الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِذا طَلَعَتْ فَرَآها النَّاسُ آمَنُوا أجْمَعُونَ فَذالِكَ حِينَ {لَا ينفع نفسا إيمَانهَا لم تكن آمَنت من قبل أَو كسبت فِي إيمَانهَا خيرا} (الْأَنْعَام: 851) وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وقَدْ نَشَرَ الرَّجُلانِ ثَوْبَهُما بَيْنَهُما فَلا يَتَبايَعانِهِ وَلَا يَطْوِيانِهِ، ولَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وقَدِ انْصَرَفَ الرَّجلُ بِلَبَنِ لِقْحْتِهِ فَلا يَطْعَمُهُ، ولَتَقْومَنَّ السَّاعَةُ وهْو يَلِيطُ حَوْضَهُ فَلا يَسْقِي فِيهِ، ولَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وقَدْ رَفَعَ أحَدُكُمْ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا يَطْعَمُها.
مطابقته للتَّرْجَمَة على رِوَايَة الْكشميهني ظَاهِرَة، وعَلى رِوَايَة غَيره هُوَ دَاخل فِيمَا قبله.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب هُوَ ابْن أبي حَمْزَة، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن هُرْمُز الْأَعْرَج.
والْحَدِيث مُخْتَصر من حَدِيث سَيَأْتِي فِي أَوَاخِر كتاب الْفِتَن بِهَذَا الْإِسْنَاد بِتَمَامِهِ وأوله: (لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تقتتل فئتان عظيمتان) . وَذكر فِيهِ نَحْو عشرَة أَشْيَاء من هَذَا الْجِنْس، ثمَّ ذكر مَا فِي هَذَا الْبَاب مُقْتَصرا على مَا يتَعَلَّق بِطُلُوع الشَّمْس.
قَوْله: (من مغْرِبهَا) قَالَ الْكرْمَانِي: أهل الْهَيْئَة بينوا أَن الفلكيات بسيطة لَا تخْتَلف مقتضياتها وَلَا يتَطَرَّق إِلَيْهَا خلاف مَا هِيَ عَلَيْهِ، ثمَّ أجَاب بقوله: قواعدهم منقوضة ومقدماتهم مَمْنُوعَة. وَلَئِن سلمنَا صِحَّتهَا فَلَا امْتنَاع فِي انطباق منْطقَة البروج على معدل النَّهَار بِحَيْثُ يصير الْمشرق مغرباً وَبِالْعَكْسِ. قَوْله: (آمنُوا أَجْمَعُونَ) وَفِي رِوَايَة أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة فِي التَّفْسِير. (فَإِذا رَآهَا النَّاس آمن من عَلَيْهَا) أَي: من على الأَرْض من النَّاس. قَوْله: (فَذَلِك) هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني. وَفِي رِوَايَة غَيره: (فَذَاك) وَوَقع فِي رِوَايَة التَّفْسِير: وَذَلِكَ، بِالْوَاو وَيَعْنِي: عِنْد طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا لَا ينفع نفسا، إيمَانهَا. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: معنى الْآيَة: لَا ينفع كَافِرًا لم يكن آمن قبل الطُّلُوع إِيمَان بعد الطُّلُوع، لِأَن حكم الْإِيمَان وَالْعَمَل الصَّالح حينئذٍ حكم من آمن أَو عمل عِنْد الغرغرة، وَذَلِكَ لَا يُفِيد شَيْئا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى:{فَلم يَك يَنْفَعهُمْ إِيمَانهم لما رَأَوْا بأسنا} (غَافِر: 58) وكما ثَبت فِي الحَدِيث الصَّحِيح: (تقبل تَوْبَة العَبْد مَا لم يبلغ الغرغرة) وَقَالَ ابْن عَطِيَّة: فِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَن المُرَاد بِالْبَعْضِ فِي قَوْله تَعَالَى: {يَوْم يَأْتِي بعض آيَات رَبك} (الْأَنْعَام: 851) طُلُوع الشَّمْس من الْمغرب وَإِلَى ذَلِك ذهب الْجُمْهُور، وَاعْلَم أَن الشَّمْس تجْرِي بقدرة الله تَعَالَى وتغرب فِي عين حمثة ثمَّ تبلغ الْعرض فتسجد ثمَّ تستأذن فَيُؤذن لَهَا فتعود إِلَى المطلع، فَإِذا كَانَت تِلْكَ اللَّيْلَة لم يُؤذن لَهَا إِلَى مَا شَاءَ الله. ثمَّ يُؤذن لَهَا وَقد مضى وَقت طُلُوعهَا فتسير سيراً فتعلم أَنَّهَا لَا تبلغ إِلَى المطلع فِي بَاقِي لَيْلَتهَا فتعود إِلَى مغْرِبهَا فَتَطلع مِنْهُ، فَمن كَانَ قبل كَافِرًا لم يَنْفَعهُ، إيمَانه وَمن كَانَ مُؤمنا مذنباً لم تَنْفَعهُ تَوْبَته. وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث صَفْوَان بن غَسَّان قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، يَقُول:(إِن بالمغرب بَابا مَفْتُوحًا للتَّوْبَة مسيرَة سبعين سنة لَا يغلق حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا) . وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح. قَوْله: (وَقد نشر الرّجلَانِ) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (بِلَبن لقحته) بِكَسْر اللَّام وَهِي: النَّاقة الحلوب. قَوْله: (يليط حَوْضه) من لَاطَ حَوْضه وألاطه إِذا أصلحه وطينه. قَوْله: (أَكلته) أَي: لقمته وَهِي بِالضَّمِّ، وَأما بِالْفَتْح فَهِيَ الْمرة الْوَاحِدَة، هَذَا كُله إِخْبَار عَن السَّاعَة أَنَّهَا تَأتي فَجْأَة وأسرع من دفع اللُّقْمَة إِلَى الْفَم.
