المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المحسنات اللفظية وأما اللفظىّ:   ‌ ‌[الجناس] فمنه: الجناس بين اللفظين، وهو تشابههما فى اللفظ: ــ   ورد عليه - عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح - جـ ٢

[السبكي، بهاء الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الفنّ الثانى علم البيان

- ‌التشبيه

- ‌أركان التشبيه

- ‌(الغرض من التشبيه)

- ‌وقد يعود إلى المشبّه به، وهو ضربان:

- ‌وهو باعتبار طرفيه:

- ‌وباعتبار وجهه:

- ‌وباعتبار الغرض:

- ‌خاتمة

- ‌الحقيقة والمجاز

- ‌الحقيقة:

- ‌والمجاز: مفرد، ومركّب:

- ‌المجاز والمرسل

- ‌الاستعارة

- ‌وباعتبار آخر ثلاثة أقسام:

- ‌المجاز المركّب

- ‌[فصل [إخماد التشبيه في النفس]

- ‌فصل [تعريف السكاكي للحقيقة اللغوية]

- ‌فصل [حسن كل من التحقيقية والتمثيل]

- ‌فصل [قد يطلق المجاز على كلمة تغيّر حكم إعرابها بحذف لفظ أو زيادة لفظ]

- ‌(الكناية)

- ‌وهى ثلاثة أقسام:

- ‌الأولى: المطلوب بها غير صفة ولا نسبة:

- ‌والثانية: المطلوب بها صفة:

- ‌الثالثة: المطلوب بها نسبة؛ كقولهم [من الكامل]:

- ‌فصل [المجاز والكناية افضل من الحقيقة والتصريح]

- ‌الفنّ الثالث علم البديع

- ‌وهى ضربان: معنوىّ، ولفظى:

- ‌المحسّنات المعنويّة

- ‌الطباق ضربان:

- ‌المقابلة

- ‌مراعاة النظير

- ‌الإرصاد

- ‌المشاكلة

- ‌المزاوجة

- ‌العكس

- ‌الرجوع

- ‌التورية

- ‌الاستخدام

- ‌اللف والنشر

- ‌الجمع

- ‌التفريق

- ‌التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق

- ‌الجمع مع التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق والتقسيم

- ‌التجريد

- ‌المبالغة

- ‌المذهب الكلامى

- ‌حسن التعليل

- ‌تأكيد المدح بما يشبه الذم

- ‌الإدماج

- ‌الهزل يراد به الجد

- ‌تجاهل العارف

- ‌القول بالموجب

- ‌الاطراد

- ‌المحسنات اللفظية

- ‌[الجناس]

- ‌رد العجز على الصدر

- ‌السجع

- ‌الموازنة

- ‌القلب

- ‌التشريع

- ‌لزوم ما لا يلزم

- ‌خاتمة: فى السّرقات الشّعريّة

- ‌الاقتباس

- ‌التضمين

- ‌العقد

- ‌الحلّ

- ‌التلميح

- ‌فصل [ما ينبغى للمتكلم المتأنق فيه]

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ ‌المحسنات اللفظية وأما اللفظىّ:   ‌ ‌[الجناس] فمنه: الجناس بين اللفظين، وهو تشابههما فى اللفظ: ــ   ورد عليه

‌المحسنات اللفظية

وأما اللفظىّ:

[الجناس]

فمنه:

الجناس بين اللفظين، وهو تشابههما فى اللفظ:

ــ

ورد عليه الصقلى فى العدة: أن هذا ليس من الاطراد وأن هذا ليس تعسفا؛ لأن مقصوده لا يصح إلا بهذا التكرير، قال: وقوله:" إنهم سبعة" ليس بصحيح، بل ستة، والحيوان - وإن كان له أربعة أنياب - فإنما المعول عليه منهن اثنان، فللخلافة فى كل عصر نابان الأب والابن انتهى. قلت: قوله:" ليس هذا المراد" بناء على رأى المتأخرين وابن رشيق لعله لا يخصه بذلك، وقوله:" إنهم ستة" غلط بل سبعة، كما قال ابن رشيق، فإن منهم ابن سيف الدولة المذكور فى البيت الأول.

المحسنات اللفظية: ص: (وأما اللفظى فمنه الجناس إلخ).

