المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المجاز والمرسل والمرسل ك اليد خ خ: فى النّعمة والقدرة، والراوية - عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح - جـ ٢

[السبكي، بهاء الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الفنّ الثانى علم البيان

- ‌التشبيه

- ‌أركان التشبيه

- ‌(الغرض من التشبيه)

- ‌وقد يعود إلى المشبّه به، وهو ضربان:

- ‌وهو باعتبار طرفيه:

- ‌وباعتبار وجهه:

- ‌وباعتبار الغرض:

- ‌خاتمة

- ‌الحقيقة والمجاز

- ‌الحقيقة:

- ‌والمجاز: مفرد، ومركّب:

- ‌المجاز والمرسل

- ‌الاستعارة

- ‌وباعتبار آخر ثلاثة أقسام:

- ‌المجاز المركّب

- ‌[فصل [إخماد التشبيه في النفس]

- ‌فصل [تعريف السكاكي للحقيقة اللغوية]

- ‌فصل [حسن كل من التحقيقية والتمثيل]

- ‌فصل [قد يطلق المجاز على كلمة تغيّر حكم إعرابها بحذف لفظ أو زيادة لفظ]

- ‌(الكناية)

- ‌وهى ثلاثة أقسام:

- ‌الأولى: المطلوب بها غير صفة ولا نسبة:

- ‌والثانية: المطلوب بها صفة:

- ‌الثالثة: المطلوب بها نسبة؛ كقولهم [من الكامل]:

- ‌فصل [المجاز والكناية افضل من الحقيقة والتصريح]

- ‌الفنّ الثالث علم البديع

- ‌وهى ضربان: معنوىّ، ولفظى:

- ‌المحسّنات المعنويّة

- ‌الطباق ضربان:

- ‌المقابلة

- ‌مراعاة النظير

- ‌الإرصاد

- ‌المشاكلة

- ‌المزاوجة

- ‌العكس

- ‌الرجوع

- ‌التورية

- ‌الاستخدام

- ‌اللف والنشر

- ‌الجمع

- ‌التفريق

- ‌التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق

- ‌الجمع مع التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق والتقسيم

- ‌التجريد

- ‌المبالغة

- ‌المذهب الكلامى

- ‌حسن التعليل

- ‌تأكيد المدح بما يشبه الذم

- ‌الإدماج

- ‌الهزل يراد به الجد

- ‌تجاهل العارف

- ‌القول بالموجب

- ‌الاطراد

- ‌المحسنات اللفظية

- ‌[الجناس]

- ‌رد العجز على الصدر

- ‌السجع

- ‌الموازنة

- ‌القلب

- ‌التشريع

- ‌لزوم ما لا يلزم

- ‌خاتمة: فى السّرقات الشّعريّة

- ‌الاقتباس

- ‌التضمين

- ‌العقد

- ‌الحلّ

- ‌التلميح

- ‌فصل [ما ينبغى للمتكلم المتأنق فيه]

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ ‌المجاز والمرسل والمرسل ك اليد خ خ: فى النّعمة والقدرة، والراوية

‌المجاز والمرسل

والمرسل ك اليد خ خ: فى النّعمة والقدرة، والراوية خ خ: فى المزادة

ــ

بالاستعارة الاستعمال، فلا بد لها من مستعار، ومستعار منه، ومستعار له، فالمستعار منه المشبه به، والمستعار له المشبه، والمستعار هو اللفظ ويشتق المستعار له منه. أى من الاستعارة؛ لأنها معنى يصح الاشتقاق منه، أما إذا أطلقنا الاستعارة على اللفظ فلا يشتق منه مستعار له، ولا مستعار منه، ولا مستعار؛ لكونه اسما للفظ لا للحدث، كذا قال المصنف، وأيضا فإن المجاز لا يشتق منه، كما صرح به جماعة، وإن كان لنا فيه نظر، وأيضا فإن اللفظ سميناه استعارة، فكيف نسميه مستعارا؟

المجاز المرسل: ص: (والمرسل كاليد إلخ).

(ش): شرع فى تقسيم المرسل، وهو: ما بينه وبين موضوعه علاقة غير المشابهة، وينبغى أن يقال: غير المبالغة فى المشابهة كما سبق، ومثله المصنف بإطلاق اليد على النعمة والقدرة؛ أى: على النعمة تارة، وعلى القدرة أخرى، ولم يبين المصنف العلاقة فى هذا الإطلاق، ويظهر أنها إذا أطلقت على القدرة من إطلاق السبب على المسبب، وإذا أطلقت على النعمة كذلك، لأن اليد سبب النعمة أو من إطلاق المحل على الحال؛ لأن اليد محل النعمة، ومنها تحصل، وهى سبب القدرة على البطش، ونحوه. قال فى الإيضاح: ويشترط أن يكون فى الكلام إشارة إلى المولى لها فلا يقال:

