الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونحو قوله [من الكامل]:
لا تعجبى يا سلم من رجل
…
ضحك المشيب برأسه فبكى
ويسمى الثانى إيهام التضادّ.
المقابلة
ودخل فيه ما يختصّ باسم المقابلة؛ وهى أن يؤتى بمعنيين متوافقين أو أكثر، بما يقابل ذلك على الترتيب،
ــ
لا تعجبى يا سلم من رجل
…
ضحك المشيب برأسه فبكى (1)
فإنه لا تضاد بين الشيب الذى هو ضحك المشيب وبين البكاء، بل هما متناسبان، إلا أنه لما كان الضحك الحقيقى معناه السرور، أوهم باستعارته للمشيب أنه ضحك حقيقة فقابله بضد الضحك الحقيقى وهو البكاء، ومن الناس من زعم أن الضمير فى فبكى يعود إلى المشيب بتأويل ودعاه إلى ذلك توهم أن المقابلة تستدعى اتحاد المسند إليه، وليس كذلك، وسيأتى مع عدم الاتحاد فى قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (2) الآية وقد جعل من هذا قوله:
لو ذقت برد رضاب تحت مبسمها
…
يا حار ما لمت أعضائى الّتى ثملت
فإن من سمع يا حار توهم أنه ضد، برد، وكذلك لو قال: يا صاح لطابقه قوله:" ثملت" وقد يعترض عليهما بأن حار لا يوهم المطابقة إلا لو شدّدت راؤه، وكذلك" صاح" إنما أن لو كان صاحبى، لأن الموهم إنما هو صاحبى بالياء.
المقابلة: ص: (ودخل فيه ما يختص باسم المقابلة إلخ).
(ش): أى: دخل فى الطباق ما يسمى مقابلة، وهى - أى: المقابلة - أن يؤتى بمعنيين متوافقين أو أكثر، بأن يكون معان متوافقة، ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب بأن يكون الأول للأول؛ والثانى للثانى، وقال المطرزى فى شرح المقامات:
المقابلة أعم من الطباق، فإن المقابلة يدخل فيها نحو:" أنت ابن الدنيا وغيث الجود" فلم
(1) البيت لدعبل، الإيضاح ص 340، عقود الجمان ج 2 ص 70.
(2)
سورة الليل: 5.
والمراد بالتوافق خلاف التقابل؛ نحو: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً (1)، ونحو قوله [من البسيط]:
ما أحسن الدّين والدّنيا إذا اجتمعا
…
وأقبح الكفر والإفلاس بالرّجل
ونحو: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (2)، المراد باستغنى: أنه زهد فيما عند الله تعالى كأنه مستغن عنه؛ فلم يتّق، أو استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الجنة؛ فلم يتّق.
ــ
يعتبر التنافى، وصاحب بديع القرآن شرط فى المقابلة أن تكون بأكثر من اثنين من الأربعة إلى العشرة، وعلى هذا المراد" بالتوافق" ليس" التناسب"، بل خلاف التقابل مطلقا سواء كانا متناسبين أم لا، ولا شك أن الطباق كله
تقابل كما سبق فى حده، فاسم التقابل صادق عليه إلا أنهم اصطلحوا على تسمية هذا النوع فقط تقابلا، وهو ما كان الطباق فيه مكررا، فإن قلت: إذا كان التقابل المراد أخص من الطباق فكيف يدخل فى الطباق، والأخص لا يدخل فى الأعم بل الأعم يدخل فى الأخص؟ قلت: كثيرا ما يقال عن الفرد: إنه داخل فى الجنس، والمراد إعلام أنه فرد من أفراد الجنس غير خارج عنه، لم يريدوا دخول النوع بجميع أجزائه بل دخول ما فيه من حصة الجنس، وذلك إما أن يكون تقابل اثنين باثنين كقوله تعالى: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً وتوافق الضحك، والقلة لكونهما لا يتقابلان، وكذلك البكاء مع الكثرة، وإما تقابل ثلاثة بثلاثة كقوله:
ما أحسن الدّين والدّنيا إذا اجتمعا
…
وأقبح الكفر والإفلاس بالرّجل (3)
فقد قابل أحسن بأقبح والدين بالكفر والدنيا بالإفلاس، والمراد بالدنيا اليسار والواو فى قوله:" والإفلاس" إما أن تجعل بمعنى المعية، وإما أن يكون الإفلاس مفعولا معه، ويدل على إرادة المعية قوله فيما قبله: إذا اجتمعا، وإما تقابل أربعة كقوله تعالى:
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى فقد قابل أربعة بأربعة، فإن" أعطى" يقابل" بخل" و" اتقى" يقابل" استغنى" و" صدق" يقابل كذب واليسرى يقابل العسرى والمراد
(1) سورة التوبة: 82.
