الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مطابقته للتَّرْجَمَة مَا قَالَه الْكرْمَانِي مُنَاسبَة القرصة للخبزة الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث السَّابِق وَجعلهَا كالقرصة نوع من الْقَبْض قلت فِيهِ نظر لِأَن جعلهَا كالقرصة إِلَى آخِره فِي أَرض الدُّنْيَا وَهَذِه الأَرْض غير تِلْكَ الأَرْض وروى عبد بن حميد من طَرِيق الحكم بن أبان عَن عِكْرِمَة قَالَ بلغنَا أَن هَذِه الأَرْض يَعْنِي أَرض الدُّنْيَا تطوى وَإِلَى جنبها أُخْرَى يحْشر النَّاس مِنْهَا إِلَيْهَا وروى الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب من طَرِيق عَمْرو بن مَيْمُون عَن عبد الله بن مَسْعُود فِي قَوْله تَعَالَى {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض} الْآيَة قَالَ تبدل الأَرْض أَرضًا كَأَنَّهَا فضَّة لم يسفك عَلَيْهَا دم حرَام وَلم يعْمل عَلَيْهَا خَطِيئَة وَرِجَاله رجال الصَّحِيح وَهُوَ مَوْقُوف وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر مَرْفُوعا وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق سِنَان بن سعيد عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَرْفُوعا يبدلها الله بِأَرْض من فضَّة لم تعْمل عَلَيْهَا الْخَطَايَا وَسَعِيد بن أبي مَرْيَم هُوَ سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم بن أبي مَرْيَم الْمصْرِيّ وَمُحَمّد بن جَعْفَر بن أبي كثير وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار وَسَهل بن سعد بن مَالك السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة قَوْله عفراء بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالْفَاء وَالرَّاء وبالمد الْبَيْضَاء إِلَى حمرَة وَأَرْض بَيْضَاء لم تطَأ وَقَالَ الْخطابِيّ العفر بَيَاض لَيْسَ بالناصع وَقَالَ عِيَاض العفر بَيَاض يضْرب إِلَى حمرَة قَلِيلا وَمِنْه سمي عفر الأَرْض وَهُوَ وَجههَا وَقَالَ ابْن فَارس يَعْنِي عفراء خَالِصَة الْبيَاض قَوْله كقرصة نقي بِفَتْح النُّون وَكسر الْقَاف وَهُوَ الدَّقِيق النقي من الْغِشّ والنخال ويروى النقي بِالْألف وَاللَّام قَوْله قَالَ سهل أَو غَيره مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور وَسَهل هُوَ رَاوِي الْخَبَر الْمَذْكُور وَكلمَة أَو للشَّكّ قَوْله معلم بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام وَهُوَ بِمَعْنى الْعَلامَة الَّتِي يسْتَدلّ بهَا أَي هَذِه الأَرْض مستوية لَيْسَ فِيهَا حدب يرد الْبَصَر وَلَا بِنَاء يستر مَا وَرَاءه وَلَا عَلامَة غَيره وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن أَرض الدُّنْيَا اضمحلت وأعدمت وَأَن أَرض الْموقف تَجَدَّدَتْ -
54 -
(بابٌ كَيْفَ الحَشْرُ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ بَيَان كَيْفيَّة الْحَشْر، وَفِي بعض النّسخ: بَاب الْحَشْر بِدُونِ لفظ: كَيفَ، قَالَ الْقُرْطُبِيّ: الْحَشْر الْجمع والحشر على أَرْبَعَة أوجه: حشران فِي الدُّنْيَا وحشران فِي الْآخِرَة.
أما أحد الحشرين اللَّذين فِي الدُّنْيَا فَهُوَ الْمَذْكُور فِي سُورَة الْحَشْر، فِي قَوْله عز وجل:{هُوَ الَّذِي أخرج الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب من دِيَارهمْ لأوّل الْحَشْر} (الْحَشْر: 2) قَالَ الزُّهْرِيّ: كَانُوا من سبط لم يصبهم الْجلاء وَكَانَ الله تَعَالَى قد كتبه عَلَيْهِم، فلولا ذَلِك لعذبهم فِي الدُّنْيَا، وَكَانَ أول حشر حشروا فِي الدُّنْيَا إِلَى الشَّام وَأما الْحَشْر الآخر فَهُوَ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فِي هَذَا الْبَاب: يحْشر النَّاس على ثَلَاث طرائق
…
الحَدِيث، وَقَالَ قَتَادَة: الْحَشْر الثَّانِي نَار تخرج من الْمشرق إِلَى الْمغرب، وَفِيه: تَأْكُل مِنْهُم من تخلف. قَالَ عِيَاض: هَذَا قبل قيام السَّاعَة.
