الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل [إخماد التشبيه في النفس]
(1)]
قد يضمر التشبيه فى النفس؛ فلا يصرّح بشئ من أركانه سوى المشبّه، ويدلّ عليه:
بأن يثبت للمشبّه أمر يختصّ بالمشبّه به،
…
ــ
نظر ويحتاج إلى شاهد (قوله: ولهذا)(2) أى ولكون المقصود بالإفادة ليس من معنى التمثيل، بل صورة تشابهه (يسمى التمثيل على سبيل الاستعارة، وقد يسمى التمثيل مطلقا) أى ولا يسمى استعارة وكأن ذلك اجتناب للفظ الاستعارة، فإنه يوهم التجوز فى المفردات، (وإذا فشا) أى كثر (استعماله كذلك) أى على سبيل الاستعارة (فإنه يسمى مثلا) فعلم أن المثل تشبيه تمثيلى، ولكون الأمثال واردة على سبيل الاستعارة لا تغير، لأنها مستعملة فى معناها الأصلى، وإنما يستعملها الإنسان استعارة على سبيل المثال، فتستعمل فى المفرد والجمع، وإن كانت جمعا أو تثنية، وفى المذكر وإن كانت مؤنثة، وعكسهما.
إخماد التشبيه فى النفس: ص: (فصل قد يضمر التشبيه فى النفس إلخ).
(ش): لما أن فرغ من الاستعارة التحقيقية شرع فى الاستعارة بالكناية، وتحقيق معنى الاستعارة بالكناية يأتى فى الفصل الثانى إن شاء الله - تعالى -، وحاصله أن المصنف يرى أن الاستعارة بالكناية حقيقة لغوية، وأعنى بكونها حقيقة لغوية أنها لم تستعمل فى المشبه به، لا أنها يلزم أن تكون حقيقة، بل يجوز أن يتجوز بها عن معنى بينه وبين معناها علاقة، كما سيأتى ذكره فى بيت زهير، وقد قدمنا الاعتراض على المصنف عند ذكر صور التشبيه الثمانى، لهذا الكلام فليراجع. قال: وإنما تسمى الاستعارة بالكناية استعارة، مجازا اصطلاحيا، فلذلك قال:" قد يضمر التشبيه فى النفس" فسماه تشبيها باعتبار حقيقته الاصطلاحية، فلا يصرح بشئ من أركانه سوى المشبه، أى ويطوى بقية الأركان، وهى المشبه به، والأداة، والوجه، وقد قدمنا الاعتراض على المصنف عند ذكر صور التشبيه الثمانى بهذا الكلام، فليراجع. قال: ويدل عليه بأن يثبت للمشبه المذكور أمر يختص بالمشبه به، أى يثبت له لازما مساويا
(1) فى بيان الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية.
(2)
قوله: ولهذا كذا فى الأصل وهو مخالف لعبارة التلخيص كما ترى كتبه مصححه، قلت: وفى المتن التلخيص بتحقيقى ط دار الكتب
العلمية: وهذا التمثيل على سبيل الاستعارة، وقد يسمى التمثيل مطلقا خ خ.
فيسمّى التشبيه استعارة بالكناية، أو مكنيّا عنها، وإثبات ذلك الأمر للمشبّه استعارة تخييلية؛
…
ــ
إنما شرطنا أن يكون مساويا - وإن أطلق الجمهور اللازم - لأن اللازم غير المساوى لا يدل به على المشبه به، إذ لا يفهم منه. وقولهم: أمر يختص بالمشبه به معكوس، وصوابه أن يقال: أمر يختص به المشبه به يظهر بالتأمل. (قوله: فيسمى التشبيه استعارة بالكناية أو مكنيا عنها) وإنما سميت استعارة بالكناية إن فسرنا الاستعارة بالكناية بما فسر به المصنف؛ لأن فيها حقيقة الكناية المصطلح عليها، لأنه أطلق فيها اللفظ على شئ لإفادة لازمه، فأطلقت المنية على حقيقتها اللغوية لإفادة لازمها، وهو أن لها اغتيال السبع المدلول عليه بقوله:" أنشبت أظفارها" وكان الواجب على هذا عدها من قسم الكنايات وتسميتها كناية، لكنه لما كان هذا اللازم الذى دل عليه لفظ المنية من السبعية لازما بطريق الادعاء لا بطريق الحقيقة، فإن حقيقة اغتيال السبع لا يوجد فى المنية، فسميت استعارة، فأشير إلى المعنيين، بقولنا: استعارة بالكناية، وأما على رأى السكاكى، فيحتمل أن يقال: إنما سميت بذلك مراعاة - أيضا - للكناية، والاستعارة المصطلح عليها على العكس مما سبق، فإن المنية استعملت