الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو باعتبار طرفيه:
إمّا تشبيه مفرد بمفرد، وهما غير مقيّدين؛ كتشبيه الخد بالورد.
ــ
إلا أن تفاوتهما لم يقصد، وكذلك تساويهما، بخلاف القسم قبله، فإنه يراد تساويهما.
وقد تلخص أن وجه الشبه إن كان مستويا فى المحلين، فالأحسن التشابه، وإن استعمل التشبيه فيه فخلاف الأصل، وإن لم يكن، بل كان متفاوتا، فإن لم يقصد التفاوت جاز التشابه والتشبيه، أما التشابه فلإرادة مجرد
الجمع، وأما التشبيه فرعاية لكون الوجه فى المشبه به باعتبار الخارج أتم، وإن قصد التفاوت تعين التشبيه. هذا هو التحقيق، وإن كان فيه مخالفة لظاهر كلام المصنف وغيره. وقد علم أن كل تشبيه يسوغ فيه التشابه من غير عكس؛ لأنه إذا حصل التفاوت بين الشيئين، قد يقصد المتكلم الإخبار بأصل الاشتراك، فيسوغ له حينئذ التشبيه بخلاف العكس.
(قلت): ينبغى أن يلحق بلفظ التشابه ما وازنه من التماثل، والتشاكل، والتساوى، والتضارع، وكذلك هما سواء لا ما كان له فاعل ومفعول، مثل: شابه، وساوى، وضارع فإن فيه إلحاق الناقص بالزائد.
ص: (وهو باعتبار طرفيه إلى آخره).
(ش): لما انقضى الكلام فى الطرفين، والوجه، والأداة، والغرض، شرع فى الأقسام، فأولها: الكلام على أقسام التشبيه باعتبار الطرفين، ولك أن تقول: من أقسام التشبيه باعتبار الطرفين، كونهما حسيين، أو لا، وقد تكلم على ذلك. فإن قلت: إنما تكلم عليه استطرادا حين ذكر الطرفين فى أركان التشبيه. قلت: فهلا استطرد لهذا أيضا؟ وأى فرق بين التقسيم إلى حسى وغيره، حتى يجعل فى الكلام على الطرفين، وبين التقسيم إلى مركب وغيره، حتى يجعل من أقسام التشبيه؟ وقد قسم التشبيه، باعتبار الطرفين إلى: تشبيه مفرد بمفرد، أو مركب بمركب، أو مفرد بمركب، أو عكسه.
الأول: تشبيه مفرد بمفرد، وهو أربعة أقسام: أن يكونا غير مقيدين، كتشبيه الخد بالورد، والمراد بالقيد هنا ما كان قيدا له مدخل فى التشبيه. يحترز بذلك عن قولنا: خد زيد كهذا الورد، وكذلك كل تشبيه كان طرفاه حسيين، فإن المفرد فيه غير مقيد بقيد تشخصه الخاص، وكذلك قولنا: هذا الخد كهذا الورد، تشبيه
أو مقيّدان؛ كقولهم: هو كالراقم على الماء. أو مختلفان؛ كقولهم [من الرجز]:
والشّمس كالمرآة فى كفّ الأشلّ
ــ
مفرد غير مقيد، بمفرد غير مقيد، وأن قول المصنف: تشبيه الخد بالورد، لا يعنى به ما إذا كانا كليين، بل أعم من ذلك، ومثله المصنف فى الإيضاح بقوله تعالى:
هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ (1) لا يقال: المشبه به مقيد، بقوله تعالى:(لكم) و (لهن)؛ لأنا نقول: هو قيد لفظى، لا أثر له فى وجه الشبه كما سبق. نعم قد يقال: المشبه هنا مقيد، والمعنى: هن فى وقت المضاجعة لا مطلقا، وإليه يشير ما نقله المصنف عن الزمخشرى، أن ذلك تشبيه محسوس بمحسوس، وأن المراد: أن كلا يكون لصاحبه كاللباس.
