الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
71 -
(بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا أولائك لَا خلاق لَهُم فِي الأخرة وَلَا يكلمهم الله وَلَا ينظر إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يزكيهم وَلَهُم عَذَاب أَلِيم} (آل عمرَان: 77) وقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة
لأيمانكم أَن تبروا وتتقوا وتصلحوا بَين النَّاس وَالله سميع عليم} (الْبَقَرَة: 422) وقوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَلَا تشتروا بِعَهْد الله ثمنا قَلِيلا إِن مَا عِنْد الله خير لكم إِن كُنْتُم تعلمُونَ} (النَّحْل: 59){وأوفوا بِعَهْد الله إِذا عاهذتم وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها وَقد جعلتم الله عَلَيْكُم كَفِيلا} (النَّحْل: 19)
ترْجم البُخَارِيّ بِهَذِهِ الْآيَات إِشَارَة إِلَى أَن الْيَمين الْغمُوس لَا كَفَّارَة فِيهَا لِأَنَّهَا لم تذكر فِيهَا، وَلذَلِك ذكر حَدِيث الْبَاب، أَعنِي: حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود عقيب ذكر هَذِه الْآيَات، وَهُوَ وَجه الْمُنَاسبَة أَيْضا بَين هَذَا الْبَاب وَالْبَاب الَّذِي قبله. وَقَالَ ابْن بطال: وبهذه الْآيَات والْحَدِيث احْتج الْجُمْهُور على أَن الْغمُوس لَا كَفَّارَة فِيهَا، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ذكر فِي هَذِه الْيَمين الْمَقْصُود بهَا الْحِنْث والعصيان والعقوبة وَالْإِثْم وَلم يذكر فِيهَا كَفَّارَة. وَلَو كَانَت لذكرت كَمَا ذكرت فِي الْيَمين المعقودة. فَقَالَ (فليكفر عَن يَمِينه وليأت الَّذِي هُوَ خير) . وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: لَا نعلم سنة تدل على قَول من أوجب فِيهَا الْكَفَّارَة، بل هِيَ دَالَّة على قَول من لم يُوجِبهَا. قلت: هَذَا كُله حجَّة على الشَّافِعِيَّة. قَوْله: قَول الله تَعَالَى: {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ}
…
الْآيَة كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر، وسَاق فِي رِوَايَة كَرِيمَة الْآيَة بِتَمَامِهَا إِلَى قَوْله:{عَذَاب أَلِيم} وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين: هَذِه الْآيَة نزلت فِي الْأَشْعَث بن قيس خَاصم بعض الهيود فِي أَرض فَجحد الْيَهُودِيّ فقدمه إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (أَلَك بَيِّنَة؟) قَالَ: لَا. قَالَ لِلْيَهُودِيِّ: (أتحلف؟) قَالَ أَشْعَث: إِذا يحلف فَيذْهب مَالِي، وَيَجِيء الْآن هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ ابْن كثير. قَوْله تَعَالَى:{إِن الَّذين يشْتَرونَ} أَي: يعتاضون عَمَّا هدَاهُم الله عَلَيْهِ من اتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَذكر صفته للنَّاس وَبَيَان أمره عَن أَيْمَانهم الكاذبة الْفَاجِرَة الآثمة بالأثمان القليلة وَهِي عرُوض هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا الفانية الزائلة. قَوْله: (أُولَئِكَ لَا خلاق لَهُم) فِيهَا ولاحظ لَهُم مِنْهَا. قَوْله: (وَلَا يكلمهم الله) قَالُوا: إِن كَانُوا كفَّارًا فَلَا يكلمهم الله أصلا، وَإِن كَانُوا من العصاة فَلَا يسرهم الله وَلَا يَنْفَعهُمْ. قَوْله:(وَلَا ينظر إِلَيْهِم) أَي: وَلَا يرحمهم وَلَا يعْطف عَلَيْهِم. قَوْله: (وَلَا يزكيهم) أَي: وَلَا يثني عَلَيْهِم. وَاحْتج بِهَذِهِ الْآيَة بعض الْمَالِكِيَّة على أَن الْعَهْد يَمِين وَكَذَلِكَ الْمِيثَاق وَالْكَفَالَة. قَوْله: (قَوْله عز وجل: {وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم} ) وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: وَقَول الله {وَلَا تجْعَلُوا الله عرضه} وَفِي رِوَايَة غَيره: وَقَوله جلّ ذكره. قَالَ النَّسَفِيّ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حِين حلف أَن لَا يصل ابْنه عبد الرَّحْمَن حَتَّى يسلم، وَقيل: نزلت فِي عبد الله بن رَوَاحَة، ذَلِك أَنه حلف أَن لَا يدْخل على ختنه وَلَا يكلمهُ.
