الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَما أدْرِي أكانَ مِمَّنْ صعِقِ) .
رَوَاهُ أبُو سَعِيدٍ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أوردهُ مُخْتَصرا وبقيته بعد قَوْله: مِمَّن صعق أم لَا.
وَرِجَاله بِهَذَا النسق قد مروا غير مرّة، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز. فَإِن قيل: فَهَل صَار مُوسَى عليه السلام، بِهَذَا التَّقَدُّم أفضل من نَبينَا صلى الله عليه وسلم؟ قيل لَهُ: لَا يلْزم من فَضله من هَذِه الْجِهَة أفضليته مُطلقًا، وَقيل: لَا يلْزم أحد الْأَمريْنِ الْمَشْكُوك فيهمَا الْأَفْضَلِيَّة على الْإِطْلَاق.
قَوْله: (رَوَاهُ أَبُو سعيد) أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، يَعْنِي: أصل الحَدِيث، وَقد تقدم مَوْصُولا فِي كتاب الْأَشْخَاص وَفِي قصَّة مُوسَى عليه السلام، من أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عليهم السلام.
44 -
(بابُ يَقْبِضُ الله الأرْضَ يَوْمَ القِيامَةِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ يقبض الله الأَرْض، معنى يقبض يجمع، وَقد يكون معنى الْقَبْض فنَاء الشَّيْء وذهابه، قَالَ تَعَالَى:{وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة} (الزمر: 76) وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِهِ، وَالْأَرْض جَمِيعًا ذَاهِبَة فانية يَوْم الْقِيَامَة.
رَواهُ نافِعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم
أَي: روى قَوْله: يقبض الله الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة، نَافِع عَن عبد الله بن عمر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا التَّعْلِيق سقط من بعض الروَاة من شُيُوخ أبي ذَر، وَوَصله البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد على مَا يَجِيء، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
9156 -
حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِل أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا يُونُسُ عَن الزُّهْرِيِّ حَدثنِي سَعيدُ بنُ المُسَيَّبِ عَن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(يَقْبضُ الله الأرْضَ ويطْوِي السَّماءَ بيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنا المَلِكُ! أيْنَ مُلوكُ الأرْض؟) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي أول الحَدِيث. وَمُحَمّد بن مقَاتل الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد أَيْضا عَن أَحْمد بن صَالح. وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن حَرْمَلَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النعوت عَن سُوَيْد بن نصر وَغَيره وَفِي التَّفْسِير عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي السّنة عَن حَرْمَلَة بن يحيى وَغَيره. والْحَدِيث من المتشابهات.
قَوْله: (ويطوي السَّمَاء) أَي: يذهبها ويفنيها وَلَا يُرَاد بذلك طي بعلاج وانتصاب إِنَّمَا المُرَاد بذلك الإذهاب والإفناء، يُقَال: انطوى عَنَّا مَا كُنَّا فِيهِ، أَي: ذهب وَزَالَ، وَالْأَصْل الْحَقِيقَة. قَوْله:(بِيَمِينِهِ) أَي: بقدرته. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يَده عبارَة عَن قدرته وإحاطته بِجَمِيعِ مخلوقاته، وَالْيَد تَأتي لمعان كَثِيرَة: بِمَعْنى الْقُوَّة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَاذْكُر عَبدنَا دَاوُد ذَا الأيد} (ص: 71) وَبِمَعْنى الْملك، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى:{قل إِن الْفضل بيد الله} (آل عمرَان: 37)، وَبِمَعْنى: النِّعْمَة تَقول: كم يَد لي عِنْد فلَان، أَي: كم من نعْمَة أسديتها إِلَيْهِ، وَبِمَعْنى الصِّلَة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى:{ (2) أَو يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} (الْبَقَرَة: 732) وَبِمَعْنى الْجَارِحَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى:{ (38) وَخذ بِيَدِك ضغثا} وَبِمَعْنى الذل وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يَد) قَالَ الْهَرَوِيّ أَي عَن ذل وَقَوله تَعَالَى (يَد الله فَوق ايديهم)(ص: 44) قيل: فِي الْوَفَاء، وَقيل: فِي الثَّوَاب. وَفِي الحَدِيث: (هَذِه يَدي لَك)، أَي: استسلمت لَك وانقدت لَك، وَقد يُقَال ذَلِك للعاتب، وَالْيَد الاستسلام. قَالَ الشَّاعِر.
