الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالثة: المطلوب بها نسبة؛ كقولهم [من الكامل]:
إنّ السّماحة والمروءة والنّدى
…
فى قبّة ضربت على ابن الحشرج
ــ
فإن الذهن ينتقل فيه فى الأول من جبن الكلب عن الهرير فى وجه من يدنو، وخروج الكلب عن طبعه المخالف لذلك، ثم إلى استمرار موجب نباحه، وهو اتصال مشاهدته وجوه القادمين، ثم إلى كونه مقصدا للدانى والقاصى، ثم إلى كونه مشهورا بحسن القرى، وفى الثانى ينتقل الذهن من هزال الفصيل إلى فقد الأم، ومنه إلى قوة الداعى لنحرها مع بقاء ولدها مع عناية العرب بالنوق، ومنها إلى صرفها إلى الطبائخ، ومنها إلى أنه مضياف، ومن ذلك قوله تعالى: وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ (1)، (الثالثة: الكناية المطلوب بها نسبة) أى أن ينسب شئ لشئ والمقصود نسبة غيره، وجعله الجرجانى من قبيل المجاز الإسنادى، وأنشد عليه قول يزيد بن الحكم يمدح يزيد بن المهلب فى سجن الحجاج:
أصبح فى قيدك السّماحة وال
…
مجد وفضل الصّلاح والحسب (2)
وجعل منه إلا أنه فى النفى:
يبيت بمنجاة من اللّوم بيتها (3)
وسنتكلم عليه إن شاء الله تعالى وأنشد المصنف على كناية الإسناد قول زياد الأعجم:
إن السّماحة والمروءة والنّدى
…
فى قبّة ضربت على ابن الحشرج (4)
(1) سورة الأعراف: 149.
(2)
الشطر الأول من بيت للشنفرى ينظر المفضليات ص 109، دلائل الإعجاز ص 310، الإيضاح ص 288، الإشارات ص 46، نهاية الإيجاز ص
271.
(3)
المفضليات 109، دلائل الإعجاز 310، الإيضاح بتحقيقى ص: 292، المصباح ص: 152، وتمام البيت:
يبيت بمنجاة من اللوم بيتها
…
إذا ما بيوت بالملامة حلت
(4)
المصباح ص 152، الطراز ج 1 ص 422، الإيضاح ص 324، الدلائل ص 306، الإشارات ص 245، التبيان ص 38، شواهد الكشاف ص 397/ 451.
فإنه أراد أن يثبت اختصاص ابن الحشرج بهذه الصفات؛ فترك التصريح بأن يقول:
إنه مختصّ بها، أو نحوه خ خ، إلى الكناية، بأن جعلها فى قبة مضروبة عليه. ونحو قولهم: المجد بين ثوبيه، والكرم بين برديه خ خ.
ــ
فإنه أراد أن يثبت اختصاص ابن الحشرج بهذه الصفات فترك التصريح بذلك، والتصريح به أن يقول:" هو مختص بها" أى ثابتة له دون غيره إلى أن جعلها فى قبة مضروبة عليه، فأخبر باختصاص القبة المضروبة عليه بالسماحة ليفهم منه اختصاصه بالسماحة، لأنه إذا اختص بالسماحة لزم أن تختص قبته، وهو قريب من المجاز الإسنادى، ولك أن تقول: كل كناية عن وصف كناية عن نسبة، لأنك إذا قلت:" طويل النجاد" فمعناه: طال نجاده فأثبت الطول لنجاده، وإنما تريد إثباته لنفسه، واعلم أن قول المصنّف:" اختصاص ابن الحشرج بهذه الصفات" هو الصواب وهو عكس عبارة السكاكى، حيث سماه اختصاص الصفة بالموصوف وتبعه الطيبى والصواب الأول، فإن المقصود أن السماحة ليست لغير ابن الحشرج، لا أنه ليس لغيرها. قال الطيبى: وبقى قسم عكس هذا لم يذكره السكاكى، وهو اختصاص الموصوف بالصفة أى لم يتجاوز الموصوف حقيقة هذا النوع إلى وصف آخر كقوله:
أضحت يمينك من جود مصوّرة
…
لا بل يمينك عنها صورة الجود (1)
كذا قال، وهو على العكس، وإنما انعكس عليه فى الأول فانعكس فى الثانى، والصواب أن يسمى كلا من القسمين باسم الآخر، ونحو قول الشاعر المذكور قولهم:
" المجد بين ثوبيه والكرم بين برديه" أى لا يتجاوزهما. قيل: وفى المثال نظر؛ لأنه لا يقال:" كرم برده" كما يقال:" طال نجاده"، ليفهم منه كرم نفسه كما يفهم طول قامته، إذ لا تحقق لكرم البرد ولا مناسبة بينه وبين كرم النفس، كما أن لطول النجاد تحققا وله مناسبة، ولزوم لطول القامة، والمصنف أطلق هذا القسم، والسكاكى قسمه إلى قسمين.