اتسعت البلد فى البلد، أو اقتنيت يدا، كما يقال: اتسعت النعمة واقتنيت نعمة، وإنما يقال: جلت يده عندى، وكثرت أياديه لدى، وفيما ذكره نظر؛ لأن كل مجاز فلا بد له من قرينة كما سبق، فلا حاجة إلى تقييد هذا النوع، ثم الإشارة إلى المولى لها لا يتعين بل بذكر قرينة ما، فقد تحصل القرينة من غير إشارة إلى المولى، كقولك: رأيت يدا عمت الوجود، وقد تحصل الإشارة إلى المولى، ولا قرينة تصرف إلى المجاز، كقولك: يعجبنى يد زيد، وتمثيل المصنف بقوله: جلت يده عندى، فيه نظر، لأن ذلك ليس فيه ما يعين المجاز إذ لا مانع أن تقول: جلت يده عندى، مريدا الجارحة، وأما" كثرت أياديه عندى" ففيه قرينة تصرفه إلى المجاز، ولكن ليست الإشارة إلى المولى، بل لفظ" كثرت" بالثاء المثلثة، لأن الجارحة لا تكثر، وكذلك لفظ الأيادى، إذا قلنا: إن اليد بمعنى النعمة يجمع على أياد وبمعنى الجارحة على أيد، قال المصنف: وأما قوله:" المؤمنون تتكافأ دماؤهم

ص: 130

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم" (1) فهو استعارة، أى: هم مثل اليد؛ وما قاله هو الصواب على ما نختاره، إلا أنه لا يحسن منه؛ لأنه يرى أن مثل ذلك تشبيه لا استعارة إلا أن يريد بقوله استعارة، أنه ليس بمجاز مرسل، ونظير إطلاق اليد على القدرة إطلاق اليمين، وقد ادعى ذلك فى قوله تعالى: وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ (2) وليس كذلك، بل هو استعارة بالتخييل وإليه أشار الزمخشرى بجعله ذلك خارجا عن الحقيقة وعن المجاز، أى المجاز المرسل، والغرض من قوله تعالى: وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ إذا أخذ بجملته، ومجموعه تصوير عظمته - تعالى - والتوقيف على كنه جلاله لا غير، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقية أو جهة مجازية، فإن السامع لذلك إذا كان له فهم يقع على الزبدة والخلاصة (3) التى هى الدلالة على القدرة الباهرة، وأن الأفعال العظيمة التى تتحير فيها الأذهان هينة عليه هوانا لا يوصل السامع إلى الوقوف عليه، إلا بما تؤديه هذه العبارة من التخييل، ولا ترى بابا فى علم البيان أدق ولا ألطف من هذا الباب، ولا أنفع وأعون على تعاطى تأويل المشتبهات، وما أتى من زل إلا من قلة عنايتهم بالبحث والتنقيب، حتى يعلموا أن فى عداد العلوم الدقيقة علما لو قدروه حق قدره لما خفى عنهم أن العلوم كلها مفتقرة إليه، لا يحل عقدة من عقدها المؤرّبة (4)، ولا يفك قيودها المكرّبة

(1)" حسن" أخرجه أبو داود وابن ماجه، وانظر صحيح الجامع (ح 6712).

(2)

سورة الزمر: 67.

(3)

ومن هنا استنبط الطيبى فى التبيان (1/ 339 بتحقيقى) نوعا من الكناية فهمه من الكلام السابق لصاحب الكشاف (3/ 408 - 409) سماه بالكناية الزّبدية، ولنا أن نقول: إن إثبات ما ذهبتم إليه من دلالة الآية التى اختلف فيها: هل هى من باب الاستعارة أو الكناية أو الحقيقة؟ - لا نمانع فيما ذهبتم إليه هنا من دلالة هذه الآية على القدرة الباهرة، ولكننا نقول: إن إثبات هذه الدلالة وهى القدرة لا ينافى إثبات ما وصف الله تعالى به نفسه من صفة (اليمين) بل إن إثبات هذه الدلالة بإثبات تلك الصفة يكون أكمل وأتم، وليس ثمة مانع من إثبات تلك الصفة إلا إثباتها على جهة المشابهة بينه وبين الحوادث، أما إثباته على جهة التنزيه لا على جهة التمثيل وأن له يمينا ويدا لا كسائر الأيدى فليس ثمة مانع منه؛ بل إن هذا هو الأصل؛ لأن الأصل هو الحمل على الحقيقة.

(4)

المؤرّبة: المحكمة وفى اللسان: الأربة بالفم العقدة التى لا تنحل حتى تحلّ حلّا يقال: أرّب عقدتك

وتأريبها إحكامها اللسان: أرب.