(أطَاع يدا بالْقَوْل فَهُوَ ذَلُول)
أَي: انْقَادَ واستسلم. وَالْيَد السُّلْطَان، وَالْيَد الطَّاعَة، وَالْيَد الْجَمَاعَة، وَالْيَد الْأكل، وَالْيَد النَّدَم: وَفِي الحَدِيث: (وَأخذ بهم يَد الْبَحْر) ، يُرِيد طَرِيق السَّاحِل، وَيُقَال للْقَوْم إِذا تفَرقُوا وتمزقوا فِي آفَاق: صَارُوا أَيدي سبأ، وَالْيَد السَّمَاء، وَالْيَد الْحِفْظ والوقاية، وَيَد الْقوس أَعْلَاهَا، وَيَد السَّيْف قَبضته وَيَد الرَّحَى الْعود الَّذِي يقبض عَلَيْهِ الطاحن، وَيَد الطَّائِر جنَاحه، وَقَالُوا: لَا آتيه يَد الدَّهْر أَي: الدَّهْر، ولقيته أول ذَات يَدي أَي: أول شَيْء. وَفِي الحَدِيث: (إجعل الْفُسَّاق يدا يدا ورجلاً رجلا) أَي: فرق بَينهمَا فِي الْهِجْرَة، وَالْيَد الطَّاعَة، وابتعت الْغنم بيدين أَي: بثمنين مُخْتَلفين، وَيَد الثَّوْب مَا فضل مِنْهُ إِذا تعطفت بِهِ والتحقت وأعطاء عَن ظهر يَد أَي: ابْتِدَاء لَا عَن بيع وَلَا مكافاة، وَيَد الشَّيْء أَمَامه، وَهَذَا
عَيْش يَد أَي: وَاسع، وبايعته يدا بيد أَي بِالنَّقْدِ. قَوْله:(ثمَّ يَقُول: أَنا الْملك أَيْن مُلُوك الأَرْض؟) وَعند هَذَا القَوْل انْقِطَاع زمن الدُّنْيَا وَبعده يكون الْبَعْث والحشر والنشر، وَقيل: إِن الْمُنَادِي يُنَادى بعد حشر الْخلق على أَرض بَيْضَاء مثل الْفضة لم يعْص الله عَلَيْهَا: لمن الْملك الْيَوْم؟ فَيُجِيبهُ الْعباد: لله الْوَاحِد القهار) . رَوَاهُ أَبُو وَائِل عَن ابْن مَسْعُود. وَأخرجه النّحاس. فَإِن قلت: جَاءَ فِي حَدِيث الصُّور الطَّوِيل إِن جَمِيع الْأَحْيَاء إِذا مَاتُوا بعد النفخة الأولى وَلم يبْق إلاّ الله، قَالَ سُبْحَانَهُ:(أَنا الْجَبَّار لمن الْملك الْيَوْم؟ فَلَا يجِيبه أحد، فَيَقُول الله سبحانه وتعالى: لله الوحد القهار) .
قلت: يُمكن الْجمع بَينهمَا بِأَن ذَلِك يَقع مرَّتَيْنِ.
0256 -
حدّثنا يَحْيَاى بنُ بُكَيْرٍ حدّثنا اللَّيْثُ عنْ خالِدٍ عنْ سَعِيدِ بنِ أبي هِلالٍ عنْ زيدِ بنِ أسْلَمَ عنْ عَطاءٍ بنِ يَسارٍ عنْ أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (تَكُون الأرْضُ يَوْمَ القِيامَةِ خُبْزَةً واحِدَةً يَتَكَفَّؤها الجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَكْفَأُ أحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ نُزُلاً لأهْلِ الجَنَّةِ) فأتَى رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ فَقَالَ: بارَكَ الرَّحْمانُ عَليْكَ يَا أَبَا الْقَاسِم! أَلا أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أهْلِ الجَنَّةِ يَوْمَ القيامَةِ؟ قَالَ: (بَلَى) . قَالَ: تَكُونُ الأرْضُ خُبُزَةً واحِدَةً كَمَا قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَنَظَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلَيْنا ثُمَّ ضَحِكَ حتَّى بَدَتْ نَواجِذهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلا أُخْبِرُكَ بإِدامِهِمْ؟ قَالَ: إدامُهُمْ بالامٌ ونُونٌ، قالُوا: وَمَا هاذا؟ قَالَ: ثَوْرٌ ونُونٌ يَأْكُلُ مِنْ زائِدَةِ كَبِدِهما سَبْعُونَ ألْفاً.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الله عز وجل يقبض الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ يصيرها خبْزَة.