كما فعل فيما سبق، إلا أنه سماهما فيما سبق قريبا، وبعيدا، وهنا سماهما لطيفا وألطف.
قيل:" وبقيت كناية استنبطها الزمخشرى، وهى أن يعمد إلى جملة معناها على خلاف الظاهر، فيأخذ الخلاصة منها من غير اعتبار مفرداتها بالحقيقة أو المجاز (2)، وهذا فى الحقيقة من نوع الإيماء. قلت: وينبغى أن يكون من الاستعارة بالتمثيل، كما
(1) عقود الجمان ج 2 ص 62.
(2)
قلت: هذه الكناية قد سمّاها الطيبى بالكناية الزّبدية. انظر التبيان بتحقيقى 1/ 339.
والموصوف فى هذين القسمين قد يكون غير مذكور؛ كما يقال فى عرض من يؤذى المسلمين: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده (1).
أما القسم الأول - وهو ما يكون المطلوب بالكناية نفس الصفة، وتكون النسبة مصرحا بها -: فلا يخفى أن الموصوف بها (2) يكون مذكورا لا محالة، لفظا أو تقديرا.
ــ
تقدم فى قوله تعالى: وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ (3) قيل: وقد يظن أن من الكناية قسما رابعا، وهو أن يكون المقصود بالكناية الوصف والنسبة معا، كما قال:" يكثر الرماد فى ساحة عمرو" قيل: وليس ذاك كناية واحدة بل كنايتان: إحداهما: عن المضيافة، والثانية: عن إثباتها لعمرو، ثم قال المصنف: الموصوف فى هذين أى الكناية الثانية والثالثة قد يكون مذكورا كما سبق، وقد يكون غير مذكور كما تقول فى عرض من يؤذى المسلمين:" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"(4) فإنه كناية عن كون المؤذى ليس مسلما، وليس المراد إثبات وصف للموصوف المذكور، وهو المؤمن، بل المراد نفى وصف عن مقابله وهو المؤذى، وقد يقال:
هذا ذكر الملزوم لإفادة اللازم، لا ذكر اللازم لإفادة الملزوم، وقد قدمنا أن الكناية تنقسم إلى النوعين، فإن قيل: بل هو ذكر اللازم لأنه يلزم من المقصود، وهو أن المؤذى ليس مسلما أن يكون المسلم من سلم الناس منه. قلنا: إنما يلزم من كون المؤذى ليس مسلما أن من سلم الناس منه مسلم، وفرق بين قولنا: من سلم الناس منه مسلم، وقولنا: كل المسلم من سلم الناس منه، واعلم أن المصنف لم يصرح بأن هذه الكناية من القسم الثانى، أو من الثالث لكن ظاهر كلام السكاكى أنها من الثالث، والمطلوب بها نسبة سلبية كما ذكرناه.
(1) حديث صحيح أخرجه الشيخان فى الإيمان وغيرهما.
(2)
من (شروح التلخيص) وفى (متنه): (فيها).
(3)
سورة الزمر: 67.
(4)
لفظ الحديث أخرجه البخارى فى" الإيمان"، وفى" الرقاق"، (11/ 323)(ح 6484)، مسلم (ح 40).
قال السكاكىّ: الكناية تتفاوت إلى تعريض، وتلويح، ورمز، وإيماء وإشارة، والمناسب للعرضية: التعريض، ولغيرها - إن كثرت الوسائط -: التلويح، وإن قلّت -
ــ
تفاوت الكناية عند السكاكى: ص: (السكاكى الكناية تتفاوت إلخ).
