الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
71 -
(بابٌ كَيْف كانَ عَيْشُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصْحابِهِ وتَخَلِّيهِمْ مِنَ الدُّنْيا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كيفة عَيْش النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَكَيْفِيَّة عَيْش أَصْحَابه رضي الله عنهم، وَفِي بَيَان تخليهم أَي: تَركهم الملاذ والشهوات من الدُّنْيَا.
2546 -
حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ بنَحْوِ مِنْ نِصْفِ هاذَا الحَدِيثِ، حَدثنَا عُمَرُ بنُ ذَرّ حَدثنَا مُجاهِدٌ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كانَ يَقُولُ: الله الّذِي لَا إلاهَ إِلَّا هُوَ، إنْ كُنْتُ لأعْتَمِدُ بكَبِدي عَلى الأرْضِ مِنَ الجُوعِ، وإنْ كُنْتُ لأشُدُّ الحَجَرَ على بَطْنِي منَ الجُوعِ، ولَقَدْ قَعَدْتُ يَوْماً عَلَى طَرِيقِهِمِ الّذِي يخْرُجُونَ مِنْهُ فَمَرَّ أبُو بَكْر فَسألْتُهُ عنْ آيَةٍ مِنْ كِتابِ الله، مَا سألْتُهُ إلاّ ليُشبِعَنِي، فَمَرَّ ولَم يَفْعَلْ، ثمَّ مَرَّ بِي عُمرُ فَسألْتُهُ عنْ آيَةٍ مِنْ كِتابِ الله، مَا سألْتُهُ إلاّ لِيُشَبِعُنِي فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي أبُو القاسمِ صلى الله عليه وسلم فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي وعَرَفَ مَا فِي نَفْسِي وَمَا فِي وجْهِي، ثُمَّ قَالَ:(يَا أَبَا هِرّ {) قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رسُولَ الله} قَالَ: (إلْحَقْ) ومَضَى فَتَبِعْتُهُ فَدَخَلَ فاسْتَأذِنُ فأذِنَ لِي، فَدَخَلَ فَوَجَدَ لَبَناً فِي قَدَحٍ فَقَالَ:(منْ أيْنَ هَذَا اللَّبْنُ) قالُوا: أهْدَاهُ لَكَ فُلَانٌ أَو فُلَانَةُ قَالَ: (أَبَا هِرٍّ){قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رسولَ الله} قَالَ: (إلْحَقْ إِلَى أهْلِ الصُّفَّةِ فادْعُهُمْ لِي) قَالَ: وأهْلُ الصُّفَّةِ أضْيافُ الإسلامِ لَا يَأْوُونَ إِلَى أهْلِ وَلَا مالٍ وَلَا عَلى أحَدٍ إِذا أتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِها إلَيْهِمْ ولَمْ يَتَناوَلْ مِنْها شَيْئاً، وَإِذا أتَتْهُ هَديْةٌ أرْسَلَ إلَيْهِمْ وأصابَ مِنْها وأشْرَكَهُمْ فِيها، فَساءَنِي ذالِكَ، فَقُلْتُ: وَمَا هاذا اللَّبَنُ فِي أهْلِ الصُّفَّةِ؟ كُنْتُ أحَقَّ أَنا أنْ أُصيبَ مِنْ هاذا اللَّبَنِ شَرْبَةً أتَقَوَّى بِها، فَإِذا جاؤوا أمَرَنِي فَكُنْتُ أَنا أُعْطِيهِمْ وَمَا عَساى أنْ يَبْلُغِني منْ هذَا اللّبَنِ ولَمْ يَكُنْ مِنْ طاعَةِ الله وطاعَةِ رسولِهِ صلى الله عليه وسلم بُدٌّ، فأتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فأقْبلُوا فاسْتَأْذَنُوا فأذِنَ لَهُمْ وأخَذُوا مَجالِسِهُمْ مِنَ البَيْتِ قَالَ:(يَا أَبَا هِر) قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُول الله {قَالَ: (خُذُ فأعْطِهِم) قَالَ: فأخَذْتُ القَدَحَ فَجَعَلْتُ أعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حتَّى يَرْواى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ فأُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حتَّى يَرْواى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ فَيَشْرَبُ حتَّى