ص: 131

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إلا هو، وكم من آية أو حديث قد ضيم وسيم الخسف بالتأويلات البعيدة؛ لأن من تأول ليس من هذا العلم فى عير ولا نفير، ولا يعرف قبيلا منه من دبير، هذه نبذة من كلام الزمخشرى ذكرتها لحسنها غير أنه وقع فى أثنائها وهم، فإنه ذكر أن سبب نزولها:

" أن جبريل جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إذا كان يوم القيامة جعل الله السموات على إصبع والأرضين على إصبع والماء والشجر على إصبع وجميع الخلائق على إصبع ثم يقول: أنا الملك فضحك صلى الله عليه وسلم تصديقا له ثم قال: قرأ هذه الآية وهذا وهم من الزمخشرى وتصحيف، وإنما القائل ذلك حبر من أحبار اليهود قصد بذلك التجسيم (1) ولهذا رد عليه بقوله تعالى: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ (2) وأما قوله فى الحديث:

" تصديقا له"، فهو مؤول، إما على معنى التصديق بحسب اللفظ الذى له محمل صحيح، وإن لم يرد حقيقته التى أرادوها هم، أو غير ذلك. ومن إطلاق اليد بمعنى النعمة إخبار النبى صلى الله عليه وسلم أن أسرع أزواجه لحوقا به أطولهن يدا فأخذوا قصبة يذرعونها، وفى البخارى:" كانت سودة أطولهن (3) يدا"، وفى مسلم:" فكانت أطولنا يدا زينب"(4)، وجمع بينهما بأنهما مجلسان، فالمجلس الذى حضرته زينب غير المجلس الذى حضرته سودة وكانت سودة، على الإطلاق أسرعهن لحوقا به، على أن فى جعله مجازا نظرا لجواز أن يكون كناية، كذا قاله بعضهم، وفيه نظر؛ لأن طول اليد الجارحة لا مناسبة فيه؛ لكثرة الصدقة كالمناسبة فى طول النجاد لطول القامة، وتطلق أيضا اليد على الانقياد كما يقال:

" نزع يده من الطاعة" وقوله تعالى: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (5) يحتمل النعمة والقدرة والانقياد أى يعطوها صادرة عن نعمة حاصلة منكم عليهم وهى إبقاء أرواحهم أو صادرة عن قوة واستعلاء لكم، أو عن قوة لهم؛ لأنهم إذا أعطوا الجزية فقد تجاوزوا قوتهم إلى الضعف، وهو حسن، أو عن انقياد وطاعة منهم، ثم مثّل - المصنف - أيضا للمجاز المرسل بإطلاق الراوية على المزادة، فإنها حقيقة فى الحامل لها، فأطلق عليها وهو من مجاز المجاورة، وظاهر كلام السكاكى، أنها من إطلاق السبب على المسبب لأن الراوية سبب لحمل المزادة.

(1) الحديث أخرجه البخارى 8/ 412.

(2)

سورة الزمر: 67.

(3)

الحديث أخرجه البخارى فى" الزكاة"، (ح 1420).

(4)

الحديث أخرجه مسلم فى" الفضائل"، (ح 2452).

(5)

سورة التوبة 29.

ص: 132

ومنه: تسمية الشئ باسم جزئه؛ كالعين فى الربيئة (1)، وعكسه؛ كالأصابع فى الأنامل ....

ــ

ثم أخذ المصنف فى تعداد العلاقات، وكان ينبغى أن يذكر هذه الأمثلة فى مواضعها. فأشار إلى النوع الأول بقوله:" ومنه" أى: ومن المرسل تسمية الشئ باسم جزئه؛ أى: إطلاق اسم جزء الحقيقة على الحقيقة كلها. وقوله:" تسمية" فيه نظر، فإن المجاز الاسم، لا التسمية ومثاله إطلاق العين على الربيئة، فإن الربيئة اسم للشخص الجاسوس سمى عينا وهو اسم جزئه فأطلق الجزء على الكل. وفيه" نظران".

أحدهما: أن العين اسم لجزء الإنسان مطلقا لا بقيد كونه ربيئة، فلم يطلق اسم جزء الربيئة عليه بل أطلق اسم جزء الإنسان المطلق على الربيئة، إذ ليس فى قولنا للربيئة: عين ما يميزها عن عين غيره.

