الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن مالك في "شرح التسهيل": فلان وفلانة يكنى بها عن أعلام أولي العلم، ودعتهم الحاجة إلى الكناية عن أعلام البهائم المألوفة، فكنوا عن مذكرها بفلان، وعن مؤنثها بالفلانة، فزادوا الألف واللام فرقًا بين الكنايتين. وذكر الجوهري مثله.
قال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات": وقد ورد في هذا الحديث (فلانة) تعني الشاة، بغير ألف ولام، هكذا في النسخ المعتمدة وهذا تصريح بجوزاه. فيهما لغتان.
458 - حديث: "من لعن شيئًا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه
".
قال الطيبي: (ليس له): صفة (شيئًا) واسمه ضمير راجع إليه، والضمير في (له) راجع إلى مصدر (لعن). وفي (عليه) أي في (على) تضمين (رجعت) معنى اشتملت.
459 - حديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس بالخير، وكان أجودُ
…
".
بالرفع على المشهور، إمّا على أنه اسم كان وخبرها محذوف، وهو نحو: أخطب ما يكون الأمير في يوم الجمعة، أو هو مبتدأ مضاف إلى المصدر، وهو (ما يكون) و (ما) مصدرية، وخبره (في رمضان) تقديره: أجود أكوانه في رمضان، والجملة بكمالها خبر كان، واسمها ضمير عائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروي بالنصب على أنه خبر كان، وتعقب بأنه يلزم منه أن يكون خبرها اسمها. وأجيب بجعل اسم كان ضمير النبي، وأجود: خبرها، ولا يضاف إلى (ما) بل تجعل (ما) مصدرية نائبة عن ظرف الزمان، والتقدير: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة كونه في رمضان أجود منه في غيره.
وقال ابن الحاجب في "أماليه": الرفع في (أجود) الثاني هو الوجه، لأنك إن جعلت في (كان) ضميرًا يعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن (أجود) بمجرده خبرًا، لأنه مضاف إلى (ما يكون)، فهو كون، ولا يستقيم الخبر بالكون عما ليس بكون، ألا ترى أنك لا تقول: زيد أجود ما يكون. فيجوز أن يكون إما مبتدأ خبره قوله: (في رمضان) من قولهم: أخطب ما يكون الأمير قائمًا.
وإن نصبت جعلت (في رمضان) هو الخبر كقولهم: جرى في الدار، لأن المعنى الكون الذي هو أجود الأكوان حاصل في هذا الوقت، فلا يتعين أن يكون من باب: أخطب ما يكون الأمير قائمًا. انتهى.
وقال النووي: الرفع أشهر، والنصب جائز، وذكر أنه سأل شيخه ابن مالك، فخرج الرفع من ثلاثة أوجه، والنصب من وجهين، ثم وقفت على كلام ابن مالك في ذلك فقال:(أجود) المسؤول عنه في رفعه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون اسم كان مضافًا إلى (ما) المصدرية الموصولة بـ (يكون)، وتكون هنا تامة رافعة فاعل مستكنّ عائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم. و (في رمضان) خبر كان، والتقدير: وكان أجود كون رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان. وفي هذا إيجاز بليغ تستعمل العرب أمثاله كثيرًا عند قصد المبالغة، وذلك أن (أجود) أفعل التفضيل مضاف إلى الكون، فهو إذن كون، لأن أفعل التفضيل لا يضاف إلاّ إلى ما هو بعضه، ويلزم كونه يكون أكوانه صلى الله عليه وسلم كلها متصفة بالجود، وأجودها كونه رمضان، كما لزم ذلك في قول بعض العرب: أخطب ما يكون الأمير قائمًا. وهو من باب وصف المعاني بما يوصف به الأعيان كقولهم: شِعرٌ شاعرٌ، وجهادٌ جاهدٌ، وموتٌ مائتٌ، وآيةٌ مبصرةٌ،
وجودُك أجودُ من جوده.