يَرْواى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ حتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَقد رَوِيَ القَوْمُ كُلُّهُمْ، فأخَذَ القَدَحَ فَوَضَعَهُ على يدِهِ فَنَظَرَ إليَّ فَتَبَسَّمَ. فَقَالَ: (يَا أَبَا هِرٍّ) قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رسولَ الله} قَالَ: (بَقِيتُ أَنا وأنْتَ) . قُلْتُ صَدَقْتَ يَا رسولَ الله! قَالَ: (اقْعُدْ فاشْرِبْ) فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ فَقَالَ: (اشْرَبْ) فَشَرِبْتُ فَما زالَ يَقُولُ: (اشْرَبْ) حتَّى قُلْتُ: لَا والَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ مَا أجِد لهُ مَسْلكاً. قَالَ: (فأرِنِي) فأعْطَيْتُهُ القَدَحَ فَحَمِدَ الله وسَمَّى وشَرِبَ الفَضْلَةَ. (انْظُر الحَدِيث 5735 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن فِيهِ الْإِخْبَار عَن عَيْش النَّبِي صلى الله عليه وسلم وعيش أَصْحَابه رضي الله عنهم.
وَأَبُو نعيم بِضَم النُّون الْفضل بن دُكَيْن، وَعمر بِضَم الْعين ابْن ذَر بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء الْهَمدَانِي.
وَبَعض الحَدِيث مضى فِي الاسْتِئْذَان مُخْتَصرا أخرجه عَن أبي نعيم عَن عمر بن ذرو عَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن عبد الله عَن عمر بن ذَر، ثمَّ أَعَادَهُ، هُنَا عَن أبي نعيم وَحده مطولا. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن هناد بن سري عَن يُونُس بن بكير عَن عمر بن ذَر بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرقَاق عَن أَحْمد بن يحيى عَن أبي نعيم.
دقوله: (بِنَحْوِ من نصف هَذَا الحَدِيث) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى حَدِيث الْبَاب،
قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا مُشكل لِأَن نصف الحَدِيث يبْقى بِدُونِ الْإِسْنَاد، ثمَّ إِن النّصْف مُبْهَم أهوَ النّصْف الأول أم الآخر؟ ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ اعْتمد على مَا ذكر فِي كتاب الْأَطْعِمَة من طَرِيق يُوسُف بن عِيسَى الْمروزِي، وَهُوَ قريب من نصف هَذَا الحَدِيث، فَلَعَلَّ البُخَارِيّ أَرَادَ بِالنِّصْفِ الْمَذْكُور لأبي نعيم مَا لم يذكرهُ ثمَّة، فَيصير الْكل مُسْندًا بعضه بطرِيق يُوسُف وَالْبَعْض الآخر بطرِيق أبي نعيم. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي الاسْتِئْذَان مُخْتَصرا، فَقَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا عمر بن ذَر وَعَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن ابْن الْمُبَارك عَن عمر بن ذَر حَدثنَا مُجَاهِد، وَكَانَ هَذَا هُوَ النّصْف الْمشَار إِلَيْهِ هَهُنَا. انْتهى. وَاعْترض عَلَيْهِ الْكرْمَانِي بقوله: لَيْسَ مَا ذكره ثمَّة نصفه وَلَا ثلثه وَلَا ربعه، وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ نظر من وَجْهَيْن آخَرين. أَحدهمَا: احْتِمَال أَن يكون هَذَا السِّيَاق لِابْنِ الْمُبَارك، فَإِنَّهُ لَا يتَعَيَّن كَونه لفظ أبي نعيم. وَثَانِيهمَا: أَنه منتزع من أثْنَاء الحَدِيث، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ الْقِصَّة الأولى الْمُتَعَلّقَة بِأبي هُرَيْرَة، وَلَا مَا فِي آخِره من حُصُول الْبركَة فِي اللَّبن إِلَى آخِره.