الثانى: أن يكونا مفردين مقيدين، والفرق بين المفرد المقيد والمركب: أن المركب كل واحد من أجزائه جزء الطرف، والمفرد المقيد يكون الطرف فيه ذلك المقيد، والقيد شرط لا جزء، ومثله المصنف بقولهم: هو كالراقم على الماء وعبارته فى الإيضاح:
كقولهم لمن لا يحصل من سعيه على شئ: هو كالقابض أو الراقم على الماء، فإن المشبه هو الساعى (2) بهذا الوجه.
والثانى: الساعى كالراقم على الماء، ويكون قيد كون سعيه كذلك فلا يكون السعى قيدا، بل صفته هى القيد، ووجه الشبه بينهما هو عدم النفع به، والتسوية بين الفعل والترك، وكلام التلخيص قريب من الصورة الثانية، وعبارته فى الإيضاح تقتضى الأولى، لا سيما وقد قال: إن القيد فيهما هو الجار والمجرور، ولو أراد المثال الثانى لكان القيد فى المشبه هو الصفة بقيدها.
وقد أورد على المصنف أن عدم الحصول على شئ هو وجه الشبه، فكيف يجعل قيدا فى الطرفين؟ ولو صح لكان كل طرفين مقيدين، لأن وجه الشبه قيد فيهما.
الثالث: أن يكونا مختلفين، والمقيد هو المشبه به، كقول ابن المعتز أو أبى النجم:
والشمس كالمرآة فى كفّ الأشل
(1) سورة البقرة: 187.
(2)
قوله فإن المشبه إلخ كذا فى الأصل ولا يخفى ما فيه فارجع إلى النسخ الصحيحة انتهى كتبه مصححه.
وعكسه (1).
وإمّا تشبيه مركّب بمركب؛ كما فى بيت بشّار (2).
ــ
فإن المشبه الشمس مطلقا، والمشبه به المرآة بقيد كونها فى كف الأشل، وفيه نظر لما سيأتى فى القسم بعده.
الرابع: مختلفان، والمقيد هو المشبه مثل أن تقول: والمرآة فى كف الأشل كالشمس، وإليه أشار بقوله: وعكسه القسم الثانى تشبيه مركب بمركب، وهو ما طرفاه كثرتان مجتمعتان، ومثاله بيت بشار السابق، وقد تقدم فى تقسيمات وجه الشبه، فلو أخر المصنف ذلك إلى هنا، لكان أولى، وهو قوله:
كأنّ مثار النّقع فوق رءوسنا
…
وأسيافنا، ليل تهاوى كواكبه (3)
فإنه لم يرد تشبيه مثار النقع بالليل، فإنه غير طائل، ولا تشبيه السيوف بالكواكب، فإنه غير طائل، بل قصد تشبيه
الهيئة الحاصلة من اجتماعهما على هذه الصورة، بالهيئة الحاصلة من الليل والكواكب المتهاوية، ألا ترى أن: تهاوى كواكبه، جملة هى صفة لليل، بخلاف قول امرئ القيس:
كأنّ قلوب الطّير رطبا ويابسا
…
لدى وكرها العنّاب والحشف البالى (4)
فإن ذلك مشبه ومشبه به متعددان، كما سيأتى.
(1) كتشبيه المرآة فى كف الأشلّ بالشمس.
(2)
يعنى قوله:
كأن مثار النقع فوق رءوسنا *
…
وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
(3)
البيت لبشار بن برد فى ديوانه 1/ 318، والشعر والشعراء ص 759، وأسرار البلاغة 2/ 23، ودلائل الإعجاز 96، ونهاية الإيجاز ص 155، والمفتاح ص 337، والإيضاح ص 346، والتبيان ص 198، والإشارات ص 180، ومعاهد التنصيص 2/ 28، والطراز 1/ 291، وخزانة الأدب لابن حجة ص 189، ونهاية الأرب 1/ 62، والوساطة ص 313، وسر الفصاحة ص 239، ويتيمة الدهر 1/ 133، والعمدة 1/ 291، والمصباح ص 106، وأخبار أبى تمام ص 180، ويروى بلفظ:"
…
فوق رءوسهم.