وخَالِد هُوَ ابْن يزِيد من الزِّيَادَة الجُمَحِي بِضَم الْجِيم وَفتح الْمِيم وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة. والسند إِلَى سعيد مصريون وَمِنْه إِلَى آخِره مدنيون.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن عبد الْملك بن شُعَيْب بن اللَّيْث عَن أَبِيه عَن جده.
قَوْله: (تكون الأَرْض) يَعْنِي أَرض الدُّنْيَا. قَوْله: (خبْزَة) بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الزَّاي قَالَ الْخطابِيّ: الخبزة الطلمة بِضَم الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام، وَهُوَ عجين يَجْعَل وَيُوضَع فِي الحفيرة بعد إيقاد النَّار فِيهَا. قَالَ: وَالنَّاس يسمونها: الْملَّة، بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد اللَّام، وَإِنَّمَا الْملَّة الحفرة نَفسهَا، وَالَّتِي تمل فِيهَا هِيَ الطلمة والخبزة والمليل. قَوْله:(يَتَكَفَّؤُهَا) بِفَتْح التَّاء لمثناة من فَوق وبفتح الْكَاف وَتَشْديد الْفَاء الْمَفْتُوحَة بعْدهَا همزَة أَي: يميلها ويقلبها من كفأت الْإِنَاء إِذا قلبته، وَفِي رِوَايَة مُسلم: يكفؤها. قَوْله: (كَمَا يكفؤ أحدكُم خبزته فِي السّفر) أَرَادَ أَنه كخبزة الْمُسَافِر الَّتِي يَجْعَلهَا فِي الرماد الْحَار يقلبها من يَد إِلَى يَد حَتَّى تستوي لِأَنَّهَا لَيست منبسطة كالرقاقة، وَمَعْنَاهُ: أَن الله عز وجل يَجْعَل الأَرْض كالرغيف الْعَظِيم الَّذِي هُوَ عَادَة الْمُسَافِرين فِيهِ ليَأْكُل الْمُؤمن من تَحت قَدَمَيْهِ حَتَّى يفرغ من الْحساب، وَقَالَ الْخطابِيّ: يَعْنِي خبز الْملَّة الَّذِي يصنعه الْمُسَافِر فَإِنَّهَا لَا تدحى كَمَا تدحى الرقاقة، وَإِنَّمَا تقلب على الْأَيْدِي حَتَّى تستوي، وَهَذَا على أَن السّفر بِفَتْح الْمُهْملَة وَالْفَاء، وَرَوَاهُ بَعضهم بِضَم أَوله جمع سفرة وَهُوَ الطَّعَام الَّذِي يتَّخذ للْمُسَافِر، وَمِنْه سميت السفرة يَعْنِي الَّتِي يُؤْكَل عَلَيْهَا. قَوْله:(نزلا لأهل الْجنَّة) بِضَم النُّون وَالزَّاي وبسكونها أَيْضا، وَهُوَ مَا يعد للضيف عِنْد نُزُوله، وَمَعْنَاهُ: أَن الله تَعَالَى جعل هَذِه الخبزة نزلا لمن يصير من أهل الْجنَّة يأكلونها فِي الْموقف قبل دُخُول الْجنَّة حَتَّى لَا يعاقبون بِالْجُوعِ فِي طول زمَان الْموقف، وَقَالَ الدَّاودِيّ: إِن المُرَاد أَنه يَأْكُل مِنْهَا من سيصير إِلَى الْجنَّة من أهل الْحَشْر لَا أَنهم لَا يأكلونها حَتَّى يدخلُوا الْجنَّة. وَقَالَ بعضم: وَظَاهر الْخبز يُخَالِفهُ.