قلت: فِي هَذَا النّظر نظر لِأَنَّهُ إِذا لم يتَعَيَّن كَون السِّيَاق لأبي نعيم كَذَلِك لَا يتَعَيَّن كَونه لِابْنِ الْمُبَارك، وَكَونه منتزعاً من أثْنَاء الحَدِيث لَا يضر على مَا لَا يخفى.
قَوْله: (الله) بِالنّصب قسم حذف حرف الْجَرّ مِنْهُ، ويروى: وَالله، على الأَصْل. قَوْله:(إِن كنت) كلمة: إِن، هَذِه مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة. قَوْله:(لأعتمد بكبدي على الأَرْض) أَي: إلصق بَطْني بِالْأَرْضِ. قَوْله: (وَإِن كنت) وَإِن هَذِه أَيْضا مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة. قَوْله: (لأشد الْحجر على بَطْني) اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد وَفِي رِوَايَة عَن أبي هُرَيْرَة: لتأتي على أَحَدنَا الْأَيَّام مَا يجد طَعَاما يُقيم بِهِ صلبه حَتَّى إِن كَانَ أَحَدنَا ليَأْخُذ الْحجر فيشد بِهِ على أَخْمص بَطْنه ثمَّ يشده بِثَوْبِهِ ليقيم بِهِ صلبه، وَفَائِدَة شدّ الْحجر على الْبَطن المساعدة على الِاعْتِدَال والانتصاب على الْقيام أَو الْمَنْع من كَثْرَة التَّحَلُّل من الْغذَاء الَّذِي فِي الْبَطن لكَونهَا حِجَارَة رقاقاً تعدل الْبَطن، وَرُبمَا سدت طرف الأمعاء فَيكون الضعْف أقل، أَو تقليل حرارة الْجُوع ببرودة الْحجر، أَو الْإِشَارَة إِلَى كسر النَّفس وإلقامها الْحجر، وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب. وَقَالَ الْخطابِيّ: اشكل الْأَمر فِي شدّ الْحجر على قوم حَتَّى توهموا أَنه تَصْحِيف من الحجز بالزاي جمع الحجزة الَّتِي يشد بهَا الْإِنْسَان وَسطه، لَكِن من أَقَامَ بالحجاز عرف عَادَة أَهله فِي أَن المجاعة تصيبهم كثيرا فَإِذا خوى الْبَطن لم يكن مَعَه الانتصاب فيعمد حينئذٍ إِلَى صَفَائِح رقاق فِي طول الْكَفّ فيربطها على الْبَطن فتعتدل الْقَامَة بعض الِاعْتِدَال.
قلت: وَمِمَّنْ أنكر ربط الْحجر ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) : قَوْله: (على طريقهم) أَي: طَرِيق النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه مِمَّن كَانَ طَرِيق مَنَازِلهمْ إِلَى الْمَسْجِد متحدة. قَوْله: (ليشبعني) من الإشباع من الْجُوع، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ليستتبعني، من الاستتباع وَهُوَ طلب أَن يتبعهُ. قَوْله:(فَمر) أَي: إِلَى حَاله وَلم يفعل أَي: الإشباع أَو الاستتباع. قَوْله: (ثمَّ مر بِي عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) كَأَنَّهُ اسْتَقر هُنَا حَتَّى مر بِهِ عمر فَوَقع أمره مَعَه مثل مَا وَقع مَعَ أبي بكر، وَالظَّاهِر أَنَّهُمَا حملا سُؤال أبي هُرَيْرَة على ظَاهره، وَهُوَ سُؤَاله عَن آيَة من الْقُرْآن، أَو لم يكن عِنْدهمَا شَيْء إِذْ ذَاك، ويروى أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، تأسف على عدم إِدْخَاله أَبَا هُرَيْرَة فِي دَاره. قَوْله:(وَمَا فِي