(4)
البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص 38، وشرح التصريح 1/ 382، وشرح شواهد المغنى 1/ 342، 2/ 595، 819، والصاحبى فى فقه اللغة ص 244، ولسان العرب 1/ 206 (أدب)، والمقاصد النحوية 3/ 216، والمنصف 2/ 117، وتاج العروس (بال)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 7/ 64، وأوضح المسالك 2/ 329، ومغنى اللبيب 1/ 218، 2/ 392، 439.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واعلم أن المصنف قال فى الإيضاح: إن المقصود فى بيت بشار الهيئة الحاصلة؛ ولذلك وجب الحكم بأن أسيافنا فى حكم الصلة للمصدر، ونصب الأسياف لا يمنع من تقدير الاتصال؛ لأن الواو فيها بمعنى مع، فهو كقولهم: تركت الناقة وفصيلها:
قال المصنف فى الإيضاح: وهذا القسم ضربان: الأول: ما لا يصح تشبيه كل جزء من أحد طرفيه بما يقابله من الطرف الآخر، كقوله:
غدا والصبح تحت الليل باد
…
كطرف أشهب ملقى الجلال (1)
فإن الجلال فيه فى مقابلة الليل، فلو شبه به لم يكن شيئا، وقد أورد أن تشبيه الليل بالجلال صحيح بجامع مطلق الستر، فلم يصح ما قاله. وأجيب بأن المصنف لم يمنع صحته، بل منع حسنه، وقول القاضى التنوخى:
كأنما المريخ والمشترى
…
قدامه فى شامخ الرّفعه
منصرف بالليل عن دعوة
…
قد أسرجت قدامه شمعه (2)
فإن المريخ فى مقابلة المنصرف، ولو قيل: كأنما المريخ منصرف عن الدعوة كان خلفا من القول، وعلى سياق ما سبق يتعين أن يكون المريخ والمشترى قدامه، جملة حالية؛ ليكون التشبيه مركبا، والثانى: ما يصح تشبيه كل جزء من أجزاء أحد طرفيه بما يقابله من الآخر، غير أن الحال تتغير، كقول أبى طالب الرقى:
وكأنّ أجرام النّجوم لوامعا
…
درر نثرن على بساط أزرق
فلو قيل: كأن النجوم درر، وكأن السماء بساط أزرق، لصح؛ لكن أين يقع من التشبيه، الذى يريك الهيئة التى تملأ القلوب سرورا وعجبا، من طلوع النجوم، مؤتلقة متفرقة فى أديم السماء، وهى زرقاء زرقتها صافية؟
(قلت): تشبيه المركب بالمركب، والمفرد المقيد بالمفرد المقيد لا يكاد ينفصل أحدهما عن الآخر فى اللفظ، بل فى المعنى فحيث كان المقصود الهيئة الحاصلة من مجموع أمرين، أو أمور، فهو تشبيه مركب بمركب؛ لأن كل واحد من أجزاء الطرف
(1) البيت لأبى المعتز.
(2)
قائلهما هو القاضى التنوخى على بن أبى فهم، الشاعر الكاتب الناقد، صديق الوزير المهلبى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الواحد ليس مقصودا، وإن صح تشبيهه بجزء الطرف الآخر، وحيث كان المقصود أحد أجزاء الطرف الآخر؛ ولكن بقيد فيه، وليس ذلك القيد مقصودا لنفسه، بل للطرف، فهو مقيد بمقيد، وإذا وجدت فى أحد الطرفين قيدا لفظيا، فانظر إلى المعنى، فإن وجدت المقيد هو المقصود، والقيد تبع؛ لم يؤثر فيه شيئا، فهو مفرد مقيد. وإن وجدت تشبيههما إلى الهيئة الحاصلة فى الذهن على السواء، فهو تشبيه مركب، وإن أردت تشبيه أشياء متفاصلة بأشياء متفاصلة فهو تشبيه متعدد بمتعدد، وإذا أتيت بالعطف، وقلت: زيد وثوبه، كبكر وثوبه، احتمل ذلك تشبيه زيد ببكر، وثوب زيد بثوب بكر، فيكون لفا ونشرا، فهذان حينئذ تشبيهان متفاصلان متعددان، وليس الكلام فيه.
