الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ: هَلْ تَدْرُونَ مَا سَقَتْهُ؟ قَالَ: أنْقَعَتْ لهُ تَمْراً فِي تَوْرٍ مِنَ اللَّيْلِ حتَّى أصْبَحَ عَلَيْهِ فَسَقَتْهُ إيَّاهُ.
قَالَ الْكرْمَانِي مُنَاسبَة الحَدِيث للباب مَفْهُوم نَبِيذ، إِذْ الْمُتَبَادر إِلَى الذِّهْن مِنْهُ أَن الْعَرُوس الْمَذْكُورَة فِيهِ سقت الْمُتَّخذ من التَّمْر، فَفِيهِ الرَّد على بعض النَّاس. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَجه تعلق البُخَارِيّ من حَدِيث سهل فِي الرَّد على أبي حنيفَة وَهُوَ أَن سهلاً إِنَّمَا عرف أَصْحَابه أَنه لم تسق الشَّارِع إِلَّا نبيذاً قريب الْعَهْد بالانتباذ مِمَّا يخل شربه، أَلا ترى قَوْله:(انقعت لَهُ تَمرا فِي تور من اللَّيْل حَتَّى أصبح عَلَيْهِ فسقته إِيَّاه؟) وَهَكَذَا كَانَ ينْبذ لَهُ صلى الله عليه وسلم، لَيْلًا ويشربه غدْوَة، وينبذ لَهُ غدْوَة ويشربه عَشِيَّة انْتهى.
قلت: لَيْسَ فِي حَدِيث سهل رد قطّ على أبي حنيفَة لِأَنَّهُ لم ينف اسْم النَّبِيذ عَن الْمُتَّخذ من التَّمْر، وَإِنَّمَا قَالَ: الطلاء وَالسكر والعصير لَيست بأنبذة على تَقْدِير صِحَة النَّقْل عَنهُ بذلك، لِأَن كلاًّ مِنْهَا يُسمى باسم خَاص، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن.
وَعلي شيخ البُخَارِيّ فِيهِ هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَعبد الْعَزِيز فِيهِ يروي عَن أَبِيه أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار الْأَعْرَج، وَهُوَ يروي عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ، كَانَ اسْمه حزنا فَسَماهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، سهلاً، وَأَبُو أسيد، بِضَم الْهمزَة مصغر الْأسد: مَالك السَّاعِدِيّ.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْأَشْرِبَة فِي: بَاب الانتباذ فِي الأوعية. قَوْله: (صَاحب النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، ذكر لفظ: صَاحب، إِمَّا استلذاذاً وَإِمَّا افتخاراً وَإِمَّا تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِمَّا تفهيماً لمن لَا يعرفهُ. قَوْله: (فَكَانَت الْعَرُوس)، على وزن: فعول يَسْتَوِي فِيهِ الذّكر وَالْأُنْثَى وَالْمرَاد بِهِ هُنَا الزَّوْجَة. قَوْله: (خادمهم)، بالتذكير لِأَنَّهُ يُطلق على الرجل وَالْمَرْأَة كليهمَا. قَوْله:(فِي تور)، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْوَاو وبالراء هُوَ إِنَاء من صفر أَو حجر كالأجانة وَقد يتَوَضَّأ مِنْهُ. قَوْله:(فسقته إِيَّاه)، أَي: فسقت الْعَرُوس الْمَذْكُورَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِيَّاه، أَي: التَّمْر المنقوع فِي التور.
6866 -
حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا إسْماعِيلُ بن أبي خالِدٍ عَن الشَّعْبِيِّ عنْ عِكْرِمَةَ عَن ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عنْ سَوْدَةَ زَوْجِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قالَتْ: ماتَتْ لَنا شاةٌ فدَبَغْنا مَسْكَها ثُمَّ مَا زِلْنا نَنْبِذُ فِيهِ حتَّى صارَتْ شَنًّا.
قيل: مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (مَا زلنا ننبذ فِيهِ) وَأَنَّهُمْ دبغوا مسك الشَّاة للانتباذ فِيهِ. قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : هَذَا وَجه اسْتِدْلَال البُخَارِيّ من حَدِيث سَوْدَة.
قلت: لَا مُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة، إلَاّ أَن يُؤْخَذ ذَلِك بِالْوَجْهِ الْمَذْكُور بالتعسف وَلَيْسَ المُرَاد ذَلِك لِأَن فِي زعم هَؤُلَاءِ أَن هَذَا يرد على أبي حنيفَة فِيمَا نقلوا عَنهُ، فَلذَلِك أوردهُ البُخَارِيّ هُنَا، وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن.