قَوْله: {عرضة} أَي عِلّة مَانِعَة لكم من الْبر وَالتَّقوى والإصلاح فَإِن تحلفُوا أَن لَا تَفعلُوا ذَلِك فتعللوا بهَا أَو تَقولُوا: حلفنا وَلم تحلفُوا بِهِ، وعرضة على وزن فعلة من الِاعْتِرَاض، والمعترض بَين الشَّيْئَيْنِ مَانع. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: عرضة، أَي حجَّة. {أَن تبروا} أَي: على أَن لَا تبروا. وَكلمَة: لَا، مضمرة فِيهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{يبين الله لكم أَن تضلوا} (النِّسَاء: 671) وَيُقَال: كَرَاهَة أَن تبروا. وَقَالَ سعيد ابْن جُبَير: هُوَ الرجل يحلف أَن لَا يبر وَلَا يُصَلِّي وَلَا يصلح. فَيُقَال لَهُ فِيهِ، فَيَقُول: قد حَلَفت. قَوْله: {وَلَا تشتروا بِعَهْد الله ثمنا قَلِيلا} (النَّحْل: 59) إِلَى قَوْله: {كَفِيلا} بِتَمَامِهِ وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَسقط جَمِيعه لغيره، وَقَالَ ابْن بطال: فِي هَذِه الْآيَة دَلِيل على تَأْكِيد الْوَفَاء بالعهد لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها} (النَّحْل: 19) وَلم يتَقَدَّم غير ذكر الْعَهْد. قَوْله: {وَقد جعلتم الله عَلَيْكُم كَفِيلا} (النَّحْل: 9) أَي: شَهِيد فِي الْعَهْد، هَكَذَا رُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير وَعَن مُجَاهِد. يَعْنِي: وَكيلا، أخرجه ابْن أبي حَاتِم عَنهُ.
6766 -
حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا أبُو عَوَانَةَ عنِ الأعْمَشِ عَنْ أبي وائِلٍ عنْ عَبْدِ الله رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِها مالَ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ الله وهْوَ عَلَيْهِ غَضْبان) .
فأنْزَلَ الله تَصْدِيقَ ذالِكَ {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد. . ثمنا قَلِيلا} (آل عمرَان: 77) إِلَى آخِرِ الآيَةِ. َلَ الأشْعَثُ بنُ قَيْسٍ فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُمْ أبُو عَبْدِ الرَّحْمانِ؟ فقالُوا: كَذا وكَذا. قَالَ: فِيَّ أُنْزِلَتْ، كانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أرْضِ ابنِ عَمٍّ لِي، فأتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:(بَيْنَتُكَ أوْ يَمِينُهُ) قُلْتُ: إِذا يَحْلِفَ عَلَيْها يَا رسولَ الله! فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَلَفَ عَلى يَمِينٍ صَبْرٍ وهْوَ فِيها فاجِرٌ يَقْتَطِعُ بِها مالَ امرِىءٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ الله يَوْمَ القِيامَةِ وهْوَ عَلَيْهِ غَضْبانُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ الْآيَة الأولى ظَاهِرَة. وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو الوضاح الْيَشْكُرِي، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث قد مضى فِي الشّرْب فِي: بَاب الْخُصُومَة فِي الْبِئْر وَالْقَضَاء