الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّاس الَّذين أَرَادَ نيل الْمنزلَة عِنْدهم، وَلَا ثَوَاب لَهُ فِي الْآخِرَة. قَوْله:(وَمن يرائي) بِضَم الْيَاء وبالمد وَكسر الْهمزَة وَالثَّانيَِة مثلهَا وَثبتت الْيَاء فِي آخر كل مِنْهُمَا للإشباع أَي: من يرائي بِعَمَلِهِ النَّاس (يرائي الله بِهِ) أَي يطلعهم على أَنه فعل ذَلِك لَهُم لَا لوجهه فَاسْتحقَّ سخط الله عَلَيْهِ. وَفِيه: من المشاكلة مَا لَا يخفى.
73 -
(بابُ مَنْ جاهَدَ نَفْسَهُ فِي طاعَةِ الله)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل من جَاهد من المجاهدة، وَهِي: كف النَّفس عَن إرادتها مِمَّا يشغلها بِغَيْر الْعِبَادَة.
0056 -
حدّثنا هُدْبَةُ بنُ خالِدٍ حدّثنا هَمَّامٌ حدّثنا قَتادَة حدّثنا أنَسُ بنُ مالِكٍ عنْ مُعاذٍ ابنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَما أَنا رَدِيفُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بَيْنِي وبَيْنهُ إلَاّ آخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقَالَ:(يَا مُعاذُ {) . قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رسولَ الله وسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سارَ ساعَةً ثُمَّ قَالَ:(يَا مُعاذُ} ) قُلْتُ: لبيْكَ رسولَ الله وسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سارَ ساعَةً ثُمَّ قَالَ:(يَا مُعاذُ بنَ جَبَلٍ {) قُلْتُ: لَبَّيْكَ رسولَ الله وسَعْديْكَ. قَالَ: (هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الله عَلى عِبادِهِ؟) قُلْتُ: الله ورَسُولُهُ أعْلَمُ. قَالَ: (حَقُّ الله عَلى عِبادِهِ أنْ يعْبُدُوهُ وَلَا يشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) ثُمَّ سارَ ساعَةً، ثُمَّ قَالَ:(يَا مُعاذُ بن جَبَلٍ) قُلْتُ: لَبَّيْكَ رسُولَ الله وسَعْدَيْك. قَالَ: (هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ العِبادِ عَلى الله إِذا فَعَلُوهُ؟) قُلْتُ: الله ورسُولُهُ أعْلَمُ. قَالَ: (حَقُّ العِبادِ على الله أنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ مجاهدة النَّفس بِالتَّوْحِيدِ، وَجِهَاد الْمَرْء نَفسه هُوَ الْجِهَاد الْأَكْبَر.
وَهَذَا الحَدِيث بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن قد مر فِي كتاب اللبَاس فِي بَاب مُجَرّد عقيب: بَاب حمل صَاحب الدَّابَّة غَيره بَين يَدَيْهِ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن هدبة بن خَالِد عَن همام بن يحيى عَن قَتَادَة
…
إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَنَظِيره مضى عَن أنس فِي آخر كتاب الْعلم فِي: بَاب من خص بِالْعلمِ قوما.
