الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التجريد
ومنه: التجريد؛ وهو أن ينتزع من أمر ذى صفة آخر مثله فيها؛ مبالغة لكمالها فيه، وهو أقسام:
منها: نحو قولهم: لى من فلان صديق حميم، أى: بلغ فلان من الصداقة حدّا صحّ معه أن يستخلص منه آخر مثله فيها.
ومنها: نحو قولهم: لئن سألت فلانا، لتسألنّ به البحر.
ومنها: نحو قوله [من الطويل]:
وشوهاء تعدو بى إلى صارخ الوغى
…
بمستلئم مثل الفنيق المرحّل
ــ
إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا
…
شرّا أذاعوا وإن لم يعلموا كذبوا (1)
التجريد: ص: (ومنه التجريد إلخ).
(ش): من أنواع البديع التجريد، وهو عبارة عن أن ينتزع من أمر ذى صفة أمر آخر مثله فى تلك الصفة على سبيل المبالغة فى كمال الصفة فيه، حتى إنه ليتجرد منه مثله فيها، وهو أقسام منها: أن لا يقصد تشبيه الشئ بغيره، ويكون التجريد" بمن" نحو قولهم:" لى من فلان صديق حميم" أى: بلغ فى الصداقة حدا يصح معه أن يستخلص منه آخر مثله فى الصداقة، وتسمى من هذه تجريدية، ومنها: أن يقصد تشبيه الشئ بغيره، ويكون بالباء كقولهم: لئن سألت فلانا لتسألن به البحر وسنذكر كيفية التجريد، ومنها: أن لا يقصد تشبيه الشئ بغيره، ويكون بالباء نحو قوله:
وشوهاء تعدو بى إلى صارخ الوغى
…
بمستلئم مثل الفنيق المرحّل (2)
الشوهاء: صفة محمودة فى الفرس، ويقال: يراد بها سعة أشداقها. والفنيق: الفحل الذى لا يؤذى ولا يركب لكرامته على أهله. والمرحل: المرسل السائر، فقوله: تعدو
(1) البيت لطريح بن إسماعيل الثقفى، وهو البيت السادس له من قصيدة فى الأغانى 4/ 306، ولفظه: إن يسمعوا
…
" وهذا البيت معناه قريب من البيت الذى قاله قعنب ابن أم صاحب، وهو:
إن يسمعوا سبة طاروا بها فرحا
…
منى وما سمعوا من صالح دفنوا
(2)
البيت من الطويل، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص 1499، وشرح عمدة الحافظ ص 589، ولسان العرب 11/ 236 (رحل)، وبلا نسبة فى المقاصد النحوية 4/ 195 أو يروى بلفظ:" المدجّل".
ومنها: نحو قوله تعالى: لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ (1) أى: فى جهنم، وهى دار الخلد.
ومنها: نحو قوله [من الكامل]:
ولئن بقيت لأرحلنّ بغزوة
…
تحوى الغنائم أو يموت كريم
وقيل: تقديره: أو يموت منى كريم. وفيه نظر.
ــ
بى، أى تسير بى بمستلئم، أى لابس لأمة فجرد من نفسه لابس لأمة مثله. وفيه نظر، لجواز أن يكون بمستلئم بدلا من قوله: بى فلا يكون فيه تجريد، فإن ذلك جائز عند الكوفيين والأخفش قياسا، وعند غيرهم لا يجوز إلا قليلا، فيجوز أن يكون هذا من ذلك القليل، ومنها أن يكون بفى ولا يقصد تشبيه الشئ بغيره نحو قوله تعالى:
لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً (2) فإن جهنم أعاذنا الله منها هى دار الخلد لكنه انتزع منها مثلها وجعل دار الخلد معدة للكفار تهويلا. ومنها أن يكون بغير حرف، ولا يقصد تشبيه شئ بغيره، نحو قول الحماسى:
فلئن بقيت لأرحلنّ بغزوة
…
تحوى الغنائم أو يموت كريم (3)
وكذلك قوله تعالى: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (4) على قراءة الرفع، أى فحصلت وردة، وقيل: تقديره، أى البيت: أو يموت منى كريم أى يموت من قبيلى رجل غيرى كريم، وقيل: أو يموت منى كريم يريد نفسه، والفرق بينه وبين الأول، أن الأول تجريد بغير حرف وهذا تجريد بحرف محذوف. قال المصنف: وفيه نظر، يريد فى كون هذا البيت من التجريد نظر. قال الخطيبى: إن مراده بالنظر أنه من باب الالتفات من التكلم إلى الغيبة، لأن مراد الشاعر من قوله: كريم نفسه، ورد بأن الالتفات لا ينافى التجريد، بل هو واقع بأن يجرد المتكلم نفسه من ذاته، فيجعلها شخصا آخر ثم يخاطبه، أو يفرضه غائبا إما لتوبيخ (5)، أو نصح، أو غير ذلك. قلت: قد سبق لنا عند الكلام على الالتفات من المعانى، كيفية اجتماع التجريد والالتفات بما يغنى عن إعادته، فيطلب من موضعه، غير أن قول المصنف: وقيل:
(1) سورة فصلت: 21.
(2)
سورة فصلت: 28.
(3)
البيت لقتادة بن مسلمة الحنفى، أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص 278.
(4)
سورة الرحمن: 37.
(5)
في الأصل التوبيخ والصواب ما أثبتناه.
