنه، لئلا

يلزم ترجيح أحد المتساويين على الآخر، لكون نسبة ذلك الخارج إليه وغيره على السواء.

(قلت): قد يكون الترجيح بأكثرية الحضور، لا باللزوم.

ص: (والإيراد المذكور، لا يتأتى بالوضعية؛ لأن السامع إن كان عالما بوضع الألفاظ، لم يكن بعضها أوضح، وإلا لم يكن كل واحد دالا عليه، ويتأتى بالعقلية، لجواز أن تختلف مراتب اللزوم فى الوضوح).

(ش): أى: إيراد المعنى بالطرق المختلفة لا يتأتى بالوضعية أى: بدلالة المطابقة؛ لأن السامع إن كان عالما بوضع اللفظ، لم يكن بعضها أوضح من بعض، وإلا لم يكن كل واحد دالا، لأنك إذا قلت: خده يشبه الورد فى الحمرة، لم يمكن أن يكون ثم تركيب آخر، يدل بالوضع على هذا المعنى إلا بأن توجد ألفاظ مرادفة لهذه الألفاظ،

ص: 11

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإن وجدت لم تكن أوضح منها، وإن لم يفهمها السامع، فلا وضوح فلا تفاوت، ونحو:

العقار الخمر، إنما يقال لمن يعرف مدلول الخمر، ولا يعرف مدلول العقار.

(قلت): ربما كان أحد التركيبين الوضعيين أوضح؛ لشهرته وكثرة استعماله، أو لكونه مفسرا بغيره، أو لكون أحد اللفظين المترادفين مشتركا بين المعنى المستعمل وغيره، فيكون مرادفه أوضح منه فيتأتى حينئذ ذلك بالوضعية. وقد يجاب بأن المفسر والمفسر مختلف؛ لأن المفسر بالكسر يدل على المفردات، والمفسر مدلوله الهيئة الاجتماعية. وقد يجاب عن الوضوح بكثرة الاستعمال بأن ذلك اختلاف لأمر عارض.

وفى شرح الشيرازى أنه لا يقال: ربما يزداد الوضوح وينقص بزيادة الألفاظ ونقصها؛ لأن اللفظ إذا زيد عليه، فقد زاد المعنى. وفيما قاله نظر؛ بل التحقيق أن المدلول مختلف بالتفصيل والإجمال، كما سبق، ثم يرد عليهم ما سيأتى إن شاء الله.

ثم الدلالة الوضعية قد تكون نصا، وقد تكون ظاهرا. ورتب الظهور متفاوتة، فإن مراتب الوضوح متفاوتة فى قولك: جئت لأجل إكرامك، وإكراما لك، ولإكرامك وبإكرامك فالأول نص فى العلية، والثانى ظاهر قوى، والثالث ظاهر ضعيف، والرابع أضعف، ودلالة كل منها على النسبة بالمطابقة. ولهذا السؤال زاد الطيبى فى الحد فى وضوح الدلالة التركيبية قال: لأن الدلالات الوضعية، وإن اختلفت فى الوضوح فبحسب لفظة مع أخرى، أما المعنى التركيبى بعد علم المفردات فلا يتفاوت.

(قوله: ويتأتى) أى: اختلاف طرق الإيراد. (بالعقلية، لجواز أن تختلف مراتب اللزوم فى الوضوح) أى: وإنما يتأتى بالدلالات العقلية؛ لجواز أن يكون للشئ لوازم بعضها أوضح لزوما من بعض، وإنما قال الدلالات، وإنما هى

دلالتا الالتزام والتضمن، باعتبار جزئياتها، فإن قلت: ذكر حكم الدلالتين واستدل لدلالة اللزوم فقط.

(قلت): لأن الجزء لازم للكل، ولك أن تجعل هذا سؤالا فى أصل التقسيم، ونقول:

إن دلالة الالتزام تشمل دلالة التضمن. ولما وجد الشارحون المصنف قال: إنما يتأتى ذلك بالعقلية، وذكر أنها تتأتى فى دلالة الالتزام، توهموا أن دلالة التضمن، ليست كدلالة الالتزام. وليس كذلك، بل الذى يظهر أنها تتأتى بدلالة العقلية، تضمنا كانت، أم التزاما. فإن دلالة الإنسان على الحيوان، أظهر من دلالته على الجسم، وإن

ص: 12

ثم اللفظ المراد به لازم ما وضع له: إن دلّت (1) قرينة على عدم إرادته، فمجاز؛ وإلّا فكناية.