الثانى: أن العين لم تطلق على ما هو كل لها وهو الإنسان مطلقا، بل على إنسان خاص، فهو من إطلاق جزء الشئ على أخص من كله (ثم أقول): إن أراد المصنف أن العلاقة هى الجزئية ففيه نظر؛ لأنه لم يطلق العين على الربيئة؛ لأنها جزء مطلقا؛ بل لأنها جزء مخصوص هو المقصود فى كون الرجل ربيئة، وما عداها لا يغنى شيئا مع فقدها، كما صرح به فى الإيضاح، وإن أراد أن هذا فيه إطلاق الجزء على الكل، والعلاقة ليست مطلق الجزئية استقام، لكنه بعيد من عبارته وعبارة غيره. ونظير إطلاق العين على الربيئة إطلاق الرقبة على الإنسان فى نحو قوله تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ (2) ثم قد يقال: ما الذى صرف ذلك عن أن تكون علاقته المشابهة فيكون شبه الجزء بالكل، ألا ترى إلى قول المصنف فى الإيضاح:

صارت العين كأنها الشخص كله، ولفظ كأن للتشبيه، ولك أن تنقل هذا السؤال إلى غالب المجاز المرسل وترده إلى الاستعارة فاعتبره فيها، ثم الذى يظهر أن الربيئة لم يطلق عليه عين؛ لأنها جزؤه، بل سمى عينا باسم مرسله لأنه يشبه عين مرسله فى الإطلاع على الحال، كما يقال: أرسلوا عينهم، وبذلك تتضح الاستعارة فيه، وأن يقال: سمى الربيئة عينا؛ لأنه يشبه العين؛ أى: عين من أرسله وإن أبيت إلا أن تقول: إنه من إطلاق الجزء على الكل، فقل: سمى عينا من

(1) وهى الشخص الرقيب.

(2)

سورة النساء: 90.

ص: 133

وتسميته (1) باسم سببه؛ نحو: رعينا الغيث،

ــ

إطلاق اسم جزء المرسل على كله، ويكون جعله عين من أرسله بمعنى: هو الذى أرسله، ومثل فى الإيضاح بقوله تعالى: قُمِ اللَّيْلَ (2) فأطلق القيام، وهو جزء الصلاة عليها لكونه أظهر أركانها، وكذلك قوله تعالى: لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً (3) وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" من قام رمضان"، (4)" من قام ليلة القدر"(5) ومنه تسمية النافلة سبحة.

وقوله:" وعكسه" إشارة إلى القسم الثانى: وهو إطلاق الكل على الجزء، كاستعمال الأصابع فى الأنامل فى قوله تعالى: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ (6) أى:

أناملهم، دل عليه أن العادة أن الإنسان لا يضع جميع أصابعه فى أذنه، ومنه:

" قطعت السارق"، وإنما قطعت يده ومثله الأصوليون بقوله عز وجل:" قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين"(7) أى: الفاتحة (قوله: وتسميته باسم سببه) إشارة إلى القسم الثالث وهو تسمية الشئ باسم سببه، نحو:" رعينا الغيث"؛ أى: النبات فسمى النبات غيثا، لأن الغيث سبب النبات، ومنه تسمية اليد قدرة، فإن اليد سبب القدرة، وجعل منه فى الإيضاح قوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ (8) سمى جزاء الاعتداء اعتداء، من إطلاق اسم السبب على المسبب ومنه قوله تعالى: وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (9) البلاء مجاز عن العرفان ومنه قول عمرو بن كلثوم:

ألا لا يجهلن أحد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا (10)

(1) أى: تسمية الشئ.

(2)

سورة المزمل: 2.

(3)

سورة التوبة: 108.

(4)

أخرجه البخارى فى" الإيمان"، (ح 37)، ومسلم (ح 759).

(5)

أخرجه البخارى فى" التراويح"، (ح 2014)، ومسلم (ح 760).

(6)

سورة البقرة: 19.

(7)

أخرجه مسلم (ح 395).

(8)

سورة البقرة: 94، يمكن أن تعد الآية كذلك من قبيل المشاكلة، نحو قوله تعالى: وجزاء سيئة سيئة مثلها خ خ، انظر التبيان للطيبى بتحقيقى 2/ 399.

(9)

سورة محمد: 31.

(10)

عمرو بن كلثوم من أصحاب المعلقات، وإن كان مقلا.

ص: 134

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فالجهل الأول حقيقة، والثانى مجاز. وفى الآية لطيفة ليست فى البيت، وهى ذكر لفظ التشبيه، ولفظ الاعتداء فإنهما منفران عن القصاص، ومرغبان فى العفو الذى هو مقصود الشارع، بخلاف فنجهل فى البيت، فإنه يخالف مقصوده من طلب الجهل والانتقام. ومما يوضح التجوز فى هذا كله قوله تعالى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ (1) فإنه يشير إلى أن المجازى ليس ظالما، ثم أكد ذلك بقوله تعالى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ فحصل من مجموع الجملة أن المجازى غير ظالم وجعل من ذلك قوله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (2) فإنه أطلق السيئة التى هى سبب القصاص عليه، وقيل: ليس مجازا، فإن السيئة كل ما يسوء الشخص من حق وباطل، فتكون حقيقة (كذا قال المصنف) وهذا الذى قاله هنا من كونه حقيقة، جاز بعينه فى فاعتدوا عليه، وفى فنجهل، فلا وجه لتخصيصه بالسيئة، ثم نقول: فنجهل فوق جهل الجاهلين حقيقة قطعا؛ لأن الجهل فوق جهل الجاهلين ليس مكافأة؛ لأنه ليس مثله بل زائد عليه، والزيادة على مقدار القصاص جهل، بخلاف مثل: ما اعتدى عليكم، وبعد أن خطر لى هذا السؤال رأيت فى الانتصار فى إعجاز القرآن للقاضى أبى بكر الباقلانى ما يشير إليه، وقد يجاب عنه بأن مقابلة التأديب بأكثر منه عند الجاهلية كان محمودا يمتدحون به؛ فليس جهلا حقيقة، فصح أن تسميته جهلا مجاز

