الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زَالَ نورها وخلفته ظلمَة كالوكت، وَإِذا زَالَ شَيْء آخر مِنْهُ صَار كالمجل وَهُوَ أثر حكم لَا يكَاد يَزُول إلَاّ بعد مُدَّة، ثمَّ شبه زَوَال ذَلِك النُّور بعد ثُبُوته فِي الْقلب وَخُرُوجه مِنْهُ واعتقابه إِيَّاه بجمر تدحرجه على رجلك حَتَّى يُؤثر فِيهَا، ثمَّ يَزُول الْجَمْر وَيبقى التنفط. قَوْله:(يتبايعون) أَي: من البيع وَالشِّرَاء. قَوْله: (فَلَا يكَاد أحد) كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فَلَا يكَاد أحدهم. قَوْله: (أَتَى عَليّ) بتَشْديد الْيَاء قَوْله: (وَمَا أُبَالِي أَيّكُم بَايَعت) وَقَالَ ابْن التِّين: تَأَوَّلَه بعض النَّاس على بيعَة الْخلَافَة، وَهُوَ خطأ، فَكيف يكون ذَلِك وَهُوَ يَقُول: لَئِن كَانَ نَصْرَانِيّا
…
إِلَى آخِره؟ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور وَهُوَ الصَّحِيح أَنه أَرَادَ بِهِ البيع وَالشِّرَاء المعروفين، يَعْنِي: كنت أعلم أَن الْأَمَانَة فِي النَّاس: فَكنت أقدم على مُعَاملَة من أَثِق غير باحث عَن حَاله وثوقاً بأمانته، فَإِنَّهُ إِن كَانَ مُسلما فدينه يمنعهُ من الْخِيَانَة ويحمله على أَدَاء الْأَمَانَة. وَإِن كَانَ كَافِرًا فساعيه، وَهُوَ الْوَالِي الَّذِي يسْعَى لَهُ. أَي الْوَالِي عَلَيْهِ يقوم بالأمانة فِي ولَايَته فينصفني ويستخرج حَقي مِنْهُ، وكل من ولى شَيْئا على قوم فَهُوَ ساعيهم مثل سعاة الزَّكَاة، وَأما الْيَوْم فقد ذهبت الْأَمَانَة فلست أَثِق الْيَوْم بِأحد أأتمنه على بيع أَو شِرَاء إلَاّ فلَانا وَفُلَانًا يَعْنِي أَفْرَاد من النَّاس قَلَائِل أعرفهم وأثق بهم. قَوْله:(رده عَليّ الْإِسْلَام) وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: بِالْإِسْلَامِ. قَوْله: (وَإِن كَانَ نَصْرَانِيّا) ذكر النَّصْرَانِي على سَبِيل التَّمْثِيل، وإلَاّ فاليهودي أَيْضا، كَذَلِك صرح فِي (صَحِيح مُسلم) بهما.
8946 -
حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَن الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي سالِمُ بنُ عَبْدِ الله أنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: سمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إنَّما النَّاسُ كالإبِلِ المِائَةُ لَا تَكادُ تَجِدُ فِيها راحِلَةً) .
مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن توجه من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أخبر فِي هَذَا الحَدِيث بِأَن النَّاس كَثِيرُونَ والمرضي فيهم قَلِيل بِمَنْزِلَة الرَّاحِلَة فِي الْإِبِل الْمِائَة، وَغير المرضي هم الَّذين ضيعوا الْفَرَائِض الَّتِي عَلَيْهِم، وَقد ذكرنَا أَن ابْن عَبَّاس فسر الْأَمَانَة بالفرائض، فَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة تحصل الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع.
والْحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد من أَفْرَاده، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق معمر عَن الزُّهْرِيّ: تَجِدُونَ النَّاس كإبل مائَة لَا يجد الرجل فِيهَا رَاحِلَة.
وَاخْتلفُوا فِي معنى هَذَا الحَدِيث فَقيل: إِنَّمَا يُرَاد بِهِ الْقُرُون المذمومة فِي آخر الزَّمَان، وَلذَلِك ذكره البُخَارِيّ هُنَا وَلم يرد بِهِ صلى الله عليه وسلم، زمن أَصْحَابه، وتابعيهم لِأَنَّهُ قد شهد لَهُم بِالْفَضْلِ، فَقَالَ: خير الْقُرُون
…
الحَدِيث، وَنقل الْكرْمَانِي هَذَا فِي (شَرحه) بقوله: وَقَالَ بَعضهم: المُرَاد بِهِ الْقُرُون المذمومة
…
إِلَى آخر مَا ذَكرْنَاهُ، وَقَالَ بَعضهم: نقل الْكرْمَانِي هَذَا عَن مغلطاي ظنا مِنْهُ أَنه كَلَامه لكَونه لم يعزه.