وَمُحَمّد بن مقَاتل الْمروزِي يروي عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد واسْمه سعد، وَيُقَال: هُرْمُز البَجلِيّ عَن عَامر الشّعبِيّ عَن عِكْرِمَة عَن عبد الله بن عَبَّاس عَن سَوْدَة بنت زَمعَة رضي الله عنها. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (مسكها) بِفَتْح الْمِيم وَهُوَ الْجلد. قَوْله: (شناً) بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد النُّون وَهُوَ الْقرْبَة الْخلق.
22 -
(بابٌ إِذا حَلَفَ أنْ لَا يَأْتَدِمَ فأكَلَ تَمْراً بِخُبْزٍ، وَمَا يَكُونُ مِنَ الأُدْمِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا حلف أَن لَا يَأْكُل أدماً فَأكل تَمرا بِخبْز أَي: ملتبساً بِهِ مُقَارنًا لَهُ. وَجَوَاب: إِذا مَحْذُوف تَقْدِيره: هَل يكون بذلك مؤتدماً أم لَا. قَوْله: (مَا يكون من الْأدم) عطف على جملَة الشَّرْط وَالْجَزَاء أَي: بَاب يذكر فِيهِ أَيْضا مَا يكون أَي: شَيْء يكون من الْأدم، وَلم يذكر حكم هذَيْن الْمَذْكُورين اعْتِمَادًا على مستنبط الْأَحْكَام من النُّصُوص أما الْفَصْل الأول: فقد روى فِيهِ عَن حَفْص بن غياث عَن مُحَمَّد بن يحيى الْأَسْلَمِيّ عَن يزِيد الْأَعْوَر عَن ابْن أبي أُميَّة عَن يُوسُف عَن عبد الله بن سَلام قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَخذ كسرة من خبز شعير فَوضع عَلَيْهَا تَمرا، وَقَالَ: هَذِه إدام هَذِه فَأكلهَا، وَبِهَذَا يحْتَج أَن كل مَا يُوجد فِي
الْبَيْت غير الْخبز فَهُوَ إدام سَوَاء كَانَ رطبا أَو يَابسا، فعلى هَذَا إِن من حلف أَن لَا يأتدم فَأكل خبْزًا بِتَمْر فَإِنَّهُ يَحْنَث، وَلَكِن قَالُوا: إِن هَذَا مَحْمُول على أَن الْغَالِب فِي تِلْكَ الْأَيَّام أَنهم كَانُوا يتقوتون بِالتَّمْرِ لشظف عيشهم وَلعدم قدرتهم على غَيره إلاّ نَادرا وَأما الْفَصْل الثَّانِي: فَفِيهِ خلاف بَين الْعلمَاء فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف: الإدام مَا يصطبغ بِهِ مثل الزَّيْت وَالْعَسَل وَالْملح والخل، وَأما مَا لَا يصطبغ بِهِ مثل اللَّحْم المشوي والجبن وَالْبيض فَلَيْسَ بإدام، وَقَالَ مُحَمَّد: هَذِه إدام وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي يُوسُف. فَإِن قلت: معنى مَا يصطبغ بِهِ مَا يخْتَلط بِهِ الْخبز، فَكيف يخْتَلط الْخبز بالملح؟ .
قلت: يذوب فِي الْفَم فَيحصل الِاخْتِلَاط. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَعند الْمَالِكِيَّة يَحْنَث بِكُل مَا هُوَ عِنْد الْحَالِف إدام وَلكُل قوم عَادَة.
7866 -
حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حَدثنَا سُفيْانُ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَابس عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رضي الله عنها، قالَتْ:(مَا شَبِعَ آلُ محَمَّد صلى الله عليه وسلم مِنْ خُبُز بُرٍّ مَأْدُومٍ ثَلاثَةَ أيَّامٍ حتَّى لَحَقَ بِاللَّه) .
قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ دلّ الحَدِيث على التَّرْجَمَة؟ ثمَّ قَالَ: لما كَانَ التَّمْر غَالب الْأَوْقَات مَوْجُودا فِي بَيت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَكَانُوا شباعاً مِنْهُ علم أَنه لَيْسَ أكل الْخبز بِهِ ائتداماً أَو ذكر هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب بِأَدْنَى مُلَابسَة وَهُوَ لفظ؛ المأدوم، وَلم يذكر غَيره لِأَنَّهُ لم يجد حَدِيثا بِشَرْطِهِ يدل على التَّرْجَمَة، أَو هُوَ أَيْضا من جملَة تَصَرُّفَات النقلَة على الْوَجْه الَّذِي ذَكرُوهُ. انْتهى.
قلت: ذكر فِيهِ ثَلَاثَة أوجه: الْوَجْه الأول: رده بَعضهم بقوله: هُوَ مباين لمراد البُخَارِيّ وَلم يبين المُرَاد مَا هُوَ؟ .
قلت: حَدِيث عبد الله بن سَلام الْمَذْكُور آنِفا أقوى فِي الرَّد عَلَيْهِ الْوَجْه الثَّانِي: قَالَ فِيهِ بَعضهم: إِنَّه هُوَ المُرَاد لَكِن يَنْضَم إِلَيْهِ مَا ذكره ابْن الْمُنِير، وَالَّذِي ذكره ابْن الْمُنِير هُوَ أَنه قَالَ: مَقْصُود البُخَارِيّ الرَّد على من زعم أَنه لَا يُقَال ائتدم إلَاّ إِذا أكل مَا يصطبغ بِهِ. انْتهى.
قلت: الحَدِيث لَا يدل أصلا على رد الزاعم بِهَذَا لِأَن لفظ: مأدوم، أَعم من أَن يكون الإدام فِيهِ مِمَّا يصطبغ بِهِ أَو لَا يصطبغ بِهِ. الْوَجْه الثَّالِث: بعيد جدا على مَا لَا يخفى.
وَمُحَمّد بن يُوسُف شيخ البُخَارِيّ هُوَ البُخَارِيّ البيكندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعبد الرَّحْمَن بن عَابس بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالياء الْمُوَحدَة الْمَكْسُورَة وبالسين الْمُهْملَة يروي عَن أَبِيه عَابس بن ربيعَة النَّخعِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْأَطْعِمَة عَن خَلاد بن يحيى عَن سُفْيَان مطولا، وَهنا ذكر قِطْعَة مِنْهُ.
قَوْله: تباعا) بِكَسْر التَّاء أَي: متتابعة. قَوْله: (حَتَّى لحق بِاللَّه) كِنَايَة عَن الْمَوْت.
وَقَالَ ابنُ كَثِيرٍ: أخبرنَا سُفْيانُ حدّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ عنْ أبِيهِ أنّهُ قَالَ لِ عائِشَةَ بِهاذَا.
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن كثير بالثاء الْمُثَلَّثَة الْبَصْرِيّ وَهُوَ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن عَابس الْمَذْكُور فِي الحَدِيث السَّابِق، وَإِنَّمَا ذكره البُخَارِيّ مذاكرة عَن ابْن كثير إِشَارَة لدفع مَا يتَوَهَّم من العنعنة فِي الطَّرِيق الَّتِي قبلهَا من الِانْقِطَاع، وَقد صرح فِي هَذَا الطَّرِيق لقَوْله أَنه قَالَ لعَائِشَة أَي: أَن عَابِسا وَالِد عبد الرَّحْمَن قَالَ لعَائِشَة بِهَذَا، يَعْنِي: سَأَلَ مِنْهَا بعد أَن لقيها عَن هَذَا الحَدِيث.
8866 -
حدّثنا قُتَيْبَةُ عنْ مالِكٍ عنْ إسْحاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبي طَلْحَةَ أنَّهُ سَمِعَ أنَس بنَ مالِكٍ قَالَ: قَالَ أبُو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ: لَ قَدْ سَمِعْتُ صَوْت رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ضَعِيفاً أعْرِفُ فِيهِ الجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ فقالَتْ: نَعَمْ. فأخْرَجَتْ أقْراصاً مِنْ شَعِيرٍ ثُمَّ أخَذَتْ خِماراً لَهَا فَلَفَّتِ الخُبْزَ بِبَعْضِهِ ثُمَّ أرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَذَهَبْتُ فَوَجَدْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فِي المَسْجِدِ ومَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْت عَلَيْهِمْ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:(أرْسَلَكَ أبُو طَلْحَةَ؟) فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِمَنْ مَعَهُ: (قُومُوا فانَّطَلَقُوا) وانْطَلَقْتُ بَيْنَ أيدِيهِمْ حتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