واحتمل أن يريد: زيد كعمرو، فى حال كون كل منهما مع ثوبه، والثوبان شرطان فى تشبيه أحدهما بالآخر، فيكون تشبيه مفرد مقيد بمفرد مقيد، وتكون الواو للمعية.
وليس من شرط الواو التى لا تنصب أن لا يكون معنى المعية مرادا معها، واحتمل أن يريد تشبيه الهيئة الحاصلة من مجموع ذلك بالهيئة الحاصلة من مجموع هذا، فيكون تشبيه مركب بمركب، والواو للمعية كما سبق. وكذلك إذا قلت: النجوم والدجا، كالسنة والابتداع، والتركيب فى هذا الباب، هو جعل المشبه به أمرا حاصلا من مجموع أمرين، أو أمور، والتقييد أن تشبه شيئا بشرط انضمام شئ إليه، والتركيب فى هذا أعم من التركيب النحوى، فإن التركيب عند النحوى، كتركيب الإسناد، كزيد قائم، أو المزج مثل: بعلبك، أو الإضافة، مثل: غلام زيد، والتركيب المقصود هنا أمر يرجع إلى المعنى، أعم من أن يكون القيد إضافة، أو صفة، أو حالا، أو ظرفا، أو غير ذلك، وأعم من أن يكون ملفوظا به، أو مقدرا، وهذا تحقيق لم يتعرضوا له فليتأمل.
إذا تقرر ذلك فبيت بشار مركب بمركب؛ لأن المقصود تشبيه الهيئة الحاصلة من أحدهما بالهيئة الحاصلة من الآخر، وإن كان قوله: تهاوى كواكبه قيدا فى اللفظ، ولم يدخل عليه حرف التشبيه، ولكنه مقصود على أنه جزء، لا شرط؛ فلذلك جعلناه مركبا، وأما جعل أسيافنا مفعولا معه، فليس شرطا، كما سبق.
وأما قوله:
غدا والصبح تحت الليل باد
وإما تشبيه مفرد بمركّب؛ كما مرّ فى تشبيه الشقيق.
ــ
فيظهر أنه تشبيه مقيد بمقيد، فإن المقصود تشبيه الصبح بقيد كونه بهذه الصفة، لا الهيئة الحاصلة، وكذلك قوله:
كأنما المريخ والمشترى
وأما قوله: وكأن أجرام النجوم، فيظهر فيه أنه مركب بمركب؛ لأن المقصود تشبيه الهيئة بالهيئة، كما قال المصنف، وإن كان يحتمل أن يكون تشبيه مقيد بمقيد، وإنما يصح ذلك بناء على أن قوله: وكأن أجرام النجوم، فيه تركيب من قيد مقدر المعنى أجرام النجوم فى السماء الزرقاء.
ولقائل أن يقول: جعلت فى الكلام قيدا مطويا، وهو كون النجوم فى سماء زرقاء، وهى حالة دائمة كدوام الارتعاش لحركة الشمس، وجعلت قوله: والشمس كالمرآة فى كف الأشل، تشبيه مفرد غير مقيد بمفرد مقيد، ولم تعتبر الارتعاش الدائم للشمس؛ لكونها لا يختلف حالها فاجعل زرقة السماء قيدا دائما للنجوم، ويكون تشبيه مفرد غير مقيد، بمفرد مقيد. لا يقال: كيف تعتبر حركة الشمس قيدا، وهى وجه الشبه؟ لأنا نقول: هو وارد على المصنف، حيث جعل وجه الشبه فى قولنا: درر نثرن على بساط أزرق، من جملته وقوع أشياء بيض فى جوانب شئ أزرق.