قلت: كَانَ هَذَا الْقَائِل يَقُول: إِن قَوْله: (نزلا لأهل الْجنَّة) أَعم من كَون ذَلِك يَقع قبل دُخُول الْجنَّة أَو بعده، والداودي بنى كَلَامه على ظَاهر مَا رُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: تكون الأَرْض خبْزَة بَيْضَاء يَأْكُل الْمُؤمن من تَحت قَدَمَيْهِ، رَوَاهُ الطَّبَرِيّ، وَلَا يُنَافِي الْعُمُوم مَا قَالَه الدَّاودِيّ، وَعَن الْبَيْضَاوِيّ أَن هَذَا الحَدِيث مُشكل جدا لَا من جِهَة إِنْكَار صنع الله وَقدرته على مَا يَشَاء، بل لعدم التَّوَقُّف على قلب جرم الأَرْض من الطَّبْع الَّذِي عَلَيْهِ إِلَى طبع المطعوم والمأكول مَعَ مَا ثَبت فِي الْآثَار أَن هَذِه الأَرْض تصير يَوْم الْقِيَامَة نَارا وتنضم إِلَى جَهَنَّم، فَلَعَلَّ الْوَجْه فِيهِ أَن معنى قَوْله:(خبْزَة وَاحِدَة)
أَي: كخبزة وَاحِدَة من نعتها كَذَا وَكَذَا.
قلت: تكلم الطَّيِّبِيّ هُنَا بِمَا آل حَاصله وَحَاصِل كَلَام الْبَيْضَاوِيّ: أَن أَرض الدُّنْيَا تصير نَارا، مَحْمُول على حَقِيقَته، وَأَن كَونهَا تصير خبْزَة يَأْكُل مِنْهَا أهل الْموقف مَحْمُول على الْمجَاز.
قلت: الْأَثر الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن عَن سعيد بن جُبَير وَغَيره يرد عَلَيْهِمَا، وَالْأولَى أَن يحمل على الْحَقِيقَة مهما أمكن، وقدرة الله صَالِحَة لذَلِك، وَالْجَوَاب عَن الحَدِيث الَّذِي اسْتدلَّ بِهِ الْبَيْضَاوِيّ من كَون الأَرْض تصير نَارا: أَن المُرَاد بِهِ أَرض الْبَحْر لَا كل الأَرْض، فقد أخرج الطَّبَرِيّ من طَرِيق كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: يصير مَكَان الْبَحْر نَارا. وَفِي (تَفْسِير الرّبيع بن أنس) : عَن أبي الْعَالِيَة عَن أبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: تصير السَّمَوَات جفاناً وَيصير مَكَان الْبَحْر نَارا. فَإِن قلت: أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث فِي قَوْله تَعَالَى: {وحملت الأَرْض وَالْجِبَال فدكتا دكة وَاحِدَة} (الحاقة: 41) قَالَ: يصيران غبرة فِي وُجُوه الْكفَّار.
قلت: قد قَالَ بَعضهم: يُمكن الْجمع بِأَن بَعْضهَا يصير نَارا وَبَعضهَا غباراً، وَبَعضهَا يصير خبْزَة، وَفِيه تَأمل، لِأَن لفظ حَدِيث الْبَاب: تكون الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة خبْزَة يُطلق على الأَرْض كلهَا، وَفِيمَا قَالَه ارْتِكَاب الْمجَاز فَلَا يُصَار إِلَيْهِ إلَاّ عِنْد تعذر الْحَقِيقَة، وَلَا تعذر هُنَا من كَون كل الأَرْض خبْزَة، لِأَن الْقُدْرَة صَالِحَة لذَلِك ولأعظم مِنْهَا، بل الْجَواب الشافي هُنَا أَن يُقَال: إِن المُرَاد من كَون الأَرْض نَارا هُوَ أَرض الْبَحْر كَمَا مر، وَالْمرَاد من كَونهَا غبرة: الْجبَال، فَإِنَّهَا بعد أَن تدك تصير غباراً فِي وُجُوه الْكفَّار. قَوْله:(ثمَّ ضحك) يَعْنِي: تَعَجبا من الْيَهُودِيّ كَيفَ أخبر عَن كِتَابهمْ نَظِير مَا أخبر بِهِ من جِهَة الْوَحْي. قَوْله: (حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه) أَي: حَتَّى ظَهرت نَوَاجِذه وَهُوَ جمع ناجذة بالنُّون والمعجمتين وَهِي أخريات الْأَسْنَان إِذا الأضراس أَولهَا الثنايا ثمَّ الرباعيات ثمَّ الضواحك ثمَّ الأرحاء ثمَّ النواجذ، وَجَاء فِي كتاب الصَّوْم حَتَّى بَدَت أنيابه، وَلَا مُنَافَاة بَينهمَا لِأَن