الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
17 -
(بابُ المَوْعِظَةِ ساعَةً بَعْدَ ساعَةٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن الموعظة يَنْبَغِي أَن تكون سَاعَة بعد سَاعَة لِأَن الِاسْتِمْرَار عَلَيْهَا يُورث الْملَل وَهُوَ معنى قَوْله: كَانَ يَتَخَوَّلنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الْأَيَّام كَرَاهِيَة السَّآمَة علينا، وَالْمَوْعِظَة اسْم من لوعظ وَهُوَ النصح والتذكير بالعواقب، تَقول وعظته وعظاً وعظةً فاتعظ، أَي: قبل الموعظة. فَإِن قلت: مَا وَجه ذكر هَذَا الْبَاب فِي الدَّعْوَات؟ .
قلت: لِأَن المواعظ يخالطها غَالِبا التَّذْكِير بِاللَّه وَالذكر من جملَة الدُّعَاء كَمَا سبق فِيمَا مضى.
1146 -
حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حدّثنا أبي حدّثنا الأعْمَشُ قَالَ: حدّثني شَقيقٌ قَالَ: كُنَّا نَنْتَظِرُ عَبْدَ الله إذْ جاءَ يَزِيدُ بنُ مُعاوِيَةَ فَقُلْنا: أَلا تَجْلِسُ؟ قَالَ: لَا! ولاكِنْ أدْخُلُ فأخْرِجُ إلَيْكُمْ صاحِبَكُمْ وَإِلَّا جِئْتُ أَنا فَجَلَسْتُ، فَخَرَجَ عَبْدُ الله وهْوَ آخِذٌ بِيَدِهِ، فقامَ عَليْنا فَقَالَ: أما إنِّي أخْبرُ بِمَكانِكُمْ ولاكنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنَ الخُرُوجِ إلَيْكُمْ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَخَوَّلُنا بالمَوْعِظَةِ فِي الأيَّامِ كَراهِيَةَ السَّآمَةِ عَليْنا.
طابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (كَانَ يَتَخَوَّلنَا)
إِلَى آخِره. وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن شَقِيق بن سَلمَة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، يتخولهم بِالْمَوْعِظَةِ وَالْعلم كَيْلا ينفروا، وَمضى أَيْضا فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ.
قَوْله: (كُنَّا نَنْتَظِر عبد الله) يَعْنِي: ابْن مَسْعُود، وَفِي رِوَايَة مُسلم: كُنَّا جُلُوسًا عِنْد بَاب عبد الله ننتظره فَمر بِنَا يزِيد بن مُعَاوِيَة. قَوْله: (إِذْ جَاءَ) كلمة: إِذْ للمفاجأة. وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن مُعَاوِيَة النَّخعِيّ الْكُوفِي التَّابِعِيّ الثِّقَة العابد. قتل غازياً بِفَارِس كَانَ فِي خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ ذكر إِلَّا فِي هَذَا الْموضع. قَوْله:(أَلا تجْلِس؟) كلمة: أَلا، للعرض والتنبيه وَالْخطاب ليزِيد. قَوْله:(أَدخل) بِلَفْظ الْمُتَكَلّم من الْمُضَارع أَي: أَدخل دَار عبد الله. قَوْله: (فَأخْرج) بِضَم الْهمزَة من الْإِخْرَاج. قَوْله: (صَاحبكُم) يَعْنِي: ابْن مَسْعُود. قَوْله: (وإلَاّ)، أَي: وَإِن لم أخرجه جِئْت فَجَلَست عنْدكُمْ. قَوْله: (وَهُوَ آخذ) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (أما إِنِّي) كلمة: أما، بِالتَّخْفِيفِ، وَإِنِّي، بِكَسْر الْهمزَة. قَوْله:(أخبر) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (بمكانكم) أَي: بكونكم، هَذَا جَوَاب ابْن مَسْعُود لَهُم فِي قَوْلهم: وَدِدْنَا أَنَّك لَو ذكرتنا كل يَوْم وَكَانَ يذكرهم كل خَمِيس. قَوْله: (يَتَخَوَّلنَا)، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: يتعهدنا وَكَانَ الْأَصْمَعِي يَقُول: يتخوننا بالنُّون بِمَعْنى يتعهدنا. قَوْله: (كَرَاهِيَة السَّآمَة) أَي: لأجل كَرَاهَة الملالة، وَكَانَ ذَلِك رفقا من النَّبِي صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابه، فَيجب أَن يقْتَدى بِهِ لِأَن التّكْرَار يسْقط النشاط، ويمل الْقلب وينفره.
