الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنْهُم من يبلغ فَخذه، وَمِنْهُم من يبلغ خاصرته، وَمِنْهُم من يبلغ مَنْكِبَيْه، وَمِنْهُم من يبلغ فَاه: فَأَشَارَ بِيَدِهِ فألجمها، وَمِنْهُم من يغطيه عرقه، وَضرب بِيَدِهِ على رَأسه هَكَذَا. وروى ابْن أبي شيبَة عَن سلمَان الْخَبَر قَالَ: تُعْطى الشَّمْس يَوْم الْقِيَامَة حر عشر سِنِين ثمَّ تدنى من جماجم النَّاس حَتَّى يكون قاب قوسين. قَالَ: فيعرقون حَتَّى يرشح الْعرق فِي الأَرْض قامة ثمَّ يرْتَفع حَتَّى يُغَرْغر الرجل. قَالَ سلمَان: حَتَّى يَقُول الرجل: غرغر. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِن هَذَا لَا يضر مُؤمنا كَامِل الْإِيمَان أَو من استظل بالعرش. وَرُوِيَ عَن سلمَان: وَلَا يجد حرهَا مُؤمن وَلَا مُؤمنَة، وَأما الْكفَّار فتطبخهم طبخاً حَتَّى يسمع لإحراقهم عق عق. وروى الْبَيْهَقِيّ فِي (الشّعب) : عَن عبد الله بن عمر وَبِسَنَد لَا بَأْس بِهِ قَالَ: يشْتَد كرب ذَلِك الْيَوْم حَتَّى يلجم الْكَافِر الْعرق. قيل لَهُ: فَأَيْنَ الْمُؤمن؟ قَالَ: على كرْسِي من ذهب، ويظل عَلَيْهِم الْغَمَام. وَعَن أبي ظبْيَان: قَالَ أَبُو مُوسَى: الشَّمْس فَوق رُؤُوس النَّاس وأعمالهم تظلهم.
2356 -
حدّثني عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله قَالَ: حدّثني سُلَيْمانُ عنْ ثَوْرِ بنِ زَيْدٍ عنْ أبي الغَيْثِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:(يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ حتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهمْ فِي الأرْضِ سَبْعِينَ ذِراعاً، ويُلْجِمُهُمْ حتَّى يَبْلُغَ آذانَهُمْ) .
ذكر هَذَا عقيب حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا لما أَنه يتَضَمَّن بعض مَا فِيهِ والمناسبة بِهَذَا الْمِقْدَار كَافِيَة.
عبد الْعَزِيز ابْن عبد الله بن يحيى الأويسي الْمَدِينِيّ، وَسليمَان بن بِلَال، وَأَبُو الْغَيْث سَالم.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي صفة النَّار عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (يعرق) بِفَتْح الرَّاء: (ويلجمهم) بِضَم الْيَاء من ألْجمهُ المَاء إلجاماً إِذا بلغ فَاه، وَسبب كَثْرَة الْعرق تراكم الْأَهْوَال وَشدَّة الازدحام ودنو الشَّمْس. قَالَ الْكرْمَانِي: الْجَمَاعَة إِذا وقفُوا فِي الأَرْض المعتدلة أَخذهم المَاء أخذا وَاحِدًا بِحَيْثُ يكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكل إِلَى الْأذن مَعَ اخْتِلَاف قاماتهم طولا وقصراً، وَأجَاب بِأَنَّهُ خلاف الْمُعْتَاد، أَو لَا يكون فِي القامات حينئذٍ اخْتِلَاف. وَقد روى اخْتلَافهمْ أَيْضا على قدر أَعْمَالهم، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
84 -
(بَاب القِصاصِ يَوْمَ القِيامَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة الْقصاص يَوْم الْقِيَامَة. وَالْقصاص بِكَسْر الْقَاف مَأْخُوذ من القص وَهُوَ الْقطع أَو من اقتصاص الْأَثر وَهُوَ تتبعه، لِأَن الَّذِي يطْلب الْقصاص بتبع جِنَايَة الْجَانِي ليَأْخُذ مثلهَا. وَفِي (الْمغرب) : الْقصاص مقاصة ولي الْمَقْتُول الْقَاتِل والمجروح الْجَارِح، وَهِي مساواته إِيَّاه فِي قتل أَو جرح ثمَّ عَم فِي كل مُسَاوَاة.
وهْيَ الحاقَّةُ لأنَّ فِيها الثَّوابَ وحَواقَّ الأُمُورِ الحَقَّةُ والحَاقَّةُ واحِدٌ
أَي: الْقِيَامَة تسمى الحاقة. قَوْله: (وحواق الْأُمُور)، بِالنّصب أَي: وَلِأَن فِيهَا ثوابت الْأُمُور، يَعْنِي يتَحَقَّق فِيهَا الْجَزَاء من الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَسَائِر الْأُمُور الثَّابِتَة الحقة الصادقة. قَوْله:(الحقة والحاقة وَاحِد) ، يَعْنِي فِي الْمَعْنى، كَذَا نقل عَن الْفراء، وَقيل: سميت الحاقة لِأَنَّهَا تحاق الْكفَّار الَّذين خالفوا الْأَنْبِيَاء، يُقَال: حاققته فحققته أَي: خاصمته فَخَصمته، وَقيل: لِأَنَّهَا حق لَا شكّ فِيهَا.
والقارِعَةُ والغاشِيَةُ والصَّاحَةُ والتَّغابُن: غَبَنَ أهْلُ الجَنةِ أهْلَ النَّارِ
أَي: وَهِي القارعة لِأَنَّهَا تقرع الْقُلُوب بأهوالها وَقَالَ الْجَوْهَرِي: القارعة الشَّدِيدَة من شَدَائِد الدَّهْر، وَهِي الداهية. وأصل معنى القرع الدق وَمِنْه قرع الْبَاب، وقرع الرَّأْس بالعصا. قَوْله:(والغاشية)، سميت بذلك لِأَنَّهَا تغشى النَّار بإفزاعها. أَي: تعمهم بذلك، وَعَن سعيد بن جُبَير وَمُحَمّد بن كَعْب: الغاشية النَّار. وَقَالَ أَكثر الْمُفَسّرين: الغاشية الْقِيَامَة تغشى كل شَيْء بالأهوال. قَوْله: والصاخة، هِيَ فِي الأَصْل الداهية، وَفِي (الصِّحَاح) : الصاخة الصَّيْحَة، يُقَال: صخ الصَّوْت الْأذن يصخها صخاً، وَمِنْه سميت الْقِيَامَة، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: الصاخة يَعْنِي: صخة الْقِيَامَة، سميت بذلك لِأَنَّهَا تصخ الأسماع أَي: تتَابع فِي إسماعها حَتَّى تكَاد تصمها. قَوْله: والتغابن، بِالرَّفْع عطف على مَا قبله، وَهُوَ تفَاعل من الْغبن، وَهُوَ فَوت الْحَظ وَالْمرَاد. وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: المغبون من غبن أَهله ومنازله
فِي الْجنَّة، وَيظْهر يومئذٍ غبن كل كَافِر بِتَرْكِهِ الْإِيمَان، وغبن كل مُؤمن بتقصيره فِي الْإِحْسَان وتضييعه الْأَيَّام. قَوْله: غبن أهل الْجنَّة، فَقَوله: غبن، فعل مَاض وَأهل الْجنَّة فَاعله، وَأهل النَّار بِالنّصب مَفْعُوله، وَمَعْنَاهُ: أَن أهل الْجنَّة ينزلون منَازِل الأشقياء الَّتِي كَانَت أعدت لَهُم لَو كَانُوا سعداء، وَقَالَ بَعضهم: فعلى هَذَا التغابن من طرف وَاحِد، وَلكنه ذكر بِهَذِهِ الصِّيغَة للْمُبَالَغَة. انْتهى.
قلت: لَا نسلم صِحَة مَا قَالَه، وَلم يقل أحد: إِن صِيغَة التفاعل تَجِيء للْمُبَالَغَة، والتفاعل هُنَا على أَصله وَهُوَ الِاشْتِرَاك بَين الْقَوْم، وَلَا شكّ أَنهم مشتركون فِي أصل الْغبن لِأَن كل غابن فَلهُ مغبون.
3356 -
حدّثنا عُمَرُ بنُ حفْصٍ حدّثنا أبي حدّثنا الأعْمَشُ حَدثنِي شَقِيقٌ قَالَ: سَمعْتُ عَبْدَ الله رضي الله عنه، قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:(أوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ بالدِّماِء) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْقَضَاء يَوْم الْقِيَامَة هُوَ للْقصَاص.
وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَالرِّجَال كلهم كوفيون.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الدِّيات عَن عبيد الله بن مُوسَى. وَأخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الدِّيات عَن أبي كريب وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْمُحَاربَة عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى عَن خَالِد بن الْحَارِث بِهِ وَعَن غَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الدِّيات عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَغَيره.
قَوْله: (بالدماء) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فِي الدِّمَاء. وَالْمعْنَى: الْقَضَاء بالدماء الَّتِي كَانَت بَين النَّاس فِي الدُّنْيَا. فَإِن قلت: روى أَبُو هُرَيْرَة مَرْفُوعا (أول مَا يُحَاسب بِهِ العَبْد يَوْم الْقِيَامَة صلَاته) .
قلت: لَا تعَارض بَينهمَا، لِأَن الأول فِيمَا يتَعَلَّق بمعاملات الْخلق، وَالثَّانِي فِيمَا يتَعَلَّق بعباده الْخَالِق، وَفِي حَدِيث الصُّور الطَّوِيل عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه:(أول مَا يقْضى بَين النَّاس فِي الدِّمَاء، وَيَأْتِي كل قَتِيل قد حمل رَأسه فَيَقُول: رب سل هَذَا فيمَ قتلني؟) وَفِي حَدِيث نَافِع بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: (يَأْتِي الْمَقْتُول مُعَلّق رَأسه بِإِحْدَى يَدَيْهِ ملبياً قَاتله بِيَدِهِ الْأُخْرَى تسخب أوداجه دَمًا حَتَّى يقفا بَين يَدي الله) .
4356 -
حدّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لأخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْها فإنهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينارٌ وَلَا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أنْ يُؤْخَذَ لأخِيهِ مِنْ حَسَناتِهِ، فإنْ لَمْ يَكُنْ لهُ حَسَناتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّآتِ أخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ) . (انْظُر الحَدِيث 9442) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (من قبل أَن يُؤْخَذ)
إِلَى آخِره وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عقيب حَدِيث زيد بن أبي أنيسَة.
قَوْله: (مظْلمَة) بِفَتْح اللَّام وَالْكَسْر وَهُوَ أشهر. وَهِي اسْم مَا أَخذ مِنْك بِغَيْر حق. قَوْله: (لِأَخِيهِ)، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:(من أَخِيه) . قَوْله: (فليتحلله) أَي: فليسأله أَن يَجعله حَلَاله وليطلب مِنْهُ بَرَاءَة ذمَّته قبل يَوْم الْقِيَامَة. قَوْله: (فَإِنَّهُ لَيْسَ ثمَّ) أَي: فَإِن الشَّأْن لَيْسَ هُنَاكَ دِرْهَم، وَثمّ بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَشْديد الْمِيم وَهُوَ اسْم يشار بِهِ إِلَى الْمَكَان الْبعيد، وَهُوَ ظرف لَا يتَصَرَّف فَلذَلِك غلط من أعربه مَفْعُولا لرأيت فِي قَوْله تَعَالَى:{ (76) وَإِذا رَأَيْت ثمَّ رَأَيْت} (الْإِنْسَان: 02) قَوْله: (من حَسَنَاته) أَي: من ثَوَابهَا فيزاد على ثَوَاب الْمَظْلُوم، قيل: ثَوَاب الْحَسَنَة خَالِد أبدا غير متناه وَجَزَاء السَّيئَة من الظُّلم غَيره متناه، فَكيف يَقع غير المتناهي موقع المتناهي؟ وَكَيف يقوم مقَامه فَيصير الْمَظْلُوم ظَالِما؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ يُعْطي خَصمه من أصل ثَوَاب الْحَسَنَة مَا يوازي، عُقُوبَة سيئته، إِذْ الزَّائِد عَلَيْهِ فضل من الله عز وجل عَلَيْهِ خَاصَّة. قَوْله:(فَإِن لم تكن لَهُ)، أَي: للظالم، حَسَنَات أَخذ من أصل سيئات أَخِيه فيحط عَلَيْهِ فيزاد فِي عِقَابه، قيل: مَا التَّوْفِيق بَينه وَبَين قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} (الْأَنْعَام: 461، وَغَيرهَا) وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَا تعَارض بَينهمَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُعَاقب بِسَبَب ظلمه أَو مَعْنَاهُ: لَا تزر بِاخْتِيَارِهِ وإرادته.
5356 -
حدّثني الصَّلْتُ بنُ مُحَمَّدٍ حدّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْع {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل} (الْأَعْرَاف: 34 وَالْحجر: 74) قَالَ: حدّثنا سَعِيدٌ عنْ قَتادَة عنْ أبي المُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ أنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