وَجْهي) أَي: من التَّغَيُّر فِيهِ من الْجُوع. قَوْله: (أباهر) وَوَقع فِي رِوَايَة عَليّ بن مسْهر فَقَالَ أَبُو هر، وَوَجهه على لُغَة من لَا يعرب الكنية وَهُوَ بتَشْديد الرَّاء وَهُوَ إِمَّا رد الِاسْم الْمُؤَنَّث إِلَى الْمُذكر أَو المصغر إِلَى المكبر فَإِن كنيته فِي الأَصْل: أَبُو هُرَيْرَة تَصْغِير هرة مؤنثاً. وَأَبُو هر مُذَكّر مكبر، وَقيل: يجوز فِيهِ تَخْفيف الرَّاء مُطلقًا، وَوَقع فِي رِوَايَة يُونُس بن بكير فَقَالَ: أَبُو هُرَيْرَة، أَي: أَنْت أَبُو هُرَيْرَة. قَوْله: (إلحق) من اللحوق أَي: اتبعني قَوْله: (فَدخل) زَاد ابْن مسْهر: إِلَى أَهله، قَوْله:(فَاسْتَأْذن) على صِيغَة الْمُتَكَلّم من الْمُضَارع وَفِي رِوَايَة عَليّ بن مسْهر وَيُونُس: فأستادنت. قَوْله: (فَدخل) فِيهِ الْتِفَات، وَفِي رِوَايَة عَليّ بن مسْهر فَدخلت، وَهِي ظَاهِرَة. قَوْله:(فَوجدَ لَبَنًا فِي قدح) وَفِي رِوَايَة عَليّ بن مسْهر: فَإِذا هُوَ لبن فِي قدح، وَفِي رِوَايَة يُونُس: فَوجدَ قدحاً من اللَّبن. قَوْله: (من أَيْن هَذَا اللَّبن) زَاد روح: لكم، وَفِي رِوَايَة ابْن مسْهر: فَقَالَ لأَهله: من أَيْن لكم هَذَا؟ قَوْله: (أَو فُلَانَة) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (إلحق إِلَى أهل الصّفة) عدى: إلحق، بِكَلِمَة: إِلَى لِأَنَّهُ ضمنه معنى: انْطلق. وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة روح: انْطلق. قَوْله: (قَالَ: وَأهل الصّفة) سقط لفظ قَالَ فِي رِوَايَة روح، وَلَا بُد مِنْهُ لِأَنَّهُ من كَلَام أبي هُرَيْرَة. قَوْله:(وَلَا على أحد) تَعْمِيم بعد تَخْصِيص فَيشْمَل الْأَقَارِب والأصدقاء وَغَيرهم. قَوْله: (فساءني ذَلِك) وَفِي رِوَايَة عَليّ بن مسْهر: وَالله، وَمَعْنَاهُ أهمني ذَلِك. قَوْله:(وَمَا هَذَا اللَّبن فِي أهل الصّفة) ؟ أَي: مَا قدره فِي أهل الصّفة؟ الْوَاو فِيهِ عطف على مَحْذُوف تَقْدِيره: هَذَا قَلِيل أَو نَحْو ذَلِك، وَمَا هَذَا؟ وَفِي رِوَايَة يُونُس بِحَذْف الْوَاو، وَفِي رِوَايَة
عَليّ بن مسْهر: وَأَيْنَ يَقع هَذَا اللَّبن من أهل الصّفة؟ قَوْله: (فَإِذا جَاءَ) كَذَا فِيهِ بِالْإِفْرَادِ فِي بعض النّسخ، أَي: إِذا جَاءَ من أَمرنِي بِطَلَبِهِ وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: فَإِذا جاؤوا، بِصِيغَة الْجمع كَمَا فِي نسختنا. قَوْله:(أَمرنِي) أَي: رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (وَمَا عَسى أَن يبلغنِي من هَذَا اللَّبن) أَي: قَائِلا فِي نَفسِي: وَمَا عَسى
…
قَالَ الْكرْمَانِي: وَالظَّاهِر أَن عَسى مقحم. قَوْله: (وَأخذُوا مجَالِسهمْ من الْبَيْت) يَعْنِي: قعد كل وَاحِد مِنْهُم فِي الْمجْلس الَّذِي يَلِيق بِهِ وَلم يذكر عَددهمْ وَقد تقدم فِي أَبْوَاب الْمَسَاجِد فِي كتاب الصَّلَاة من طَرِيق أبي حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة: رَأَيْت سبعين من أَصْحَاب الصّفة