18 -
(كتاب الرَّقاق)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان الرقَاق، وَهُوَ جمع رَقِيق من الرقة، قَالَ ابْن سَيّده: الرقة الرَّحْمَة، ورققت لَهُ أرق، ورق وَجهه اسْتَحى، وَيُقَال: الرقة ضد الغلظة، يُقَال: رق يرق رقا فَهُوَ رَقِيق ورقاق، وَفِي (التَّوْضِيح) : كتاب الرقَاق، كَذَا فِي الْأُصُول، وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : عبر جمَاعَة من الْعلمَاء فِي كتبهمْ الرَّقَائِق، وَكَذَا، فِي نُسْخَة مُعْتَمدَة من رِوَايَة النَّسَفِيّ عَن البُخَارِيّ، وَهُوَ جمع رَقِيقه وَالْمعْنَى وَاحِد، وَفِي بعض النّسخ: مَا جَاءَ فِي الرقَاق، وَسميت أَحَادِيث الْبَاب بذلك لِأَن فِي كل مِنْهَا مَا يحدث فِي الْقلب رقّه.
1 -
(بابُ مَا جاءَ فِي الصِّحَّةِ والفَراغِ وأنْ: لَا عَيشَ إِلَّا عَيْشُ الآخِرَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ. . الخ، كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن السَّرخسِيّ، وَفِي رِوَايَته عَن الْمُسْتَمْلِي والكشميهني سقط لفظ: الصِّحَّة والفراغ، وَكَذَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة عَن الْكشميهني: مَا جَاءَ فِي الرقَاق، وَأَن لَا عَيْش إلَاّ عَيْش الْآخِرَة. وَفِي (شرح
ابْن بطال) : بَاب لَا عَيْش إِلَّا عَيْش الْآخِرَة، كَرِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي، وَهَذِه التَّرْجَمَة مَذْكُورَة فِي حديثين من أَحَادِيث الْبَاب على مَا يَجِيء إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
2146 -
حدّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ أخبرنَا عَبْدُ الله بنُ سَعِيدٍ هُوَ ابنُ أبي هِنْدٍ عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عبَّاس رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَتَان مَغْبُونٌ فِيهما كَثيرٌ مِنَ النَّاس: الصِّحَّةُ والفَرَاغُ) .
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والمكي كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِالْألف وَاللَّام وَهُوَ اسْم بِلَفْظ النِّسْبَة وَهُوَ من مَشَايِخ البُخَارِيّ الْكِبَار، وَقد روى أَحْمد هَذَا الحَدِيث عَنهُ بِعَيْنِه، وَعبد الله بن سعيد من صغَار التَّابِعين لِأَنَّهُ لَقِي بعض صغَار الصَّحَابَة وَهُوَ أَبُو أُمَامَة بن سهل وَهُوَ يروي عَن أَبِيه سعيد بن أبي هِنْد الْفَزارِيّ مولى سَمُرَة بن جُنْدُب، وأوضح هَذَا يحيى الْقطَّان فِي رِوَايَته حَيْثُ قَالَ: عَن عبد الله بن سعيد حَدثنِي أبي أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ. وَالضَّمِير فِي قَوْله: (هُوَ ابْن أبي هِنْد) يرجع إِلَى سعيد لَا لعبد الله وَهُوَ من تَفْسِير البُخَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن صَالح بن عبد الله وسُويد بن نصر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرقَاق عَن سُوَيْد بن نصر عَن ابْن الْمُبَارك. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن عَبَّاس بن عبد الْعَظِيم، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَرَوَاهُ غير وَاحِد عَن عبد الله بن سعيد ورفعوه. وَوَقفه بَعضهم.
