الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو ضربان: طباق الإيجاب؛ كما مر.
وطباق السلب: نحو: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ (1)، ونحو: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ (2).
ــ
فَأَغْنى (3) وهذا مثال للنوعين أحدهما اسم، والآخر فعل، وهو أحد الأقسام الممكنة.
الثانى: أن يكون أحدهما اسما، والآخر حرفا كقولك:" ثواب زيد حاصل وعليه وزره." الثالث: أن يكون أحدهما حرفا، والآخر فعلا، مثل:" أثيب زيد وعليه ما اكتسب".
الطباق ضربان:
ص: (وهو ضربان إلخ).
(ش): الطباق ينقسم باعتبار آخر، وهو أنه طباق الإيجاب، وطباق السلب. طباق الإيجاب مثل الأمثلة السابقة، وطباق السلب هو الجمع بين فعلى مصدر واحد أحدهما مثبت، والآخر منفى، أو فى حكمهما، كالأمر والنهى، وقسمه صاحب بديع القرآن ثلاثة أقسام: طباق إيجاب، وطباق سلب، وفرق بينهما بما لا حاصل له، ومثل المصنف لطباق السلب بقوله تعالى: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وقول الشاعر:
وننكر إن شئنا على النّاس قولهم
…
ولا ينكرون القول حين نقول (4)
وفى جعل الآية من باب الطباق نظر؛ لأن الطباق إن أخذ بين الفعلين فهما فى الآية غير متضادين لأن مفعول لا يعلمون غير مفعول يعلمون، وإن أخذ بين مطلق النفى والإثبات فيلزم أن يكون" ما جاء زيد وتكلم" طباقا، وليس كذلك وسيأتى ما يوضح هذا، ومثال الأمر والنهى: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ قالوا: ومنه: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (5) أى لا يعصون الله فى الحال:
وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ فى المستقبل قال المصنف: وفيه نظر؛ لأن العصيان يضاد فعل المأمور به، فكيف يكون الجمع بين نفيه وفعل المأمور به تضاد؟ قلت: لا يعنون
(1) سورة الروم: 6 - 7، وتمام الآية السابعة يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ وبين لا يعلمون ويعلمون طباق سلب بالنفى وعدمه.
(2)
سورة المائدة: 44.
(3)
سورة الضحى: الآيتان 7، 8.
(4)
الإيضاح ص 211، وبلا نسبة ص 337.
(5)
سورة التحريم: 6.
ومن الطباق نحو قوله [من الطويل]:
تردّى ثياب الموت حمرا فما أتى
…
لها اللّيل إلّا وهى من سندس خضر
ــ
بالطباق أن يكون مضمون الكلامين متضادا بل يعنون أن يكون المذكوران لو جرّدا من النفى والإثبات كانا فى أنفسهما متضادين، فالتضاد هنا بين العصيان، وفعل المأمور به، ألا ترى أن المصنف وغيره جعلوا من الطباق: وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ (1) وإن كان تحسبهم أيقاظا يفهم أنهم رقود، فيوافق وهم رقود ولا تضاد وكذلك قوله تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وأخذنا الموت والحياة باعتبار الإسناد لما كان بينهما تضاد، فإن كان ميتا يفهم أنه
حى، لدلالة كان - غالبا - على الانقطاع، فهو يوافق أحييناه، وكذلك: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ليس الطباق بين عدم خشية الناس، وخشية الله، فإن الذى بينهما تلازم لا تقابل، بل الطباق بين مطلق خشية الناس، وخشية الله، ولا يرد على هذا إلا جعلهم:
وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ (2) طباقا، وقيل: الطباق فى الآية بين الحال والاستقبال فى لا يَعْصُونَ، وَيَفْعَلُونَ قوله:(ومن الطباق إلخ) يشير إلى نوع من الطباق يسمى" التدبيج" وهو أن يذكر فى معنى من المدح أو غيره ألوان لقصد الكناية أو التورية، فالأول كقول أبى تمام:
تردّى ثياب الموت حمرا فما أتى
…
لها الليل إلا وهى من سندس خضر (3)
فإنه كنى بقوله" سندس خضر" عن دخول الجنة، وقد توهم بعض الشارحين أن قوله:" خضر" مجرور، واعتذر عن وصف السندس المفرد بالجمع، وليس كذلك، فإن القافية مرفوعة و" خضر" خبر وهى، ولو كانت مجرورة كان الأحسن الاعتذار بأن" سندسا" جمع سندسة، كما قيل. وأما التورية فلقول الحريرى:
" فمذ ازورّ المحبوب الأصفر
…
واغبر العيش الأخضر
اسودّ يومى الأبيض
…
وابيضّ فودى الأسود
حتى رثى (4) لى العدوّ الأزرق
…
فيا حبّذا الموت الأحمر" (5)
(1) سورة الكهف: 18.
(2)
سورة الروم: 6، 7.
(3)
البيت لأبى تمام فى ديوانه ص 329، الطراز ج 2 ص 78، شرح عقود الجمان ج 2 ص 72، التلخيص ص 86، المصباح ص 195.
(4)
هكذا فى الأصل، وفى الإيضاح حتى رنا ص:303.
(5)
عقود الجمان 2/ 72، والإيضاح بتحقيقى ص:303.
ويلحق به نحو: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (1)؛ فإن الرحمة مسبّبة عن اللين،
ــ
فقول: المحبوب الأصفر تورية عن الذهب، وإنما كان تورية لأن المحبوب الأصفر معناه القريب" الإنسان" والبعيد" الذهب" ولا شك فى كون الأصفر هنا مرادا به الذهب، ومن عادة الحريرى استعمال ذلك فيه كقوله:
أكرم به أصفر راقت صفرته
وقوله:
أصفر ذى وجهين كالمنافق
ولمنازع أن ينازع فى أن ذلك تورية، ويمنع تبادر الذهن من المحبوب الأصفر إلى الإنسان، وقد يعترض على المصنف فى قوله:" ألوان"، وليس فى البيت السابق إلا لونان، وليست التورية فى كلام الحريرى إلا فى واحد منها، وجوابه عن الثانى أن المراد أن يذكر ألوان تقع التورية فى بعضها وعنه وعن الأول أنه أراد جنس الألوان لا حقيقة الجمع قوله:" ويلحق به إلخ" يشير إلى أمرين يلحقان بالطباق: أحدهما:
نحو قوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ فإن الرحمة مسببة عن اللين الذى هو ضد الشدة فلما ذكر المسبب عن أحد الضدين كان مع ذكر الآخر كالطباق كذا قاله المصنف، وفيه نظر؛ لأن الرحمة من الإنسان ليست مسببة عن اللين، بل هى نفس اللين، لأنها رقة القلب وانعطافه وكذلك قوله تعالى:
لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ (2) لأن ابتغاء الفضل يستلزم الحركة المضادة للسكون. قال المصنف: ومن فاسد هذا الضرب قول المتنبى:
لمن تطلب الدّنيا إذا لم ترد بها
…
سرور محبّ أو إساءة مجرم (3)
فإن ضد المحب المبغض والمجرم قد لا يكون مبغضا، وله وجه بعيد. يريد المصنف أن بين الإجرام والبغض تلازما بالادعاء، كأنه يشير إلى أن المجرم لا يكون إلا مبغضا له لمنافاة حاله حال المجرم، وكذلك السرور والإساءة لا تقابل بينهما إلا بهذا الاعتبار.
والقسم الثانى الملحق بالطباق، ويسمى إيهام التضاد، كقول دعبل:
(1) سورة الفتح: 29.
(2)
سورة القصص: 73.
(3)
الإيضاح ص 339.