ثم اعلم أن ما ذكره المصنف هنا مخالف لما سيأتى فى البديع، لأنه عد قوله تعالى:

وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها من المشاكلة وفسرها بما يقتضى أنها سميت سيئة من مجاز المقابلة لذكرها مع السيئة قبلها، لا للتشبيه، ولو كانت للتشبيه لجاز تسمية الجزاء سيئة، وإن لم يذكر قبلها لفظ السيئة. ثم بعد تسليم أن ذلك كله مجاز، قيل:

إن علاقته المضادة؛ لأن الأول محرم، والثانى مشروع، وقوله تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ (3) قيل: مجاز كذلك من إطلاق المسبب على السبب، وقيل: من مجاز المقابلة، ويفسده قوله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ (4) فإنه لم يذكر قبله ولا بعده مكر الآدمى، فلا مقابلة. قال فى الإيضاح: وقيل: يحتمل أن يكون مكر الله حقيقة، فان المكر هو

(1) سورة الشورى: 40.

(2)

سورة الشورى: 40.

(3)

سورة آل عمران: 54.

(4)

سورة الأعراف: 99.

ص: 135

أو مسبّبه؛ نحو: أمطرت السماء نباتا،

ــ

التدبير فيما يضر الخصم، وهذا محقق من الله باستدراجه إياهم بنعمه مع ما أعدّ لهم من نقمه. (قلت): لا يصح ذلك؛ لأن التدبير أيضا يستحيل نسبة حقيقته إلى الله - تعالى - قال الجوهرى: التدبير فى الأمر أن ينظر إلى ما تؤول إليه عاقبته. وقال الراغب: هو التفكر فى دبر الأمور. وقال الغزالى: جودة الروية فى استنباط الأصلح، وهو على الله تعالى محال؛ ولذلك فسر قوله تعالى: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ (1) بأنه أقام بذلك من يدبره. وقيل: معناه: يقضى. وقيل: يريد ولو أن المصنف ترك التعبير بالتدبير وقال: المكر حقيقة فى فعل ما يسوء الشخص فى عقباه لما ورد عليه هذا، لكنه لا يوافق اللغة. قال الجوهرى: المكر الاحتيال والخديعة، وذكر الراغب نحوه، فثبت أنه فى الآية مجاز. ومن لطيف مجاز التشبيه أو المقابلة قوله تعالى: فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (2) فإن الجزاء سمى عدوانا لمقابلته للعدوان، أو لتسببه عنه ولذلك أخرج من عمومه بالاستثناء، فوجه لطفه أن المقابلة لم تقع بين كلمتين بل بين مدلولات كلمة واحدة، ويمكن أن يقال فى مثل ذلك: إنه جمع بين الحقيقة والمجاز، وهذا كله - أيضا - يحتمل أن يكون استعارة كما سبق (قوله: أو مسببه) إشارة إلى القسم الرابع وهو تسمية السبب باسم المسبب، نحو:" أمطرت السماء نباتا" فذكر النبات، وأريد الغيث؛ لأن الغيث سبب النبات، وهو عكس ما قبله، وعليه قوله تعالى: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ (3) وجعل المصنف منه ((كما تدين تدان)) (4)؛ أى: كما تفعل تجازى، وكذا قوله تعالى: وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً (5)؛ أى: مطرا هو سبب الرزق، وقد يقال: إن المطر نفسه رزق؛ لأن الرزق بمعنى المرزوق، وكذلك قوله تعالى: إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً (6) وقال الشاعر:

أكلت دما إن لم أرعك بضرّة

بعيدة مهوى القرط طيّبة النشر (7)

(1) سورة السجدة: 5.

(2)

سورة البقرة: 193.

(3)

سورة الزمر: 6.

(4)

الحديث ضعيف أخرجه ابن عدى عن ابن عمر، انظر ضعيف الجامع ص 159.

(5)

سورة غافر: 13.

(6)

سورة النساء: 10.

(7)

البيت من مختارات أبى تمام فى ديوان الحماسة لبعض الأعراب من غير تعيين، والإيضاح بتحقيقى 250.