14 -
(بابٌ مَنْ أحَبَّ لِقَاءَ الله أحَبَّ الله لِقاءَهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم: (من أحب) الخ هَذَا جُزْء من الحَدِيث الأول فِي الْبَاب، وَقَالَ الْخطابِيّ: محبَّة اللِّقَاء إِيثَار العَبْد الْآخِرَة على الدُّنْيَا، فَلَا يحب طول الْقيام فِيهَا لَكِن يستعد للارتحال عَنْهَا، وكراهته ضد ذَلِك، ومحبة الله لِقَاء عَبده إِرَادَة الْخَيْر لَهُ وهدايته إِلَيْهِ، وكراهته ضد ذَلِك.
7056 -
حدّثنا حَجَّاجٌ حَدثنَا هَمَّامٌ حَدثنَا قَتادَةُ عنْ أنَسٍ عنْ عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ أحَبَّ لِقاءَ الله أحَبَّ الله لِقاءَهُ ومَنْ كَرِهَ لِقاءَ الله كَرِهَ الله لِقاءَهُ) قالَتْ عائِشَةُ أوْ بَعْضُ أزْواجِهِ: إِنَّا لَنَكْرَهُ المَوْتَ قَالَ: (لَيْسَ ذاكِ ولاكِنَّ المُؤْمِنَ إِذا حَضَرَهُ المَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ الله وكَرامَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا أمامَهُ، فأحَبَّ لِقاءَ الله وأحَبَّ الله لِقاءَهُ، وإنَّ
الكافِرَ إِذا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ الله وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أكْرَهَ إلَيْهِ مِمَّا أمامَهُ، كَرِهَ لِقاءَ الله وكَرِهَ الله لِقَاءَهُ) .
قد ذكرنَا أَن التَّرْجَمَة جُزْء الحَدِيث فَلَا مُطَابقَة أوضح من هَذَا.
وحجاج هُوَ ابْن الْمنْهَال الْبَصْرِيّ، وَهُوَ من كبار شُيُوخ البُخَارِيّ مَاتَ سنة سبع عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى، وَفِيه رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات عَن هدبة بن خَالِد وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن مَحْمُود بن غيلَان وَفِي الْجَنَائِز عَن أبي الْأَشْعَث أَحْمد بن الْمُقدم. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن أبي الْأَشْعَث.
قَوْله: (من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه) قَالَ الْكرْمَانِي: لَيْسَ الشَّرْط سَببا للجزاء بل الْأَمر بِالْعَكْسِ، ثمَّ قَالَ: مثله يؤول بالأخبار أَي: من أحب لِقَاء الله أخبرهُ الله بِأَن الله أحب لقاءه، وَكَذَلِكَ الْكَرَاهَة. انْتهى.
وَقيل: من، خبرية وَلَيْسَت بشرطية، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ: أَن سَبَب حب الله لِقَاء العَبْد حب لِقَائِه وَلَا الْكَرَاهَة، وَلكنه صفة حَال الطَّائِفَتَيْنِ فِي أنفسهم وَعند رَبهم، وَالتَّقْدِير: من أحب لِقَاء الله فَهُوَ الَّذِي أحب الله لقاءه، وَكَذَا الْكَرَاهَة. انْتهى.