…
الحَدِيث، وَذكر فِي (الْحِلْية) : أَن عدتهمْ تقرب من الْمِائَة، وَقَالَ أَبُو نعيم: كَانَ عدد أهل الصّفة يخْتَلف بِحَسب اخْتِلَاف الْحَال فَرُبمَا اجْتَمعُوا فكثروا، وَرُبمَا تفَرقُوا إِمَّا لغزو أَو سفر أَو اسْتغْنَاء، فَقَلُّوا، وَقيل هُنَا: كَانُوا أَكثر من سبعين. قَوْله: (خُذ) أَي: الْقدح الَّذِي فِيهِ اللَّبن فأعطهم، وَصرح هَكَذَا فِي رِوَايَة يُونُس. قَوْله:(حَتَّى يرْوى) بِفَتْح الْوَاو نَحْو رَضِي يرضى. قَوْله: (ثمَّ يرد على الْقدح فَأعْطِيه الرجل) قَالَ الْكرْمَانِي: الرجل الثَّانِي معرفَة معادة، فَيكون عين الأول على الْقَاعِدَة النحوية لَكِن المُرَاد غَيره: ثمَّ أجَاب بِأَن ذَلِك حَيْثُ لَا قرينَة، وَلَفظ:(حَتَّى انْتَهَيْت) قرينَة الْمُغَايرَة، كَمَا فِي قَوْله عز وجل:{قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك تؤتي الْملك من تشَاء} (/ آل عمرَان: 62) . قَوْله: (فَتَبَسَّمَ) كَانَ ذَلِك لأجل توهم أبي هُرَيْرَة أَن لَا يفضل لَهُ من اللَّبن شَيْء. قَوْله: (فَقَالَ: أَبَا هر) أَي: يَا أَبَا هر، وَفِي رِوَايَة عَليّ بن مسْهر: فَقَالَ: أَبُو هُرَيْرَة، أَي: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، أَبُو هُرَيْرَة، وَقد ذكرنَا وَجهه عَن قريب. قَوْله:(قَالَ: بقيت أَنا وَأَنت) هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى من حضر من أهل الصّفة. فَأَما من كَانَ فِي الْبَيْت من أهل النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلم يتَعَرَّض لذكرهم، وَيحْتَمل أَن لَا يكون إِذْ ذَاك فِي الْبَيْت أحد أَو كَانُوا أخذُوا كفايتهم، وَكَانَ الَّذِي فِي الْقدح نصيب النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قَوْله:(فأرني) وَفِي رِوَايَة روح (ناولني الْقدح) . قَوْله: (فَحَمدَ الله وسمى) أما الْحَمد فلحصول الْبركَة فِيهِ، وَأما التَّسْمِيَة فلإقامة السّنة عِنْد الشّرْب. (وَشرب الفضلة) أَي: الْبَقِيَّة.
وَفِيه فَوَائِد: كَثِيرَة يستخرجها من لَهُ يَد فِي تَحْرِير النّظر، وتقريب المُرَاد.
3546 -
حدّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا يَحْيَى اعنْ إسْماعِيلَ حَدثنَا قَيْسٌ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْداً يَقُولُ: إنِّي لأوَّلُ العَرَبِ رَماى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ الله، ورَأيْتُنَا نَغْزو وَمَا لَنا طَعامٌ إِلَّا وَرَقُ الحُبْلَةِ وهَذا السَّمُرُ، وإنَّ أحدَنا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشَّاةُ مَا لَهُ خِلْطٌ، ثُمَّ أصْبحَتْ بَنُو أسَدٍ تُعَزِّزُنِي على الإسْلامِ، خِبْتُ إذَا وضَلَّ سَعْيي. (انْظُر الحَدِيث 8273 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن فِيهِ بَيَان عَيْش سعد وَغَيره على الْوَجْه الْمَذْكُور.