ص: 136

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كذا فى الإيضاح والمراد: أكلت الدية؛ والذى يظهر أنه معكوس وأنه من إطلاق المسبب على السبب نظرا إلى دية موروثه المقتول وكأن المصنف أراد دية القاتل. كأن من أكل الدية أكل دم القاتل، لكن نقول: الدية ليست سببا للدم بل سببا لعصمته، ومنه فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ (1) أى: أردت هذا المشهور، وعليه سؤال وهو أنّ الإرادة إن أخذت مطلقا لزم استحباب الاستعاذة لمجرد إرادة القراءة حتى لو أراد ثم عنّ له أن لا يقرأ يستحب له الاستعاذة وليس كذلك وإن أخذت الإرادة بشرط اتصالها بالقراءة استحال تحقق استحباب الاستعاذة قبل القراءة، وفى البخارى أن معنى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ؛ أى: إذا استعذت فاقرأ، وجعل المصنف منه: وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ (2) أى: أراد بقرينة، فقال: رب، وكذلك: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها (3)، أى: أردنا بقرينة، فَجاءَها بَأْسُنا. وفيه نظر؛ لأن الأخص من الفعلين قد يعطف بالفاء على الأعم. تقول: أكرمنى زيد فجاد على.

(تنبيه): اعلم أنه دخل فى قولنا: إطلاق السبب على المسبب أو عكسه الأسباب الأربعة: المادى ويسمى القابلى كإطلاق الخشب على السرير، ومثّله الإمام بقولهم: سال الوادى. وفيه نظر؛ لأن الوادى ليس مادة للسيل ولا للسائل، وهذا القسم أعنى السبب المادى، يدخل فى علاقة السببية ويدخل فى علاقة إطلاق الشئ على ما يؤول إليه فإن المادة تؤول إلى مسببها ودخل السبب الصورى وهو أيضا يدخل فى إطلاق الشئ على ما يؤول إليه؛ لأن المادة تؤول إلى الصورة، ومثل الإمام فخر الدين هذا بتسمية اليد بالقدرة. واعترض عليه الأصبهانى بأن القدرة ليست صورة اليد؛ بل لازمة لصورة اليد. وجوابه أنها صورة معنوية قال القرافى: انعكس الأمر على الإمام، وصوابه كتسمية القدرة باليد؛ فإن اليد سبب القدرة. وفيما قاله نظر؛ لأن القدرة هى سبب اليد؛ إذ لا يوضع إلا بها؛ لأن من الواضح أن المعنى باليد هنا إنما هو المعنى المسوغ للتصرف، لا الجارحة، ودخل السبب الفاعلى، سواء أكان فاعلا حقيقة أم لا، كتسمية المطر سماء، وقد ذكرنا أمثلته فى شرح كلام المصنف ودخل السبب الغائى مثل:

تسمية العصير خمرا وهى من تسمية الشئ بما يؤول إليه (قوله: أو ما كان عليه)

(1) سورة النحل: 98.

(2)

سورة هود: 45.

(3)

سورة الأعراف: 4.

ص: 137

أو ما كان عليه؛ نحو: وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ (1)، أو ما يؤول إليه؛ نحو: إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً (2)، أو محلّه؛ نحو: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (3)، أو حاله؛ نحو: وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ (4) أى: فى الجنة ....

ــ

إشارة إلى القسم الخامس وهى تسمية الشئ باسم ما كان عليه، كقوله تعالى:

وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ، أى: الذين كانوا يتامى؛ لأن الرشيد لا يسمى يتيما حقيقة.

ومنه إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً (5)

واعلم أن قولنا: تسمية الشئ باسم ما كان عليه، عبارة قالها من لا أحصيه عددا وهى عند التحقيق فاسدة؛ فإن اسم ما كان عليه اليتيم والمجرم اليتيم والإجرام لا اليتيم والمجرم، وإصلاح العبارة أن نقول:" باسم" بالتنوين وما صفة له.

واعلم أن فى جعل هذا مجازا فى المشتقات التفاتا على أن إطلاق اسم الفاعل باعتبار الماضى مجازا أولا وفيه خلاف، محله كتب الأصول (قوله: أو ما يؤول إليه) إشارة إلى السبب السادس وهو تسمية الشئ باسم ما يؤول إليه كتسمية العنب خمرا فى قوله تعالى: إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً أى عنبا، ومنه: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (6) ومنه:" من قتل قتيلا"(7) كذا قالوه، وفى ذلك نظر؛ لأن القتيل اسم مفعول، واسم المفعول لا يصدق حقيقة إلا حال تلبس الفعل به، كالمقتول قتل، وهو قتيل لا وهو صحيح، كما أن القنديل ينكسر مكسورا لا صحيحا لأن الكسر والقتل سبب كونه قتيلا ومكسورا والسبب مع المسبب فى الزمان لا يتقدم عليه فليتأمل، فإنه حق وإن كان مخالفا لكلام كثيرين، وأشار إلى السابع بقوله: أو محله أى أقسام المجاز تسمية الشئ باسم محله نحو قوله تعالى: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ وفيه نظر، فقد قيل: إنه من مجاز الحذف كقوله تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ (8) وقد ذكره المصنف فى باب الإيجاز فيلزمه أن يقول بمثله فى فَلْيَدْعُ نادِيَهُ وإلا فما الفرق؟ (قوله أو حاله) هو القسم الثامن وهو إطلاق اسم الحال على المحل نحو: وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ

(1) سورة النساء: 4.