فى السبع فكان تسميتها استعارة حقيقة اصطلاحية، ولما كان كونها استعارة غير مقصودة بالإفادة، بل المقصود إفادة أن لها اغتيال السبع ذكر فيها لفظ الكناية؛ لأن اللفظ استعمل فى شئ، والمراد إفادة لازمه، وفيه نظر؛ لأن ذلك يستلزم أن الاستعارة التحقيقية - أيضا - تسمى استعارة بالكناية؛ لأنك إذا قلت:" رأيت أسدا" لا تريد الإخبار بكون زيد من جنس الأسد، بل تريد استعماله فى ذلك لإفادة لازمه، وهو الشجاعة، ويحتمل أن يريد بالكناية الكناية اللغوية، وأما تسميتها مكنيا عنها، فعلى رأى المصنف واضح؛ لأن اللفظ ليس استعارة حقيقية، بل هو حقيقة، ولكن كنى بها عن الاستعارة، أى لم يصرح بها؛ لأن جملة الكلام معناه استعارة فالاستعارة غير مصرح بها، وعلى رأى السكاكى، فلأن الأصل إنما هو استعارة السبع للمنية لا استعارة المنية للسبع، فلما عكس فى الصورة كانت استعارة مكنيا عنها، فإن الاستعارة بالحقيقة الاصطلاحية هى استعارة السبع للمنية وهى غير مصرح بها، بل كنى عنها، وما ذكرناه أحسن من قول من قال: سميت استعارة بالكناية ومكنيا عنها؛ لأن المشبه به غير مذكور، بل كنى عنه بذكر لازمه. (قوله:
وإثبات ذلك الأمر للمشبه) أى يسمى إثبات ذلك الأمر الذى هو اللازم المساوى للمشبه: (استعارة تخييلية)؛ لأنها ليست ثابتة للمشبه بالتحقيق بل بالتخييل، وعلم منه أن الاستعارة
كما فى قول الهذلىّ [من الكامل]:
وإذا المنيّة أنشبت أظفارها
…
ألفيت كلّ تميمة لا تنفع
ــ
بالكناية لا توجد دون الاستعارة التخييلية، وأما عكسه فظاهر كلام المصنف أنه كذلك، فلا توجد التخييلية دون المكنية، وكلام السكاكى على خلافه، وأشار إلى أن الاستعارة التخييلية معنى، لا لفظ بقوله:" ويسمى إثبات ذلك تخييلية" ولم يقل ويسمى ذلك؛ اللازم استعارة وسيأتى تحقيق ذلك وتحقيق المراد بالاستعارة التخييلية فى الفصل بعده - إن شاء الله تعالى - وقد مثل المصنف فى الإيضاح للاستعارة المكنية والتخييلية بقول لبيد:
وغداة ريح قد كشفت وقرّة
…
إذ أصبحت بيد الشّمال زمامها (1)
فإنه شبه الشمال بالإنسان فى تصريفها به، فجعل لها يدا بالتخييل، وكذلك الزمام مع القرة التى هى مرادة بالضمير فى قوله:" زمامها" فالقرة استعارة بالكناية، والزمام للتخييل، وسيأتى على التمثيل بهذا البيت بالنسبة إلى يد الشمال سؤالان، ومثل المصنف هنا، وهو مثال لأحد قسميها على ما سيأتى بقول الهذلى وهو أبو ذؤيب الهذلى يرثى بنين له خمسة ماتوا فى عام واحد مطعونين، وكانوا ممن هاجر إلى مصر، ومات أبو ذؤيب فى زمن عثمان - رضى الله عنه - ومستهل القصيدة:
أمن المنون وريبها تتوجّع
…
والدّهر ليس بمعتب من يجزع
أودى بنىّ وأعقبونى حسرة
…
عند الرّقاد وعبرة ما تقلع
فالعين بعدهم كأنّ حداقها
…
سمّت بشوك فهى عور تدمع
سبقوا هوىّ وأعنقوا لهواهم
…
فتخرموا ولكلّ جنب مصرع
ولقد حرصت بأن أدافع عنهم
…
وإذا المنيّة أقبلت لا تدفع
وإذا المنيّة أنشبت أظفارها
…
ألفيت كلّ تميمة لا تنفع
(1) ديوان لبيد ص: 230، وفى رواية الديوان:
وغداة ريح قد وزعت وقرّة
…
قد أصبحت بيد الشمال زمامها
والمصباح ص: 133، 134، والإيضاح بتحقيقى ص: 277، ودلائل الإعجاز ص: 67 بتحقيق محمود محمد شاكر.
والقرة والقر: البرد.
شبّه المنيّة بالسبع فى اغتيال النفوس بالقهر والغلبة، من غير تفرقة بين نفّاع وضرّار، فأثبت لها الأظفار التى لا
يحمل ذلك فيه بدونها، وكما فى قول الآخر:
ولئن نطقت بشكر برّك مفصحا
…
فلسان حالى بالشّكاية أنطق
شبّه الحال بإنسان متكلّم فى الدّلالة على المقصود؛ فأثبت لها اللسان الذى به قوامها فيه.