وَأما أحد الحشرين اللَّذين فِي الْآخِرَة فَهُوَ حشر الْأَمْوَات من قُبُورهم بعد الْبَعْث إِلَى الْموقف وَأما الْحَشْر الآخر الَّذِي هُوَ الرَّابِع فَهُوَ حشرهم إِلَى الْجنَّة أَو النَّار.
2256 -
حدّثنا مُعَلَّى بنُ أسَدٍ حَدثنَا وُهَيْبٌ عنِ ابْن طاوُوس عنْ أبِيهِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَوْله: (يُحْشَرُ النَّاسُ عَلى ثَلَاث طرائِقَ راغِبِينَ وراهِبِينَ واثْنان عَلى بَعيرٍ وثَلاثَةٌ عَلى بَعِيرٍ وأرْبَعَةٌ عَلى بَعِيرٍ وعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، ويَحْشِرُ بَقِيَّتَهُمُ، النَّارُ تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قالُوا، وتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ باتُوا، وتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أصْبَحُوا، وتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أمْسَوْا) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمعلى بِلَفْظ اسْم الْمَفْعُول من التعلية ابْن أَسد الْبَصْرِيّ، ووهيب مصغر وهب هُوَ ابْن خَالِد، وَابْن طَاوُوس هُوَ عبد الله يرْوى عَن أَبِيه طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي: بَاب يحْشر النَّاس على طرائق، عَن زُهَيْر ابْن حَرْب وَغَيره.
قَوْله: (ثَلَاث طرائق)، أَي: ثَلَاث فرق، قَالَ الْكرْمَانِي: قَالُوا: هَذَا الْحَشْر فِي آخر الدُّنْيَا قبيل الْقِيَامَة، كَمَا يَجِيء فِي الحَدِيث الَّذِي بعده:(إِنَّكُم ملاقو الله مشَاة) ، وَلما فِيهِ من ذكر الْمسَاء والصباح، ولانتقال النَّار مَعَهم وَهِي نَار تحْشر النَّاس
من الْمشرق إِلَى الْمغرب.
قلت: قَالَ الْخطابِيّ: هَذَا الْحَشْر قبيل قيام السَّاعَة، يحْشر النَّاس أَحيَاء إِلَى الشَّام، وَأما الْحَشْر من الْقُبُور إِلَى الْموقف فَهُوَ على خلاف هَذِه الصُّورَة من الرّكُوب على الْإِبِل والتعاقب عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ على مَا ورد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي الْبَاب:(حُفَاة عُرَاة مشَاة) . قَوْله: (راغبين)، هم السَّابِقُونَ. قَوْله:(وراهبين) هم عَامَّة الْمُؤمنِينَ، وَالْكفَّار أهل النَّار وَفِي رِوَايَة مُسلم:(راهبين) بِغَيْر وَاو. قَوْله: (وَاثْنَانِ على بعير) قَالَ الْكرْمَانِي: والأبعرة إِنَّمَا هِيَ للراهبين والمخلصون حَالهم أَعلَى واجل من ذَلِك، أَو هِيَ للراغبين، وَأما الراهبون فيكونون مشَاة على أَقْدَامهم، أَو هِيَ لَهما بِأَن يكون اثْنَان من الراغبين مثلَا على بعير، وَعشرَة من الراهبين على بعير، وَالْكفَّار يَمْشُونَ على وُجُوههم. وَقَالَ الْخطابِيّ: قَوْله: (وَاثْنَانِ على بعير وَثَلَاثَة على بعير. .) إِلَى آخِره، يُرِيد أَنهم يعتقبون الْبَعِير الوحد يركب بعض وَيَمْشي بعض، وَإِنَّمَا لم يذكر الْخَمْسَة والستة إِلَى الْعشْرَة إيجازاً واكتفاء بِمَا ذكر من الْأَعْدَاد، مَعَ أَن الاعتقاب لَيْسَ مَجْزُومًا بِهِ، وَلَا مَانع أَن يَجْعَل الله فِي الْبَعِير مَا يُقَوي بِهِ على حمل الْعشْرَة. وَقَالَ بعض شرَّاح (المصابيح) : حمله على الْحَشْر من الْقُبُور أقوى من أوجه، وَذكر وُجُوهًا طوينا ذكرهَا، واكتفينا بِمَا قَالَه الْخطابِيّ الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن، وَفِيه كِفَايَة للرَّدّ عَلَيْهِ، على أَنه قد وَردت عدَّة أَحَادِيث فِي وُقُوع الْحَشْر فِي الدُّنْيَا إِلَى جِهَة الشَّام، مِنْهَا: حَدِيث مُعَاوِيَة بن جَيِّدَة، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، يَقُول:(إِنَّكُم تحشرون ونحا بِيَدِهِ نَحْو الشَّام رجَالًا وركباناً، وتحشرون على وُجُوهكُم) . أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ. قَوْله: (تقيل) . من القيلولة وَهِي استراحة نصف النَّهَار، وَإِن لم يكن مَعهَا نوم، يُقَال: قَالَ يقيل قيلولة فَهُوَ قَائِل، وَفِي قَوْله: يقيل
…
إِلَى آخِره، دلَالَة على أَنهم يُقِيمُونَ كَذَلِك أَيَّامًا. قَوْله:(وتبيت) ، من البيتوتة. وتصبح من الإصباح، وتمسي من الإمساء.