(2)

سورة يوسف: 36.

(3)

سورة العلق: 17.

(4)

سورة آل عمران: 107.

(5)

سورة طه: 74.

(6)

سورة البقرة: 2.

(7)

أخرجه البخارى فى" المغازى"، (8/ 29)، وفى غير موضع.

(8)

سورة يوسف: 82.

ص: 138

أو آلته؛ نحو: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (1) أى: ذكرا حسنا

ــ

أطلقت الرحمة وهى حالة على محلها وهى الجنة. وأشار إلى التاسع بقوله: أو آلته أى تسمية الشئ باسم آلته نحو قوله تعالى: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ أى ذكرا حسنا فأطلق اسم الآلة وهو اللسان على الذكر ولك أن تقول: هذا من باب إطلاق المحل على الحال؛ لأن الذكر حال فى اللسان فهو كقوله تعالى: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ.

(تنبيه): قد ذكر المصنف تسع علاقات، وذكر قبلها الراوية للمزادة وهو من مجاز المجاورة، وكأنه استغنى بمثاله عن ذكره فحاصل ما ذكره عشرة إلا أن الأخرى منها هى السابعة كما سبق، وقد زاد غيره علاقات كثيرة تقارب هى وما ذكرناه أكثر من ثلاثين وبعضهم يعددها علاقات، وبعضهم يعدد أقسام المجاز بحسبها، وربما جمعوا بين العبارتين فأخطأوا؛ بأن يقولوا: من العلاقات إطلاق الجزء على الكل وهذه ليست علاقه بل العلاقة الجزئية، منها العشر المذكورة، ومنها مجاز إطلاق اسم الملزوم على اللازم كقوله تعالى: أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (2) أطلق الكلام على الدلالة؛ لأنها لازمة له. وفيه نظر؛ لأنه دخل فى إطلاق السبب على المسبب ومنها مجاز إطلاق اللازم على الملزوم، كقول الشاعر:

قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم

دون النّساء ولو باتت بأطهار (3)

أطلق شد المئزر على الاعتزال؛ لأن الاعتزال يلزمه شد الإزار وفيه نظر؛ لأنه من إطلاق المسبب على السبب ومنها مجاز إطلاق المطلق على المقيد، كقوله تعالى:

فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ (4) والمراد مؤمنة وهو يرجع إلى التعبير بالجزء عن الكل؛ لأن المطلق جزء المقيد إلا أنه أخص منه؛ لأن الجزء أعم من أن يكون جمليا كالمطلق، أو غير جملى كسقف الدار، ومنها عكسه، وهو أيضا يرجع إلى التعبير بالكل عن الجزء، ومنها الخالى عن الفائدة، وسنفرده بالذكر ومنها مجاز إطلاق العام وإرادة الخاص، ومثلوه بقوله تعالى: وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (5) ولا يتعين لأن لفظ:" رفيق" يستعمل للواحد والجمع، ثم هذا القسم هو من التعبير بالجزء عن الكل، ومنها عكسه وهو أيضا من

(1) سورة الشعراء: 84.

(2)

سورة الروم: 35.

(3)

البيت من قصيدة فى ديوان الأخطل: ص 144 وعدد أبياتها 49 بيتا والكامل 1/ 208.

(4)

سورة النساء: 92.

(5)

سورة النساء: 69.

ص: 139

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مجاز إطلاق الكل على الجزء، ومنها مجاز تسمية المتعلق باسم المتعلق، كتسمية المعلوم علما ومنها عكسه، وهما يدخلان فيما سبق، ومنها مجاز إطلاق أحد الضدين على الآخر، وإن شئت قلت: تسمية أحد المتقابلين باسم الآخر وهو أعم من الأول، كتسمية اللديغ سليما، والبرية المهلكة: مفازة، ومثله الأصوليون وكذلك المصنف فيما سيأتى من البديع بقوله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (1) ونحوه، وقد تقدم التمثيل بذلك لعلاقة السببية، وتقدم أنه لا يصح تمثيله بقوله تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ (2).

