الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
334 - حديث الساعة: "ولكن أخبرُكم بشرائطها
".
قال أبو البقاء: هو جمع شروط وهو المعلق على الشرط كقولك: الطلاق مشروط الوقوع بالدخول مثلاً، وكذلك الساعة مشروطة بكذا وكذا أي إذا وجدت تلك الأشراط وجدت الساعة فقلبت الواو ياء في الجمع كعرقوب وعراقيب.
335 - حديث الفتنة: "قلت يا رسول الله الهدنةُ على دَخَن ما هي؟ قال: لا ترجعُ قلوبُ الناس على الذي كانت عليه
".
قال أبو البقاء: يرجع هنا مرفوع وفيه وجهان: أحدهما هو مستأنف لا موضع للجملة وهو تفسير للدخن على المعنى، والثاني: هو في موضع رفع أي هي لا ترجع، فأنْ هنا مخففة من الثقيلة ونظير ذلك قوله:(أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولاً)(1)[طه: 89].
336 - حديث: "تعرضُ الفتنُ على القلوب عرض الحصير فأيُّ قلبٍ أنكرها نكتت في قلبه نكتةً بيضاء وأيّ قلب أُشْرِبها نَكَتَتْ فيه نكتةً سوداءَ حتى يصير القلبُ على قلبين: أبيضَ مثل الصفا لا تضرُّه فتنةٌ ما دامت السموات والأرض والآخر أسودَ مربدًّا مُخْجَيًا
".
(1) بلفظ (ألاّ) بدل (أن لا).
وقوله: لا أبا لك: قال القربي: اللام فيه مقحمة وكذا في قولهم: لا يد لفلان بهذا الأمر، ولا تريد العرب بهذا الكلام نفي الأبوة حقيقة وإنّما هو كلام جرى على ألسنتهم كالمثل، ولقد أبدع البديع حين قال في هذا المعنى:
يوحشني اللفظُ [
…
] كلُّه ودُّ
…
ويُكْرَهُ الشيءُ ما من فعله بُدُّ
هذه العرب تقول: "لا أبا لك"، للشيء إذا أهمّ، و"قاتله الله"، ويريدون به الذم، و"ويل أمّه"، للأمر إذا أتمّ، والاعتبار في هذا أن تنظر إلى القول وقائله فإن كان وليًّا فهو الولاء وإن أخشن، وإن كان عدوًّا فهو البلاء وإن أحسن.
وقال صاحب التجريد: هذه الكلمة تذكرها العرب للبحث على فعل الشيء ومعناها أن الإنسان إذا كان له أب وحزبه أمر ووقع في شدة عاونه أبوه ورفع عنه الكلّ فلا يحتاج من الجِدّ والاهتمام إلى ما يحتاج إليه في حالة الانفراد وعدم الأب المعاون، فإذا قيل: لا أب لك فمعناه: جِدَّ في هذا الأمر وشَمِّرْ وتأهبْ تأهبَ من ليس له معاون.
وقال ابن فلاح في مغنيه: وأمّا قولهم: لا أب لك ففيه ثلاث لغات: لا أب لك، وعليه قول الشاعر:
أبي الإسلامُ لا أبَ لي سواه
فيكون حذف الألف يدل على بناء النكرة معها على الفتح، و"لك": يحتمل أن يكون خبرًا أو صفة على اللفظ أو المحل أو بيانًا لا خبرًا ولا صفةً أي: أعني لك.
واللغة الثانية: لا أبا لك، قال الشاعر:
قال أبو البقاء: قوله: (حتى يصير القلب) هنا جنس في معنى القلوب. وقوله: على قلبين: خبر يصير أي ينقسم قسمين. وقوله: أبيض منصوب كما نصب أسود مربدًّا مخجيًا، ووجه النصب أن يكون بدلاً من قوله: على قلبين وكأنه قال: حتى تصير القلوب أبيض وأسود، ولو روى الجميع بالرفع جاز على تقدير: بعضها أبيض وبعضها أسود، ولو روى الجميع بالرفع جاز على تقدير: بعضها أبيض وبعضها أسود، ولو روي بالجر على البدل من قلبين جاز أي على قلب أبيض وقلب أسود مربدًّا. انتهى.
وقال القرطبي: قوله على قلبين أبيض: أي قلب أبيض فحذف الموصوف للعلم به وإقامة الصفة مقامه.
وقال النووي: مربدًّا: منصوب على الحال.
وقال القرطبي: قيد بثلاثة تقييدات: مربادّ مفعال من اربادّ مثل: مصفارّ من اصفارّ ومربدّ مثل: مسودّ ومحمرّ من اربدّ واسودّ واحمرّ، ومربئد بالهمزة وكأنه من اربأد لغة، وقال بعض اللغويين: احمرّ الشيء فإذا قوي قيل: احمأرّ بالهمزة فعلى هذا تكون تلك الروايات صوابًا كلّها.
وفي رواية: تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا.
قال القرطبي: قيد بثلاثة تقييدات: بفتح العين المهملة والذال المعجمة وبضم العين ودال مهملة وفتح العين ودال مهملة فمعنى الأول: سؤال الإعادة كما يقال: غَفْرًا غفرًا أي: اللهم اغفر اللهم اغفر، ومعنى الثاني: أنّ الفتن تتوالى واحدة بعد أخرى كنسيج الحصير عودًا بإزاء عودٍ أو كما تناول القضبان للناسج عودًا بعد عود، ومعنى الثالث قريب من هذا يعني أنّ الفتنة كلما مضت عادت كما يفعل ناسج الحصير كلما فرغ من موضع عود عاد إلى مثله، والمعنى الثاني أمكن وأنسق بما كتبته. انتهى.
يا تيمُ تيمَ عديٍّ لا أبا لكم
وفيها ثلاثة أوجه: أحدها: أنها مثل الأولى والاسم مقصور نكرة مثل فتى، والفتحة مقدّرة على الألف، والثاني: أنك أضفت الاسم المنفي إلى المجرور، واللام لتأكيد الإضافة، والاسم على هذا الوجه معرب لأنه مضاف إلى ما بعد اللام وهو مجرور بالإضافة لا باللام عند بعضهم لأنها زائدة، وعند بعضهم الجرّ باللام لأن حرف الجر لا يعلق عن العمل وإن كان زائدًا بدليل لست بزيد وسيفًا، وفي اللام مع الحكم بزيادتها تأكيد الإضافة وتهيئة دخول لا على المضاف لفصلها بين المضاف والمضاف إليه فكأنه نكرة، فثبوت الألف في المضاف يدل على أنه غير معتدّ بها وأنها مقحمة وتهيئتها لدخول (لا) على المضاف يدل على الاعتداد بها وإنما خصت اللام بتأكيد الإضافة دون غيرها من حروف الجر فلا يقال: لا أبا فيها، لأن الإضافة هنا بمعنى اللام فأباك بمعنى أبا لك، فهي وإن لم تكن موجودة بمنزلة الموجودة إذ هي المؤكدة لمعنى الإضافة لإفادتها الملك والتخصيص في غير الإضافة.
وقدح ابن الحاجب على الإضافة وقال: لا يجوز أن يكون مضافًا لأنه لو كان مضافًا لكان معرفة، ولو كان معرفة لوجب رفعه وتكريره، وعنده أنه نكرة إلا أنه أعرب لأنه أشبه المضاف لمشاركته له في أصل معناه، وهي نفي نسبة الأبوة أي المذكورة بعد اللام، ولا فرق عنده بين: لا أبَ لك، ولا أبا لك في التنكير، والاعتراض عليه أنّا نقول: إنما يجب رفع المعرفة بعد لا وتكريرها إذا قصد تعريفها، فأمّا إذا كانت نكرة في المعنى فلا يلزم ذلك، ألا ترى إلى قوله:(لا هيثمَ الليلةَ للمَطِيّ) كيف
عملت فيه "لا" لمّا كان في تقدير النكرة، فكذلك هنا إنما لم يرفع ولم يكرر لأنه في تقدير: لا مثلَ أبيك.
وأما تسويته بين: لا أبَ لك، ولا أبا لك فضعيف لأن الأول نكرة لعدم ما يدل على الإضافة، وأما الثاني فقد وجد فيه ما يدل على الإضافة، فلو سوينا بينهما لكان الدال على الإضافة في تقدير العدم، والأصل صيانة الكلام عن الزيادة ما أمكن حمله على محمل صالح، فثبت أن ما صار إليه سيبويه ومن تابعه هو الحق.
اللغة الثالثة: لا أباك بغير لام قال:
. .... ....
…
وأيّ كريمٍ لا أباكِ يُخَلَّدِ
وقال آخر:
أبالْمَوتِ الذي لا بدَّ أني
…
ملاقٍ لا أباكِ تُخَوِّفيني
وهذه أضعفها، وتوجهها أنها في تقدير التنكير كما تقدم، وأن اللام حذفت وهي مرادة، في حكم المنطوق به. انتهى.