ــ
وتجلّدى للشّامتين أريهم
…
أنّى لريب الدّهر لا أتضعضع
حتّى كأنّى للحوادث مروة
…
بصفا المشرّق كل يوم تقرع
والنّفس راغبة إذا رغّبتها
…
وإذا تردّ إلى قليل تقنع (1)
فشبه المنية بالسبع فى اغتيال النفوس بالقهر والغلبة، من غير تفرقة بين نفاع وضرار، فإن المنية لا توقر أحدا، ويستوى فيها مستحق النفع والضر، كما أن السبع لا يعرف حقيرا ولا عظيما، بل يغتال من وجده، فأثبت للمنية الأظفار التى لا يكمل ذلك أى، الاغتيال فى السبع بدونها تحقيقا للمبالغة فى التشبيه، وليس للمنية شئ موجود حسا أو عقلا، يكون مشبها بالأظفار، بل هو أمر موجود فى المنية على سبيل التوهم؛ فلذلك سميت تخييلية، وقد قسم المصنف فى الإيضاح الاستعارة بالكناية إلى قسمين:
أحدهما: ما كان الأمر المذكور معها المختص به" المشبه به" أمرا لا يكمل وجه الشبه فى المشبه به بدونه، وهذا البيت مثال لهذا القسم على ما قال المصنف هنا، وسيأتى منه ما يقتضى خلافه، والقسم الثانى: ما يكون اللازم المذكور معه به قوام وجه الشبه فى المشبه به، ولما كان الوجهان متقاربين، لم يصرح بهذا القسم فى التلخيص، بل اقتصر على المثالين، وأشار إلى الثانى بقوله: وكما فى قول الآخر:
ولئن نطقت بشكر برّك مفصحا
…
فلسان حالى بالشّكاية أنطق (2)
فإنه شبه الحالة الدالة على المقصود بإنسان متكلم فى الدلالة على المقصود، فأثبت لها اللسان الذى به قوام الدلالة فى الإنسان، وقد أورد على المصنف أنه وقع فيما رمى به السكاكى فى أول الكتاب، حيث قال: هناك أنه لو صح ما ذكره السكاكى من أن
(1) القصيدة من الكامل، فى شرح أشعار الهذليين/ 8.
(2)
التلخيص بتحقيقى ص: 79، والبيت لمحمد بن عبد الله العتبى، وقيل: لأبى النضر بن عبد الجبار، وأورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص: 228، والتبيان بتحقيقى ص:303.
وكذا قول زهير [من الطويل]:
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله
…
وعرّى أفراس الصّبا ورواحله
أراد أن يبيّن أنه ترك ما كان يرتكبه زمن المحبّة من الجهل، وأعرض عن معاودته فبطلت آلاته، فشبّه الصّبا بجهة من جهات المسير؛ كالحجّ والتجارة، قضى منها الوطر؛ فأهملت آلاتها، فأثبت لها الأفراس والرواحل، فالصّبا من الصّبوة بمعنى الميل إلى الجهل والفتوّة؛ ويحتمل أنه أراد بالأفراس والرواحل: دواعى النفوس، وشهواتها، والقوى الحاصلة لها فى استيفاء اللذات، أو الأسباب التى قلّما تتآخذ فى اتباع الغى، إلا أوان الصّبا؛ فتكون الاستعارة تحقيقية.
ــ
نحو:" أنبت الربيع البقل" استعارة بالكناية لما صحت الإضافة فى قولنا:" نهاره صائم"؛ لبطلان إضافة الشئ إلى نفسه، لأنه يصير المراد بالنهار" الصائم" فهذا لازم له هنا، لأنه جعل الحال استعارة بالكناية، والإنسان استعارة تخييلية، لأنه شبه الحال بإنسان متكلم، وذكر اللسان لأنه لازم الإنسان المتكلم، وقد أضاف الإنسان إلى الحال الذى هو مضاف الإنسان، فقد أضاف الشئ إلى نفسه (قوله: وكذا قول زهير:
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله
…
وعرّى أفراس الصّبا ورواحله) (1)
قد جعله فى المفتاح قسما ثالثا، وهو ما احتمل أن تكون تحقيقية أو تخييلية، فلذلك جوز فيه فى الإيضاح وجهين: أحدهما: وهو الذى بدأ به فى كلامه فى التلخيص أن تكون استعارة تخييلية، أى تكون لفظ" الصبا" بأن يريد أن يبين أنه ترك ما كان يرتكبه من المحبة والجهل والغى، وأعرض عن معاودته فبطلت آلاته، فشبه الصبا بجهة من جهات المسير، كالحج والتجارة، وقد قضى منها الوطر فأهملت آلاتها فأثبت لها الأفراس والرواحل على سبيل الاستعارة بالكناية، فالصبا على هذا من الصبوة بمعنى الميل إلى الجهل، فالاستعارة بالكناية، هو لفظ الصبا وهو المشبه، والمشبه به جهة الأسفار كالحج، والتجارة، بجامع ما بينهما من الجهد والمشقة والاهتمام، ولازم المشبه به وهو السفر" الأفراس" و" الرواحل" فذكرها استعارة تخييلية، وأشار إلى الاحتمال الثانى بقوله: ويحتمل أنه أراد دواعى النفوس وشهواتها والقوى الحاصلة لها
(1) ديوان زهير ص: 55، والصناعتين ص: 311، والإيضاح بتحقيقى ص: 278 والمصباح ص: 132، والطراز 1/ 233، ولسان العرب مادة صحا، وتاج العروس مادة صحا، والبيت من الطويل.