قلت: لم يقل الْكرْمَانِي إلَاّ: قَالَ بَعضهم، وَلم يذكر لفظ مغلطاي أصلا، فَلَا يحْتَاج إِلَى ذكره بِمَا فِيهِ من سوء الْأَدَب وَنسبَة الظَّن إِلَيْهِ وَبَعض الظَّن إِثْم، وَقيل: يحْتَمل أَن يُرِيد كل النَّاس فَلَا يكون مُؤمن إلَاّ فِي مائَة أَو أَكثر، وَقيل: إِن النَّاس فِي أَحْكَام الدّين سَوَاء لَا فضل فِيهَا لشريف على مشروف وَلَا لرفيع على وضيع، كَالْإِبِلِ الْمِائَة الَّتِي لَا تكون فِيهَا رَاحِلَة، وَقيل: إِن أَكثر النَّاس أهل نقص وَأهل الْفضل عَددهمْ قَلِيل بِمَنْزِلَة الرَّاحِلَة فِي الْإِبِل الحمولة. قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَكِن ثر النَّاس لَا يعلمُونَ} (الْأَعْرَاف: 781 وَغَيرهَا) وَقَوله: {وَلَكِن أَكْثَرهم يجهلون} (الْأَنْعَام: 111) وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الَّذِي يُنَاسب التَّمْثِيل أَن الرجل الجوادالذي يتَحَمَّل أثقال النَّاس والحمالات عَنْهُم ويكشف كربهم عَزِيز الْوُجُود كالراحلة فِي الْإِبِل الْكَثِيرَة.
قلت: الْأَنْسَب من كل الْأَقْوَال هُوَ القَوْل الَّذِي ذَكرْنَاهُ أَولا، وَفِيه أَيْضا مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة كَمَا ذَكرْنَاهُ.
قَوْله: (كَالْإِبِلِ الْمِائَة) وصف لفظ الْإِبِل الَّذِي هُوَ مُفْرد بقوله: الْمِائَة، لِأَن الْعَرَب يَقُول للمائة من الْإِبِل، وَيُقَال لفُلَان إبل أَي: مائَة من الْإِبِل وإبلان إِذا كَانَ لَهُ مِائَتَان. قَوْله: (رَاحِلَة) هِيَ النجيبة المختارة الْكَامِلَة الْأَوْصَاف الْحَسَنَة المنظر، وَقيل: الرَّاحِلَة الْجمل النجيب، وَالْهَاء للْمُبَالَغَة.
63 -
(بابُ الرِّياءِ والسُّمْعَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذمّ الرِّيَاء، بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالمد هُوَ إِظْهَار الْعِبَادَة لقصد رُؤْيَة النَّاس لَهَا
فيحمدوا صَاحبهَا، والسمعة بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم قَالَ بَعضهم: هِيَ مُشْتَقَّة من السماع.
قلت: السمعة اسْم، وَالسَّمَاع مصدر، وَالِاسْم لَا يشتق من الْمصدر، وَمعنى: السمعة، التنويه بِالْعَمَلِ وتشهيره ليراه النَّاس ويسمعوا بِهِ، وَالْفرق بَينهمَا أَن الرِّيَاء يتَعَلَّق بحاسة الْبَصَر، والسمعة بحاسة السّمع.
9446 -
حدّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا يَحْيَى اعنْ سفْيانَ حدّثني سَلَمةُ بنُ كُهَيْلٍ.
(ح) وحدّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدّثنا سفْيانُ عنْ سَلَمَة قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَباً يَقُولُ: قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولَمْ أسْمَعْ أحَداً يَقُولُ: قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَهُ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ الله بِهِ، ومَنْ يُرائِي يُرائِي الله بِهِ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ فِي الطَّرِيقَيْنِ، وَأَبُو نعيم هُوَ الْفضل بن دُكَيْن، وجندب بِضَم الْجِيم وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وَضمّهَا ابْن عبد الله البَجلِيّ بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْجِيم المفتوحتين وَهُوَ من صغَار الصَّحَابَة.
وَأخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين، والسند الثَّانِي أَعلَى من الأول.
وَرِجَاله كوفيون وَلم يكتف بِهِ مَعَ علوه لِأَن فِي الرِّوَايَة الأولى مَا لَيْسَ فِي الثَّانِيَة وَهُوَ جلالة الْقطَّان، وتصريح سُفْيَان بِالتَّحْدِيثِ عَن سَلمَة وَلَفظ (ح) بَين الطَّرِيقَيْنِ إِشَارَة إِلَى التَّحْوِيل من إِسْنَاد إِلَى إِسْنَاد آخر قبل ذكر الحَدِيث، أَو إِلَى الْحَائِل، أَو إِلَى صَحَّ أَو إِلَى الحَدِيث، ويتلفظ عِنْد الْقِرَاءَة بِلَفْظَة:(حا) ، مَقْصُورا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن أبي بكر عَن وَكِيع عَن الثَّوْريّ وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن أبي نعيم بِهِ وَعَن غَيرهمَا، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن هَارُون بن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب عَن الثَّوْريّ بِهِ.