والثاني: أن يكون اسم (كان) ضميرًا عائدًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، و (أجود) مضاف إلى (ما يكون) على ما تقدم، وهو مبتدأ خبره (في رمضان) والجملة خبر كان، وهو أيضًا من وصف المعاني بما يوصف به الأعيان.
والثالث: أن يجعل اسم كان ضميرًا راجعًا إلى الجود الذي تضمنه الأول، كما رجع الضمير إلى الصفة في قول الشاعر:
إذا نُهِيَ السفيهُ جرى إليه
…
وخالف والسفيهُ إلى خلافِ
والتقدير على هذا: وكان جود أجود كونه في رمضان، وأجود: مبتدأ، وفي رمضان: خبره، والجملة خبر كان.
ويجوز أن ينصب (أجود)، وفي نصبه وجهان:
إما أن يجعل اسم كان ضمير النبي صلى الله عليه وسلم، ويجعل (أجود) خبرها، ولا يضاف إلى (ما)، بل يجعل (ما) مصدرية نائبة عن ظرف الزمان، ويكون التقدير: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة كونه في رمضان أجود منه في غير رمضان. وفي هذا الوجه استعمال أفعل التفضيل منكّرًا غير مصاحب لـ (مِنْ) وهو قليل الوقوع.
والثاني من وجهي النصب: أن يجعل اسم كان ضميرًا عائدًا على الجود الذي تضمنه (أجود) الأول، ويجعل (أجود) الثاني خبر كان مضافًا إلى (ما)، وهي نكرة موصوفة، و (في رمضان) يتعلق بكان، والتقدير: وكان جوده في رمضان أجود شيء كائن. انتهى.
قال الشيخ ولي الدين العراقي فيما وجد بخطه: لا يتعين على هذا الوجه أن يجعل اسم كان ضميرًا عائدًا على الجود، بل يمكن أن يكون عائدًا على النبي صلى الله عليه وسلم وتقديره: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان أجود شيء كائن.
فإن قلت: يلزم على ذلك أن لا يكون في غير رمضان كذلك، قلت: وكذا التقدير يلزم على التقدير الذي قدره الشيخ.
وقال ابن الربيع في "شرح الإيضاح"(في أواخر باب الابتداء): مسألة تقول: زيد أحسن ما يكون يوم الجمعة: فيوم الجمعة خبر لأحسن، والجملة خبر لزيد. وإذا رفعت (يوم الجمعة)، فيكون التقدير: أحسن أكوانه يوم الجمعة، كأنه قال: أحسن أيامه يوم الجمعة، كما قالوا: نهاره صائم.
فإذا قلت: أحسن ما يكون في يوم الجمعة، فيكون المجرور خبرًا لأحسن والجملة خبر لزيد، وعلى هذا جاء الحديث:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان)، فقوله:(في رمضان) خبر لأجود، والجملة خبر لكان، واسم كان مضمر يعود إليه عليه السلام.
وقال شيخنا سراج الدين البُلْقيني: ويجتمع من كلام ابن الحاجب وابن مالك في وجه الرفع أوجه. انتهى.
وقال الكرماني: (أجود) بالرفع لأنه اسم كان، وخبره محذوف حذفًا واجبًا، إذ هو نحو: أخطب ما يكون الأمير قائمًا. ولفظة (ما) مصدرية، أي: أجود أكوان الرسول، (في رمضان) في محل الحال، واقع موقع الخبر الذي هو حاصل. و (حين يلقاه): حال من الضمير الموجود في (حاصل) المقدر، فهو حال عن حال، ومثلها يسمّى بالحالين المتداخلتين، ومعناه: كان أجود أوانه حاصل في رمضان عند الملاقاة.
ويحتمل في (كان) ضمير الشأن، فيكون المعنى: كان الشيء أجود أكوانه حاصل في رمضان عند الملاقاة.