الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول بالموجب
ومنه: القول بالموجب؛ وهو ضربان:
أحدهما: أن تقع صفة فى كلام الغير كناية عن شئ أثبت له حكم، فتثبتها لغيره من غير تعرّض لثبوته له أو انتفائه عنه؛ نحو: يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ (1).
ــ
القول بالموجب: ص: (ومنه القول بالموجب إلخ).
(ش): من البديع المعنوى ما يسمى القول بالموجب وهو قريب من القول بالموجب المذكور فى الأصول والجدل، وهو تسليم الدليل مع بقاء النزاع، ومن أحسنه قوله تعالى:
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ (2) ويمكن أن يجعل منه قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا (3) وقد جعل المصنف القول بالموجب ضربين: أحدهما، أن تقع صفة فى كلام الغير، ولا يحسن دخول الألف واللام على غير، وتكون تلك الصفة كناية عن شئ أثبت له حكم، فتثبت فى كلامك تلك الصفة لغير ذلك الشئ، من غير تعرض لثبوت ذلك الحكم له، أو انتفائه عنه، نحو قوله تعالى: يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ فإنهم ذكروا صفة، وهى العزة والذلة، باعتبار أن ذكر الأعز والأذل ذكر للعزة والذلة؛ لأنهما يتضمنانهما وكنوا بالصفة عن شئ؛ لأنهم عنوا بالأعز، فريقهم، وبالأذل فريق المؤمنين، وأثبتوا لذلك الشئ حكما، فإنهم أثبتوا لفريقهم أن يخرجوا، ولفريق المؤمنين أن يخرجوا، فأثبت الله - تعالى - تلك الصفة، وهى العزة للمؤمنين، وينبغى أن يقال: وأثبت الصفة الأخرى، وهى الذلة للكفار، المدلول عليها بتقديم الخبر فى قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ فإنه يدل على أن لا عزة لغيره، ومن لا عزة له ذليل من غير تعرض لثبوت ذلك الحكم، وهو صفة الإخراج أو انتفائه عنه، أى عن الفريق الموصوف بتلك الصفة، ولا شك أن عدم ذكر الحكم أبلغ؛ لأنه إذا ثبت للمؤمنين أنهم الأعز كان الإخبار بإخراجهم للكفار مستغنى عنه باعتراف الكفار به، واعترافهم أن من هذه صفته يخرج وهو معنى بديع، وبه يتضح أن هذا نوع من
(1) سورة المنافقون: 8.
(2)
سورة التوبة: 61.
(3)
سورة البقرة: 93.
والثانى: حمل لفظ وقع فى كلام الغير على خلاف مراده، ممّا يحتمله بذكر متعلّقه؛ كقوله [من الخفيف]:
قلت: ثقّلت إذ أتيت مرارا
…
قال: ثقّلت كاهلى بالأيادى
ــ
المذهب الكلامى السابق، لأنه إلزام بالحجة، فإنهم قالوا: الأعز يخرج الأذل، وفريق المؤمنين هو الأعز، فيلزم من ذلك أن المؤمنين يخرجون الكفار بقياس اقترانى. والثانى من القول بالموجب حمل لفظ وقع فى كلام غير الشخص على خلاف مراده، مما يحتمله بذكر متعلقه، وينبغى أن يشترط فى الاحتمال الذى حمل عليه الكلام أن يكون موجودا، كقوله:
قلت ثقّلت إذ أتيت مرارا
…
قال: ثقّلت كاهلى بالأيادى
قلت: طوّلت قال لا بل تطوّل
…
ت، وأبرمت قال: حبل ودادى (1)
فإنه قال: بموجب قوله: فى" ثقلت" وفى" أبرمت" ولكنه صرفه إلى غير مقصود المتكلم، وحمله على غير مراده، ولا شك أنه - أيضا - نوع من تجاهل العارف، وفيه لطف باعتبار الرد على المتكلم على وجه بلغ الغاية فى التأدب وعدم المواجهة بالرد وليس فى قوله: قلت: طولت، قال:" لا بل تطولت" قول بالموجب، فإنه رد عليه بقوله: لا، وأثبت شيئا آخر، فإن التطويل غير التطول واعلم أن هذا الضرب الثانى من القول بالموجب، هو الأسلوب الحكيم المذكور فى علم المعانى، والذى يظهر أن من القول بالموجب، قوله:
قالوا: اقترح شيئا نجد لك طبخه
…
قلت: اطبخوا لى جبّة وقميصا (2)
لأنه قال بموجب قولهم، فأجاب بتعيين المطبوخ، كما سألوه وحمل اللفظ الواقع منهم على غير مرادهم، فإنهم أرادوا حقيقة الطبخ، فحمله على مطلق الصنع الذى هو أعم من الطبخ والخياطة، فطلب فردا من أفراد ذلك النوع، وهو الخياطة وسماها طبخا مجازا، كما سبق. قال فى الإيضاح: وقريب من هذا قول الآخر:
(1) البيتان فى الإشارات لمحمد بن على الجرجانى ص 287، وعزاهما المحقق للحسن بن أحمد المعروف بابن حجاج الشاعر الهازل. وينسبان لمحمد بن إبراهيم الأسدى، وذكر المؤلف أن صواب البيت الثانى:
قال: طولت، قلت: أو ليت طولا
…
قال: أبرمت، قلت: حبل ودادى
(2)
البيت لأحمد بن محمد الأنطاكى المعروف بأبى الرقعمق، وهو بلا نسبة فى الإشارات للجرجانى ص 267.