قلت: حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي يَأْتِي فِي التَّوْحِيد مَرْفُوع، قَالَ الله تَعَالَى:(إِذا أحب عَبدِي لقائي أَحْبَبْت لقاءه) يدل على أَن: من، شَرْطِيَّة فَلَا وَجه لنفيها. وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْكَرَاهَة الْمُعْتَبرَة هِيَ الَّتِي تكون، عِنْد النزع فِي حَالَة لَا تقبل التَّوْبَة، فحينئذٍ يكْشف لكل إِنْسَان مَا هُوَ صائر إِلَيْهِ، فَأهل السَّعَادَة يحبونَ الْمَوْت ولقاء الله لينتقلوا إِلَى مَا أعد الله لَهُم. وَيُحب الله لقاءهم ليجزل لَهُم الْعَطاء والكرامة، وَأهل الشقاوة يكرهونه لما علمُوا من سوء مَا ينتقلون إِلَيْهِ وَيكرهُ الله لقاءهم أَي: يبعدهم عَن رَحمته وَلَا يُرِيد لَهُم الْخَيْر وَقَالَ الْخطابِيّ: اللِّقَاء على وُجُوه. مِنْهَا: الرُّؤْيَة وَمِنْهَا: الْبَعْث كَقَوْلِه تَعَالَى: {قد خسر الَّذين كذبُوا بلقاء الله} (الْأَنْعَام: 13 وَيُونُس: 54) أَي: بِالْبَعْثِ: وَمِنْهَا: الْمَوْت كَقَوْلِه: من كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله فَإِن أجل الله لآت، وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي (النِّهَايَة) : المُرَاد بلقاء الله هُنَا الْمصير إِلَى الدَّار الْآخِرَة وَطلب مَا عِنْد الله، وَلَيْسَ الْغَرَض بِهِ الْمَوْت، لِأَن كلا يكرههُ، فَمن ترك الدُّنْيَا وأبغضها أحب لِقَاء الله، وَمن آثرها وركن إِلَيْهَا كره لِقَاء الله لِأَنَّهُ إِنَّمَا يصل إِلَيْهِ بِالْمَوْتِ. قَوْله:(أَو بعض أَزوَاجه) كَذَا فِي هَذِه الرِّوَايَة بِالشَّكِّ، وَجزم سعيد بن هِشَام فِي رِوَايَته عَن عَائِشَة بِأَنَّهَا هِيَ قَالَت ذَلِك وَلم يتَرَدَّد فِيهِ.
قلت: روى مُسلم هَذَا الحَدِيث عَن هداب ابْن خَالِد عَن همام مُقْتَصرا على أصل الحَدِيث وَلم يذكر فِي هَذِه الرِّوَايَة هَذِه الزِّيَادَة أعنى قَوْله: (قَالَت عَائِشَة أَو بعض أَزوَاجه) إِلَى آخِره، ثمَّ أخرجه من رِوَايَة سعيد بن أبي عرُوبَة مَوْصُولا فَكَأَن مُسلما حذف الزِّيَادَة عمدا لكَونهَا مُرْسلَة من هَذَا الْوَجْه، وَاكْتفى بإيرادها مَوْصُولَة من طَرِيق سعيد بن أبي عرُوبَة، وَقد أَشَارَ البُخَارِيّ إِلَى ذَلِك حَيْثُ علق رِوَايَة شُعْبَة بقوله: اخْتَصَرَهُ
…
إِلَى آخِره على مَا يَأْتِي، وَكَذَا أَشَارَ إِلَى رِوَايَة سعيد بن أبي عرُوبَة تَعْلِيقا، وَهَذَا من الْعِلَل الْخفية جدا. فَإِن قلت: هَذِه الزِّيَادَة لَا تظهر صَرِيحًا: هَل هِيَ من كَلَام عبَادَة على معنى أَنه سمع الحَدِيث من النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَسمع مُرَاجعَة عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَو من كَلَام أنس على معنى أَنه حضر ذَلِك، أَو من كَلَام قَتَادَة أرْسلهُ فِي رِوَايَة همام وَوَصله فِي رِوَايَة سعيد بن أبي عرُوبَة، فَيكون فِي رِوَايَة همام إدراج.
قلت: هَذِه الِاحْتِمَالَات لَا ترد، فَلذَلِك قَالَ البُخَارِيّ عقيب الحَدِيث الْمَذْكُور: اخْتَصَرَهُ أَبُو دَاوُد
…
إِلَى آخِره، وَهَذَا من صَنِيعه العجيب. قَوْله:(مِمَّا أَمَامه) بِفَتْح الْهمزَة أَي: مِمَّا قدامه من اسْتِقْبَال الْمَوْت، وَقَالَ الْكرْمَانِي: مِمَّا أَمَامه متناول للْمَوْت أَيْضا ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: قد نَفَاهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خُصُوصا وأثبته عُمُوما فَمَا وَجهه؟ .
قلت: نفى الْكَرَاهَة الَّتِي هِيَ حَال الصِّحَّة وَقبل الِاطِّلَاع على حَاله، وَأثبت الَّتِي هِيَ فِي حَال النزع وَبعد الإطلاع على حَاله، فَلَا مُنَافَاة. قَوْله:(حضر) على صِيغَة الْمَجْهُول وَكَذَلِكَ قَوْله: (بشر)، قَوْله:(كره لِقَاء الله) ويروى: فكره، بِالْفَاءِ.
اخْتَصَرَهُ أبُو دَاوُدَ وعَمْرٌ وعنْ شُعْبَةَ
وَقَالَ سَعِيدٌ: عنْ قَتادَةَ عنْ زُرارَةَ عنْ سَعْدٍ عنْ عائِشَةَ عَن النبيِّ صلى الله عليه وسلم
أَي: اختصر الحَدِيث الْمَذْكُور أَبُو دَاوُد سُلَيْمَان الطَّيَالِسِيّ، وَعَمْرو بن مَرْزُوق الْبَاهِلِيّ، فرواية أبي دَاوُد أخرجهَا التِّرْمِذِيّ عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن أبي دَاوُد بِلَفْظ أبي مُوسَى الَّذِي يَأْتِي هُنَا من غير زِيَادَة لَا نُقْصَان، وَرِوَايَة عَمْرو بن مَرْزُوق أخرجهَا