(ش): لما انقضى ما ذكره من أنواع البديع المعنوية شرع فى أنواعه اللفظية أى التى يحصل بها تحسين اللفظ فقط، فقال: فمنه الجناس بين اللفظين، ويسمى التجنيس، وهو حسن ما لم يكرر كما سيأتى، قال فى كنز البلاغة: ولم أر من ذكر فائدته. وخطر لى أنها الميل إلى الإصغاء إليه، فإن مناسبة الألفاظ تحدث ميلا وإصغاء إليها؛ ولأن اللفظ المشترك إذا حمل على معنى ثم جاء، والمراد به معنى آخر كان للنفس تشوف إليه اه.

والعبارة الثانية قاصرة على بعض أنواع الجناس، وكفى التجنيس فخرا قوله صلى الله عليه وسلم:

" غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله وعصية عصت الله"(1) وهو مشتق من حروف الجنس، لأن كلا من اللفظين المتجانسين من جنس الآخر، وهو استعمال اصطلاحى يدل عليه أن ابن سيدة قال فى المحكم: الجنس الضرب من كل شئ، وجمعه أجناس، وجنوس، وكان الأصمعى يدفع قول العامة: هذا مجانس لهذا، إذا كان من شكله، ويقول: ليس عربيا صحيحا، وقول المتكلمين: تجانس الشيئان ليس بعربى - أيضا - إنما هو توسع، ثم فسر المصنف جناس اللفظين بأنه تشابههما فى اللفظ، والمراد

(1) أخرجه البخارى فى المناقب باب: ذكر أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع، (6/ 626)، (ح 3513)، وفي غير موضع، ومسلم فى"

المساجد" (ح 679)، وفى" الفضائل" (ح 2514 و 2518).

ص: 282

والتامّ منه: أن يتفقا فى أنواع الحروف، وفى أعدادها، وفى هيئاتها، وفى ترتيبها:

ــ

باللفظين ما لفظ به أعم من أن يكون كل منهما كلمة واحدة أو أكثر، ليدخل الجناس المركب، كما سيأتى، وقد يقال: إن هذا الرسم يدخل نحو: قام زيد قام زيد وغيره من التأكيد اللفظى، فإن ادعى أن هذا فى الحقيقة لفظ واحد لاتحاد معناه، فيرد نحو قوله تعالى: وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ (1) لأن الخشية الثانية غير الأولى، فإن قال: هما متحدان فى جنس الخشية، فيرد عليه نحو: زيد بن عمرو وزيد بن بكر فإن معناهما مختلف، فليكن جناسا، وليس كذلك، ثم يرد عليه أنه غير جامع لخروج نحو: يحيى يحيا أحدهما الاسم، والآخر فعل فإنهما فى اللفظ متحدان لا متشابهان، بل شئ واحد فإن ادعى أنهما متشابهان، فإن حقيقتهما مختلفة فى المعنى، وإنما يتشابهان فى النطق، فيدخل فى الجناس نحو:" زيد بن عمرو وزيد بن بكر" كما سبق، ويرد عليه - أيضا - نحو:" قام زيد وقام عمرو" وليس بجناس، ثم إن مطلق المشابهة فى اللفظ تصدق بما ليس بجناس، كما إذا كانا متفقين فى لام الكلمة فقط، أو عينها، أو فائها. وقوله:" تشابه اللفظين" أى الملفوظين، وقوله:" فى اللفظ" أى النطق، فالأول للمفعول، والثانى للمصدر قوله:(والتام منه) إشارة إلى أن الجناس أنواع: منها التام وهو (أن يتفقا) اللفظان (فى أنواع الحروف) بأن يكون كل حرف فى أحدهما هو فى الآخر، وأما الاتفاق بأشخاص الحروف فمستحيل، إذ يلزم أن يكون لفظا واحدا، لا لفظين (وأعدادها) أن يكون عدد حروفهما واحدا فخرج نحو: سلا، وسلاسل، فإن أنواع حروفهما واحدة، وليس تاما، ولو قال: عددها لكان أدل وأخصر، والمراد بالعدد: ما عدا الحرف المشدد، فإنه - وإن كان حرفين - فإنما يعد فى هذا الباب حرفا واحدا كما سيأتى (وهيئاتها) أى فى الحركات والسكنات، فخرج نحو: بل وبلى والمراد غير هيئة الحرف الأخير، وأما الحركة الإعرابية، فاختلافها لا يدفع تمام الجناس، لما سيأتى. والمراد - أيضا - غير الساكن من أول حرفى المشدد فلا نظر إليه، بل وجوده كعدمه كما سيأتى (وترتيبها) خرج به نحو: حفر وفرح ووجه حسن هذا القسم أن فيه صورة الإعادة وحسن الإفادة (فإن كانا) أى اللفظان المتفقان فى ذلك كله

(1) سورة الأحزاب: 37.