3256 -
حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا يُونُسُ بنُ مُحَمَّد البَغْدَادِيُّ حدّثنا شَيْبانُ عنْ قَتادَةَ حدّثنا أنَسُ بنُ مالِكٍ رضي الله عنه، أنَّ رجُلاً قَالَ: يَا نَبِيَّ الله {كَيْفَ يُحْشَرُ الكافِرُ على وَجْهِهِ؟ قَالَ: (أليْسَ الّذِي أمْشاهُ عَلى الرِّجْلِيْنِ فِي الدُّنْيا قادِراً عَلى أنْ يُمشِيَهُ عَلى وجْهِهِ يَوْمَ القيامَةِ؟ قَالَ قَتادَةُ: بَلَى، وعِزَّة ربِّنا) . (انْظُر الحَدِيث 0674) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ الْجعْفِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي، وَيُونُس هُوَ ابْن مُحَمَّد الْمُؤَدب الْبَغْدَادِيّ، وشيبان بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة ابْن عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير. وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن زُهَيْر بن حَرْب وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن الْحُسَيْن بن مَنْصُور.
قَوْله: (كَيفَ يحْشر؟) على صِيغَة الْمَجْهُول وَهُوَ إِشَارَة إِلَى قَوْله عز وجل: {ونحشرهم يَوْم الْقِيَامَة على وُجُوههم عميا وبكماً وصماً} (الْإِسْرَاء: 79) وَوَقع فِي بعض النّسخ، قَالَ: يَا نَبِي الله} يحْشر الْكَافِر على وَجهه؟ بِدُونِ لَفْظَة: كَيفَ، كَأَنَّهُ اسْتِفْهَام حذف أداته، وَالْحكمَة فِي حشر الْكَافِر على وَجهه أَنه يُعَاقب على عدم سُجُوده لله تَعَالَى فِي الدُّنْيَا، فيسحب على وَجهه فِي الْقِيَامَة إِظْهَارًا لهوانه. قَوْله:(أَن يمْشِيه) بِضَم الْيَاء من الإمشاء وَالْمَشْي على حَقِيقَته فَلذَلِك استغربوه خلافًا لمن زعم من الْمُفَسّرين أَنه مثل قَوْله: (قَالَ قَتَادَة: بلَى وَعزة رَبنَا) مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور. فَإِن قلت: هَل ورد فِي الحَدِيث وُقُوع الْمَشْي، على وُجُوههم فِي الدُّنْيَا أَيْضا؟ .
قلت: روى أَبُو نعيم من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو: ثمَّ يبْعَث الله بعد قبض عِيسَى عليه السلام، وأرواح الْمُؤمنِينَ بِتِلْكَ الرّيح الطّيبَة نَارا تخرج من نواحي الأَرْض تحْشر النَّاس وَالدَّوَاب إِلَى الشَّام، وَعَن معَاذ: يحْشر النَّاس أَثلَاثًا. ثلثا على ظُهُور الْخَيل، وَثلثا يحملون أَوْلَادهم على عواتقهم، وَثلثا على وُجُوههم مَعَ القردة والخنازير إِلَى الشَّام، فَيكون الَّذين يحشرون إِلَى الشَّام لَا يعْرفُونَ حَقًا وَلَا فَرِيضَة وَلَا يعْملُونَ بِكِتَاب ولاسنة، يتهارجون هم وَالْجِنّ مائَة سنة تهارج الْحمير وَالْكلاب، وَأول مَا يفجأ النَّاس بعد من أَمر السَّاعَة أَن يبْعَث الله لَيْلًا ريحًا فتقب كل دِينَار وَدِرْهَم، فَيذْهب بِهِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس ثمَّ ينسف الله بُنيان بَيت الْمُقَدّس فينبذه فِي الْبحيرَة المنتنة.