فِيهَا، فَإِنَّهُ أخرج هُنَاكَ عَن عَبْدَانِ عَن أبي حَمْزَة عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق. . إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (على يَمِين صَبر) بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي الَّتِي يلْزم وَيجْبر عَلَيْهَا حالفها، وَيُقَال: هِيَ أَن يحبس السُّلْطَان رجلا على يَمِين حَتَّى يحلف بهَا، يُقَال: صبرت يَمِيني أَي: حَلَفت بِاللَّه، وأصل الصَّبْر الْحَبْس، وَمَعْنَاهُ: مَا يجْبر عَلَيْهَا. وَقَالَ الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ: وَأَن يُوقف حَتَّى يحلف على رُؤُوس النَّاس. قَوْله: (وَهُوَ فِيهَا) الْوَاو للْحَال قَوْله: (فَاجر) أَي: كَاذِب، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَعْمَش: فِيهَا، وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: عَلَيْهَا، وَوَقع فِي رِوَايَة شُعْبَة: على يَمِين كَاذِبًا. قَوْله: (يقتطع) حَال، وَفِي رِوَايَة حجاج بن منهال: ليقتطع، بِزِيَادَة لَام التَّعْلِيل، ويقتطع يفتعل من الْقطع كَأَنَّهُ يقطعهُ عَن صَاحبه أَو يَأْخُذ قِطْعَة من مَاله بِالْحلف الْمَذْكُور. قَوْله:(وَهُوَ عَلَيْهِ) الْوَاو للْحَال، وَفِي رِوَايَة مُسلم: وَهُوَ عَنهُ معرض، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد، ألَاّ لَقِي الله وَهُوَ أَجْذم، وَفِي حَدِيث أبي أُمَامَة بن ثَعْلَبَة عِنْد مُسلم وَالنَّسَائِيّ فِي نَحْو هَذَا الحَدِيث. فقد أوجب الله لَهُ النَّار وَحرم عَلَيْهِ الْجنَّة، وَفِي حَدِيث عمرَان عِنْد أبي دَاوُد: فَليَتَبَوَّأ بِوَجْهِهِ مَقْعَده من النَّار. قَوْله: (فَأنْزل الله تَصْدِيق ذَلِك) أَي: تَصْدِيق قَوْله صلى الله عليه وسلم. فَإِن قلت: قد تقدم فِي تَفْسِير سُورَة آل عمرَان أَنَّهَا نزلت فِيمَن أَقَامَ سلْعَته بعد الْعَصْر، فَحلف كَاذِبًا.
قلت: يجوز أَن تكون نزلت فِي الْأَمريْنِ مَعًا فِي وَقت وَاحِد، وَاللَّفْظ عَام متناول للقضيتين ولغيرهما. قَوْله:(مَا حَدثكُمْ أَبُو عبد الرَّحْمَن) ؟ هُوَ كنية عبد الله بن مَسْعُود. فَإِن قلت: هُنَا: فَدخل الْأَشْعَث بن قيس، وَفِي رِوَايَة فِي كتاب الرَّهْن: ثمَّ إِن الْأَشْعَث بن قيس خرج إِلَيْنَا فَقَالَ: مَا يُحَدثكُمْ أَبُو عبد الرَّحْمَن.
قلت: الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَن يُقَال: إِنَّه خرج عَلَيْهِم من مَكَان كَانَ فِيهِ فَدخل الْمَكَان الَّذِي كَانُوا فِيهِ. فَإِن قلت: سَيَأْتِي فِي الْأَحْكَام فِي رِوَايَة الثَّوْريّ عَن الْأَعْمَش وَمَنْصُور جَمِيعًا: فجَاء الْأَشْعَث وَعبد الله يُحَدِّثهُمْ.
قلت: التَّوْفِيق هُنَا أَن يُقَال: إِن خُرُوج الْأَشْعَث من مَكَانَهُ الَّذِي كَانَ فِيهِ إِلَى الْمَكَان الَّذِي كَانَ فِيهِ عبد الله وَقع وَعبد الله يُحَدِّثهُمْ، فَلَعَلَّ الْأَشْعَث تشاغل بِشَيْء فَلم