ص: 283

فإن كانا من نوع؛ كاسمين، سمى مماثلا؛ نحو: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ (1)

وإن كانا من نوعين، سمى مستوفى؛ كقوله [من الكامل]:

ما مات من كرم الزّمان فإنّه

يحيا لدى يحيى بن عبد الله

ــ

(من نوع واحد كاسمين سمى مماثلا نحو قوله تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ) ومن هنا نعلم أن الحركة الإعرابية لا يكون اختلافها مانعا من كون الجناس تاما، لأن ساعة والساعة مختلفا حركة الآخر، وكذلك الألف واللام التعريفية، لا تخل بالتمام لأنها زائدة عن الكلمة، ويقال: ليس فى القرآن جناس تام غيرها.

قيل: ومنه ما روى عنه صلى الله عليه وسلم خلوا بين جرير والجرير أى دعوا له زمانه، ومنه قول الشاعر:

حدق الآجال آجال

والهوى للمرء قتّال (2)

الأول جمع أجل (بالكسر)، وهو القطيع من بقر الوحش. والثانى، جمع أجل وهو منتهى العمر، ولم يمثلوا للفظين من نوعى فعل، وهو كثير مثل: تربت يمين المسلم وتربت يمين الكافر، أى استغنت الأولى وافتقرت الثانية، وكذلك من نوعى حرف، كقولك: ما منهم من قائم (وإن كانا) أى اللفظان اللذان بينهما جناس تام (من نوعين سمى) الجناس (مستوفى كقوله) أى أبى تمام:

ما مات من كرم الزّمان فإنّه

يحيا لدى يحيى بن عبد الله (3)

واعلم أن تسمية الأول مماثلا، والثانى مستوفى قد يقال: عكسه أولى؛ لأن الأول وقع فيه استيفاء التشابه بين اللفظين، بخلاف الثانى، ولعل جوابه أنهم لاحظوا فى التماثل حصول الاستواء من كل وجه، لأن التمثيل كالتشابه، لا يكون إلا عند التساوى من كل وجه، إلا ما به الاختلاف - كما سبق - وهذا مثال لأحد الأقسام، ولم يمثلوا لغيره، فمنه أن يختلفا اسما وحرفا، كقولك:" ما ما فعلت قبيح"، ومنه أن يختلفا فعلا وحرفا، كقوله: إنّ أن الأنين يسلى الكئيبا.

(1) سورة الروم: 55.

(2)

البيت لأبى سعد عيسى بن خالد المخزومى، وهو فى التبيان ص 168، وبلا نسبة فى الإشارات ص 289.

(3)

البيت من الكامل، وهو لأبى تمام فى ديوانه (ص 324 / الكتب العلمية) ورواية الديوان: من مات من حدث الزمان فإنه يحيا لدى يحيى بن عبد الله، وأسرار البلاغة (ص 17 / شاكر)، والتبيان (ص 166)، والإشارات (ص 290)، والمصباح (ص 184)، والطراز (2/ 357) بلا نسبة.

ص: 284

وأيضا: إن كان أحد لفظيه مركّبا، سمى جناس التركيب، فإن اتفقا فى الخطّ، خصّ باسم المتشابه؛ كقوله [من المتقارب]:

إذا ملك لم يكن ذاهبه

فدعه فدولته ذاهبه

وإلا خصّ باسم المفروق؛ كقوله [من المديد]:

كلّكم قد أخذ الجا

م ولا جام لنا

ما الّذى ضرّ مدير ال

جام لو جاملنا

ــ

ثم للتام تقسيم آخر أشار إليه بقوله: (وأيضا إن كان أحد لفظيه مركبا) أى سواء كان الآخر مركبا فيكونان مركبين، أم لا، ويسمى جناس التركيب. قال فى الإيضاح: ثم إن كان المركب منهما مركبا من كلمة وبعض كلمة، سمى مرفوا كقول الحريرى:

ولا تله عن تذكار ذنبك وابكه

بدمع يحاكى الوبل حال مصابه

ومثّل لعينيك الحمام ووقعه

وروعة ملقاه ومطعم صابه (1)

يعنى أن المصاب فى الأول مفرد، والثانى مركب من صاب خ خ، وميم مطعم، ولا نظر إلى الضمير المضاف إليه فيهما، فالأول مفرد، والثانى مركب من كلمة وبعض أخرى. قال:(وإلا) أى وإن لم يكن المركب منهما مركبا من كلمة وبعض أخرى، وهذا القسم هو الذى اقتصر عليه فى التلخيص، وقسمه إلى قسمين، فقال:(فإن اتفقا فى الخط خص باسم المتشابه كقوله) أى قول أبى الفتح البستى:

إذا ملك لم يكن ذاهبه

فدعه فدولته ذاهبه (2)

ذاهبه الأول مضاف ومضاف إليه، والثانى اسم فاعل (وإلا) أى وإن اختلفا فى الخط (خص باسم المفروق كقوله) أى قول أبى الفتح البستى:

كلكم قد أخذ الجا

م ولا جام لنا (3)

ما الذى ضر مدير ال

جام لو جاملنا (4)

(1) البيتان من الطويل، وهما للحريرى فى المصباح (ص 185)، والإشارات (ص 290).

(2)

البيت من المتقارب، وهو لأبى الفتح البستى فى الطراز (2/ 360)، والإشارات (ص 290)، وبلا نسبة فى الإيضاح (185)، ونهاية الإيجاز (132).

(3)

فى عقود الجمان ص: 141 " ولا جام لنا" وهو الصحيح.

(4)

البيتان من الرمل، لأبى الفتح فى الإشارات (ص 291)، وشرح عقود الجمان (2/ 141)، وبلا نسبة فى نهاية الإيجاز (132).

ص: 285

وإن اختلفا فى هيئات الحروف فقط، يسمّى محرّفا، كقولهم:(جبّة البرد جنّة البرد)، ونحوه:(الجاهل إمّا مفرط أو مفرّط)، والحرف المشدّد فى حكم المخفّف؛ كقولهم:(البدعة شرك الشّرك).

ــ

فقوله: جام لنا الأول اسم لا وخبرها وقوله: جاملنا ثانية فعل، أى عاملنا بالجميل، وقد علم بما ذكرناه انقسام الجناس التام والمركب إلى ستة أقسام: متماثل، ومستوفى، وكل منهما إما مركب مرفو، أو متشابه، أو مفروق. واعلم أن قول المصنف:

المركب منهما يدخل فيه ما إذا كانا مركبين من كلمتين مثل: جام لنا وجاملنا وبعضهم فهم أن المراد أن يكون أحدهما مركبا والآخر مفردا، وجعل الذى كلمتاه المتجانستان مركبتان نوعا آخر، سماه جناس التلفيق، ومثله بقول البستى:

إلى حتفى سعى قدمى

أرى قدمى أراق دمى (1)

ثم القسم الثانى من الأصل، أن يختلف اللفظان فى هيئات الحروف فقط، أى مع الاستواء فى نوعها وعددها وترتيبها، فسمى الجناس محرفا، كقولهم: جبة البرد جنة البرد فالبرد والبرد متفقان فيما عدا الهيئة بضم أول أولهما، وفتح أول ثانيهما، ومثلوه أيضا بقولهم: منع البرد البرد والظاهر أنه تصحيف، - وإن كان صحيحا فى المعنى -، فإن المنقول البرد البرد - بفتح الباءين، والمراد بالبرد الثانى النوم، كقوله تعالى: لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (2) ومنه قول الشاعر:

وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا (3)

ومنه قوله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (4) ونحوه الجاهل إما مفرط، أو مفرط، نقله فى الإيضاح عن السكاكى ثم استشعر المصنف سؤالا، وهو أن مفرط فيه حرف مشدد فحروفه أربعة، فلا يكون الاختلاف بينه وبين مفرط بالهيئات فقط، بل بالحروف - أيضا - فأجاب بأن المشدد فى هذا الباب فى حكم المخفف نظرا إلى الصورة، وهذا اصطلاح لا مشاحة فيه، وإلا فأى معنى للنظر إلى الصورة والجناس أمر لفظى؟ ثم إن الاختلاف فى الحركة

(1) البيت من مجزوء الكامل وهو للبستى فى شرح عقود الجمان (2/ 141).