القسم الثالث: تشبيه مفرد بمركب، قال المصنف: كما مر فى بيت الشقيق، يشير إلى قوله:
وكأنّ محمر الشقيق
…
إذا تصوّب أو تصعّد
أعلام ياقوت نشر
…
ن على رماح من زبرجد
فإن قلت: قد سبق الاعتراض على هذا بأن وضع هذين البيتين كوضع قوله:
وكأن أجرام النّجوم لوامعا.
فإنه ليس مع واحد منهما من الشقيق، وأجرام النجوم قيد لفظى، ولوامعا لا تقييد فيه معنى، فإما أن يقدر لهما قيد، ويجعلا تشبيه مركب بمركب، أو يجعلا تشبيه مفرد بمفرد، وكيف يمكن أن يشبه مفرد مشتمل على صفة واحدة بمركب مشتمل على صفتين ملحوظتين فى الشبه؟ فإن قيل: المراد الشقيق وساعده، قلنا: فهو تشبيه مركب بمركب.
وإما تشبيه مركّب بمفرد؛ كقوله [من الكامل]:
يا صاحبىّ تقصّيا نظريكما
…
تريا وجوه الأرض كيف تصوّر
تريا نهارا مشمسا قد شابه
…
زهر الرّبا فكأنّما هو مقمر
ــ
قلت: المراد بالمركب ما كان هيئة حاصلة من حقيقتين متفاصلتين يجتمعان، والشقيق مراد به هو وسواعده، فالمجموع منهما حقيقة واحدة، لا حقيقتان، ركبت إحداهما مع الأخرى، بخلاف أجرام النجوم فإنها لا يطلق على مجموع النجوم، والسماء أنهما نجوم لأنهما حقيقتان مختلفتان.
نعم قد يقال: هلا جعلت الأعلام برماحها حقيقة واحدة؛ لأن الجميع يسمى علما؟
وينبغى أن يعلم أنه إن صح تشبيه المفرد بالمركب، لا يكاد يتم إلا بأن يكون المفرد مقيدا فى المعنى.
القسم الرابع: تشبيه مركب بمفرده، كقوله:
يا صاحبىّ تقصّيا نظريكما
…
تريا وجوه الأرض كيف تصوّر
تريا نهارا مشمسا قد شابه
…
زهر الرّبا فكأنّما هو مقمر (1)
يريد أن النبات لشدة خضرته وكثرته، صار لونه إلى السواد، فنقص من ضوء الشمس حتى صار كأنه ليل مقمر، وفيه نظر؛ فقد يقال: المشبه النهار بقيد كونه مشمسا، أى لم يستر الغيم شمسه، وكونه كثر فيه الزهر، لا مجموع النهار والزهر، وكون المشبه به مفردا واضح، إلا أنه مفرد مقيد، ولا يكاد التشبيه يقع بين مركب ومفرد إلا والمفرد مقيد، كما سبق.
(تنبيه): القيد قد يكون الجار والمجرور، مثل: هو كالراقم على الماء، أو مفعولا صريحا، كقولهم: هو كمن يجمع سيفين فى غمد، وقد يكون حالا، كقول الطرماح:
يا ظبى السّهل والأجبال موعدكم
…
كمبتغى الصيد فى عرينة الأسد (2)
(1) البيتان لأبى تمام فى شرح ديوانه ص 148، من قصيدة يمدح فيها المعتصم، والإشارات ص 183، مطلعها:
رقت حواشى الدهر فهى تمرمر
…
وغدا الثرى فى حليه يتكسر
(2)
البيت من البسيط، وهو للطرماح فى ديوانه ص 158، ولسان العرب 14/ 353، (زبى)، وديوان الأدب 1/ 341، والمستقصى 2/ 232، وهو بلا نسبة فى لسان العرب 6/ 136، (عرس)، ومقاييس اللغة 4/ 263، وجمهرة اللغة ص 716، وجمهرة الأمثال 2/ 151، وتاج العروس (عرس). ويروى بلفظ:" يا ظبئ
…
".
