الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المشاكلة
ومنه: المشاكلة؛ وهى ذكر الشئ بلفظ غيره؛ لوقوعه فى صحبته، تحقيقا أو تقديرا:
فالأول: نحو قوله [من الكامل]:
قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه
…
قلت: اطبخوا لى جبّة وقميصا
ونحو: تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ (1).
ــ
المشاكلة: ص: (ومنه المشاكلة إلخ).
(ش): المشاكلة ذكر الشئ بلفظ غيره لوقوعه فى صحبة ذلك الغير تحقيقا، أو تقديرا، فالتحقيق، كقوله:
قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه
…
قلت اطبخوا لى جبّة وقميصا (2)
كأنه قال: خيطوا لى، فذكر الخياطة بلفظ ليس لها، بل بلفظ الطبخ، لوقوعه فى قوله:(نجد لك طبخه) واستعمال اطبخوا هنا للمقابلة، وقوله:" نجد" الظاهر أنها بضم النون من أجاد، لكن قال بعض شراح هذا الكتاب: إنها بالفتح من الوجدان، والذى يظهر فى قوله:" اطبخوا" أنه ليس من مجاز المقابلة، بل من الاستعارة؛ لمشابهة الطبخ للخياطة، والإطعام للكسوة فى النفع، وأن هذا القسم من الضرب الثانى من أحد قسمى القول بالموجب، كما سيجئ - إن شاء الله تعالى - وهو بعينه الأسلوب الحكيم المذكور فى علم المعانى، ثم نقول: مجاز المقابلة بالاستقراء يكون اللفظ المقابل والمقابل كلاهما فى متكلم، وهنا" اطبخوا" فى كلام شخص و" طبخه" فى كلام آخر، قلت: وهذا يقتضى أن هذا من مجاز المقابلة، وقد قدم المصنف فى المجاز المرسل أن هذه الآية من مجاز إطلاق السبب على المسبب، وكذلك أن مجاز المقابلة، ربما يقدم على مقابله مثل" فإن الله لا يملّ حتى تملّوا" (3) ومنه قوله تعالى: تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ فذكر" نفسك"، والمراد" الذات" ولكنها ذكرت
(1) سورة المائدة: 116.
(2)
البيت لأبى الرقعمق أحمد بن محمد الأنطاكى، انظر الإيضاح ص 348، المصباح ص 196، شرح عقود الجمان ج 2 ص 77.
(3)
أخرجه البخارى فى" الصوم"(4/ 251)، (ح 197)، وفى غير موضع، ومسلم (ح 782).
والثانى: نحو: صِبْغَةَ اللَّهِ (1)، وهو مصدر مؤكّد ل آمَنَّا بِاللَّهِ (2) أى: تطهير الله؛ لأنّ الإيمان يطهّر النفوس، والأصل فيه: أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم فى ماء أصفر يسمّونه: (المعموديّة)، ويقولون: إنّه تطهير لهم؛ فعبّر عن الإيمان بالله ب صبغة الله للمشاكلة بهذه القرينة.
ــ
بلفظ النفس؛ لتقدم" تعلم ما فى نفسى" واعترض بجواز أن يكون المراد بنفسك" الذات" فتكون حقيقة من غير ملاحظة المشاكلة. قلت: وعبارة الزمخشرى:" المعنى تعلم معلومى، ولا أعلم معلومك" ولكنه سلك بالكلام طريق المشاكلة، والذى فهمته من هذا الكلام، أنه لا يريد أن النفس هنا غير الذات، بل ذكر الجملة التى لأجلها عبر عن المعلوم بما فى النفس، فلا يكون إرادة الذات والحقيقة منافيا للمشاكلة، ويمكن أن يقال: النفس وإن أطلقت على الذات فى حق غير الله - تعالى - فلا تطلق فى حقه، لما فيه من إيهام معناها الذى لا يليق بغير المخلوق، فلذلك احتيج إلى المشاكلة. وقيل: لا بد من الإقرار بالمشاكلة؛ لأن ما فى النفس إن أريد به المضمرات، فلا مطابقة من
جهة الله - تعالى - فوجب المشاكلة، وإن أريد ما فى الحقيقة والذات فالمشاكلة من حيث إدخاله فى الظرفية، ومنه قوله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (3) على أحد القولين السابقين، وجعل منه فى الإيضاح قول أبى تمام:
من مبلغ أفناء يعرب كلّها
…
أنّى بنيت الجار قبل المنزل (4)
وفيه نظر؛ لأن البناء المذكور لم يذكر نظيره فى المنزل تحقيقا، بل تقديرا، فإن تقديره قبل بناء المنزل، فهو من القسم الثانى، لا الأول، بل هو أجدر باسم البعدية من الثانى؛ لأن هذا التقدير لفظى، والتقدير فى القسم الثانى معنوى، قوله:(والثانى) أشار إلى ما إذا كان وقوع ذلك الاسم فى صحبة غيره تقديرا (نحو قوله تعالى صِبْغَةَ اللَّهِ) فإنه مصدر مؤكد انتصب بقوله تعالى: آمَنَّا بِاللَّهِ ومقابل الصبغة مقدر تقديره صبغة الله لا صبغتكم، والمعنى تطهير الله (لأن الإيمان يطهر النفوس، وأصله أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم فى ماء أصفر، يسمونه المعمودية) قال المطرزى: وهى لغة غريبة لم تسمع إلا فى التفسير (ويقولون: هو تطهير لهم، فعبر عن الإيمان بالله
(1) سورة البقرة: 138.