قَوْله: (رَدِيف النَّبِي صلى الله عليه وسلم الرديف هُوَ الرَّاكِب خلف الرَّاكِب. قَوْله: (إلَاّ آخِرَة الرحل) الْآخِرَة على وزن الفاعلة وَهِي الْعود الَّذِي يسْتَند إِلَيْهِ الرَّاكِب من خَلفه، وَأَرَادَ بِذكرِهِ الْمُبَالغَة فِي شدَّة قربه ليَكُون أوقع فِي نفس سامعه لكَونه أضبط، وَأما تكريره صلى الله عليه وسلم، عَلَيْهِ ثَلَاثًا فلتأكيد الاهتمام بِمَا يُخبرهُ ولتكميل تنبه معَاذ فِيمَا يسمعهُ، والرحل سرج الْجمل. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الرحل رَحل الْجمل وَهُوَ أَصْغَر من القتب. قَوْله: (لبيْك) قد مضى الْكَلَام فِيهِ مرَارًا أَنه من التَّلْبِيَة وَهِي إِجَابَة الْمُنَادِي أَي: إجَابَتِي لَك يَا رَسُول الله} مَأْخُوذ من لب بِالْمَكَانِ وألب إِذا قَامَ بِهِ، وَلم يسْتَعْمل إلَاّ على لفظ التَّثْنِيَة فِي معنى التكرير، أَي: إِجَابَة بعد إِجَابَة وَهُوَ مَنْصُوب على الْمصدر بعامل لَا يظْهر، كأنّك قلت: ألب إلباباً بعد إلباب. قَوْله: (وَسَعْديك) أَي: ساعدت طَاعَتك مساعدة بعد مساعدة وإسعاداً بعد إسعاد، وَلِهَذَا ثنى، وَهُوَ أَيْضا من المصادر المنصوبة بِفعل لَا يظْهر فِي الِاسْتِعْمَال، وَقَالَ الْجرْمِي: لم يسمع سعدك مُفردا. قَوْله: (لبيْك رَسُول الله) أَي: يَا رَسُول الله، حذف فِيهِ حرف النداء، وَفِي الْعلم بإثباته. قَوْله:(فَقَالَ: يَا معَاذ) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ثمَّ قَالَ: يَا معَاذ، قَوْله:(هَل تَدْرِي مَا حق الله على عباده) الْحق كل مَوْجُود مُتَحَقق أَو: مَا سيوجد لَا محَالة. قَوْله: (أَن يعبدوه) أَي: أَن يوحدوه. قَوْله: (وَلَا يشركوا بِهِ شَيْئا)، تَفْسِيره وَقيل: المُرَاد بِالْعبَادَة عمل الطَّاعَات وَاجْتنَاب الْمعاصِي. قَوْله: (مَا حق الْعباد على الله؟) يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون خرج مخرج الْمُقَابلَة فِي اللَّفْظ كَقَوْلِه تَعَالَى: {ومكروا ومكر الله} (آل عمرَان: 45) وَالثَّانِي: أَن يكون أَرَادَ حَقًا شَرْعِيًّا لَا وَاجِبا بِالْعقلِ كَقَوْل الْمُعْتَزلَة، وَقيل: معنى الْحق الْمُسْتَحق الثَّابِت أَو الجدير، وَهُوَ كالواجب فِي تحَققه، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: حق الْعباد على الله هُوَ مَا وعدهم بِهِ من الثَّوَاب وَالْجَزَاء.
83 -
(بابُ التَّواضُعِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل التَّوَاضُع، وَهُوَ إِظْهَار التنزل عَن مرتبته. وَقيل: هُوَ تَعْظِيم من فَوْقه من أَرْبَاب الْفَضَائِل، وَفِي (رقائق) : ابْن الْمُبَارك عَن معَاذ بن جبل أَنه قَالَ: لن يبلغ ذرْوَة الْإِيمَان حَتَّى تكون الضعة أحب إِلَيْهِ من الشّرف، وَمَا قل من الدُّنْيَا أحب إِلَيْهِ مِمَّا كثر.
1056 -
حدّثنا مالِكُ بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا زُهَيْرٌ حدّثنا حُمَيْدٌ عنْ أَنسٍ رضي الله عنه: كَانَ لِ لنبيِّ صلى الله عليه وسلم ناقَةٌ.
قَالَ: وحدّثني مُحَمَّدٌ أخبرنَا الفَزارِيُّ وأبُو خالِدٍ الأحْمَرُ عنْ حُمَيْدٍ الطَّويلِ عنْ أنَس قَالَ: كانَتْ ناقَةٌ لِرَسُول الله صلى الله عليه وسلم تُسَمَّى العَضْباءَ، وكانَتْ لَا تُسْبَقُ فَجاءَ أعْرابِيٌّ عَلى قَعُودٍ لهُ فَسَبَقَها، فاشْتَدَّ ذالِكَ عَلى المُسْلِمِينَ، وقالُوا: سُبِقَتِ العَضْباءُ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:(إنَّ حَقًّا عَلى الله أنْ لَا يَرْفَعَ شَيْئاً مِنَ الدُّنْيا إلَاّ وَضَعَهُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِي طرق هَذَا الحَدِيث عِنْد النَّسَائِيّ بِلَفْظ: حق على الله أَن لَا يرفع شَيْء نَفسه فِي الدُّنْيَا إلَاّ وَضعه، فَفِيهِ إِشَارَة إِلَى ذمّ الترفع والحض على التَّوَاضُع، والإعلام بِأَن أُمُور الدُّنْيَا نَاقِصَة غير كَامِلَة.
وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن مَالك بن إِسْمَاعِيل بن زِيَاد أبي غَسَّان النَّهْدِيّ الْكُوفِي عَن زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن حميد الطَّوِيل بن أبي حميد عَن أنس بن مَالك. وَالْآخر: عَن مُحَمَّد بن سَلام، قَالَه الكلاباذي: عَن مَرْوَان بن مُعَاوِيَة الْفَزارِيّ بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الزَّاي وبالراء عَن أبي خَالِد الْأَحْمَر سُلَيْمَان بن حَيَّان بتَشْديد الْيَاء، آخر الْحُرُوف الْأَزْدِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب نَاقَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّهُ أخرجه بِالطَّرِيقِ الأول بِعَين إِسْنَاده وَمَتنه عَن مَالك بن إِسْمَاعِيل عَن زُهَيْر عَن حميد عَن مَالك
…
إِلَى آخِره.
قَوْله: (العضباء) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وبالمد النَّاقة المشقوقة الْأذن، وَلَكِن نَاقَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، لم تكن مشقوقة الْأذن لَكِن صَار هَذَا لقبالها. قَوْله:(لَا تسبق) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (على قعُود) بِفَتْح الْقَاف وَهُوَ الْبكر من الْإِبِل حِين يُمكن ظَهره للرُّكُوب وَأدنى ذَلِك سنتَانِ.
2056 -
حدّثني مُحَمَّدُ بنُ عُثْمانَ حدّثنا خالِدُ بنُ مَخْلَدٍ حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ بِلالٍ حَدثنِي شَرِيكُ بنُ عَبْدِ الله بن أبي نَمِرٍ عنْ عَطاءٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله قَالَ: مَنْ عاداى لِي وَليًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إليَّ عَبْدِي بِشْيءٍ أحَبَّ إليَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أحِبَّهُ، فَإِذا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الّذِي يُبْصِرُ بِهِ، ويدَهُ الّتي يَبْطُشُ بِها، وَرِجْلَهُ الّتي يَمْشِي بهَا، وإنْ سألَنِي لأعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي وَمَا تَرَدَّدْتُ عنْ شَيْءٍ أَنا فاعِلُهُ تَرَدّدِي عنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ يَكْرَهُ الموْتَ وَأَنا أكْرَهُ إساءَتَهُ لأعِيذَنَّهُ) .
قيل: لَا مُطَابقَة بَين هَذَا الحَدِيث والترجمة حَتَّى قَالَ الدَّاودِيّ: لَيْسَ هَذَا الحَدِيث من التَّوَاضُع فِي شَيْء. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : لَا أَدْرِي مَا مطابقته لَهَا لِأَنَّهُ لَا ذكر فِيهِ للتواضع وَلَا لما يقرب مِنْهُ، وَقيل: الْمُنَاسب إِدْخَاله فِي الْبَاب الَّذِي قبله، وَهُوَ: مجاهدة الْمَرْء نَفسه فِي طَاعَة الله، وَأَجَابُوا عَن ذَلِك، فَقَالَ الْكرْمَانِي: التَّقَرُّب بالنوافل لَا يكون إلَاّ بغاية التَّوَاضُع والتذلل للرب تَعَالَى.
قلت: قد سبقه بِهَذَا صَاحب (التَّلْوِيح) : فَإِنَّهُ قَالَ: التَّقَرُّب إِلَى الله بالنوافل حَتَّى يستحقوا الْمحبَّة من الله تَعَالَى لَا يكون إلَاّ بغاية التَّوَاضُع والتذلل للرب عز وجل، ثمَّ قَالَ: وَفِيه بعد، لِأَن النَّوَافِل إِنَّمَا يُزكي ثَوَابهَا عِنْد الله لمن حَافظ على فَرَائِضه، وَقيل: التَّرْجَمَة مستفادة مِمَّا قَالَ: كنت سَمعه، وَمن التَّرَدُّد، وَقَالَ بَعضهم: تستفاد التَّرْجَمَة من لَازم قَوْله: (من عادى لي
وليا) لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الزّجر عَن معاداة الْأَوْلِيَاء المستلزم لموالاتهم، وموالاة جَمِيع الْأَوْلِيَاء لَا تتأتى إلَاّ بغاية التَّوَاضُع، إِذْ فيهم الْأَشْعَث الأغبر الَّذِي لَا يؤبه لَهُ. انْتهى.
قلت: دلَالَة الإلتزام مهجورة، لِأَنَّهَا لَو كَانَت مُعْتَبرَة لزم أَن يكون للفظ الْوَاحِد مدلولات غير متناهية، وَيُقَال لهَذَا الْقَائِل: تُرِيدُ اللُّزُوم الْبَين أَو مُطلق اللُّزُوم؟ وأيّاماً كَانَ فدلالة الِالْتِزَام مهجورة، فَإِن أردْت اللُّزُوم الْبَين فَهُوَ يخْتَلف باخْتلَاف الْأَشْخَاص، فَلَا يكَاد ينصبط الْمَدْلُول، وَإِن أردْت مُطلق اللُّزُوم فاللوازم لَا تتناهى، فَيمْتَنع إِفَادَة اللَّفْظ إِيَّاهَا، فَلَا يَقع كَلَامه جَوَابا.
وَمُحَمّد بن عُثْمَان بن كَرَامَة بِفَتْح الْكَاف وَتَخْفِيف الرَّاء الْعجلِيّ بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة الْكُوفِي مَاتَ بِبَغْدَاد سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من صغَار شُيُوخ البُخَارِيّ، وَقد شَاركهُ فِي كثير من مشايخه. مِنْهُم: خَالِد بن مخلد شَيْخه فِي هَذَا الحَدِيث فقد أخرج عَنهُ البُخَارِيّ بِغَيْر وَاسِطَة أَيْضا فِي: بَاب الِاسْتِعَاذَة من الْجُبْن فِي كتاب الدَّعْوَات. وخَالِد بن مخلد بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام البَجلِيّ، وَيُقَال الْقَطوَانِي الْكُوفِي مَاتَ بِالْكُوفَةِ فِي محرم سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَسليمَان بن بِلَال أَبُو أَيُّوب الْقرشِي التَّيْمِيّ مَاتَ سنة سبع وَسبعين وَمِائَة، وَشريك بن عبد الله بن أبي نمر بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور الْقرشِي، وَيُقَال: اللَّيْثِيّ، مَاتَ سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَة. فَإِن قلت: خَالِد فِيهِ مقَال، فَعَن أَحْمد لَهُ مَنَاكِير، وَعَن أبي حَاتِم: لَا يحْتَج بِهِ. وَأخرج ابْن عدي عشرَة أَحَادِيث من حَدِيثه استنكرها مِنْهَا حَدِيث الْبَاب، وَشريك أَيْضا فِيهِ مقَال، وَهُوَ رَاوِي حَدِيث الْمِعْرَاج الَّذِي زَاد فِيهِ وَنقص وَقدم وَأخر وَتفرد بأَشْيَاء لم يُتَابع عَلَيْهَا.
قلت: أما خَالِد فَعَن ابْن معِين: مَا بِهِ بَأْس، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: صَدُوق وَلكنه تشيع وَهُوَ عِنْدِي، إِن شَاءَ الله، لَا بَأْس بِهِ. وَأما شريك فَعَن يحيى بن معِين وَالنَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس، وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد: كَانَ ثِقَة كثير الحَدِيث، وَعَطَاء هُوَ ابْن يسَار ضد الْيَمين وَوَقع فِي بعض النّسخ كَذَلِك، وَقيل: هُوَ ابْن أبي رَبَاح، وَالْأول أصح. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (إِن الله قَالَ) هَذَا من الْأَحَادِيث الإلهية الَّتِي تسمى: القدسية، وَقد مر الْكَلَام فِيهَا عَن قريب، وَقد وَقع فِي بعض طرقه: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، حدث بِهِ عَن جِبْرِيل عليه السلام، عَن الله عز وجل. قَوْله:(لي)، صفة لقَوْله: وليا، لكنه لما قدم صَار حَالا. قَوْله:(وليا)، الْوَلِيّ: هُوَ الْعَالم بِاللَّه المواظب على طَاعَته المخلص فِي عِبَادَته. فَإِن قلت: قَوْله: (عادى) من المعاداة وَهُوَ من بَاب المفاعلة الَّتِي تقع من الْجَانِبَيْنِ، وَمن شَأْن الْوَلِيّ الْحلم والاجتناب عَن المعاداة والصفح عَمَّن يجهل عَلَيْهِ.
قلت: أُجِيب بِأَن المعاداة لم تَنْحَصِر فِي الْخُصُومَة، والمعاداة الدُّنْيَوِيَّة مثلا، بل تقع عَن بغض ينشأ عَن التعصب: كالرافضي فِي بغضه لأبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، والمبتدع فِي بغضه للسني، فَتَقَع المعاداة من الْجَانِبَيْنِ، أما من جَانب الْوَلِيّ فللَّه، وَفِي الله وَأما من الْجَانِب الآخر فَظَاهر. انْتهى.
قلت: لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّكَلُّف، فَإِذا قُلْنَا: إِن فَاعل يَأْتِي بِمَعْنى فعل كَمَا فِي قَوْله عز وجل: {وسارعوا إِلَى مغْفرَة من ربكُم} (آل عمرَان: 331) بِمَعْنى: اسرعوا يحصل الْجَواب. قَوْله: (فقد آذنته) بِالْمدِّ وَفتح الْمُعْجَمَة بعد هانون أَي: أعلمته من الإيذان، وَهُوَ الْإِعْلَام. قَوْله:(بِالْحَرْبِ)، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بِحَرب، وَوَقع فِي حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا:(من عادى لي والياً فقد اسْتحلَّ محاربتي) وَفِي حَدِيث معَاذ: (فقد بارز الله بالمحاربة)، وَفِي حَدِيث أبي أُمَامَة وَأنس:(فقد بارزني) . فَإِن قيل: الْمُحَاربَة من الْجَانِبَيْنِ والمخلوق فِي أسر الْخَالِق؟ قيل لَهُ: أطلق الْحَرْب وَأَرَادَ لَازمه، أَي: أعمل بِهِ مَا يعمله الْعَدو الْمُحَارب. قَوْله: (أحب) بِالرَّفْع وَالنّصب، قَالَه الْكرْمَانِي.
قلت: وَجه الرّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هُوَ أحب، وَوجه النصب وَالْمرَاد بِهِ الْفَتْح صفة لقَوْله:(بِشَيْء) فَيكون مَفْتُوحًا فِي مَوضِع الْجَرّ وَيدخل فِي قَوْله: (مِمَّا افترضت عَلَيْهِ) جَمِيع الْفَرَائِض فَرَائض الْعين وفرائض الْكِفَايَة. قَوْله: (وَمَا يزَال) كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: وَمَا زَالَ، بِصِيغَة الْمَاضِي. قَوْله:(يتَقرَّب إِلَيّ) ، بتَشْديد الْيَاء، وَفِي حَدِيث أبي أُمَامَة: يتحبب، والتقرب طلب الْقرب، وَقَالَ الْقشيرِي: قرب العَبْد من ربه يَقع أَولا بإيمانه ثمَّ بإحسانه، وَقرب الرب من عَبده مَا يَخُصُّهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا من عرفانه، وَفِي الْآخِرَة من رضوانه، وَفِيمَا بَين ذَلِك من وُجُوه لطفه وامتنانه، وَلَا يتم قرب العَبْد من الْحق إلَاّ ببعده من الْخلق. قَالَ: وَقرب الرب بِالْعلمِ وَالْقُدْرَة عَام للنَّاس، وباللطف والنصرة خَاص بالخواص، وبالتأنيس خَاص بالأولياء. قَوْله:(بالنوافل)، المُرَاد بهَا: مَا كَانَت حاوية للفرائض مُشْتَمِلَة عَلَيْهَا ومكملة لَهَا، وَلَيْسَ المُرَاد كَون النَّوَافِل مُطلقًا. قَوْله:(أحبه) هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: حَتَّى أحببته. قَوْله: (كنت