قَوْله: (نعمتان) تَثْنِيَة نعْمَة وَهِي الْحَالة الْحَسَنَة وَبِنَاء النِّعْمَة الَّتِي يكون عَلَيْهَا الْإِنْسَان كالجلسة، وَقَالَ الإِمَام فَخر الدّين: النِّعْمَة عبارَة عَن الْمَنْفَعَة المفعولة على جِهَة الْإِحْسَان إِلَى الْغَيْر. قَوْله: (مغبون) إِمَّا مُشْتَقّ من الْغبن بِسُكُون الْبَاء وَهُوَ النَّقْص فِي البيع، وَإِمَّا من الْغبن بِفَتْح الْبَاء وَهُوَ النَّقْص فِي الرَّأْي، فَكَأَنَّهُ قَالَ: هَذَانِ الْأَمْرَانِ إِذا لم يستعملا فِيمَا يَنْبَغِي فقد غبن صَاحبهمَا فيهمَا، أَي: باعهما ببخس لَا تحمد عاقبته، أَو: لَيْسَ لَهُ فِي ذَلِك رَأْي أَلْبَتَّة فَإِن الْإِنْسَان إِذْ لم يعْمل الطَّاعَة فِي زمن صِحَّته فَفِي زمن الْمَرَض بِالطَّرِيقِ الأولى، وعَلى ذَلِك حكم الْفَرَاغ أَيْضا فَيبقى بِلَا عمل خاسراً مغبوناً، هَذَا وَقد يكون الْإِنْسَان صَحِيحا وَلَا يكون متفرغاً لِلْعِبَادَةِ لاشتغاله بِأَسْبَاب المعاش وَبِالْعَكْسِ فَإِذا اجْتمعَا فِي العَبْد وَقصر فِي نيل الْفَضَائِل فَذَلِك هُوَ الْغبن لَهُ كل الْغبن، وَكَيف لَا وَالدُّنْيَا هِيَ سوق الأرباح وتجارات الْآخِرَة؟ قَوْله:(كثير) مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره هُوَ قَوْله: (مغبون) مقدما وَالْجُمْلَة خبر قَوْله: (نعمتان) قَوْله: (الصِّحَّة) أَي إِحْدَى النعمتين: الصِّحَّة فِي الْأَبدَان. قَوْله: (والفراغ) أَي: الْأُخْرَى مِنْهُمَا الْفَرَاغ، وَهُوَ عدم مَا يشْغلهُ من الْأُمُور الدُّنْيَوِيَّة.
قَالَ عَباسٌ العَنْبَرِيُّ: حَدثنَا صَفْوَانُ بنُ عِيسَى عنْ عبْدِ الله بنِ سَعِيدِ بنِ أبي هِنْدٍ عنْ أبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عبَّاسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم
…
مِثْلَهُ.
هَذَا تَعْلِيق أوردهُ البُخَارِيّ عَن عَبَّاس بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عبد الْعَظِيم الْعَنْبَري أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ عَن صَفْوَان بن عِيسَى الزُّهْرِيّ عَن عبد الله بن سعيد الْمَذْكُور فِي السَّنَد السَّابِق عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن عَبَّاس الْعَنْبَري الْمَذْكُور.
4146 -
حدّثني أحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ حَدثنَا الفُضَيْلُ بنُ سُلَيْمانَ حَدثنَا أبُو حازِمِ حَدثنَا سَهْلُ بنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ: كُنَّا مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي الخَنْدَقِ، وهْوَ يَحْفِر ونَحْن نَنْقُلُ التُّرَابَ،