ــ

كانت دلالته على كل منهما تضمنا، وقد يقصد المتكلم التشبيه بجامع جزء الحقيقة الواضح، أو جزئها الخفى، أو غير ذلك من الاعتبارات.

ثم اعلم أن معنى كلام المصنف وغيره أن هذه الطرق لا تتأتى بالوضعية فقط، بل تتأتى بالعقلية إما فقط، أو مع الوضعية؛ لأن المدلول الوضعى فيه إحدى الدلالات المتفاوتة.

ص: (ثم اللفظ إلى آخره).

(ش): لما كانت الطرق تتعلق بالدلالات العقلية، وهى لا بد فيها من انتقال من لازم إلى ملزوم أو عكسه، احتاج إلى ذكر تقسيم، يعلم به ما حصل فيه الانتقال، وهو المجاز والكناية.

اعلم أن تحقيق الفرق بين الكناية والمجاز، من أهم ما نحن بصدده فى هذا الفن.

وقد رأيت غالب المصنفين فى هذا الفن خبط فيه، ولم يحققه أحد، وها أنا أذكر تحقيقه، على ما يقتضيه النظر الصحيح، ما بين كلام للوالد فى تصنيف لطيف، وما استخرجته بالفكر:

اعلم أن مراد المتكلم يطلق على أمرين:

الأول: المعنى الذى استعمل له اللفظ الذى نطق به، حقيقة كان، أم مجازا، فإن استعمله فيما وضعته العرب له فهو الحقيقة، وإن استعمله فى غير ما وضعته له فهو مجاز.

الثانى: معنى وراء ذلك، فإن من تكلم بكلام وأراد به معنى، تارة يكون ذلك المعنى مقصودا لذاته، وتارة يكون مقصودا لغيره، كالوسيلة بأن يكون وراء ما هو له كالعلة الغائية، ويكون ذكر ما ذكره توطئة لذلك المقصود. فكل من الحقيقة والمجاز المذكورين أولا، قد يكون مرادا لنفسه، وقد يكون مرادا لغيره. فالأقسام أربعة:

(1) وفى بعض النسخ (قامت).

ص: 13

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حقيقة مرادة لنفسها، مثل: جاء زيد. ومجاز مراد لنفسه، مثل: جاء أسد يرمى بالنشاب. فمدلول اللفظ الحقيقى غير الكناية والمجازى مراد لذاته، ويتحد فى هذين القسمين إرادة الاستعمال، مع إرادة الإفادة وحقيقة مرادة لغيرها مثل: زيد كثير الرماد، تريد حقيقة كثرة الرماد، فهو حقيقة مرادة لا لنفسها، بل لما هو ملزوم، لكثرة الرماد من كثرة الطبخ اللازم للكرم فى الغالب. فالكناية حقيقة؛ لأنك استعملت لفظها فيما وضع له، والحقيقة كذلك سواء أكان ذلك الموضوع مقصودا لذاته، أم لغيره. ولا عبرة بما وقع فى كلام المصنف من أن الكناية غير حقيقة ولا مجاز، لما سترى تحقيقه نقلا وبحثا عند الكلام على حد الحقيقة والمجاز.

ولك أن تقول: بحسب الاستعمال، هو لفظ أريد به ما وضع له، وأن تقول: بحسب المراد بالذات أريد به غير ما وضع له. ففى الكناية إرادة استعمال، وهى فيما وضع له، وإرادة إفادة، وهى غير ما وضع له. والمعتبر فى الحقيقة اللفظية هو إرادة الاستعمال.

بقى قسم رابع وهو مجاز مقصود لغيره، مثل أن تستعمل كلمة فى غير موضوعها، ولا يكون ذلك المعنى المجازى مقصودا لذاته؛ لما يلزمه. فهذا القسم قد يقال بامتناعه؛ لأن فيه الخروج عن موضوع اللفظ إلى التجوز بحسب الاستعمال، ثم الخروج عن ذلك المعنى المجازى بحسب القصد بالذات، ويدل عليه قول الجمهور: الكناية حقيقة خلافا للمصنف. ولو ثبت هذا القسم لانقسمت الكناية إلى: حقيقة ومجاز، وقد يقال بجوازه، ويحمل قولهم: الكناية حقيقة على لفظ استعمل فى موضوعه، مرادا به غيره. فعلم أن الكناية: لفظ أريد به موضوعه، ليستفاد منه غير موضوعه. وغير الكناية من الحقيقة:

لفظ أريد به موضوعه؛ ليستفاد منه ذلك الموضوع. والمجاز: لفظ أريد به غير موضوعه.

