الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: وقد دل على هذا قوله في الرواية الأخرى: (لا يزال هذا الأمر عزيزًا إلى اثني عشر خليفةً).
215 - حديث: "كان للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكّر الناسَ
".
قال البيضاوي: يقرأُ القرآن: صفة ثانية للخطبتين، والراجع محذوف والتقدير: يقرأ فيهما. (ويذكر الناس): عطف عليه داخل في حكمه.
مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه
216 - حديث: "ذكاةُ الجنين ذكاةُ أمه
".
قال في "النهاية": يُروى هذا الحديث بالرفع والنصب، فمن رفع جعله خبر المبتدأ الذي هو (ذكاة الجنين)، فيكون ذكاة الأم هي ذكاة الجنين، فلا يحتاج إلى ذبح مستأنف، ومن نصب كان تقدير الكلام: ذكاة الجنين كذكاة أمه، فلما حذف الجار نصب، أو على تقدير: يذكي تذكية مثل ذكاة أمه، فلما حذف المصدر، أقام
المضاف إليه مقامه، فلا بد عنده من ذبح الجنين إذا خرج حيًا. ومنهم من يرويه بنصب الذكاتين، أي ذكوا الجنين ذكاة أمه. انتهى.
وقد ألف ابن جني في إعراب هذا الحديث رسالة قال فيها:
قد تنوع القول في هذا الحديث، وأولاها بالصواب وأجراها على مقاييس العربية وصناعة الإعراب، ما ذهب إليه أبو حنيفة من أن تقديره: ذكاة الجنين مثل ذكاة أمه، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، فأعرب حينئذ إعرابه، ومثل ذلك في حذف المضاف كثير، وذلك أن قوله (ذكاة الجنين) مبتدأ محتاج إلى خبر، وخبره إذا كان مفردًا - أعني غير الجملة - فلا بدّ أن يكون هو المبتدأ في المعنى بما ذكرنا، وذلك قولك للنائب عنك: قبضُك قبضي، وعقدُك عقدي، أي قَبْضي قبضُك، وعقدي عقدك، أي قبْضك يقوم مقام قبضي، وعقدك يقوم مقام عقْدي لو عقدت، فثبت قبض مخاطبك وعقده حقيقة، وقبضك وعقدك أي مجازًا لا حقيقة، بل تكون منفية عنك.
فعلى هذا كان يجب أن يكون معنى قوله عليه السلام: (ذكاة الجنين ذكاة أمه) إثبات الذكاة للجنين ونفيها عن الأم، وليس الأمر عند أحد كذلك، إنما الأمر عند أبي حنيفة أنهما جميعًا واجبتان، وعند غيره أن ذكاة الأم قد أغنت عن ذكاة الجنين، وليس أحد يوجب بهذا الخبر الذكاة للجنين دون الأم، فعلمت أنه لو أريد المعنى الذي ذهب إليه من خالف أبا حنيفة، لكان لفظ الخبر: ذكاة أم الجنين ذكاته، فقوله صلى الله عليه وسلم:(ذكاة الجنين ذكاة أمه) لا يصرف له لما قدمناه وأخرناه، إلا أنه إلى أنّ معناه: ذكاة الجنين مثل ذكاة أمه في الوجوب والإهلال، وهذا متناه في وضوحه.
وأما رواية من روى هذا الخبر (ذكاةُ الجنين ذكاةَ أمه)، فيضعف في القياس، وذلك أنه لا يخلو أن ينصب (ذكاةَ أمه) بشيء ملفوظ أو بشيء مقدر غير ملفوظ به،
وليس في اللفظ ما يصلح أن ينصب (ذكاةَ أمه) إلاّ المقدر الذي هو (ذكاةُ الجنين)، فإن علقت ذكاة أمه بنفس ذكاة الجنين، كان (ذكاة أمه) في صلتها أو من تمامها، وإذا كانت من تمامها بقي المبتدأ الذي هو (ذكاة الجنين) مبتدأ لا خبر له، لأنه يصير تقديره: ذكاة الجنين ذكاة مثل ذكاة أمه، فيحتاج إلى خبر، ولو زدت خبرًا لوجب أن يقال: ذكاة الجنين ذكاة أمه واجبه، فتحذف الخبر لطول الكلام، ودلالته عليه، فيصير كقولك: ضربك زيدًا ضرب عمرو جعفرًا، أي ضربك زيدًا مثل ضرب عمرو جعفرًا كائن أو واقع، فتحذف المصدر، وتقيم صفته - وهي مثل مقامه، فيصير تقديره: ضربك زيدًا ضرب عمرو جعفرًا كائن، ثم تحذف الخبر لطول الكلام ودلالته عليه فيصير: ضربك زيدا ضرب عمرو جعفرًا، فكذلك تقدير الخبر: ذكاة الجنين ذكاة مثل ذكاة أمه واجبة، ثم يصير: ذكاة الجنين ذكاة أمه، فهذا - اي إنْ ذهب إليه ذاهب - كان فيه بعض الضعف والصنعة لكثرة الحذف، ألا ترى أنه يُحذف مضاف بعد موصوف، ويُحذف معهما أيضًا الخبر، وليس كذلك قوله سبحانه:(فشاربون شربَ الهيم)[الواقعة: 55]، لأنه - وإن كان معناه: فشاربون شربًا مثل شرب الهيم - فإنه إنما حذف الاسمين - لعمري - إلا أنه لم يحذف معهما خبر المبتدأ، وكلما كثر الحذف كان أقبح.
فإن قلت: فإنّ حذف الخبر قد كثر في القرآن والشعر، فهلاّ حملت هذا الموضع على ذلك أيضًا؟ قيل: إذا انضم إلى حذف الخبر حذف شيئين مقدرًا أحدهما بعد صاحبه، لم يكن كأن يحذف الخبر وحده، وعلى أنه إن ارتكب أحد هذا - آل هذا بمعناه إلى ما قدمناه من وجوب ذكاة الجنين كذكاة أمه، ألا ترى أن التقدير قد أصاره إلى أنه بمعنى: ذكاة الجنين كذكاة أمه واجبة أو لازمة، ولا بد إذا نصبت ذكاة أمه بنفس ذكاة الجنين من هذا التقدير، وإذا لم يكن منه بدّ علمت به صحة قول أبي حنيفة في وجوب ذكاة الجنين للتحليل لوجوب ذكاة أمه، فهذا إن كان الناصب لذكاة أمه ما
في ظاهر اللفظ من الوضوح بحيث تراه.
وأما إنْ كان الناصب لذكاة أمه ليس موجودًا في اللفظ، ولم يحمله على أنه في صلة المصدر الذي هو (ذكاة الجنين)، فإنه يصير تقديره: ذكاة الجنين وقت ذكاة أمه، ثم يحذف الوقت المضاف إلى الذكاة على ما تقدم، ويقيم مقامه فيقال: ذكاة الجنين ذكاة أمه، فيجرى مجرى قولك: لقاؤك زيدًا مقدمَ الحاج، وزيارتك عبد الله خفوقَ النجم، أي لقاؤك إيّاه وقت مقدم الحاج، وزيارتك وقت خفوق النجم، فتحذف المضاف الذي هو الظرف، ويقام المضاف إليه - وهو المصدر- مقامه، ومثله في حذف الوقت مع المصدر وإرادته قول الشاعر:
وما هي إلاّ في إزارٍ وعلقةٍ
…
مُغارَ ابنِ همّامٍ على حيِّ خثعما
أي: وقت إغارة ابن همام على حيِّ خثعم، ولا بد من تقدير حذف المضاف هنا، لأنك إن لم تفعل ذلك - وجعلت مغار ابن همام وقتًا لا مصدرًا - لم يستقم، لأنك قد عديت (مغار ابن همام) إلى الظرف الذي هو (على حيّ خثعم)، واسم الزمان والمكان لا يتعدى واحد منهما إلى شيء من الظروف ولا حروف الجر، إنما ذلك للمصدر دونهما، وهذا جليّ. وكان هذا الوجه في نصب (ذكاة أمه) أقرب ماخذًا من الأول، وعلى أيهما حملت، فالأمر واحد في وجوب ذكاة الجنين، ألا ترى أنه لا بدّ للظرف الذي هو (وقت ذكاة أمه)، لجريه خبرًا عن المبتدأ الذي هو:(ذكاة الجنين) - من شيء يتعلق به، والظرف متى جرى صلة أو صفة أو حالاً أو خبرًا تعلق بالمحذوف، وتضمنه إن لم يكن بعده ظاهر يرتفع به ضميره، فيصير تقديره: ذكاة الجنين كائنة أو واجبة أو واقعة وقت ذكاة أمه، ثم يحذف اسم الفاعل ويقام الظرف