4256 -
حدّثنا عَلِيٌّ حدّثنا سفْيانُ قَالَ عَمْرٌ و: سَمِعْت سَعيدَ بنَ جُبَيْرٍ سَمِعْتُ ابنَ عبَّاسٍ سَمِعْتُ
النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إنَّكُمْ مُلَاقُو الله حُفَاة عُراةً مُشاةً غُرْلاً) .
قَالَ سُفْيانُ: هاذا مِمّا نَعُدُّ أنَّ ابنَ عبَّاس سَمِعَهُ مِنَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
طابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن ملاقاتهم الله بِالْوَصْفِ الْمَذْكُور يكون يَوْم الْحَشْر.
وَعلي هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي صفة الْقِيَامَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (ملاقو الله) أَصله: ملاقون، فَلَمَّا أضيف إِلَى لَفْظَة: الله، سَقَطت النُّون. قَوْله:(حُفَاة)، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْفَاء جمع حاف أَي: بِلَا نعل وَلَا خف وَلَا شَيْء يستر أَرجُلهم، والعراة بِضَم الْعين جمع عَار، والغرل بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء جمع أغرل وَهُوَ الأقلف يَعْنِي: الَّذِي لم يختن، وَالْمَقْصُود أَنهم يحشرون كَمَا خلقُوا أول مرّة ويعادون كَمَا كَانُوا فِي الِابْتِدَاء لَا يفقد شَيْء مِنْهُم حَتَّى الغرلة وَهُوَ مَا يقطعهُ الْخِتَان من ذكر الصَّبِي. قَوْله:(هَذَا) أَي: هَذَا الحَدِيث من مشاهير مسموعات ابْن عَبَّاس.
6256 -
حدّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدّثنا غُنْدَرٌ حَدثنَا شُعْبَةُ عنِ المُغِيرَةِ بنِ النُّعمْانِ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قامَ فِينا النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَقَالَ: (إنّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفاةً عُرَاةً {كَمَا بدأنا أول خلق نعيده} (الْأَنْبِيَاء: 401) الْآيَة
…
وإنَّ أوَّلَ الخَلائِقِ يُكْسَى يَوْمَ القِيامَةِ إبْراهيم، وإنَّه سَيُجاءُ بِرِجالٍ مِنْ أمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذاتَ الشِّمالِ، فأقُولُ: يَا ربِّ! أُصَيْحابي: فَيَقُولُ: إنكَ لَا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ. فأقُولُ كَمَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحِ: {وَكنت عَلَيْهِم شَهِيدا مَا دمت فيهم}
…
إِلَى قَوْله {الْحَكِيم} (الْمَائِدَة: 711) قَالَ: فَيُقالُ: إنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ على أعْقابِهِمْ) .
ذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس السَّابِق أخرجه عَن مُحَمَّد بن بشار بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة وغندر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون، وَقد مر غير مرّة وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة بن الْحجَّاج عَن الْمُغيرَة ابْن النُّعْمَان النَّخعِيّ.
قَوْله: (مَحْشُورُونَ) جمع محشور، اسْم مفعول من حشر كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: تحشرون، على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمُضَارع. فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد أَن أَبَا سعيد لما حَضَره الْمَوْت دَعَا بِثِيَاب جدد فلبسها وَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، يَقُول: إِن الْمَيِّت يبْعَث فِي ثِيَابه الَّتِي يَمُوت فِيهَا.