وأيضا: إن تعدّد طرفاه:
فإما ملفوف؛ كقوله (1)[من الطويل]:
كأنّ قلوب الطّير رطبا ويابسا
…
لدى وكرها العنّاب والحشف البالى
ــ
ص: (وأيضا إن تعدد طرفاه إلى آخره).
(ش): هذا تقسيم آخر للتشبيه باعتبار الطرفين، فإما أن يكونا متعددين، أو المشبه فقط متعدد، أو المشبه به فقط متعدد، أو لا يكون واحد منهما متعددا.
واعلم أن كلا من هذه الأقسام، أعم من كل من الأقسام السابقة؛ لأن كل واحد من المفرد المقيد، وغير المقيد، والمركب، قد يتعدد، وقد يتحد، وهذا غالب أقسام التشبيه، فالقسم الأول: أن يتحد كل واحد منهما، تركه المصنف لوضوحه؛ ولأن ما سبق يكفى فى مثاله، والثانى: أن يتعدد طرفاه - أى المشبه، والمشبه به معا - فهو قسمان:
الأول: يسمى الملفوف، وهو ما ذكر فيه المشبهان، ثم ذكر المشبه بهما، كقول امرئ القيس، يصف عقابا يصطاد الطير:
كأنّ قلوب الطير رطبا ويابسا
…
لدى وكرها العنّاب والحشف البالى
والضمير فى قوله: وكرها يعود إلى العقاب؛ لأن المشبهين القلوب الرطبة والقلوب اليابسة، والمشبه بهما هما العناب والحشف البالى، فشبه القلب غير أن المشبه ملفوف باعتبار ذكر المشبهين أولا والمشبه به ملفوف؛ لأنه
لف مع مشبه به آخر، وإن كان لم يفصل بين أجزاء المشبه به فيه مشبه.
واعلم أن ما ذكره المصنف، وغيره فى بيت امرئ القيس فيه نظر؛ لأنا نقول: لا نسلم أن المشبه متعدد، وهو القلب الرطب، والقلب اليابس، ويكون بعض القلوب شبه بالعناب، وبعضها شبه بالحشف، بل كل واحد من القلوب، شبه بالعناب فى حالة رطوبته، والحشف فى حالة يبسه، كما اقتضاه كلام كثير. فالمشبه القلوب بقيد الرطوبة أو اليبوسة، فهو كتشبيه مفرد تعدد قيده باعتبار حالتين، وهو نظير قولنا: فى الجمود والشجاعة كالأسد والبحر، وقوله:(رطبا ويابسا) يمكن
(1) البيت لامرئ القيس فى ديوانه ص 38، والإشارات ص 182.
أو مفروق؛ كقوله [من السريع:]
النّشر مسك والوجوه دنا
…
نير وأطراف الأكفّ عنم
وإن تعدّد طرفه الأول: فتشبيه التسوية؛ كقوله [من المجتث]:
صدغ الحبيب وحالى
…
كلاهما كالليالى
ــ
عوده إلى كل واحد من القلوب، فلا حاجة إلى توزيع الحالين على القلوب، ومما يرجح ذلك إفراد الحالتين فى قوله:(رطبا ويابسا) أى كأن كل قلب رطبا ويابسا، لا يقال: هو متعدد باعتبار أنه جمع؛ لأن ذلك يقضى بأن يكون قولنا: أياد كالبحار تشبيه متعدد بمتعدد، فيلزم أن يكون: وكأن أجرام النجوم
…
البيت، تشبيه متعدد بمتعدد، وليس كذلك، وسيأتى قريبا ما يدل على ما قلناه صريحا.
والثانى: يسمى المفروق، وهو ما ذكر فيه المشبه والمشبه به، ثم ذكر مشبه ثان ومشبه به، كقول المرقش الأكبر:
النشر مسك، والوجوه دنا
…
نير، وأطراف الأكفّ عنم (1)
شبه النشر وهو عرف الرائحة بالمسك، وكذلك ما بعده، والعنم شجر لين يشبه به أكف الجوارى، وقيل: هو ورق، وضبطه بالغين المعجمة تصحيف، وهو تشبيه محذوف الأداة.
