الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحقيقة:
الكلمة المستعملة فيما وضعت له، فى اصطلاح التخاطب"؛
…
ــ
الحقيقة: ص: (الحقيقة إلخ).
(ش): شرع فى حد كل منهما، فالحقيقة هى الكلمة المستعملة فيما وضعت له فى اصطلاح التخاطب فقوله:" الكلمة: جنس"، وأورد أنه يخرج عنه المركب، فإنه ليس بكلمة، فينبغى أن يقول:" اللفظ"، ليشمل المركب، فإنه ينقسم أيضا إلى الحقيقة والمجاز، إلا أن يريد بالكلمة ما يقابل الكلام أو أعم، فإنها حينئذ تتناول المركب أيضا، أو يقال: المركب ليس بموضوع،" قلت": فيه نظر، فإن المركبات الإسنادية ولو قلنا: إنها موضوعة، فقد يقال: إنما تسمى حقائق ومجازات، باعتبار العقل، فهى عقلية لا لغوية؛ لأن للعقل فيها تصرفا فإذا قلنا: إن العرب وضعت زيد قائم، لإفادة نسبة القيام لزيد، فكون ذلك حقيقة أو مجازا لا يعرف إلا بتصرف العقل فى تحقيق الإسناد وعدمه، ثم قول الخطيبى:" إلا أن يريد بالكلمة ما يقابل الكلام" فيه نظر؛ لأنه إذا أراد ما يقابل الكلام دخلت المركبات الإضافية، وخرجت المركبات الإسنادية والقائل: بأن المركبات موضوعة قائل به فى المركبات الإسنادية قطعا. وقوله:
" المستعملة" فصل أخرج الكلمة قبل الاستعمال فإنها لفظ موضوع، وليس بحقيقة ولا مجاز، ومقتضى هذا
الاحتراز أن يكون اللفظ قبل الاستعمال وبعد الوضع يسمى كلمة ويشهد له قولهم:
الكلمة لفظ وضع لمعنى مفرد وفيه احتمال وفى كلام كثير ما يقتضى تقييدها بالمستعمل. وقوله:
" فيما وضعت له" قال المصنف:" هو احتراز عن شيئين: أحدهما: ما استعمل فى غير ما وضع له غلطا، كما إذا أردت أن تقول لصاحبك: خذ هذا الكتاب. مشيرا إلى كتاب بين يديك، فغلطت فقلت:" خذ هذا الفرس" (قلت): فيه نظر، لأن الغلط ليس بكلام لغوى، فلا يسمى كلمة، كما أن كلام النائم لا يسمى كلاما. قال: والثانى أحد قسمى المجاز، وهو ما استعمله فيما لم يكن موضوعا له، لا فى اصطلاح التخاطب ولا فى غيره. كلفظ:" أسد" فى الرجل الشجاع.
نعم قد خرج بقوله فيما وضعت له الأعلام، فإنها مستعملة فى غير ما وضعت له، فليست حقيقة ولا مجازا، وقد صرح بهذا الاحتراز، القشيرى وغيره. وقال الشيرازى فى شرح المختصر:" وخرج به ما استعمل فيما لم يوضع له، كالوضع الجديد، كما إذا قلت لمخاطبك:
هات السكين، مشيرا إلى الكتاب، فإن السكين فى الكتاب وضع جديد غير مندرج تحتها؛ لأن اللفظ فى ابتداء الوضع ليس حقيقة ولا مجازا"، وفيه نظر؛ لأن هذا القائل إن أراد وضعا جديدا وهو ممن له أن يضع فقوله ذلك وضع واستعمال، فيكون حقيقة، وإن
والوضع: تعيين اللفظ للدّلالة على معنى بنفسه؛ فخرج المجاز؛ لأنّ دلالته بقرينة، دون المشترك (1)،
…
ــ
كان هذا القول غلطا، فقد تقدم الكلام عليه. وقولنا:" فى اصطلاح التخاطب"، أخرج به القسم الثانى من المجاز: وهو ما استعمل فيما وضع له لكن لا فى ذلك الاصطلاح الذى وقع به التخاطب عند الاستعمال، كاستعمال" الصلاة" بعرف الشرع فى الدعاء، فإنه كلمة مستعملة فيما وضعت له، ولكن لا فى هذا الاصطلاح الذى وقع به التخاطب، فهو مجاز شرعى وإن كان حقيقة لغوية. وقد يقال: إذا استعملت الصلاة بعرف الشرع فى الدعاء لم تستعمل فيما وضع له، لأنها وإن وضعت للدعاء فلم تستعمل فيه بالوضع الشرعى، فلا توصف حال استعمالها بعرف الشرع أنها استعملت فيما وضعت له بوجه ما، وإلا لزم أن يكون المجاز موضوعا، وسيأتى أنه غير موضوع، وقد دخل فى هذا الحدّ الحقائق الأربع: اللغوية، والشرعية، والعرفية العامة، والعرفية الخاصة، ويمكن أن يقال:" فيما وضعت له فى اصطلاح التخاطب" فصل يخرج المجازات كلها والكلام فى اشتقاق الحقيقة والمجاز معروف فى كتب اللغة والأصول؛ وقوله:
" فى اصطلاح التخاطب" يتعلق بقوله:" وضعت له"؛ أى: الكلمة المستعملة فى شئ، وهى موضوعة فى اصطلاح
التخاطب لذلك الشئ الذى وقع به التخاطب؛ أى: الاستعمال. فإذا كان الخطاب بعرف الشرع، وأطلقت على الدعاء، فهى كلمة مستعملة فى شئ، وهى موضوعة فى هذا الاصطلاح لغيره، وقال بعض الشارحين: إنّ قوله:" فى اصطلاح التخاطب" يتعلق بقوله:
" المستعملة"، ثم قال:" ولو قال: على اصطلاح لسلم من أن يردّ عليه أن جارين متحدين لفظا ومعنى لا يتعلقان بشئ واحد، وليس ما قاله مراد المصنف لما ذكره" ومن جهة المعنى أيضا، فإنه يلزم أن يكون إطلاق الصلاة على الدعاء باصطلاح" الشرعي" حقيقة لأنها كلمة مستعملة فى اصطلاح وقع به التخاطب، ومستعملة فيما وضعت له لغة، وهو عكس مقصوده.
الوضع ص: (والوضع:" تعيين اللفظ للدلالة على معنى بنفسه، فخرج المجاز؛ لأن دلالته بقرينة دون الكناية).
(ش): لما جعل الوضع قيدا فى الحقيقة احتاج لتعريفه؛ فقال:" إنه تعيين اللفظ للدلالة على معنى، وهذا حسن، وقوله:" بنفسه" يخرج تعيين اللفظ للدلالة على معنى
(1) فإنه لم يخرج لأنه قد عين للدلالة على كل من المعنيين بنفسه، وعدم فهم أحدهما بالتعيين لعارض الاشتراك لا ينافى ذلك به.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بقرينة فهو المجاز، فذلك التعيين لا يسمى وضعا وأورد أن المراد بالتعيين: تعيين الواضع، والمجاز ليس فيه تعيين واضع، بل فيه استعمال، فلم يدخل فى قوله:" تعيين" فلا حاجة لإخراجه؛ فلذلك أتى بفاء السببية؛ فقال:" فخرج المجاز لأن دلالته بقرينة"، ولا يرد عليه ما يوهمه كلامه فى حد الحقيقة من أن المجاز موضوع؛ لأن المعنى هناك أنه موضوع فى اصطلاح آخر. والخطيبى ادعى: أن هذا الحد تدخل فيه الاستعارة، وأنها موضوعة، وأن تعيين اللفظ للدلالة بنفسه ينقسم إلى: وضع حقيقى، ومجازى؛ وفيما قاله نظر، وإنما ألجأه إلى ذلك، أنه قصد أن يجعل هذا مقدمة للجواب عن اعتراض المصنف على السكاكى الذى سيأتى فى أواخر الباب، وللأصوليين خلاف فى أن المجاز موضوع أولا، ذكرناه فى شرح المختصر (قوله: دون الكناية)، يريد أن الكناية لا تخرج عن الوضع، فإنها وضعت لأنها تدل على معنى بنفسها، لا بقرينة، وتقريره يظهر لمن راجع ما حققناه فى الكناية من أنها أريد بها موضوعها استعمالا، وأريد لازمه إفادة، فالكناية موضوعه؛ لأن اللفظ عين فيها للدلالة على معناه الذى هو موضوع اللفظ بنفسه، فكانت موضوعة، وكونها دالة على لازم ذلك المعنى بقرينة حالية، كدلالة طويل النجاد على طول القامة يحتاج إلى قرينة، لكن ذلك ليس المعنى الذى استعملت الكلمة فيه، وقد علم من كلامه أن الكناية قسم
