الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التورية
ومنه: التورية، وتسمّى الإيهام أيضا؛ وهى أن يطلق لفظ له معنيان، قريب وبعيد، ويراد البعيد؛ وهى ضربان:
مجرّدة: وهى التى لا تجامع شيئا مما يلائم القريب؛ نحو: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (1).
ومرشّحة؛ نحو: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ (2)
ــ
التورية: ص: (ومنه التورية إلخ).
(ش): أى من المعنوى التورية، وهى مصدر وريت الخبر، إذا سترته وأظهرت غيره، كأنه مأخوذ من وراء الإنسان كأنه يجعله وراءه حيث لا يظهر، ويسمى أيضا الإيهام، وهو أن يطلق لفظ له معنيان: قريب، وبعيد، ويراد البعيد، والمراد بقولنا:
قريب، وبعيد، قريب الفهم وبعيده، فإن المعنى نفسه لا يوصف ببعد ولا قرب والمراد بالمعنيين أكثر من معنى، واعلم أن قولهم: لفظ له معنيان يراد البعيد، يتأتى بأن يكون اللفظ له حقيقة ومجاز، فيراد مجازه، وإن كان غير راجح، أو حقيقته المرجوحة إن كان مجازه راجحا، أو يكون مشتركا، ويغلب استعماله فى أحدهما، بحيث يصير الذهن يتبادر إليه دون الآخر، ثم قسم المصنف التورية إلى قسمين: مجردة، ومرشحة، فالمجردة هى التى لا تجامع شيئا مما يلائم القريب المورى به، ومثله بقوله تعالى:
الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى فإن معناه القريب المورى به ما يقتضيه ظاهر لفظ" استوى" ومعناه البعيد المراد المورى عنه القدرة والملك. كذا قالوه، وفيه نظر؛ لأن لفظ" على" يلائم المعنى القريب المورى به عن المراد، فإن على حقيقتها الاستعلاء الحسى الذى ليس بمراد، والمرشحة هى التى قرنت بما يلائم المورى به، إما قبله أو بعده، ومثله بقوله تعالى: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ أى بقوة. كذا قال المصنف، وشرحوه على أن المراد أن بأيد تورية مرشحة بما يلائمها، وهو البناء، والظاهر أن المراد أن بأيد جمع يد بمعنى القوة، فيكون أريد بالأيدى" القوى"، وهو معناها المراد البعيد، ومعناها القريب غير المراد" الجارحة" قلت: وفيه نظر، لأن قوله تعالى: بِأَيْدٍ له معنيان:" القوة" فيكون مفردا وجمع" يد" وهما معنيان مستويان، ليس أحدهما قريبا والآخر بعيدا، وكل
(1) سورة طه: 5.
(2)
سورة الذاريات: 47.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
منهما صالح لأن يراد، فإن البناء يكون بالأيد الذى هو" القوة" وبالأيدى التى هى جمع" يد" ثم لو كان أحدهما قريبا، فهذه ليست كلمة واحدة لها معنيان، بل كلمتان، فإن الأيد كلمة غير الأيدى، فتقرر أن التورية ليست باعتبار الأيد والأيدى بل باعتبار إطلاق الأيدى وإرادة القوى، فإن أراد المصنف بذكره" القوة" أن" الأيد" فى الآية مفردة فلا مجاز فيه، لأن القوة مرادة الحقيقة فى الآية، ولا تورية لعدم قرب أحد المعنيين من جهة وضع اللفظ، وإن أراد جمع" يد" بمعنى القوة، كما فهموه عنه، صح أنها تورية مرشحة واستعارة مرشحة، لكن لا نسلم أن المراد بقوله تعالى: بِأَيْدٍ ذلك، بل المراد" القوة" وإذا كان الأيد القوة، فما الضرورة إلى تأويل بأيد على الأيدى المتجوز بها عن القوة، وقد جزم الزمخشرى، وغيره: بأن المراد فى الآية" الأيد المفرد" وهو" القوة"؟
واعلم أن التورية المرشحة، هى نوع من الاستعارة المرشحة فى الأصل، والتورية المجردة يدخل فيها
الاستعارتان: المجردة والمطلقة، والفرق بين الاستعارة المرشحة والتورية المرشحة، هو أن مع الاستعارة قرينة تصرف اللفظ لها وتجعل المعنى البعيد قريبا، والتورية ليست كذلك، والغالب عليها الترشيح بما يبعد إرادة المجاز، ولذلك سميت تورية وإيهاما.
قال المصنف: وقد يكون الترشيح بعد التورية، كقول القاضى عياض:
كأنّ كانون أهدى من ملابسه
…
لشهر تموز أنواعا من الحلل
أو الغزالة من طول المدى خرفت
…
فما تفرق بين الجدى والحمل (1)
وكأنه نظر إلى لفظ الغزالة، وجعل ترشيحه الجدى، وهو بعده. وابن مالك نظر إلى لفظ الجدى والحمل، وجعله تورية مرشحة بما قبلها وهو الغزالة، وقال: إن لفظ الغزالة تورية مجردة وإنه ليس قبله ولا بعده شئ من لوازم المورى به، وقال ابن النحوية: هما توريتان مجردتان ليست إحداهما ترشيحا للأخرى؛ لأن شرط المرشح به بأن يكون صريحا، وكل من الغزالة والجدى والحمل مشتركان، ثم قال المصنف: التوهم ضربان ضرب يستحكم حتى يصير اعتقادا كقوله:
حملناهما طرّا على الدهم بعد ما
…
جعلنا عليهم بالطّعان ملابسا (2)
(1) الأبيات لأبى الفضل عياض فى صيفية باردة فى كتاب المصباح ص 260، وكتاب الإيضاح ص 312.
(2)
البيت بلا نسبة فى المصباح ص 261.