قلت: التَّوْفِيق بَين الْحَدِيثين بِأَن يُقَال: إِن بَعضهم يحْشر عَارِيا وَبَعْضهمْ كاسياً أَو يخرجُون من الْقُبُور بالثياب الَّتِي مَاتُوا فِيهَا ثمَّ تتناثر عَنْهُم عِنْد ابْتِدَاء الْحَشْر فيحشرون عُرَاة. قَوْله: {كَمَا بدأنا أول خلق نعيده}
…
الْآيَة سَاق ابْن الْمثنى الْآيَة كلهَا إِلَى قَوْله: {فاعلين} قَوْله: (وَأَن أول الْخَلَائق يكسى يَوْم الْقِيَامَة إِبْرَاهِيم عليه الصلاة والسلام . قيل: مَا وَجه تقدمه على سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم؟ وَأجِيب: أَنه لَعَلَّه بِسَبَب أَنه أول من وضع سنة الْخِتَان، وَفِيه كشف لبَعض الْعَوْرَة فجوزي بالستر أَولا كَمَا أَن الصَّائِم العطشان يجازى بالريان وَقيل الْحِكْمَة من ذَلِك أَنه حِين ألقِي فِي النَّار. وَقيل: لِأَنَّهُ أول من اسْتنَّ السّتْر بالسراويل وَقَالَ: الْقُرْطُبِيّ فِي (شرح مُسلم) : يجوز أَن يُرَاد بالخلائق من عدا نَبينَا صلى الله عليه وسلم، فَلم يدْخل هُوَ فِي عُمُوم خطاب نَفسه وَقَالَ تِلْمِيذه الْقُرْطُبِيّ أَيْضا فِي (التَّذْكِرَة) : هَذَا حسن لَوْلَا مَا جَاءَ من حَدِيث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الَّذِي أخرجه ابْن الْمُبَارك فِي (الزّهْد) : من طَرِيق عبد الله بن الْحَارِث عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أول من يكسى يَوْم الْقِيَامَة خَلِيل الله عليه السلام، قبطيتين ثمَّ يكسى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم: حلَّة حبرَة عَن يَمِين الْعَرْش.
قلت: الْعجب من الْقُرْطُبِيّ كَيفَ يَقُول: يجوز أَن يُرَاد بالخلائق من عدى نَبينَا صلى الله عليه وسلم
…
إِلَى آخِره، لِأَن الْعَام لَا يخص إلَاّ بِدَلِيل مُسْتَقل لَفْظِي مقترن كَمَا عرف فِي مَوْضِعه، على أَن مَا رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك الْمَذْكُور يَدْفَعهُ.
وروى أَبُو يعلى عَن ابْن عَبَّاس مطولا مَرْفُوعا نَحْو حَدِيث الْبَاب، وَزَاد: وَأول من يكسى من الْجنَّة إِبْرَاهِيم عليه السلام، يكسى حلَّة من الْجنَّة وَيُؤْتى بكرسي فيطرح عَن يَمِين الْعَرْش ثمَّ يُؤْتى بِي فأكسى حلَّة من الْجنَّة لَا يقوم لَهَا الْبشر، ثمَّ يُؤْتى بكرسي فيطرح عَن يَمِين الْعَرْش. وَقيل: هَل فِيهِ دلَالَة على أَن إِبْرَاهِيم عليه السلام، أفضل مِنْهُ صلى الله عليه وسلم؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَا يلْزم من اخْتِصَاص الشَّخْص بفضيلة كَونه أفضل مُطلقًا. قَوْله: (ذَات الشمَال) أَي: طَرِيق جَهَنَّم وجهتها. قَوْله: (أصيحابي) أَي: هَؤُلَاءِ أَصْحَابِي ذكرهم بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ من بَاب تَصْغِير الشَّفَقَة كَمَا فِي: يَا بني. قَوْله: (العَبْد الصَّالح) أَرَادَ بِهِ عِيسَى عليه السلام. قَوْله: (لم يزَالُوا) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لن يزَالُوا. قَوْله: (مرتدين) قَالَ الْخطابِيّ: لم يرد بقوله: مرتدين، الرِّدَّة عَن الْإِسْلَام، بل التَّخَلُّف عَن الْحُقُوق الْوَاجِبَة، وَلم يرْتَد أحد بِحَمْد الله من الصَّحَابَة، وَإِنَّمَا ارْتَدَّ قوم من جُفَاة الْأَعْرَاب، وَقَالَ عِيَاض: هَؤُلَاءِ صنفان: إِمَّا العصاة، وَإِمَّا المرتدون إِلَى الْكفْر، وَقيل: هُوَ على ظَاهره من الْكفْر، وَالْمرَاد: بأمتي، أمة الدعْوَة لَا أمة الْإِجَابَة، وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يَكُونُوا منافقين أَو مرتكبي الْكَبَائِر، وَقَالَ الدَّاودِيّ: لَا يمْتَنع دُخُول أَصْحَاب الْكَبَائِر والبدع فِي ذَلِك. وَقَالَ النَّوَوِيّ: قيل: هم المُنَافِقُونَ والمرتدون، فَيجوز أَن يحْشرُوا بالغرة والتحجيل لكَوْنهم من جملَة الْأمة فيناديهم من السيماء الَّتِي عَلَيْهِم، فَيُقَال: إِنَّهُم بدلُوا بعْدك، أَي: لم يموتوا على ظَاهر مَا فَارَقْتهمْ عَلَيْهِ، قَالَ عِيَاض وَغَيره: وعَلى هَذَا فتذهب عَنْهُم الْغرَّة والتحجيل ويطفى نورهم، وَقَالَ الْفربرِي: ذكر عَن أبي عبد الله البُخَارِيّ عَن قبيصَة قَالَ: هم الَّذين ارْتَدُّوا على عهد أبي بكر رضي الله عنه، فَقَاتلهُمْ أَبُو بكر حَتَّى قتلوا أَو مَاتُوا على الْكفْر.