(2)

سورة النبأ: 24.

(3)

اللسان مادة" نقخ" والشطر الأول منه: فإن شئت أحرمت النساء سواكم والبيت للعرجى واسمه عبد الله ابن عمرو بن عثمان بن عفان، ونسب إلى العرج، وهو موضع ولد به.

(4)

سورة الصافات: 72، 73.

ص: 286

وإن اختلفا فى أعدادها، يسمّى ناقصا؛ وذلك إمّا بحرف فى الأول؛ مثل: وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (1)، أو فى الوسط؛ نحو: جدّى جهدى خ خ،

ــ

والسكون لا وجود له فى الصورة كما أن الاختلاف بالتشديد والتخفيف لا وجود له فى الصورة، وبما قلناه صرح المطرزى فقال: فى أول شرح المقامات: وربما وقع الاختلاف بالحركة والسكون أو بالتشديد والتخفيف، كقولهم: البدعة شرك الشرك وقولهم: الجاهل مفرط أو مفرط (2) ينبغى أن ينظر فيه إلى اللفظ، وهو مختلف بالضرورة، واعلم أن المصنف قسم فى الإيضاح المحرف إلى: ما كان الاختلاف فيه فى الحركة فقط، ومثله بمفرط، ومفرط نقلا عن السكاكى، ولا يصح ذلك، فإنهما مختلفان بالسكون لا بالحركة، فإن الفاء فى مفرط ساكنة، وفى مفرط متحركة، كما سيأتى فى الشرك والشرك، وهذا لا يرد على المصنف فى التلخيص؛ لأنه أطلق أن مفرط ومفرط نحو: البرد والبرد، وهو صحيح؛ لأنه مثله فى مطلق اختلاف الهيئة، ثم نقله عن السكاكى ليس بصحيح، فإن السكاكى مثل به لمطلق اختلاف الهيئة، ولم يمثل به لاختلاف الهيئة بالحركة. قوله:

(وكقولهم) أى قول الناس: البدعة شرك الشرك هو مثال للقسم الثانى، وهو ما كان اختلافه بهيئة الحركة والسكون، أى بأن يكون الحرف الواحد فى إحداهما متحركا وفى الأخرى ساكنا، كالراء فى شرك وشرك، والاختلاف بالسكون فقط لا يمكن، إذ هو لا يختلف كالحركة. قوله:(وإن اختلفا فى أعدادها) إشارة إلى القسم الثانى من أقسام الاختلاف، وهو القسم الثالث من الأصل، أى فإن اختلف اللفظان المتجانسان فى عدد الحروف (سمى الجناس ناقصا) لأن اختلافهما فى عدد الحروف يلزم منه نقصان أحدهما لا محالة (وذلك) النقصان إما بحرف واحد أو لا، والذى بحرف واحد، إما أن يكون الحرف الناقص هو الأول، وإليه أشار بقوله:(إما بحرف فى الأول) ولو قال: أول صفة لحرف لكان أحسن كقوله تعالى: وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ فهو جناس نقص عن التمام الحرف الأول وهو الميم (أو) بحرف (فى الوسط نحو: جدى جهدى) أى حظى، ولم ينظروا هنا إلى كون الحرف المشدد بحرفين،

(1) سورة القيامة: 29 - 30.

(2)

أو مفرط، وهى فى الأصل" أومر مفرط" لعلها خطأ مطبعى.

ص: 287

أو فى الآخر؛ كقوله [من الطويل]:

يمدّون من أيد عواص عواصم

وربّما سمّى هذا مطرّفا.

وإمّا بأكثر؛ كقولها [من الكامل]:

إنّ البكاء هو الشّفا

ء من الجوى بين الجوانح

وربّما سمى هذا مذيّلا.