(ش): قسم السكاكى الكناية إلى خمسة أقسام: تعريض، وتلويح، ورمز، وإيماء، وإشارة. قال الشيرازى: إنما قال: تتفاوت ولم يقل: تنقسم؛ لأن التعريض وأمثاله مما ذكر ليس من أقسام الكناية فقط، بل هو أعم، وفيه نظر؛ لأن أقسام الشئ إلى أقسام بعضها أعم من المقسم لا يمتنع بتقدير أن يكون المراد تقسيم ذلك الشئ بقيد كونه أخص من حقيقته إلى أخص من تلك الأقسام، كما تقسم الحيوان إلى أبيض، وأسود أى أبيض، وأسود بقيد الحيوانية، ولعله إنما عدل عن تنقسم إلى تتفاوت إشارة إلى أن رتب هذه الأقسام فى الكناية متفاوتة فى القوة والضعف وقد أشار الزمخشرى فى قوله تعالى:
وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ (1) إلى الفرق بين الكناية، والتعريض بأن الكناية أن يذكر الشئ بغير لفظه الموضوع له، والتعريض بأن يذكر شيئا يدل على شئ لم يذكره كما يقول المحتاج للمحتاج إليه حينئذ لا نسلم عليك، ولذلك قالوا:
وحسبك بالتّسليم منّى تقاضيا (2)
قال الوالد: التعريض قسمان: قسم يراد به معناه الحقيقى، ويشار به إلى المعنى الآخر المقصود وقسم لا يراد معناه الحقيقى، بل ضرب مثلا للمعنى الذى هو مقصود التعريض، فيكون من مجاز التمثيل، ومنه قول إبراهيم صلى الله عليه وسلم: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا (3) ولا يحتاج مع هذا إلى تكلف جواب، ثم قال:(والمناسب للعرضية) أى الكناية المسوقة لموصوف غير مذكور (التعريض ولغيرها) أى والمناسب للكناية غير العرضية (إن كثرت الوسائط) بينها وبين المكنى عنه إطلاق اسم (التلويح)، لأن التلويح الإشارة للشئ عن بعد (وإن قلت) أى الوسائط بين الكناية والمكنى عنه
(1) سورة البقرة: 235.
(2)
البيت فى عقود الجمان 2/ 64، وتمام البيت:
أروح لتسليم عليك وأغتدى
…
فحسبك بالتسليم منى تقاضيا
(3)
سورة الأنبياء: 63
مع خفاء -: الرمز، وبلا خفاء: الإيماء والإشارة خ خ.
ثم قال: والتعريض قد يكون مجازا؛ كقولك: آذيتنى فستعرف وأنت تريد إنسانا مع المخاطب دونه، وإن أردتهما جميعا كان كناية، ولا بدّ فيهما من قرينة خ خ.
ــ
(مع خفاء) أى نوع من الخفاء فالمناسب لها اسم (الرمز)، وذلك نحو:" عريض القفا" كناية عن الأبله ووجه مناسبته أن الرمز الإشارة إلى قريب منك خفية بالشفتين، أو الحاجب، أو العين. (قوله: وإلا) أى وإن قلت: الوسائط ولم يكن نوع من الخفاء (فالمناسب أن يسمى بالإيماء أو الإشارة، ثم قال) أى السكاكى: (والتعريض) كما يكون كناية قد يكون مجازا، كقولك:" آذيتنى فستعرف" وأنت لا تريد المخاطب بل (تريد إنسانا) يسمع دونه، (وإن أردتهما جميعا كان كناية) قوله:(ولا بد فيهما من قرينة) ظاهر عبارته أنه لا بد فى هذا المجاز وهذه الكناية من قرينة، وبه شرح الخطيبى كلامه، وفيه نظر؛ لأن كلا من المجاز والكناية بجميع أنواعهما لا بد له من قرينة كما قدمناه. قال الشيرازى وتبعه الخطيبى: التعريض على سبيل الكناية أن تكون العبارة مشابهة للكناية مشتركة فى بعض صفاتها كما فى المثال المذكور، فإنه ليس فيه تصور لازم، ولا ملزوم، ولا انتقال من لازم لملزوم إلا أن فيه سمة من الكناية، وهى أن تاء الخطاب مستعملة فيها هى موضوعة له، مرادا منه ما ليس بموضوع، وهو الإنسان الآخر. قلت: فيه نظر، بل هو حقيقة الكناية وفيه الانتقال، ولو لم يحصل الانتقال لما حصل التعريض، بل الانتقال موجود، لأن اللازم قد يكون لزومه بالقرائن الحالية، وأيضا، فإن قوله:" آذيتنى فستعرف" ناطق بالوعيد المترتب على الأذى مخاطبا به المخاطب، وترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية، وذلك يقتضى بأن الأذى ملزوم للمعرفة، فكان وعيد المخاطب لازما لوعيد المؤذى لاشتراكهما فى الأذى، ثم قال الشيرازى: أما إذا أردت غير المخاطب وحده فيكون المثال مثل المجاز، لاستعمال التاء فيما هو غير موضوعة له، لا أنه مجاز حقيقة لتوقفه على الانتقال من الملزوم إلى اللازم ولا انتقال هنا من ملزوم إلى لازم، قلت: وفيه نظر لما سبق من أن اللازم والملزوم موجود ولولاه لما حصل انتقال، ولكان ذلك استعمالا للفظ فى غير موضوعه لا لعلاقة، وهو خارج عن لغة العرب، لكن قول المصنف:" إن أرادها جميعا" كان كناية يقتضى أمرين: أحدهما: أن الكناية والمجاز فى القسمين لأشبههما، كما شرح به الشيرازى كلام السكاكى، والثانى: أن الكناية أريد فيها المعنيان معا، وقد تقدم فى كلامه