واعلم أنه لا يشترط فى مجاز المقابلة أن تتقدم الكلمة الحقيقة بل قد تتقدم مثل وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ (3) وقد تتأخر كقوله تعالى: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (4) وقوله صلى الله عليه وسلم:" إن الصدقة تقع فى يد الله تعالى قبل وقوعها فى يد المسكين". وليس منه:

يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ (5)؛ لأن يد الله مغلولة محكى عنهم لم يؤت به للمقابلة. بل قد أغرب الخفاجى فقال فى سر الفصاحة: إن قوله تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (6) من مجاز المقابلة؛ لأنه لما ذكرت البشارة فى المؤمنين فى آية أخرى ذكرت فى الكافرين وهذا يقتضى: أن مجاز مقابله لا يشترط فيه ذكر الطرف الحقيقى لفظا؛ بل يسمى كل اسم ثبت لأحد المتقابلين حقيقة أطلق على مقابلة مجازا وفى هذه التسمية نظر؛ لأنها مخالفة لاصطلاح الناس، ومنها مجاز تسمية المستعد لأمر باسمه كتسمية الخمر فى الدن مسكرا، كذا قالوه، وليس بشئ لأن هذا من تسمية الشئ باسم ما يؤول إليه وقد سبق، ومنها مجاز تسمية الشئ باسم مبدله ومثلوه بقولهم:" أكل الدم" أى الدية وقد تقدم التمثيل بذلك للسببية ومثلوه أيضا بقولهم:

إنّ لنا أحمرة عجافا

يأكلن كلّ ليلة إكافا (7)

(1) سورة الشورى: 40.

(2)

سورة آل عمران: 54.

(3)

سورة آل عمران: 54.

(4)

سورة الفتح: 10.

(5)

سورة المائدة: 64.

(6)

سورة التوبة: 34.

(7)

فى الإيضاح بتحقيقى: والإكاف. البرذعة، والضمير للأحمرة التى يصفها أبو حزابة الوليد بن حنيفة فى قوله قبله: إن لنا أحمرة عجافا ص 248.

ص: 140

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولا يصح إلا بأن نقول: أطلق الإكاف على بدل بدله لأن ثمن الإكاف: بدله، والعلف المأكول بدل للثمن وإلا فبدل الإكاف، وهو الثمن ليس مأكولا؛ لأن بيع الإكاف بالعلف يندر، ويحتمل أن يقال: تجوز بالإكاف عن الثمن لعلاقة البدلية، وتجوز تقديرا بالثمن عن العلف من علاقة السببية، وبه يحسن أن يقال: إن هذا مثال لعلاقة البدلية، وأن يقال: هو مثال لعلاقة السببية.

ومنها مجاز إطلاق المعرف وإرادة المنكر، كقوله تعالى: وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً (1)؛ لأن المراد" بابا من الأبواب" كذا قيل، وهو كلام سخيف لأن الألف واللام تأتى للعهد الذهنى، ويؤيده أنّ مصحوب هذه نكرة معنى، وإن كان معرفة لفظا، ومنها مجاز إطلاق النكرة وإرادة العموم كقوله تعالى: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (2) وقولهم:" امرأ وما اختار" أى: كل نفس، ودع كل امرئ. وفيه نظر؛ لجواز أن تكون كل هنا مضافا محذوفا، ويحتمل أن يقال: أريد حقيقة النفس التى هى أعم منها بقيد الوحدة والتعدد، ومنها مجاز إطلاق المعرف بالألف واللام وإرادة الجنس. نحو: الرجل خير من المرأة، وهو كلام ضعيف أيضا؛ لأن الألف واللام للجنس حقيقة، إلا أن يخرج ذلك على أنها حقيقة فى العموم، فاستعمالها فى غيره مجاز، ويلزم على هذا أن تكون الأداة العهدية مطلقا مجازا، ويفسده قول صاحب المحصول وغيره: الألف واللام للعموم عند عدم المعهود، ومنها مجاز النقص والزيادة، وسيأتيان فى كلام المصنف، ويتبين أنهما ليسا مجازين فى الحقيقة ومنها مجاز المشابهة، وهو الاستعارة، وسيأتى مفردا بالذكر.

(تنبيه): قسم السكاكى المجاز المرسل إلى: مفيد، وخال عن الفائدة، وجعل الخالى عن الفائدة ما استعمل فى أعم من موضوعه، كالمرسن فإنه مستعمل فى الأنف لا بقيد كونه لمرسون وهو فى الأصل موضوع له بقيد كونه

مرسونا، وكالمشفر فى قولنا:" غليظ المشافر" إذا قامت قرينة على أن المراد الشفة لا غير. قال المصنف:

والشيخ عبد القاهر جعل الخالى عن الفائدة ما استعمل فى شئ بقيد مع كونه موضوعا لذلك الشئ بقيد آخر من غير قصد التشبيه، ومثله ببعض ما مثل به السكاكى،

(1) سورة البقرة: 58.

(2)

سورة الانفطار: 5.

ص: 141