من أقسام الحقيقة؛ لكونها قسما من أقسام الموضوع، وهذا هو الحق، وسيأتى فى كلامه ما يخالف هذا، وتعيين اللفظ للدلالة على المعنى بنفسه تارة يكون مع إفادة شئ آخر بقرينة، فيكون حقيقة كناية، وتارة لا يكون، فيكون حقيقة فقط. وبهذا التحقيق ظهر أن ما ذكره الخطيبى من الاعتراض على المصنف والجواب وقوله: إن الكناية لا حقيقة ولا مجاز بعيد عن الصواب لا حاصل له، وقد أورد على المصنف أن قوله" بنفسه" لا يصح أن يتعلق بالدلالة لخروج الحرف، فإنه عين ليدل بغيره على معنى، لا بنفسه، وأوّل على أنه تعلق باللفظ على أنه حال، التقدير:" تعيين اللفظ كائنا بنفسه" أى: مع نفسه أى لا يصاحب ذلك اللفظ غيره، وفيه تعسف، وقد يلتزم الأول، ويقال: الحرف وضع لمعنى بعينه؛ ليدل بنفسه على معنى فى غيره، فإن الحرف دل بنفسه على معنى لا يعقل إلا متعلقا بغيره بخلاف المجاز، فإنه يدل بنفسه على معناه، إنما يدل على معناه بالقرينة، وإلى ما ذكره يشير كلام ابن الحاجب فى أماليه.
(تنبيه): قد يورد على ما ذكرناه من حد الوضع أنه يخرج عنه المشترك، فإنه عين فيه اللفظ للدلالة على المعنى، لا بنفسه، بل بقرينة. وهذا السؤال استشعره السكاكى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حين حدّ الوضع بأنه: تعيين اللفظ بإزاء معان بنفسها؛ فقال:" إن المشترك كالقرء معناه الحقيقى ما لا يتجاوز معنييه كالطهر، والحيض، غير مجموع بينهما، قال: فهذا ما يدل عليه بنفسه، ما دام منتسبا إلى الوضعين، أما إذا خصصته بواحد إما صريحا كقولك:" القرء بمعنى الطهر" وإما استلزاما، كقولك:" القرء لا بمعنى الحيض" فإنه حينئذ ينتصب دليلا دالا بنفسه على الطهر بالتعيين، كما كان الواضع عينيه بإزائه بنفسه، ثم قال: وأما ما يظن بالمشترك من الاحتياج إلى القرينة فى دلالته على ما هو معناه، فقد عرفت أن منشأ هذا الظن عدم تحصيل معنى المشترك الدائر بين الوضعين.
واعترض المصنف عليه بأنا لا نسلم أن معناه الحقيقى ذلك، وبأن قوله إذا قلنا: القرء بمعنى الطهر، أو لا بمعنى الحيض، فهو دال بنفسه على الطهر بالتعيين سهو ظاهر، فإن القرينة كما تكون معنوية تكون لفظية، وكل من قوله:" بمعنى الطهر"، وقوله:" لا بمعنى الحيض" قرينة. (قلت): أصل السؤال إنما يتوجه إذا وقع الاشتراك من واضع واحد، أما من واضعين لا يشعر أحدهما بالآخر فلا. وقول السكاكى:" معنى المشترك ما لا يتجاوز معنييه" معناه أنه عند الإطلاق صالح لكل منهما، فهو عند الإطلاق يدل بنفسه على معناه الذى هو أحدهما، وذلك ربما كان مقصودا لقصد الإبهام. وقد صرح بذلك ابن الحاجب فى الأمالى، وإن كان كلامه فى المختصر يوهم خلافه، حيث
قال:
أورد المشترك فإن أجيب بأنه يتبادر غير معين لزم أن يكون المعين مجازا. وقوله: أما إذا خصصته بواحد صريحا، كقولك: القرء بمعنى الطهر. فإنه دال بنفسه بالتعيين، كما كان الواضع عينه. فيه نظر؛ فإن القرء فى هذا التركيب ليس مشتركا، فإنك ذكرت كلمة القرء، وشرحت معناها بقولك:" الطهر" إن أردت بالقرء الذى ذكرته الطهر، فليس فيه استعمال القرء بمعنى الطهر، بل هو إخبار عن المجهول بالمعلوم، كما إذا قلت:" الإنسان ناطق" ليس مدلوله الناطق ناطق وإلا لاتحدا بل إن مدلول الإنسان هو الناطق. وأما اعتراض المصنف عليه بأنا لا نسلم أن معناه الحقيقى ذلك، فإن أراد أنا لا نسلم أنه وضع ليفيد الإبهام بين المعنيين عند الإطلاق، فهو موافق لكلام ابن الحاجب فى المختصر. والحق خلافه؛ لأن المشترك يتبادر الذهن منه إلى أحد المعنيين، ولا يلزم ما ذكره من كونه للمعين مجازا؛ لأنه دائر بين معنييه بقيد التعيين للمبهم كما حققناه فى شرح المختصر، فالقرينة إنما يحتاج إليها لتعيين أحد المعنيين
والقول بدلالة اللفظ لذاته (1) ظاهره فاسد، وقد تأوّله السكاكى (2)
…
ــ
عند السامع، وهو ليس معنى المشترك من حيث هو مشترك. واعتراض المصنف الثانى كان مستغنيا عنه لما ذكرناه من الاعتراض. نعم يصح أن يعترض به المصنف فى نحو قولك:" اعتدّت فلانة بقرء طهر" فله أن يقول: كلام السكاكى يقتضى أن هذا دل على الطهر بنفسه، وليس كذلك بل بقرينة وصفه بالطهر. وأجيب عنه بأن الطهر هنا ليس قرينة لدلالة اللفظ على المعنى، بل لتعيين دلالته على أحد معنييه، بخلاف قرينة المجاز فإنه يعينه للدلالة على معناه.
ص: (والقول بدلالة اللفظ لذاته ظاهره فاسد، وقد تأوله السكاكى).
(ش): لا شك أن دلالة كل لفظ على معناه مع استواء المعانى بالنسبة إليه لا يمكن؛ لأنه ترجيح من غير مرجح، فاختصاص بعضها ببعض لا بد له من مرجح، وذلك إما ذات اللفظ أو غيره، وذلك الغير إما أن يكون وضع الله - تعالى - أو وضع العباد، على أقوال حققناها بأدلتها فى شرح المختصر، ولما كانت متقاربة، وكان الواضح فى الفساد هو القول بأن دلالتها لذاتها ذكره، فقال: والقول بدلالة اللفظ، أى: على معناه لذاته أى لذات اللفظ ظاهره فاسد، إنما قال: ظاهره، لأن له عنده تأويلا. وهذا المذهب منسوب إلى عباد بن سليمان المعتزلى. وتأوله السكاكى على أن المراد أن للحروف خواص تناسب معناها من شدة وضعف وغيره، فإن الحروف تنقسم إلى مجهورة، ومهموسة، وغير ذلك، ووجه فساد هذا القول أنه يفضى
(1) وهو قول عباد بن سليمان الصيمرى، وأتباعه.
(2)
ذكر الخطيب فى إيضاحه تأويل السكاكى لهذا القول، حيث ذكر هناك تفسيرا له، قال الخطيب - بعد ردّه لهذا القول من وجوه -: وتأوّله السكاكى رحمه الله على أنه تنبيه على ما عليه أئمة علمى الاشتقاق والتصريف، من أن للحروف فى أنفسها خواصّ بها تختلف، كالجهر والهمس، والشدة والرخاوة والتوسّط بينها، وغير ذلك؛ مستدعية أنّ العالم بها إذا أخذ فى تعيين شئ منها لمعنى لا يهمل التناسب بينهما، قضاء لحق الحكمة، ك الفصم - بالفاء الذى هو حرف رخو -:
لكسر الشئ من غير أن يبين، والقصم بالقاف الذى هو حرف شديد -: لكسر الشئ حتى يبين وأنّ للتركيبات - ك" الفعلان" و" الفعلى" بالتحريك؛ كالنّزوان والحيدى، و" فعل" مثل: شرف، وغير ذلك -: خواصّ أيضا، فيلزم فيها ما يلزم فى الحروف. وفى ذلك نوع تأثير لأنفس الكلم فى اختصاصها بالمعانى" اه. انظر الإيضاح:(ص 244 بتحقيقنا).