قَوْله: (وَلم أسمع أحدا يَقُول: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم غَيره) أَي: قَالَ سَلمَة بن كهيل: لم أسمع أحدا
…
إِلَى آخِره، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لم أسمع. أَي: لم يبْق من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم حينئذٍ غَيره فِي ذَلِك الْمَكَان. ورد عَلَيْهِ بَعضهم بِأَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِك، فَإِن جندباً كَانَ بِالْكُوفَةِ إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَ بهَا فِي حَيَاة جُنْدُب أَو جُحَيْفَة السوَائِي وَكَانَت وَفَاته بعد جُنْدُب بست سِنِين، وَعبد الله بن أبي أوفى وَكَانَت وَفَاته بعد جُنْدُب بِعشْرين سنة، وَقد روى سَلمَة بن كهيل عَن كل مِنْهُمَا، فَيتَعَيَّن أَن يكون مُرَاده أَنه لم يسمع مِنْهُمَا وَلَا من أَحدهمَا وَلَا من غَيرهمَا مِمَّن كَانَ مَوْجُودا من الصَّحَابَة بِغَيْر الْكُوفَة بعد أَن سمع من جُنْدُب الحَدِيث الْمَذْكُور عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم شَيْئا. انْتهى.
قلت: إِنَّمَا رد هَذَا الْقَائِل بِمَا قَالَه بعد أَن قَالَ: احْتَرز بقوله: (وَذَلِكَ عَمَّن كَانَ من الصَّحَابَة مَوْجُودا إِذْ ذَاك) بِغَيْر الْمَكَان الَّذِي كَانَ فِيهِ جُنْدُب، ثمَّ قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِك
…
إِلَى آخِره. وَفِيه نظر، لِأَن للكرماني أَن يَقُول: مرادي من قولي فِي ذَلِك الْمَكَان الْمَكَان الَّذِي كَانَ جُنْدُب معداً فِيهِ لإسماع الحَدِيث، وَلم يكن هُنَاكَ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم، حينئذٍ غَيره، وَإِن كَانَ أَبُو جُحَيْفَة وَابْن أبي أوفى موجودين فِي الْكُوفَة حينئذٍ وَالْعجب من هَذَا الْقَائِل يُفَسر كَلَام الْكرْمَانِي بِحَسب مَا يفهمهُ ثمَّ يرد عَلَيْهِ.
وَفِي الصَّحَابَة من يُسمى بجندب خَمْسَة أنفس: جُنْدُب بن جُنَادَة أَبُو ذَر الْغِفَارِيّ، وجندب بن مكين الْجُهَنِيّ، وجندب بن ضَمرَة الجندعي، وجندب بن كَعْب الْعَبْدي، وجندب بن عبد الله البَجلِيّ وَهُوَ الَّذِي روى عَنهُ سَلمَة بن كهيل، وَالْأَشْهر مِنْهُم أَبُو ذَر الْغِفَارِيّ، فَقَالَ خَليفَة بن خياط: مَاتَ جُنْدُب يَعْنِي: أَبَا ذَر سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ بالربذة، قَرْيَة من قرى الْمَدِينَة فِي خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَصلى عَلَيْهِ ابْن مَسْعُود. وَأما جُنْدُب الْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث فَلم يذكر أحد تَارِيخ وَفَاته، فَكيف يَقُول هَذَا الْقَائِل: وَكَانَت وَفَاة أبي جُحَيْفَة بعد جُنْدُب بست سِنِين؟ وَكَانَت وَفَاة أبي جُحَيْفَة فِي سنة أَربع وَسبعين؟ وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: توفّي فِي ولَايَة بشر بن مَرْوَان وَكَانَت وَفَاة ابْن أبي أوفى سنة سبع وَثَمَانِينَ قَالَه البُخَارِيّ، فَكيف يَقُول. وَكَانَت وَفَاته بعد جُنْدُب بِعشْرين سنة؟ فأحسب التَّفَاوُت بَين تاريخي وَفَاة أبي جُحَيْفَة وَابْن أبي أوفى وَبَين تَارِيخ جُنْدُب.
قَوْله: (من سمع) بتَشْديد الْمِيم من التسميع وَهُوَ التشهير وَإِزَالَة الخمول بنشر الذّكر، وَقَالَ الْخطابِيّ: أَي عمل عملا على غير إخلاص، وَإِنَّمَا يُرِيد أَن يرَاهُ النَّاس ويسمعوه جوزي على ذَلِك بِأَن يشهره الله تَعَالَى ويفضحه وَيظْهر مَا كَانَ يبطنه، وَقيل: إِن قصد بِعَمَلِهِ الجاه والمنزلة عِنْد النَّاس وَلم يرد بِهِ وَجه الله تَعَالَى فَإِن الله يَجعله حَدِيثا عِنْد