واعلم أن فى تسمية هذا القسم تشبيها تعدد طرفاه نظرا لأن هذه تشبيهات متعددة، لا تشبيه واحد متعدد الأطراف.
القسم الثالث: أن يتعدد طرف التشبيه الأول - أى المشبه دون المشبه به - فيسمى تشبيه التسوية؛ لأنك سويت بين أشياء متعددة فى التشبيه بشئ واحد، وهو قوله:
صدغ الحبيب وحالى
…
كلاهما كالليالى
وثغره فى صفاء
…
وأدمعى كاللآلى (2)
(1) البيت من السريع، وهو للمرقش الأكبر فى ديوانه 586، وتاج العروس 14/ 214 (نشر)، وأساس البلاغة (نشر)، ولسان العرب 5/ 206 (نشر).
(2)
البيتان من المجتث، وهو بلا نسبة فى تاج العروس 22/ 524 (صدغ).
وإن تعدّد طرفه الثانى: فتشبيه الجمع؛ كقوله (1)[من السريع]:
كأنّما يبسم عن لؤلؤ
…
منضّد أو برد أو أقاح
ــ
فالمشبه متعدد، وهو الصدغ والحال، والمشبه به واحد وهو الليالى، وكذلك المشبه الثغر والأدمع، والمشبه به اللآلى، ويعلم من هذا والذى قبله فى بيت المرقش ما يشهد لأن الجمع ليس مقصودا فى تسمية أحد الطرفين متعددا، كما سبق، ألا ترى أنه جعل الليالى واللآلى مفردا، وكذلك ما قبله.
(قوله: وإن تعدد طرفه الثانى) أى المشبه به، إشارة إلى القسم الرابع (فتشبيه الجمع) أى يسمى تشبيه جمع؛ لأنك شبهت واحدا بجمع، ولو عكست وسميت الأول تشبيه جمع؛ لأنك شبهت جمعا بواحد، وسميت هذا التشبيه تسوية؛ لأنك سويت بين المشبه بها، لكان صحيحا إلا أن التشبيه لما كان حكما على المشبه، وإلحاقا له اعتبر حاله فى الجمع والتسوية، فكانت التسمية بحسبه، ومثله بقول البحترى:
كأنّما يبسم عن لؤلؤ
…
منضّد، أو برد أو أقاح
وقد أورد على الاستشهاد بهذا البيت أن هذا ليس فيه تشبيه، بل استعارة. وأجيب عنه، بأنه مثل قولك: لقيت منه أسدا، وهو تشبيه، فكذلك هذا، والتقدير: كأنما يبسم عن أسنان كائنة كلؤلؤ، وفيه نظر؛ لأن هذا تجريد؛ والمصنف يرى أنه لا يسمى تشبيها، بل الجواب أن كأن صيغة تشبيه، سواء أدخلت عليها ما، أم لا، كما سبق عند الكلام على أداة التشبيه، فحقيقة كأنما يبسم هذه متبسمة عن اللؤلؤ، فهو كقولك:
هذه مثل المتبسم عن اللؤلؤ، ويلزم من ذلك أن تكون الأسنان كاللؤلؤ.
بقى على المصنف اعتراض، وهو أن المشبه به هنا ليس جمعا، بل هو واحد؛ لأنه شبهها بأحد هذه الأمور، لا بكلها؛ لأن" أو" تشرك فى اللفظ لا فى المعنى، إلا أن يقال: إن" أو" فيه بمعنى الواو، أو يقال: إن" أو" للتنويع. ومثل المصنف أيضا بقوله - أى امرئ القيس:
كأنّ المدام، وصوب الغمام
…
وريح الخزامى، ونشر القطر
(1) البيت للبحترى، وفى ديوانه:(كأنما يضحك) بدلا من (كأنما يبسم)، والبيت من قصيدة يمدح فيها عيسى بن إبراهيم، ديوانه 1/ 435، والإشارات ص 183.