الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقامه، فيقال ذكاة الجنين وقت ذكاة أمه، كقولك: قيامك وقت قيام عمرو، أي كائن أو واقع وقت قيام عمرو، ثم يحذف اسم الفاعل ويقام الظرف مقامه، وإذا صار به التقدير إلى هذا، علمت وجوب ذكاته على حد وجوب ذكاة أمه، أي إذا ذكّيت أمه أغنى ذلك عن ذكاته لأنها تقع وقت ذكاة الأم.
قيل: تقدم إفساد هذا المعنى في حالة الرفع بما يعرض فيه من التجوز وغيره فاكتفينا به عن إعادته.
وأما من تأوّله على أن تقديره: ذكاة الجنين كذكاة أمه، فلما حذف حرف الجر انتصب، فلا وجه للاعتداد به لسقوطه لأول وهلة، ألا ترى أنه يجب من هذا أن يجوز: زيد عمرًا، أي زيد كعمرو، فلما حذف حرف الجرّ انتصب (عمرًا) وما هذه حاله، فلا وجه للتشاغل به، ولو لامس هذه المسألة من صناعته الإعراب لما أمكن ظهورها، وبدو معناها. هذا آخر كلام ابن جني.
217 - حديث الغسل
ألف الشيخ جمال الدين بن هشام في إعرابه رسالة قال فيها:
قول جابر: (كان يكفي من هو أوفى منكَ شعرًا وخيرٌ منك) الظاهر أن خيرًا مرفوع عطفًا على أوْفى للخبرية عن هو، أي كان يكفي من هو أوفى وخير، كما تقول: أحبّ من هو عالم وعامل، والجملة من المبتدأ والخبر صلة الموصول، والموصول والصلة مفعول يكفي.
ويقع في النسخ ويجري على ألسنة الطلبة بنصب خير، وقد ذكر أنه خرج على سبعة أوجه:
أحدها: أن يكون عطفًا على المفعول وهو (مَنْ).
الثاني: أن يكون بتقدير كان، مدلولاً عليها بكان المذكورة أولاً، أي وكان خيرًا.
الثالث: على تقدير يكفي، مدلولاً عليها بيكفي المذكورة.
الرابع: على إلغاء (من هو) فيكون (أوفى) مفعولاً، و (خيرًا): معطوفًا عليه.
الخامس: على إلغاء (من هو أوفى).
السادس: على تقدير: وأكثر خير.
السابع: على العطف على (مَنْ)، فإنه يؤدي لمغايرة المعطوف لمن وقعت عليه (من)، ويصير بمنزلة كان يكفي زيدًا وعمرًا، فيكون الذي هو أوفى غير الذي هو خير، وليس المراد ذلك.
وأما تقدير "كان" فباطل من وجهين:
أحدهما: أن حذف كان مع اسمها، وبقاء خبرها لا يجوز بقياس إلاّ بعد إنْ ولو وإمّا، ثم قال سيبويه لا تقل: عبد الله المقتول، بتقدير: كن عبد الله المقتول، وخالف المحققون في تخريج الكسائي قوله تعالى:(انتهوا خيرًا لكم)[النساء: 171] على تقدير: يكن الانتهاء خيرًا لكم.
الثاني: أنّا إذا قدرنا كان مدلولاً عليها بالأولى قدرنا مرفوعها الأول كما أنك إذا قلت: (علفتُها تبنًا وماءً) لا تقدر وسقاها غيري، بل وسقيتها وذلك لأن الفعل والفاعل كالشيء الواحد، فتقدير أحدهما مستلزم لتقدير الآخر بعينه، فعلى هذا، إذا قدرت "كان" الأولى قدرت فاعلها فيصير: وكان هو أي الصاع، وأما تقدير (يكفي) فإنه يؤذن أيضًا بالتغاير، كما أنك إذا قلت: كان يكفي الفقيه ويكفي الزاهد، أذن
بذلك، وسببه أن يكفي الثاني إنما هو لمجرد التوكيد، فذكره بمنزله لو لم يذكر، وهو لو لم يذكر أذن العطف بالتغاير، فكذلك إذا ذكر.
وأما إلغاء (من هو) أو إلغاء (من هو أوفى) فباطلان من وجهين:
أحدهما: أن زيادة الأسماء لا تجوز عند البصريين، وكذلك زيادة الجمل، ثم إنّ الكوفيين يجيزون ذلك، إنما يجيزونه حيث يظهر أن المعنى مفتقر إلى دعوى الزيادة كما في قول لبيد:
إلى الحول اسم ثمّ السلامِ عليكما
فإنهم قالوا: اسم: زائد، لأنه يقال: السلام على فلان، ولا يقال: اسم السلام عليك، فادّعوا زيادة ذلك لهذا المعنى، وهو مقصود فيما نحن بصدده.
وقد يقال إنّ أفسد هذين الوجهين الوجه المدّعى فيه زيادة (من هو) خاصة، فإنّ ذلك لا يجيزه أحد، لأن المبتدأ يبقى بلا خبر، والموصول بلا صلة، ويجاب بأن دعوى زيادة الاسم لا تخرجه عن استحقاقه لما يطلبه على تقدير عدم الزيادة.
الثاني: أنه إذا كان زائدًا امتنع العطف عليه، لأنه يصير بمنزلة ما لم يذكر، والعطف عليه يقتضي الاعتداد به وتقدم جوابه فتناقضا.
وأما تقدير (أكثر) فباطل، لأن أفعل التفضيل لم يحذف في كلامهم باقيًا معموله، لضعفه في العمل، وجموده، لأنه لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث.
وأما عطفه على (شَعْرًا) فإنه أقرب من جميع ما ذكر، لأن (أوفى) بمعنى أكثر، فكأنه قيل: أكثر منك شعرًا وخيرًا، إلا أن ذلك يأباه ذكره (منك) بعد (خيرًا)، ألا ترى