(2)
سورة البقرة: 136.
(3)
سورة الشورى: 40.
(4)
الإيضاح ص 348، شرح عقود الجمان 2/ 80.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بصبغة الله للمشاكلة) وإن لم يتقدم لفظ الصبغ لدلالة القرينة، وغمس النصارى أولادهم عليه، كما تقول لمن يغرس الأشجار: اغرس كما يغرس فلان، تريد رجلا يصطنع الكرام، وهذا الكلام كله من الكشاف، ونقل عن الزّجّاج أن (صبغة الله) يجوز أن يراد به خلقة الله الخلق، أى ابتداء الله الخلق على الإسلام كقوله تعالى: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها (1) وقول الناس: صبغ الثواب إنما هو تغيير لونه وخلقته، وقال القاضى: صبغنا الله صبغة، وهى فطرته كأنها حلية صبغ الثوب إنما هو تغيير لونه وخلقته وقال القاضى: صبغنا الله صبغة وهى فطرته كأنها حلية الإنسان إذ هدانا بهدايته، وطهر قلوبنا بطهره، وسماه صبغة؛ لأنه ظهر أثره عليه ظهور الصبغ. قال الطيبى: فعلى هذا القول، لا تكون مشاكلة بل استعارة مصرحة تحقيقية (قلت): وفيما قاله نظر؛ لأن كل مشاكلة فهى استعارة، فكونها استعارة لا ينافى المشاكلة، وقولهم:
إن (صبغة الله) مصدر مؤكد، هو أحد الأقوال، وقيل: منصوب على الإغراء أى الزموا ويبعده نَحْنُ لَهُ عابِدُونَ إلا أن يقدر هناك قول، وفيه تكلف، والزمخشرى ذكر هذا، إلا أنه قدر الإغراء بالمجرور، أى عليكم، ورد عليه: بأن الإغراء إذا كان بظرف، أو مجرور لم يجز حذفه، ويحتمل أن يكون تقديره عليكم تفسير معنى، وقيل: بدل من قوله: مِلَّةِ إِبْراهِيمَ، * ونقل عن الأخفش، وهو بعيد، لطول الفصل. وقال أبو البقاء:
انتصابه بفعل محذوف، أى اتبعوا، ولعله يريد الإغراء قال فى الإيضاح بعد هذا النوع:
ومنه الاستطراد، وهو الانتقال من معنى لمعنى آخر متصل به لم يقصد بذكر الأول التوصل لذكر الثانى، وقال بدر الدين بن مالك: إن الاستطراد قليل فى القرآن الكريم، وأكثر ما يكون فى الشعر، وأكثره فى الهجاء، ولم أظفر به إلا فى قوله تعالى: أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (2) وقول الحماسى:
وإنّا لقوم ما نرى القتل سبّة
…
إذا ما رأته عامر وسلول (3)
أراد مدح نفسه، فاستطرد لذم قبيلتين، وعليه قوله تعالى: يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ
(1) سورة الروم: 30.
(2)
سورة هود: 95.
(3)
البيت للسموأل، انظر الإيضاح ص 349، المصباح ص 234.