فإذا قلت: زيد كثير الرماد، مستعملا كثرة الرماد فى الكرم، فهو مجاز وليس كناية.

وإن استعملته فى معناه مريدا ذلك قصدا وإفادة من غير إرادة إفادة الكرم، كما إذا أردت الإخبار بأنه فحام فهو حقيقة مجردة. وإن أردت معناه، ليستفاد منه الكرم، فهو كناية. فظهر بهذا أنه يصح أن يقال: الكناية لفظ أريد به غير معناه، باعتبار إرادة الإفادة، وأن يقال: لفظ أريد به معناه باعتبار الاستعمال، وأما اجتماع أمرين من هذه الثلاثة، فالمجاز لا يجتمع مع الكناية، ولا مع الحقيقة المجردة، إلا عند من

ص: 14

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يجوز استعمال اللفظ فى حقيقته ومجازه، فحينئذ يجوز أن تقول: زيد كثير الرماد، مريدا كرمه، وكثرة رماده المقصود لذاته، وأن تريد كرمه وكثرة رماده؛ ليستفاد من كثرة رماده كرمه، فيكون الكرم مدلولا عليه بالمجاز والكناية. وأما الحقيقة المجردة والكناية، فلا مانع من اجتماعهما بأن تقول: زيد كثير الرماد، وغرضك الإخبار بكثرة رماده؛ ليستفاد منه كرمه، ويستفاد حصول الرماد بنفسه لغرض ما، ولا تتخيل أن ذلك جمع بين حقيقتين، فإن إرادة الاستعمال فيه واحدة، والمتعدد إرادة الإفادة.

وقد تستعمل الكلمة فى معنى واحد؛ لتحصل أغراض لا تتناهى فظهر بهذا أن الكناية لفظ أريد به ما وضع له استعمالا، وغير ما وضع له إفادة. والمجاز أريد به غير ما وضع له استعمالا وإفادة. وعلم أن بين الكناية والمجاز عموما وخصوصا من وجه، يجتمعان فى القسم الرابع، ويرتفعان فى الحقيقة المجردة، ويوجد المجاز فقط، حيث استعمل اللفظ فى غير موضوعه، مرادا به إفادة مدلوله، وتنفرد الكناية فى استعمال اللفظ فى موضوعه، مرادا إفادة غيره.

إذا تحرر ذلك فاعلم أن فى كل من المجاز والكناية انتقالا. والانتقال تارة نعنى به انتقال المتكلم عن لفظ؛ إلى لفظ لانتقال ذهنه إليه، وتارة نعنى به انتقال ذهن السامع من اللفظ المستعمل إلى غيره. فإن أردت الأول فالمتكلم إذا أراد الإخبار بمعنى، فقد ينتقل ذهنه إلى ملزومه، فيستعمل لفظ الملزوم فى اللازم، كقولك: رأيت بحرا ماشيا تريد كريما، وقد ينتقل ذهنه إلى استعمال اللازم مريدا به الملزوم كقولك: كثير الرماد مريدا الكرم. وإن أردت انتقال ذهن السامع، فالحال بالعكس فالانتقال فى المثال الأول من الملزوم إلى اللازم، وفى المثال الثانى من اللازم إلى الملزوم، فظهر أن المجاز يحصل فيه تارة الانتقال من اللازم إلى الملزوم، وتارة بالعكس، كقول العرب: رعينا غيثا، فيطلق الملزوم على اللازم. وأمطرت السماء نباتا، يطلق اللازم على الملزوم. ويدل على ذلك أن من علاقات المجاز إطلاق المسبب على السبب وعكسه، والمتعلق على المتعلق وعكسه، والجزء على الكل وعكسه، وكل من الجزء والمسبب والمتعلق لازم للكل والسبب والمتعلق. والسكاكى جعل الانتقال فى المجاز أبدا من الملزوم إلى اللازم، نظرا إلى أنك إذا قلت: أمطرت السماء نباتا، فالنبات وإن كان ملازما للمطر إلا أنه باعتبار مساواته صار ملزوما، وفى هذا الكلام مناقشات، نذكرها فى