ومنها: نحو قوله [من المنسرح]:
يا خير من يركب المطىّ ولا
…
يشرب كأسا بكفّ من بخلا
ومنها: مخاطبة الإنسان نفسه؛ كقوله [من البسيط]:
لا خيل عندك تهديها ولا مال
…
فليسعد النّطق إن لم يسعد الحال
ــ
تقديره: أو يموت منى كريم يقتضى أن التقدير الذى ذكره إنما يكون على القول الثانى، وليس كذلك، لأنه سواء كان تجريدا أو لا، فتقدير منى لا بد منه، وبهذا تعلم أن قوله: فيه نظر، لا يعود على القول الثانى، وقيل: إن وجه النظر هو أن الأصل عدم التقدير اللفظى، لأنا إذا قدرنا: يموت منى كريم وجعلناه تجريدا بحرف، كان فيه حذف لفظى، الأصل عدمه ومنها نحو قوله:
يا خير من يركب المطىّ ولا
…
يشرب كأسا بكفّ من بخلا (1)
فإنه جرد من كفه كف غير بخيل، والإشارة بهذا النوع إلى تجريد ما لم يقصد به التشبيه، وهو بغير حرف، وهو كالذى قبله، إلا أن أو يموت كريم تجريد بمنطوق، وهذا تجريد بمفهوم، لأن قوله: بكف من بخلا ليس فيه تجريد، بل مفهومه أنه يشربها بكف من لم يبخل، فكأنه جرد من نفسه غير بخيل، وأثبت بالمفهوم أنه يشربها بكفه. وقد أنكر الطيبى أن يكون هذا تجريدا؛ لأن التجريد يكون من منطوق، لا من مفهوم. وقيل: إن قوله: بكف من بخلا كناية، وفيه نظر، لأن الكناية لا تنافى التجريد، ومنها أن يكون بغير حرف، ولا يقصد التشبيه، وهذا هو الذى قبله، إلا أن هذا اختص بنوع، وهو مخاطبة الإنسان نفسه، كقوله أى المتنبى:
لا خيل عندك تهديها ولا مال
…
فليسعد النّطق إن لم يسعد الحال (2)
قلت: وقد يكون ذلك بغير المخاطبة، فإن قيل: أين المبالغة فى التجريد بخطاب الإنسان لنفسه؟ قلت: كأنه يجعل نفسه لكمال الإدراك، كأن فيها نفسا أخرى، ومن
(1) انظر الإيضاح الفقرة 243، ص 316.
البيت للأعمش الأكبر أعشى قيس.
(2)
البيت من البسيط، وهو لأبى الطيب المتنبى فى ديوانه 2/ 220، وهو ضمن قصيدة قالها يمدح بها أبا شجاع فاتك المعروف بالمجنون عند ما قدم من الفيوم إلى مصر فوصل أبا الطيب وحمل إليه هدية قيمتها ألف دينار فقال يمدحه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحسنه قوله تعالى: يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها (1) صيرها لشدة جدالها كأنها تجادل عن غيرها. وبقى من أنواع التجريد أن يقصد التشبيه ويكون بمن أو فى نحو: رأيت من فلان أو فيه البحر أو لا يقصد التشبيه ويكون بالباء أو فى نحو: لى به أو فيه صديق حميم فكون المصنف جعل القسم الأول يكون بالباء فقط، والثانى بمن لا يظهر لى وجهه، واعلم أن فى انطباق بعض هذه الأقسام (على حد التجريد السابق) نظرا لأنك فى نحو: لا خيل عندك لم تجرد شيئا مثل نفسك فى صفة، بل جردت ذاتا من ذات لا باعتبار صفة إلا بأن نؤول على الصفة، واعلم أيضا أن حد التجريد يقتضى أن يكون المذكور هو المجرد، والذى يظهر فى نحو: رأيت منك صديقا ذلك، فيكون الصديق مجردا، والمخاطب مجردا منه، وفى نحو: رأيت بفلان البحر، أنك جردت من البحر حقيقة أخرى، وجعلتها الإنسان، إن كانت الباء للسببية، أى بسبب رؤية فلان، وإن كانت ظرفية فتكون جردت من البحر بحرا آخر جعلته فى الإنسان، ويحتمل أنك جردت الأوصاف الجسمية عن الإنسان، فإذا قلت:" سألت بفلان البحر" كأنك جردت عنه أوصافا جسمية وغيرها، فيكون البحر مجردا عنه لا مجردا، كأن البحر كان فى ضمنه، فلما أزيلت أوصاف الإنسان غير كونه بحرا لم يبق إلا البحر، فكان هو المسئول.
(تنبيه): يؤخذ من كلامهم أن فى" الباء" التجريدية قولين: أحدهما، أنها سببية، وأشار إليه فى الكشاف حيث قال فى قوله تعالى: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (2) أى: فاسأله بسؤاله خبيرا، كقولك: رأيت به أسدا، أى: برؤيته انتهى، ونقل مثله عن أبى البقاء. والثانى: أنها ظرفية، واقتضى كلام الطيبى على الكشاف نقله، وأن قوله تعالى: فَسْئَلْ بِهِ لا حاجة فيه إلى تقدير سؤاله، بل هى تجريدية من غير هذا التقدير، وأما من التجريدية، فكلام الزمخشرى يقتضى أنها بيانية حيث قال فى قوله تعالى: هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ. (3) يحتمل أن تكون بيانية، كأنه قيل: هب لنا قرة أعين ثم بين القرة بقوله: مِنْ أَزْواجِنا وهو من قولهم: رأيت منك أسدا أى أنت أسدا انتهى، وفيه نظر، لأن من البيانية عند المثبت لها شرطها، أن يتقدم عليها المبين، والظاهر أن من التجريدية ابتدائية، أو ظرفية.
(1) سورة النحل: 111.
(2)
سورة الفرقان: 59.
(3)
سورة الفرقان: 74.