(2)
سورة الليل: 5 - 10.
(3)
البيت لأبى دلامة، الإيضاح ص 341، العمدة ج 2 ص 17، معاهد التنصيص ج 2 ص 207، الإشارات ص 63، شرح عقود الجمان ج 2 ص 73، نهاية الأرب ج 7 ص 102، شرح السعد ج 4 ص 84، المصباح ص 194.
وزاد السكاكى: وإذا شرط هنا أمر، شرط ثمّة ضدّه؛ كهاتين الآيتين؛ فإنه لما جعل التيسير مشتركا بين الإعطاء والاتقاء والتصديق، جعل ضدّه مشتركا بين أضدادها.
ــ
باستغنى لم يتق، أى: زهد فيما عند الله كأنه مستغن عنه فلم يتق أو استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الجنة واعلم أن هذا ليس من الطباق كما زعم المصنف بل من الملحق به فإن استغنى ليس بمضاد لاتقى بل الغنى سبب لعدم الاتقاء المضاد لاتقى كما تقدم فى قوله: لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ (1) هذا ما ذكر المصنف هنا، وزاد فى الإيضاح أنه قد يكون مقابلة خمسة بخمسة، كقول المتنبى:
أزورهم وسواد اللّيل يشفع لى
…
وأنثنى وبياض الصّبح يغرى بى (2)
قال المصنف: وفيه نظر؛ لأن الباء واللام فيهما صلتا الفعلين فهما من تمامهما، وهذا بخلاف اللام وعلى فى قوله تعالى: لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ (3) وزاد السكاكى فى التقابل شرطا، وهو أنه إذا شرط هنا أمر شرط، ثم ضده، كقوله تعالى:
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى (4) الآيتين (5) فإنه تعالى لما جعل التيسير مشتركا بين الإعطاء، والاتقاء، والتصديق جعل ضده مشتركا بين أضدادها، وفى هذا الكلام نظر؛ لأن التيسير ليس شرطا جعل فى أحدهما، فجعل فى الآخر ضده، بل هو مشروط للأمور الأولية فجعل مشروطا للأمور الثانية، ثم قوله:" لما جعل التيسير مشتركا بين هذه الأمور جعل ضده مشتركا بين أضدادها" يقتضى أنه جعل ضد التيسير فى الآية الثانية، وليس كذلك بل التيسير فيهما مذكور مطلوب جعل كليا صادقا على الطرفين، ليس فى أحدهما هذا الأخير غير أن متعلق التيسير الأول وهو الميسر له ضد متعلق الثانى.
(1) سورة القصص: 73.
(2)
البيت للمتنبى فى ديوانه، الإيضاح ص 342، سر الفصاحة ص 193، الإشارات ص 263، تحرير التحبير ص 181، شرح عقود الجمان ج 2 ص 74، تجريد البنانى ص 218، الإبانة ص 91، البديع لابن منقذ 13، نهاية الأرب ج 7 ص 103، الوساطة ص 163، المصباح ص 194.
(3)
سورة البقرة 286.
(4)
سورة الليل: 5.
(5)
5، 6 نفس السورة.