ص: 15

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

باب المجاز - إن شاء الله تعالى - ويلزم السكاكى أن يجعل الكناية أيضا انتقالا من الملزوم، لكنه تارة يتساهل فى إطلاق الملزوم على اللازم المساوى، وتارة يحقق، وأما الكناية فكذلك، إلا أنها تفارق المجاز فى أنه ليس فيها

انتقال الاستعمال، بل انتقال الذهن فقط. وإن أردت انتقال ذهن المتكلم، فالمتكلم إذا أراد إفادة الكرم، انتقل ذهنه إلى لازمه، وهو كثرة الرماد، فأخبر به ليستفاد منه ملزومه، والسامع إذا سمع اللازم، انتقل ذهنه إلى الملزوم فالانتقال فيها بحسب المتكلم من الإخبار بالملزوم إلى الإخبار باللازم، وبحسب السامع من فهم اللازم إلى فهم الملزوم. وهذا أحد قسميها، وهو الذى ذكره الناس.

وقد يقال: هى كالمجاز تنقسم إلى القسمين، فربما أخبر فيها بالملزوم، وأريد الاستعمال فيه، ليستفاد لازمه كقولك: نزل الغيث، تريد إفادة أن السنة مخصبة، ومنه قوله تعالى: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا (1) لأنه لم يقصد إفادة ذلك؛ لأنه معلوم، بل إفادة لازمه، وهو أنهم ينبغى أن يحذروها ويجاهدوا. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" المرء مع من أحب"(2) والمقصود بالفائدة، إنما هو كون المخاطب مع النبى صلى الله عليه وسلم.

واعلم أن قولنا: إطلاق اللازم على الملزوم وعكسه، جرى على عبارة القوم، وهى غير منقحة؛ لأنك إذا قلت: رأيت أسدا يتكلم، لم تطلق اللازم على الملزوم؛ لأن الملزوم ذات الأسد ولازمها معنى وهو شجاعة، والذى أطلقت عليه الأسد زيد، فإنما أطلقت ملزوما لشئ على ملزوم لشئ بين اللازمين تشابه. نعم قد يطلق الملزوم على اللازم فى نحو قولك: جاءنى عدل ويعجبنى الإنسان، وتريد ضحكه، أو كتابته، وكذلك عكسه، ومن أمثلتهما: أمطرت السماء نباتا، ورعينا غيثا. وكذا الكناية يعتبر فيها ما ذكرناه، فليتأمل.

وسيأتى تحقيق ذلك وتكميله عند ذكر الكناية، وإنما عجلت ذكر هذا هنا؛ للتقسيم الذى ذكره المصنف، ولأن بين هذا المكان وذلك مفاوز، ولا يقطعها إلا

(1) سورة التوبة: 81.

(2)

أخرجه البخارى فى" الأدب"، باب: علامة الحب فى الله، (10/ 573)، (ح 6168)، ومسلم فى" البر والصلة"، باب: المرء مع من أحب (ح 2639)، من حديث أنس بن مالك، وقد جاء من طريق عبد الله بن مسعود، وصفوان بن عسال، وأبى موسى.

ص: 16

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تحقيق معناهما. إذا تحرر هذا فلنرجع إلى تتبع كلامهم، فقول المصنف: اللفظ المراد به لازم ما وضع له مجاز إن قامت قرينة على عدم إرادة موضوعه، كقولك: رأيت أسدا يرمى بالنشاب، فإن الرمى قرينة قامت على عدم إرادة الحقيقة، والمراد بإرادة اللازم التى هى مورد القسمة إرادة الإفادة سواء أكانت متحدة مع إرادة الاستعمال، أم لا. فإن أحد قسميها وهو الكناية، أريد به استعمال اللفظ فيما وضع له، ليفيد غير ما وضع له.

فقد وجد هنا إرادة اللازم الذى هو غير موضوع اللفظ إفادة لا استعمالا. وقسمها الآخر وهو المجاز، أريد به غير موضوعه استعمالا وإفادة.

واعلم أن المراد باللازم هنا ليس ما ذكره المنطقيون، بل المراد اللازم العرفى، سواء أكان عقليا خاصة، أم عرضا عاما، أم غير ذلك لما تقدم من أن المراد: اللازم للفهم ولو عرفا، والمراد باللازم العارض، والملزوم المعروض وإن شئت قلت: اللازم التابع والملزوم المتبوع، غير أن المعتبر هنا اللازم المساوى، فإن الأعم لا ينتقل الذهن منه إلى الأخص، إنما ينتقل من اللازم المساوى.

قال فى المفتاح: أو الأخص وفيه نظر؛ فإن اللازم لو كان أخص من الملزوم، لوجد الملزوم دون اللازم وهو محال. وأجاب عنه الكاشى بأن ذلك إنما يمتنع فى اللازم العقلى، أما اللازم الأعم من ذلك، فلا يمتنع أن يوجد فيه الملزوم دون اللازم. ونحن هاهنا إنما نريد اللازم الاعتقادى مطلقا.

(قلت): يستحيل أن يكون اللازم أخص، سواء أكان عقليا أم اعتقاديا؛ لأن الذهن كيف يربط أمرا بأمر أعم منه والفرض أنه يعتقد لزومه لعرف، أو غيره. فإذا كان فى الذهن أخص من غيره استحال أن يربطه الذهن بالأعم.

إذا تقرر ذلك، فالسكاكى قال: الكناية ينتقل فيها من اللازم إلى الملزوم، أى: ينتقل ذهن السامع، كما تقول: فلان طويل النجاد، والمراد طول القامة، يعنى المراد بالإفادة لا بالاستعمال. ثم قال: إن المجاز ينتقل فيه من الملزوم، يعنى أن السامع ينتقل ذهنه من الملزوم، وهو الحقيقة إلى اللازم، وهو معنى المجاز.

وأما المصنف فإنه جعل كلا من المجاز والكناية، أريد به اللازم ولا يريد به إرادة الاستعمال، وإلا كان مجازا فقط، بل يريد إرادة الإفادة، وحينئذ فكلامه لا يصح، لأنه ليس كل مجاز قصد منه لازم موضوع اللفظ، بل المجاز الذى حصل فيه إطلاق اللازم

ص: 17

وقدّم عليها؛ لأنّ معناه كجزء معناها،

ــ

على الملزوم، أريد به الملزوم، والذى قصد به عكسه أريد به اللازم، وغيرهما من المجاز لم يرد واحد منهما، وإنما المصنف تبع السكاكى.

وأما الكناية فكذلك منها ما أريد به إفادة الملزوم لا اللازم، ومنها العكس.

وقوله أى: إرادة الحقيقة (إن قامت قرينة على عدم إرادته فمجاز) واضح ونعنى قيام القرينة على عدم إرادة موضوعه استعمالا، لا على عدم إرادته إفادة، فإن ذلك علم من قوله: المراد به لازم موضوعه، ولو جعلنا مراده ذلك، لخرج عنه غالب الكنايات، فإن معها قرينة تصرفها عن إرادة إفادة موضوعها، أى: مع ما هو شرط المجاز من

العلاقة وغيرها. والمراد باللازم العرفى، وإن لم تقم قرينة على عدم إرادة ما وضع له فهو الكناية. فالكناية حينئذ: لفظ أريد به لازم موضوعه، ولم تقم قرينة على عدم إرادة موضوعه. ونعنى بقولنا: أولا أريد إرادة الإفادة، وبقولنا: إرادة موضوعه إرادة الاستعمال، فدخل فى ذلك ما إذا لم تقم قرينة على شئ، بل قامت قرينة على إرادة اللازم، فإن الحقيقة لا تحتاج إلى قرينة وما إذا قامت قرينة على إرادة الموضوع، فكلاهما كناية، والكناية فى هذين القسمين حقيقة، ولا يدخل فيه المجاز، إذا قصد إفادة ملزومه، إن جوزنا ذلك، وجعلناه مجازا وكناية كما سبق.

ص: (وقدم عليها؛ لأن معناه كجزء معناها).

(ش): أى: قدم المجاز على الكناية؛ لأن معناه كجزء معنى الكناية. قال الخطيبى: لأن فى المجاز إرادة اللازم فقط أى: مثل الشجاعة ولفظ الأسد، وفى الكناية تجوز مع إرادة اللازم أى: الكرم من كثرة الرماد إرادة غيره أى: مدلول اللفظ، فيكون معنى المجاز كجزء معنى الكناية.

(قلت): قوله: تجوز مع إرادة اللازم إرادة غيره، إن قصد إرادة الملزوم بدلا عنه على جهة استعماله فيه فلا يصح؛ لأنه إذا أريد بالكناية غير اللازم استعمالا، كانت حقيقة لا كناية، وإن أراد أنه تجوز إرادة الملزوم واللازم معا استعمالا فيهما، فليس الأمر كذلك، إذ يكون جمعا بين الحقيقة والمجاز، ثم يلزم أن يكون المجاز جزء معنى الكناية لا كالجزء. وإن أراد أنه تجوز فى الكناية إرادة اللازم والملزوم إفادة والمجاز لا يجوز فيه إرادة إفادة غير مدلوله وهو اللازم، فذلك يقضى بأن معنى المجاز إنما يكون كجزء معنى الكناية فى بعض الأحوال، وهو إذا قصد بها إرادة اللازم والملزوم معا لا مطلقا،

ص: 18

ثم منه ما يبنى على التشبيه، فتعيّن التعرّض له، فانحصر المقصود فى الثلاثة:

التشبيه، والمجاز، والكناية.

ــ

وإذا أريد به اللازم والملزوم معا، فليس الإرادتان معا هما الكناية، حتى يكون المجاز كجزئها؛ بل الكناية من هاتين الإرادتين هى إحداهما، والأخرى ليست كناية، واللفظ حينئذ كناية وغير كناية باعتبارين. وقيل: إنما كان كالجزء، لأن المجاز فيه انتقال من الملزوم إلى اللازم، وهو واضح، والكناية فيها انتقال من اللازم إلى الملزوم، وهو لا يتضح بنفسه حتى ينضم إليه العلم بمساواة هذا اللازم لملزومه، فصار فى المجاز انتقال من شئ لشئ، وفى الكناية انتقال من شئ لشئ بقيد، ومطلق الانتقال جزء من الانتقال بقيد المساواة وفيه نظر؛ لأن مطلق الانتقال، جزء من الانتقال بقيد، فهو جزء لا كالجزء، ولأن المجاز ليس فيه انتقال مطلق؛ بل انتقال بقيد يقابل القيد الذى فى انتقال الكناية. ثم المصنف يرى أن الانتقال فى كل منهما من الملزوم إلى اللازم، والذى هو أقرب إلى

الصحة أن يقال: فى الكناية إرادة شيئين، أحدهما: مدلول اللفظ، وتلك إرادة استعمال، والثانى:

ملزومه، وتلك إرادة إفادة. والمجاز فيه إرادة شئ واحد، وهو مدلول اللفظ، فكان كالجزء.

وإنما لم يقل: إنه جزء، لأن المجاز لفظ مستعمل فى غير موضوعه، والكناية لفظ مستعمل فى موضوعه، فكيف يكون جزأه، وأحدهما مجاز والآخر حقيقة؟ نعم قد يرد على قوله: إنه كالجزء أن المجاز أيضا، فيه إرادتان: إرادة الإفادة وإرادة الاستعمال. غير أنهما تواردا على محل واحد، بخلاف الكناية، فإن إرادة الاستعمال فيها فى الموضوع، وإرادة الإفادة فى متعلقه، فلا تفاوت بينهما، إلا فى أن محل الإرادتين فى أحدهما واحد، وفى الآخر متعدد، وذلك لا يقضى بأنه كجزئها، إلا أن إرادة الإفادة متى كانت متحدة بإرادة الاستعمال؛ لا ينظر إليها، فإن إرادة الاستعمال فى الأصل إنما تقصد للإفادة.

ص: (ثم منه ما يبنى على التشبيه، فتعين التعرض له فانحصر فى الثلاثة).

(ش): أى من المجاز ما يبنى على التشبيه، وهو الاستعارة؛ لأن مبناها عليه.

وأطلق الاستعارة والمراد: التحقيقية، لا التخييلية، لما سيأتى. وقدم التشبيه على المجاز؛ لأن المجاز مبنى عليه، فهو مقدم على المبنى، ولذلك قدم التشبيه على الجميع.

ونعنى بالمجاز الاستعارة، فإن غيرها ليس مبنيا على التشبيه؛ لكنه لما انبنى أعظم أنواع المجاز على التشبيه؛ صح أن يقال: المجاز مبنى عليه، مثل:" الحج عرفة"(1).

(1) صحيح أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة والحاكم والبيهقى فى الكبرى، عن عبد الرحمن بن يعمر، وانظر صحيح الجامع (ح 3172)، وراجع الإرواء (ح 1064).

ص: 19