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم، وَسعد هُوَ ابْن أبي وَقاص رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي فضل سعد عَن عَمْرو بن عَوْف وَفِي الْأَطْعِمَة عَن عبد الله بن مُحَمَّد. وَأخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن يحيى بن حبيب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (لأوّل الْعَرَب) اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: إِنِّي لأوّل رجل أهرق دَمًا فِي سَبِيل الله. قَوْله: (ورأيتنا) بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق أَي: وَرَأَيْت أَنْفُسنَا. قَوْله: (نغزو) من الْغَزْو فِي سَبِيل الله. قَوْله: (الحبلة) بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقيل بِفَتْحِهَا أَيْضا، وَهِي: ثَمَر السّلم أَو ثَمَر عَامَّة العضاه وَهِي بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الضَّاد الْمُعْجَمَة شَجرا لَهُ شوك كالطلح والعوسج. قَوْله: (السمر) بِضَم الْمِيم شجر، وَفِي مُسلم: مَا تَأْكُل الأوراق الحبلة هَذَا السمر. قَوْله: (ليضع) كِنَايَة عَن التغوط أَي: ليضع الَّذِي يخرج مِنْهُ عِنْد التغوط. قَوْله: (مَاله خلط) بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون اللَّام يَعْنِي لَا يخْتَلط بعضه بِبَعْض لجفافه وَشدَّة يبسه الناشىء عَن تقشف الْعَيْش. قَوْله: (بَنو أَسد) قَبيلَة وَهِي أَسد بن خُزَيْمَة. قَوْله: (تعزرني) أَي: تقومني بالتعليم على أَحْكَام الدّين وَهُوَ من التَّعْزِير وَهُوَ التَّوْقِيف على الْأَحْكَام والفرائض، وَمِنْه تَعْزِير السُّلْطَان وَهُوَ التَّقْوِيم بالتأديب. قَوْله:(على الْإِسْلَام) ويروى: على الدّين قَوْله: (خبت) من الخيبة وَهِي الحرمان والخسران. قَوْله: (وضل سعيي) ويروى: وضل عَمَلي
…
قيل: كَيفَ جَازَ لسعد أَن يمدح نَفسه وَمن شَأْن الْمُؤمن ترك ذَلِك لوُرُود النَّهْي عَنهُ؟ وَأجِيب: بِأَن الْجُهَّال لما عيروه بِأَنَّهُ لَا يحسن الصَّلَاة فاضطر إِلَى ذكر فَضله والمدحة إِذا خلت عَن الْبَغي والاستطالة، وَكَانَ مَقْصُود قَائِلهَا إِظْهَار الْحق وشكر نعْمَة الله، لم يكره ذَلِك.
4546 -
حدّثني عُثْمانُ حَدثنَا جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ عنْ إبْرَاهِيمَ عنِ الأسْوَدِ عَن عائِشَةَ، قالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مُنْذُ قَدِمَ المَدِينَةَ مِنْ طَعامِ بُرٍّ ثَلَاثَ لَيالٍ تباعا حتَّى قُبِضَ. (انْظُر الحَدِيث 6145) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن فِيهِ بَيَان عَيْش آل النَّبِي صلى الله عليه وسلم على الْوَجْه الْمَذْكُور.
وَعُثْمَان هُوَ ابْن أبي شيبَة، وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَالْأسود هُوَ ابْن يزِيد وكل هَؤُلَاءِ كوفيون.
والْحَدِيث مضى فِي الْأَطْعِمَة عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (آل مُحَمَّد) أَي: النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (تباعا) بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: متتابعة ومتوالية. قَوْله: (حَتَّى قبض) إِشَارَة إِلَى استمراره على تِلْكَ الْحَالة مُدَّة إِقَامَته، وَهِي عشر سِنِين بِمَا فِيهَا من أَيَّام أَسْفَاره فِي الْغَزْو وَالْحج وَالْعمْرَة.