7256 -
حدّثنا قَيْسُ بنُ حَفْصٍ حَدثنَا خالدُ بنُ الحارِث حَدثنَا حاتِمُ بنُ أبي صَغِيرَةَ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبي مُلَيْكَةَ قَالَ: حدّثني القاسمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكْر أنَّ عَائِشَة رضي الله عنها، قالَتْ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (تُحْشَرُونَ حُفاةً عُرَاةً غُرْلاً) قالَتْ عائِشَةُ: فَقُلْتُ: (يَا رسولَ الله! الرِّجالُ والنِّساءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟ فَقَالَ: (الأمْرُ أشَدُّ مِنْ أنْ يُهْتَمَّ لِذالِكَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَقيس بن حَفْص أَبُو مُحَمَّد الدَّارمِيّ الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ أَو نَحْوهَا، قَالَه البُخَارِيّ، وخَالِد بن الْحَارِث أَبُو عُثْمَان الهُجَيْمِي مَاتَ سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وحاتم بن أبي صَغِيرَة بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة ضد الْكَبِيرَة واسْمه مُسلم الْقشيرِي، وَعبد الله بن أبي مليكَة بِضَم الْمِيم هُوَ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي مليكَة واسْمه زُهَيْر الْأَحول الْمَكِّيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي أَوَاخِر الْكتاب فِي صفة الْحَشْر عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن عمر بن عَليّ، وَفِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: (أَن يهتم) على صِيغَة الْمَجْهُول من الاهتمام، ويروى: من أَن يهمهم، بِضَم الْيَاء وَكسر الْهَاء من الإهمام وَهُوَ الْقَصْد، وَجوز ابْن التِّين فتح أَوله وَضم ثَانِيه من: همه الشي إِذا أقلقه، وَفِي رِوَايَة مُسلم: يَا عَائِشَة الْأَمر أَشد من أَن ينظر بعض إِلَى بعض، وَفِي رِوَايَة أبي بكر بن أبي شيبَة: الْأَمر أهم من أَن ينظر بَعضهم إِلَى بعض.
8256 -
حدّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حَدثنَا غُنْدَرٌ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبي إسْحاقَ عنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُونٍ عنْ عَبْدِ الله، قَالَ: كُنَّا مَعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قُبَّةٍ فَقَالَ: (أتَرْضَوْنَ أنْ تكونُوا رُبُعَ أهْلِ الجَنَّةِ؟) قُلْنا: نَعَمْ. قَالَ: (أتَرْضَوْنَ أنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أهْلِ الجَنَّةِ) قُلْنَا: نَعَمْ قَالَ: (أتَرْضَوْنَ أنْ تَكُونُوا شَطْرَ أهْلِ الجَنَّةِ؟) قُلْنا: نَعَمْ. قَالَ: (والّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إنِّي لأرْجُو أنْ تَكُونُوا نِصْفَ أهْلِ الجَنَّةِ، وذالِكَ أنَّ الجَنَّةَ لَا يَدْخُلُها إلَاّ نَفْسٌ مُسْلِمَة، وَمَا أنْتُمْ فِي أهْلِ الشِّرْكِ إلاّ كالشَّعَرَةِ البَيْضاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأسْوَدِ