الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقيدة، قال وقوله: قيل: أيكفرن بالله، قال: يكفرن العشير لم يعدّ كفر العشير بالباء، كما عدّى الكفر به لأنه ليس لمتضمّن المعنى الاعتراف بخلافه.
وقوله: ويكفرن الإحسانَ، كأنه بيان لقوله: يكفرن العشير، إذ المراد كفران إحسان العشير لا كفران ذاته، واللام في العشير إما للعهد وإما للجنس وإما للاستغراق. قال وقوله: إن أحسنت، وفي بعضها: لو أحسنت، فإن قلت "لو" لامتناع الشيء لامتناع غيره، فكيف صح هنا هذا المعنى، قلت: هو بمعنى إنْ، أي لمجرد الشرطية، ومثله كثير، ويحتمل أن يكون من قبيل:"نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه"، بأن يكون الحكم ثابتًا على النقيض والطرف المسكوت عنه أولى من المذكور. والدهر منصوب على الظرفية، وهو بمعنى الأبد، والمراد عمر الرجل أي مدّة عمره، ويحتمل أيضًا مدة بقاء الدهر مطلقًا على سبيل الفرض مبالغة في كفرهن وسوء مزاجهنّ.
532 - حديث: "كأني به أسود أفحجَ يقلعُها حجرًا حجرًا
".
قال الكرماني: كأني به أي ملتبسين به، والضمير للبيت، و"أسود" مبتدأ ويقلعها: خبر، والجملة حال بدون الواو، والضمير لقالع البيت، وسياق الكلام يدلّ عليه، وأسود خبر مبتدأ محذوف، وروى أسود منصوبًا على الذم والاختصاص، فإن قلت شرط النصب على الاختصاص أن لا يكون نكرة، قلت: قال الزمخشري: في قوله تعالى: (قائمًا بالقسط)[آل عمران: 18] إنه منصوب على الاختصاص، وهو عبارة عن "الأسود" فهو مجرور، وجاز إبدال المظهر من المضمر الغائب، نحو ضربته زيدًا، انتهى.
وقال الطيبي: حكى التوربشتي أنهما حالان من خبر كان، وإن لم يكن فهو مشبه به، وإذا قيّد منصوبه أو مرفوعه بالحال كان تقييدًا باعتبار معناه الذي أشبه الفعل، قال
الطيبي: وفيه نظر لأنهما إذا كانا حالين من خبر كان وذو الحال إما المستقر المرفوع أو المجرور، ولا يجوز الأول لأن المعنى يأباه كل الإباء، فتعيّن الحمل على الثاني، فالعامل هو متعلق الخبر.
وقال المظهري: هما بدلان من الضمير المجرور، وفتحا لأنهما غير منصرفين، وعلى التقدير يلزم إضمار قبل الذكر، والأولى أن يقال إنه ضمير مبهم تفسيره ما بعده على أنهما كقوله تعالى:(فقضاهن سبع سماوات)[فصلت: 12] وهو تمييز.
وقال الشيخ ولي الدين السبكي في كتابه: (نيل العلا في العطف بلا): قد استعملت في كلامي: وكأني بك، لأن الناس يستعملونه، ولا أدري هل جاء في كلام العرب أم لا، إلا أن في الحديث:"كأني به" فإن صح فهو دليل الجواز، وفي كلام بعض النحاة ما يقتضي منعه، وقال أبو علي الفارسي في "القصيريات" في قولهم: كأنك بالدنيا، ولم تكن: إن الكاف للخطاب والباء زائدة، والمعنى كأن الدنيا لم تكن، وكذلك صنع في كأني بكذا لم يكن، انتهى ما ذكره السبكي.
وقد ألف الإمام جمال الدين بن هشام في إعراب هذا الحديث رسالة وها أنا أسوقها هنا للاستفادة، قال:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدًا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، اختلف في:(كأنّك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل) في مواضع، أحدها: في تعيين دليله. والثاني: في معنى كأنّ. والثالث: في توجيه الإعراب، فأمّا قائله فاختلف فيه على قولين: أحدهما: أنه صلى الله عليه وسلم، والثاني: أنه الحسن البصري، وقد خبر بهذا جماعة منهم الشيخ أبو عبد الله محمد بن عمرون الحلس في "شرح المفصل"، وأبو حيان في "شرح التسهيل".
وأما معنى كأنّ، فاختلف فيه أيضًا على قولين، أحدهما للكوفيين: زعموا أنها
حرف تقريب، وليس فيها معنى التشبيه إذ المعنى على تقريب زوال الدنيا، وتقريب وجود الآخرة، وجعلوا من ذلك كأنك بالشتاء مقبل، وكأنك بالفرج آت، وهذا يستعمله الناس في محاوراتهم، ويقصدونه كثيرًا ويقولون كأنك بفلان قد جاء، والثاني للبصريين: زعموا أنها حرف تشبيه مثلها في: كأن زيدًا أسد، ولم يثبت مجيئها للتقريب أصلاً، والمعنى كأنّ حالتك في الدنيا حالة لم تكن فيها، وكأنّ حالتك في الدنيا حال من لم يزل بها، فالمشبّه والمشبه به الحالتان لا الشخص، والفعل الذي هو الجنس، وإيضاح هذا أنّ الدنيا لما كانت إلى اضمحلال وزوال، وكان وجود الشخص بها كلا وجود، وأن الآخرة لما كانت إلى بقاء ودوام، كان الشخص كأنه لم يزل فيها، ولا شكّ أن المعنى المشهور لكأنّ هو التشبيه، فمهما أمكن الحمل عليه لا ينبغي العدول عنه، وقد أمكن على وجه ظاهر فابتغى المصير إليه.
وأما توجيه الإعراب، وهو الذي يسأل عنه، فاضطربت أقوال النحويين اضطرابًا كثيرًا، والذي يحضرني الآن من ذلك أقوال: أحدها للإمام أبي علي الفارسي، زعم أن الأصل كأنّ الدنيا لم تكن، والآخرة لم تزل، ثم جيء بالكاف حرفًا لمجرد الخطاب لا موضع لها من الإعراب، كما أنها مع اسم الإشارة كذلك، وكذلك هي في قول: أبصرك زيدًا، أي: أبصر زيدًا فالكاف حرف لا مفعول، لأن أبصر إنما يتعدى إلى واحد، وجيء بالياء زائدة في اسم كأن، كما زيدت في أصل المبتدأ، وهذا القول اشتمل أمرين مخالفين للظاهر، وهما: إخراج الكاف عن الاسمية إلى الحرفية، وإخراج الباء عن التعدية إلى الزيادة.
والقول الثاني لأبي الحسن بن عصفور، وهو قول قبسه من قول الفارسي زعم أن الكاف حرف خطاب، اتصلت بكأن فأبطلت إعمالها وأزالت اختصاصها، ولهذا أدخلت على الجملة الفعلية، والباء في بالدنيا وبالآخرة زائدة، كما زيدت في المبتدأ الذي لم يدخل عليه كأنّ، وقد مثلنا، والذي حمله على زعمه زوال إعمالها وأنه لم تثبت زيادة الباء في اسم كأنّ، ويثبت زيادتها في المبتدأ، وقد اشتمل قوله على أربعة
أقوال منها: الأمران اللذان استلزمهما إلغاء كأنّ وقد شرحناهما، ومنها دعواه إلغاء كأنّ، ولم يثبت ذلك إلا إذا اقترنت بما الزائدة، كما في قوله تعالى:(كأنما يساقون)[الأنفال: 6] ودعواه أن الباء حرف تكلم، كما أن الكاف حرف خطاب، وهو لم يصرح بهذا ولكنه يلزمه لأنه لا يمكنه أن يدعي أنه اسمها لأنه قد ادّعى إلغاءها، ولا يمكنه أن يدّعي أنه مبتدأ لأمرين: أحدها: أن الياء ليست من ضمائر الرفع، وإنما هي من ضمائر النصب والجر كما في قولك: أكرمني غلامي، والثاني: أنها لو كانت مبتدأ لكان ما بعدها خبرًا لها، ولو قيل مكان: كأني بك تفعل، أنا تفعل، لم ترتبط الجملة بالضمير، وقد استقر أن الجملة المخبر لها لا بد لها من رابط يربطها، ومنها أنه صرح بأنها قد دخلت على الجملة الفعلية في قولهم: كأني بك تفعل، فلما دخلت الباء على الضمير المرفوع انقلبت ضمير جر، ويدعي أن الباء متعلقة بتفعل، فإن ادّعى الأول فالجملة اسمية لا فعلية وبطل قوله إنها دخلت على الجملة الفعلية وإن ادّعى الثاني فلا يجوز في العربية أن تقول: عجبت مني ولا عجبت منك، ولا يكون الفاعل ضميرًا متصلاً بالفعل، والمفعول ضميرًا عائدًا إلى ما عاد إليه ضمير الفاعل، وقد تعدى إليه الفعل بالجر، ولهذا زعم أبو الحسين في قوله:
هون عليك فإن الأمور
…
بكف الإله مقاديرُها
أن "على" اسم منصوب بهوّن، لا حرف متعلق بهوّن، لأن الكاف على التقدير الأول مخفوضة بإضافة على ولا عمل فيها البتّة، وعلى التقدير الثاني منصوبة الموضع بالفعل، ولا يجوز تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل، وينبغي له أن يقول بذلك مثل قوله تعالى:(أمسك عليك زوجك)[الأحزاب: 37] وفي هذا الموضع مباحث
ليس هذا موضعها لأن فيها خروجًا عن المقصود.
والقول الثالث لجماعة من النحويين أن الكاف اسم كأن (ولم يكن) الخبر، والباء ظرفية متعلقة بيكن إن قدّرت تامة، وبمحذوف هو الخبر إن قدّرت ناقصة، وعلى هذا القول فالتاء في تكن للخطاب لا للتأنيث، وضميرها للمخاطب لا للدنيا، وكذا البحث في لم تزل، وعلى القولين الأولين الأمر بالعكس، التاء للتأنيث والضميران للدنيا والآخرة، وهذا القول خير من القولين قبله، والمعنى كأنك لم تكن في الدنيا وكأنك لم تزل في الآخرة.
والقول الرابع لابن عمرون: إن الكاف اسم كأن، وبالدنيا وبالآخرة خبران، وكل من جملتي لم تكن ولم تزل في موضع نصب على الحال، وإنما تمت الفائدة بهذا الحال، والفضلات كثيرًا ما يتوقف عليها المعنى المراد من الكلام، كقولهم ما زلت بزيد حتى فعل ذلك في الحال، وكقوله تعالى:(فما لهم عن التذكرة معرضين)[المدثر: 49] فما: مبتدأ، ولهم: الخبر والتقدير: أي شيء يستقر لهم، ومعرضين حال من الضمير المجرور باللام ولا يستغني الكلام عنه، لأن الاستفهام في المعنى عنه لا عن غيره، وخطر لي وجه ظننت أنه أجود الأقوال وهو أن الكاف اسم كأن، ولم تكن الخبر، وبالدنيا في موضع الحال من اسم كأنّ، والعامل في الحال العامل في صاحبها وهو كأن، كما عملت في رطبًا ويابسًا من قوله:
كأنّ قلوبَ الطير رطبًا ويابسًا
…
لدى وكرها العُنَّابُ والحشف البالي
المعنى كأنك في حالة كونك في الدنيا لم تكن: أي بها، وكأنك في حالة كونك في الآخرة لم تزل: أي بها، وهذا عكس قول ابن عمرون، فإن قلت يدل على صحة ما قاله من أن الجملة لم يكن ولم يزل حالية أنه قد روي كأنك بالدنيا ولم تكن،
وبالآخرة ولم تزل، والجملة الحالية تقترن بالواو، بخلاف الجملة الخبرية، وما في كأنك بالشمس وقد طلعت، قلت إن سلم ثبوت الرواية فالواو زائدة، كما قال الكوفيون في قوله تعالى:(إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد)[الحج: 25] يصدون: هو الخبر والواو زائدة، وكما قال أبو الحسن في قوله تعالى:(ولما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى) أي وجاءته البشرى جواب لما، والواو زائدة وفي قوله تعالى:(حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها) أن فتحت جواب إذا والواو زائدة، إلى غير ذلك، وأما (كأنك بالشمس وقد طلعت) فلا نسلم ثبوته وهو مشكل على قولي وقوله، إذ لا يصح على قوله أن تكون الشمس خبرًا عن اسم كأنّ والتقدير: كأنك مستقر بالشمس، لا يصح على قولي أن تكون "قد طلعت" خبرًا عن اسم كان لعدم الضمير، فإذا كان لا يخرج على قولي ولا على قوله، فما وجه إيراده على ما قلته، فإن قلت فلم عدلت عما قاله من أن الظرف خبر والجملة حال إلى عكس ذلك، قلت لوجهين: أحدهما: أن على ما قلته يكون الخبر محط فائدة، وعلى ما قاله يكون محط الفائدة الحال كما تقدم شرحه، ولا شك أن كون الخبر محط الفائدة أولى. والثاني: أن العرب قالت: كأنك بالشتاء مقبل وكأنك بالفرج آت، فلفظوا بالمفرد الحال محل الجملة مرفوعًا لا منصوبًا، نعم قول ابن عمرون متجه في قول الحريري: كأني بك تنحط إلى القبر وتنفط، فهذا لا ينبغي أن يعدل فيه عن تخريجه، فيكون الظرف خبرًا وينحط حالاً عن ياء المتكلم لعدم الرابط، على أن المطرزي خرجه على أن الأصل: كأني أبصرك، ثم حذف الفعل لدلالة المعنى عليه، فانفصل الضمير وزيدت الباء في المفعول، ولا شك أن فيه تكلفًا من وجهين: إضمار الفعل وزيادة الباء مع إمكان الاستغناء عن ذلك، ثم يكون قوله:"تنحط" حالاً من الكاف لا خبرًا والفائدة متوقفة عليه، إذ لو صرح بالمحذوف فقيل كأني أبصرك لم يتم المراد، فما قاله ابن عمرون أولى لسلامته من هذا التكلف،