أخرجه ابْن سعد من وَجه آخر عَن إِبْرَاهِيم: وَمَا رفع عَن مائدته كسرة خبز فضلا حَتَّى قبض، وروى عبد الرَّحْمَن بن عَابس عَن أَبِيه عَن عَائِشَة: مَا شبع آل مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم من خبز بر مأدوم، أخرجه مُسلم، وروى مُسلم أَيْضا من رِوَايَة يزِيد بن قسيط عَن عَائِشَة رضي الله عنهما: مَا شبع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، من خبز وزيت فِي يَوْم وَاحِد مرَّتَيْنِ، وَله من طَرِيق مَسْرُوق عَنْهَا: وَالله مَا شبع من خبز وَلحم فِي يَوْم مرَّتَيْنِ، وروى ابْن سعد من طَرِيق الشّعبِيّ عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، كَانَت تَأتي عَلَيْهِ أَرْبَعَة أشهر مَا يشْبع من خبز الْبر.
5546 -
حدّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ حدّثنا إسْحاقُ هُوَ الأزْرَقُ عنْ مِسْعَرِ ابنِ كِدَامٍ عنْ هِلَالٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رضي الله عنها، قالَتْ: مَا أكلَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أكْلَتَيْنِ فِي يَوحمٍ إلاّ إحْدَاهُما تَمْرٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن أَبُو يَعْقُوب الْبَغَوِيّ يقاله لَهُ لُؤْلُؤ سكن بَغْدَاد، وَإِسْحَاق الْأَزْرَق بِتَقْدِيم الزَّاي على الرَّاء هُوَ إِسْحَاق بن يُوسُف بن يَعْقُوب الوَاسِطِيّ، ومسعر بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْمُهْملَة الأولى وَفتح الثَّانِيَة وبالراء ابْن كدام بِكَسْر الْكَاف وَتَخْفِيف الدَّال الْمُهْملَة العامري. مر فِي الْوضُوء، وهلال بن حميد وَيُقَال: ابْن أبي حميد الْوزان الْكُوفِي يروي عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن أبي كريب.
قَوْله: (أكلتين) بِفَتْح الْهمزَة وَضمّهَا.
6546 -
حدّثني أحْمَدُ بنُ رجاءٍ حدّثنا النَّضْرُ عنْ هِشام قَالَ: أَخْبرنِي أبي عنْ عائِشَةَ رضي الله عنها، قالَتْ: كانَ فِرَاشُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ أدَمِ وحَشْوُهُ مِنْ لِيفٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن رَجَاء بِالْجِيم وَالْمدّ الْهَرَوِيّ، وَالنضْر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن شُمَيْل بالشين الْمُعْجَمَة مصغر يروي، عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (من أَدَم) بِفَتْح الْهمزَة وَالدَّال الْمُهْملَة. وَأخرج ابْن مَاجَه من رِوَايَة ابْن نمير عَن هِشَام بِلَفْظ: كَانَ ضجاع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أدماً وحشوه لِيف، والضجاع بِكَسْر الضَّاد الْمُعْجَمَة وبالجيم هُوَ مَا يرقد عَلَيْهِ.
7546 -
حدّثنا هُدْبَةُ بنُ خالِدٍ حَدثنَا هَمَّامُ بنُ يَحْيَى احدثنا قَتادَةُ قَالَ: كُنّا نأتِي أنَسَ بنَ مالِكٍ وخَبَّازُهُ قائِمٌ، وَقَالَ: كُلُوا فَما أعْلَمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى رغِيفاً مُرَقَّقاً حَتَّى لَحِقَ بِاللَّه، وَلَا رأى شَاة سَمِيطاً بِعَيْنِهِ قَطُّ. (انْظُر الحَدِيث 5835 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وهدبة بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْأَطْعِمَة عَن مُحَمَّد بن سِنَان.
قَوْله: (مرققاً) قَالَ ابْن الْأَثِير: هُوَ الأرغفة الواسعة الرقيقة، يُقَال: رَقِيق ورقاق كطويل وطوال. قَوْله: (سميطاً) أَي: مشوياً، فعيل بِمَعْنى