وإن اختلفا فى أنواعها، فيشترط ألّا يقع بأكثر من حرف:

ــ

فيكون فى كل من الكلمتين حرف ليس فى الآخر؛ بل جعلوا المشدد كالمخفف كما تقدم فى المحرف (أو) بنقص حرف (فى الآخر كقوله) أى أبى تمام:

يمدّون من أيد عواص عواصم

تصول بأسياف قواض قواضب (1)

(وربما سمى هذا) أى القسم الأخير الناقص (مطرفا) ووجه حسنه أنك تتوهم قبل ورود آخر كلمة أنها هى التى مضت وأتى بها للتأكيد، وفى ذلك تحصيل فائدة جديدة بعد اليأس منها (وإما) أن يكون النقص (بأكثر) من حرف واحد (كقولها) أى الخنساء:

إنّ البكاء هو الشّفاء

من الجوى بين الجوانح (2)

فقد نقص فى الأول عن الثانى حرفان، وربما سمى ما نقص عن مجانسه بأكثر من حرف مذيلا، وتسمية هذا مذيلا أظهر فى المثال المذكور، وهو ما إذا كان فى الأول نقص عن الثانى بحرفين، فإنه وقع تذييل الثانى منه، بخلاف ما إذا قيل فى الجوانح الجوا فإن الكلمة الأخيرة فيه غير مذيلة، والتذييل إنما يكون فى الأخير. قوله:

(وإن اختلفا فى أنواعها) إشارة إلى القسم الثالث من أقسام الاختلاف، وهو أن تختلف أنواع الحروف، فمن شرطه أن لا يقع الاختلاف بأكثر من حرف، فإن كان بأكثر خرج عن كونه جناسا. وقوله:(فيشترط) لم يكن به حاجة إلى هذه الفاء الداخلة على

(1) البيت من الطويل، وهو لأبى تمام فى شرح ديوانه (ص 46 / الكتب العلمية)، وأسرار البلاغة (ص 17 / شاكر)، والإشارات (ص 292)،

والطراز (2/ 362)، وبلا نسبة فى الإيضاح (ص 187).

(2)

البيت من الكامل، وهو للخنساء فى الإشارات (ص 292)، وعقود الجمان (2/ 144).

ص: 288

ثمّ الحرفان: إن كانا متقاربين سمّى مضارعا، وهو إمّا فى الأوّل؛ نحو:

بينى وبين كنّى (1) ليل دامس وطريق طامس، أو فى الوسط؛ نحو: وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ (2)، أو فى الآخر؛ نحو: الخيل معقود بنواصيها الخير (3).

وإلا سمّى لاحقا، وهو - أيضا - إمّا فى الأوّل؛ نحو: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (4)، أو فى الوسط؛ نحو: ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (5)، أو فى الآخر؛ نحو: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ (6)

ــ

المضارع فى جواب الشرط، ثم الحرفان اللذان وقع الاختلاف بهما، إن كانا متقاربين سمى الجناس مضارعا، وهو أى اختلاف الحرفين بالنوع إما فى الأول، كقول الحريرى: بينى وبين كنى ليل دامس وطريق طامس فالاختلاف بالطاء والدال، وهما حرفان متقاربان، كلاهما من الحروف الشديدة أو فى الوسط، كقوله تعالى: وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ فوقع الاختلاف بالهمزة والهاء، وهما حرفان حلقيان. أو فى الحرف الأخير نحو قوله صلى الله عليه وسلم: الخيل معقود فى نواصيها الخير إلى يوم القيامة (7) فإن الاختلاف بالراء واللام، وهما من حروف الذلاقة قوله:(وإلا) أى إن لم يكن الحرفان اللذان وقع الاختلاف بينهما متقاربين، (سمى) الجناس (لاحقا) واللاحق أيضا إما باختلاف الحرفين فى الأول، كقوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ أو يقع الاختلاف فى الوسط نحو: ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ فوقع الاختلاف فى الوسط بالفاء والميم، وهذا فيه إشكال؛ لأن الفاء والميم متقاربان؛ لكونهما من حروف الذلاقة، ومن حروف الشفة، فكيف يكونان متباعدين؟ أو فى الأخير نحو قوله تعالى: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ فوقع الاختلاف بالنون والراء، وفيه نظر - أيضا - لأنهما من

(1) الكن: المنزل. وهذا من كلام الحريرى، والدامس: الشديد الظلمة.

(2)

سورة الأنعام: 26.

(3)

الحديث متفق عليه رواه البخارى فى الجهاد خ خ، ومسلم فى الإمارة خ خ.

(4)

سورة الهمزة: 1.

(5)

سورة غافر: 75.

(6)

سورة النساء: 83.

(7)

أخرجه البخارى فى" الجهاد"، باب: الخيل معقود فى نواصيها الخير إلى يوم القيامة، (6/ 64)، (ح 2849)، ومسلم فى" الإمارة"، (ح 1871).

ص: 289

وإن اختلفا فى ترتيبها، سمى تجنيس القلب؛ نحو: حسامه فتح لأوليائه حتف لأعدائه خ خ، ويسمّى قلب كلّ، ونحو: اللهمّ استر عوراتنا، وآمن روعاتنا (1)، ويسمى قلب بعض.

وإذا وقع أحدهما (2) فى أوّل البيت،

ــ

حروف الذلاقة. قوله: (وإن اختلفا فى ترتيبها) إشارة إلى النوع الرابع من الاختلاف، وهو أن يختلفا فى ترتيب الحروف فيسمى تجنيس القلب، وهو قسمان: أحدهما، نحو قولهم:

حسامه فتح لأوليائه حتف لأعدائه. قال: (ويسمى هذا قلب كل) وهذا أحسن من قوله فى الإيضاح: يسمى قلب الكل؛ لأن كل لا يدخل عليها الألف واللام فى القياس، والثانى نحو ما روى فى بعض الأخبار:" اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا"(3) وكذلك قول بعضهم: رحم الله امرأ أمسك ما بين فكيه وأطلق ما بين كفيه. وكذلك قول أبى الطيب:

ممنّعة منعّمة رداح

يكلّف لفظها الطّير الوقوعا (4)

ويسمى هذا قلب بعض؛ لأن عورة وروعة اتفقا فى الحرف الأخير وهو التاء فلا قلب فيها وانقلب ما سواها، كانقلاب فتح وحتف، وفى كفيه وفكيه، كذلك لم يقع القلب فى الحرف الأخير. وفى ممنعة ومنعمة كذلك، فإن القلب لم يقع فى الحرف الأول والأخير، بل فيما بينهما، ولم يقع فيما بينهما على الترتيب، كما يظهر بالتأمل، ولك أن تقول: ينبغى أن يسمى القسم الأول - أيضا - قلب بعض، فإن الحرف المتوسط وهو التاء فى حتف وفتح، لم ينقلب كما لم ينقلب الأخير فى عورة وروعة وإلا فما الذى أوجب تسمية أحدهما بقلب بعض والآخر بقلب كل؟ إنما يكون بجعل الأول فى أحدهما ثانيا مثلا، والثانى ثالثا، والثالث أولا، ثم أشار المصنف إلى فرع من ذلك، وهو أنه (إذا وقع أحد المتجانسين جناس القلب فى أول البيت)

(1) صحيح، أخرجه أحمد فى المسند خ خ، وأورده الشيخ الألبانى فى صحيح أبى داود، وصحيح ابن ماجه.

(2)

أى أحد اللفظين المتجانسين تجانس القلب.

(3)

جاء ذلك مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم وسلم ولكن بلفظ الإفراد:" اللهم استر عورتى، وآمن روعتى، واقض دينى". وهو حديث" حسن" أخرجه الطبرانى فى الكبير عن خباب، وانظر صحيح الجامع (ح 1262).

(4)

البيت من الوافر، وهو لأبى الطيب المتنبى فى شرح ديوانه (1/ 133) وفي رواية الديوان: منعمة ممنعة رداح، والمصباح (ص 190)، والإشارات (ص 294).

ص: 290

والآخر فى آخره، سمّى مقلوبا مجنّحا. وإذا ولى أحد المتجانسين (1) الآخر، سمّى مزدوجا ومكرّرا ومردّدا؛ نحو: وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (2).

ويلحق بالجناس شيئان:

أحدهما: أن يجمع اللفظين الاشتقاق؛ نحو: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ (3)

ــ

وينبغى أن يقول: أو أول الفقرة ليعم النظم والنثر، إلا أن مثله فى النثر سيأتى فى رد العجز على الصدر. (والآخر فى آخره سمى مقلوبا مجنحا) كقول الشاعر:

لاح أنوار الهدى من

كفّه فى كلّ حال (4)

ولقائل أن يقول: إذا سمى هذا مقلوبا مجنحا، فتسميته مقلوبا لكونه جناس قلب، وتسميته مجنحا لكون كلمتى الجناس فيه واقعتين فى جناحى البيت، فلا بدع أن يسمى الجناس التام وغيره من الأقسام السابقة تاما مجنحا، وكذلك الجميع، إلا أن يكونوا لاحظوا مناسبة بين الجناح والقلب لسرعة تقلب الجناح، ثم قال:(وإذا ولى أحد المتجانسين الآخر) أى سواء كانا من جناس القلب أم لا (سمى مزدوجا ومكررا ومرددا، كقوله تعالى: وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) واعلم أن المصنف أهمل أن يقع الاختلاف فى أمرين من الأمور السابقة. قوله: (ويلحق بالجناس) إشارة إلى ما يلحق بالجناس، وإن لم يكن منه فى الحقيقة، وهو شيئان: أحدهما، أن يجمع اللفظين الاشتقاق - أى الصغير - بأن يتفقا فى ترتيب الحروف والهيئات، مثل:" فرح زيد من المرح" فقد وقع الاختلاف بترتيب الحروف وبالهيئات معا، كقوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ وقوله تعالى: فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ (5) وقوله صلى الله عليه وسلم:" الظلم ظلمات يوم القيامة"(6) وقول الشافعى رضى الله عنه فى النبيذ: أجمع أهل الحرمين على تحريمه، وقول أبى تمام:

فيا دمع أنجدنى على ساكنى نجد

(1) أى تجانس كان.

(2)

سورة النمل: 22.

(3)

سورة الروم: 30.

(4)

البيت من الرمل، وهو بلا نسبة فى المصباح (ص 202)، والطراز (3/ 95)، والتبيان (ص 513) برواية لاح أنوار الندى من كفه فى كل حال، وشرح عقود الجمان (2/ 145).

(5)

سورة الواقعة: 89.

(6)

أخرجه البخارى فى" المظالم"، باب: الظلم ظلمات يوم القيامة، (5/ 120)، (ح 2447)، ومسلم فى البر والصلة، (ح 2579).

ص: 291

والثانى: أن يجمعهما المشابهة؛ وهى ما يشبه الاشتقاق؛ نحو: قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (1)

ــ

وفى جعل بعض هذه الأمثلة من الاشتقاق الأصغر نظر (والثانى: أن يجمعهما المشابهة) يشير إلى ما إذا لم يكن بينهما اشتقاق أصغر بل كان بينهما ما يشبهه، وهو اشتقاق أكبر أى اتفاق فى الحروف فقط من غير اشتراط الترتيب، نحو قوله تعالى:

إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ وقوله تعالى: وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (2) فإن قال: والقالين يشبهان المشتقين بالاشتقاق الأصغر، وليس منه لأن القالين من القلى، وقال: من القول ومعناهما أيضا مختلف.

(تنبيه): ذكر غير المصنف أنواعا من التجنيس، منها: التجنيس المعتل، وهو ما تقابل فى لفظيه حرفا مدّ ولين متغايران أصليان أو زائدان، مثل: نار ونور، وشمال وشمول، ومنها التجنيس المقصور، نحو: سنا وسناء، ومثل: جنا وجناح، ومنها تجنيس التنوين إما مقصور، نحو: شجى وشجن، أو منقوص، نحو: مطاعن ومطاع، فى قافية نونية ذكر ذلك كله حازم، ومنها تجنيس الإشارة، وسماه حازم تجنيس الرسالة، وهو أن يكنى عن إحدى الكلمتين، كقوله:

إنى أحبك حبا لو تضمنه

سلمى سميك زل الشاهق الراسى (3)

أراد بسميها سلمى أحد جبلى طيئ، وجعل منه الزنجانى وعبد اللطيف البغدادى قوله:

حلقت لحية موسى باسمه

وبهرون إذا ما قلبا (4)

وكذلك قول الشماخ:

وما أروى وإن كرمت علينا

بأدنى من موقفة حرون (5)

(1) سورة الشعراء: 168.

(2)

سورة الرحمن: 54.

(3)

البيت من البسيط، وهو لدعبل فى امرأته سلمى فى شرح عقود الجمان (2/ 148)، وفيه (دق) بدلا من (زل)، والعمدة لابن رشيق (1 /

288) وفيه (ذاك) بدلا من (ذل).

(4)

البيت بلا نسبة فى نهاية الإيجاز (ص 131)، الطراز (2/ 372)، والتبيان (ص 511)، وعقود الجمان (2/ 147).

(5)

البيت من الوافر، وهو للشماخ فى ديوانه (ص 319)، ولسان العرب (وقف)، (حرن)، ومجمل اللغة (2/ 251)، وتاج العروس (وقف)، (حرت)، ومقاييس اللغة (2/ 47)، والمخصص (8/ 30)، (15/ 210)، والطراز (2/ 372).

ص: 292