النواجذ تطلق على الأنياب والأضراس أَيْضا، قيل: مضى فِي كتاب الْأَدَب فِي: بَاب التبسم، أَنه مَا كَانَ يزِيد على التبسم. وَأجِيب: بِأَن ذَلِك بَيَان عَادَته وَحكم الْغَالِب فِيهِ، وَهَذَا نَادِر وَلَا اعْتِبَار لَهُ. قَوْله:(أَلا أخْبرك) وَفِي رِوَايَة مُسلم: (أَلا أخْبركُم) . قَوْله: (ثمَّ قَالَ) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَقَالَ. قَوْله: (بِالْأُمِّ) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف اللَّام وَالْمِيم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَهِي مَوْقُوفَة ومرفوعة منونة وَغير منونة، وَفِيه أَقْوَال وَالصَّحِيح أَنَّهَا كلمة عبرانية مَعْنَاهَا بِالْعَرَبِيَّةِ: الثور، وَبِهَذَا فسره وَلِهَذَا سَأَلُوا الْيَهُودِيّ عَن تَفْسِيرهَا، وَلَو كَانَت عَرَبِيَّة لعرفتها الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَقَالَ الْخطابِيّ لَعَلَّ الْيَهُودِيّ أَرَادَ التعمية عَلَيْهِم وَقطع الهجاء وَقدم أحد الحرفيين على الآخر وَهِي لَام الف وياء يُرِيد لأي على وزن وَهُوَ الثور الوحشي فصحف الرَّاوِي الْمُثَنَّاة فَجَعلهَا مُوَحدَة وَقَالَ ابْن الْأَثِير وَأما البالام فقد تمحلوا لَهَا شرحا غير مرضى لَعَلَّ اللَّفْظَة عبرانية، ثمَّ نقل كَلَام الْخطابِيّ الَّذِي ذكره ثمَّ قَالَ: وَهَذَا أقرب مَا وَقع لي فِيهِ. قَوْله: (وَنون) وَهُوَ الْحُوت الْمَذْكُور فِي أول السُّورَة. قَوْله: (وَقَالُوا) ، أَي الصَّحَابَة، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَقَالُوا. قَوْله: (مَا هَذَا؟) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَمَا هَذَا؟ بِزِيَادَة وَاو. قَوْله: (من زَائِدَة كبدهما) الزَّائِدَة هِيَ الْقطعَة المنفردة الْمُتَعَلّقَة بالكبد، وَهِي أطيبها وألذها، وَلِهَذَا خص بأكلها سَبْعُونَ ألفا، وَيحْتَمل أَن هَؤُلَاءِ هم الَّذين يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب، وَيحْتَمل أَن يكون عبر بالسبعين عَن الْعدَد الْكثير وَلم يرد الْحصْر فِيهَا. وَقَالَ الدَّاودِيّ: أول أكل أهل الْجنَّة زَائِدَة الكبد يلْعَب الثور والحوت بَين أَيْديهم فيذكي الثور الْحُوت بِذَنبِهِ فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ، ثمَّ يُعِيدهُ الله تَعَالَى فيلعبان فيذكي الْحُوت الثور بِذَنبِهِ فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ، كَذَلِك مَا شَاءَ الله، وَقَالَ كَعْب: فِيمَا ذكره ابْن الْمُبَارك: أَن الله يَقُول لأهل الْجنَّة إِذا دخلوها: إِن لكل ضيف جزوراً وَإِنِّي أجزركم الْيَوْم حوتاً وثوراً، فيجزر لأهل الْجنَّة، وروى مُسلم من حَدِيث ثَوْبَان: تحفة أهل الْجنَّة زِيَادَة كبد النُّون، أَي: الْحُوت، وَفِيه غذاؤهم على أَثَرهَا أَنه ينْحَر لَهُم ثَوْر الْجنَّة الَّذِي يَأْكُل من أطرافها، وَفِيه: وشرابهم عَلَيْهِ من عين تسمى سلسبيلاً.
108 -
(حَدثنَا سعيد بن أبي مَرْيَم أخبرنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر قَالَ حَدثنِي أَبُو حَازِم قَالَ سَمِعت سهل بن سعد قَالَ سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - يَقُول يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة على أَرض بَيْضَاء عفراء كقرصة نقي: قَالَ سهل أَو غَيره لَيْسَ فِيهَا معلم لأحد)