الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَائِشَة، رَضِي اتعالى عَنْهَا:(كَانَ يُصَلِّي والسرير بَينه وَبَين الْقبْلَة) . فَهَذَا يبين أَن المُرَاد من حَدِيث الْبَاب أَسْفَل السرير. قلت: لَا نسلم ذَلِك لاخْتِلَاف العبارتين مَعَ احْتِمَال كَونهمَا فِي الْحَالَتَيْنِ، فَإِذا علمت هَذَا علمت أَن قَول الْإِسْمَاعِيلِيّ: بِأَنَّهُ دَال على الصَّلَاة على السرير لَا إِلَى السرير، غير وَارِد، يظْهر ذَلِك بِالتَّأَمُّلِ.
001 -
(بابٌ يِرُدُّ المُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ)
أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته: يرد الْمُصَلِّي من مر بَين يَدَيْهِ، وسنبين هَل الرَّد إِذا مر بَين يَدَيْهِ فِي مَوضِع سُجُوده؟ أَو يردهُ مُطلقًا؟ أَو لَهُ حد مَعْلُوم؟ وَأَن الرَّد وَاجِب أم سنة أم مُسْتَحبّ؟ وَأَنه مُقَيّد بمَكَان مَخْصُوص أَو فِي جَمِيع الْأَمْكِنَة؟ على مَا نذكرهُ مفصلا إِن شَاءَ اتعالى.
ورَدَّ ابنُ عُمَرَ المَارَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي التَّشَهُّدِ وَفِي الْكَعْبَةِ وَقَالَ إنْ أبَى إلَاّ أنْ تُقَاتِلَهُ قَقَاتِلْهُ
الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع: الأول فِي وَجه مطابقته للتَّرْجَمَة وَهِي ظَاهِرَة لِأَن ابْن عمر رد الْمَار من بَين يَدَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة.
الثَّانِي فِي معنى التَّرْكِيب: فَقَوله: ورد ابْن عمر، أَي: رد عبد ابْن عمر بن الْخطاب المارَّ بَين يَدَيْهِ حَال كَونه فِي التَّشَهُّد، وَكَانَ هَذَا الْمَار هُوَ: عَمْرو بن دِينَار، نبه عَلَيْهِ عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة فِي مصنفيهما. قَوْله:(فِي الْكَعْبَة) أَي، ورد أَيْضا فِي الْكَعْبَة. قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ عطف على مُقَدّر، أَي: رد الْمَار بَين يَدَيْهِ عِنْد كَونه فِي الصَّلَاة وَفِي غير الْكَعْبَة وَفِي الْكَعْبَة أَيْضا، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ كَون الرَّد فِي حَالَة وَاحِدَة جمعا بَين كَونه فِي التَّشَهُّد وَفِي الْكَعْبَة، فَلَا حَاجَة إِلَى مقد. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الإشبيلي فِي كِتَابه (الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ) : كَذَا وَقع، وَفِي الْكَعْبَة. وَقَالَ ابْن قرقول: ورد ابْن عمر فِي التَّشَهُّد وَفِي الْكَعْبَة. وَقَالَ الْقَابِسِيّ: وَفِي الرَّكْعَة، بَدَلا من: الْكَعْبَة، أشبه. وَكَذَا وَقع فِي بعض الْأُصُول: الرَّكْعَة. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : وَالظَّاهِر أَنه: وَفِي الْكَعْبَة، وَهُوَ الصَّوَاب كَمَا فِي كتاب الصَّلَاة لأبي نعيم: حدّثنا عبد الْعَزِيز بن الْمَاجشون عَن صَالح بن كيسَان، قَالَ: رَأَيْت ابْن عمر يُصَلِّي فِي الْكَعْبَة فَلَا يدع أحدا يمر بَين يَدَيْهِ يبادره. قَالَ بردة: حدّثنا مطر بن خَليفَة حدّثنا عَمْرو بن دِينَار قَالَ: مَرَرْت بِابْن عمر بعده مَا جلس فِي آخر صلَاته حَتَّى أنظر مَا يصنع، فارتفع من مَكَانَهُ، فَدفع فِي صَدْرِي. وَقَالَ ابْن أبي شيبَة: أخبرنَا ابْن فُضَيْل عَن مطر عَن عَمْرو بن دِينَار، قَالَ: مَرَرْت بَين يَدي ابْن عمر وَهُوَ فِي الصَّلَاة فارتفع من قعوده ثمَّ دفع فِي صَدْرِي، وَفِي كتاب (الصَّلَاة) لأبي نعيم: فانتهزني بتسبيحة، وَقَالَ بَعضهم: رِوَايَة الْجُمْهُور متجهة، وَتَخْصِيص الْكَعْبَة بِالذكر لِئَلَّا يتخيل أَنه يغْتَفر فِيهَا الْمُرُور لكَونهَا مَحل الْمُزَاحمَة. قلت: الْوَاقِع فِي نفس الْأَمر ان ابْن عمر فِي الرَّد فِي غير الْكَعْبَة، وَفِي الْكَعْبَة أَيْضا فَلَا يُقَال: فِيهِ التَّخْصِيص، وَالتَّعْلِيل فِيهِ بِكَوْن مَحل الْمُزَاحمَة غير موجه لِأَن فِي غير الْكَعْبَة أَيْضا تُوجد الْمُزَاحمَة، سِيمَا فِي أَيَّام الْجمع فِي الْجَوَامِع وَنَحْو ذَلِك. قَوْله:(وَقَالَ) أَي: ابْن عمر: (إِن أَبى) أَي: الْمَار، أَي: امْتنع بِكُل وَجه إلَاّ بِأَن يُقَاتل الْمُصَلِّي الْمَار قَاتله. قَوْله: (إِلَّا أَن يقاتله) وَقَوله: قَاتله، على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون لفظ: قَاتله، بِصِيغَة الْفِعْل الْمَاضِي، وَهَذَا عِنْد كَون لفظ (إِلَّا أَن يقاتله) بِصِيغَة الْفِعْل الْمُضَارع الْمَعْلُوم، وَالضَّمِير الْمَرْفُوع فِيهِ يرجع إِلَى الْمَار الَّذِي هُوَ فَاعل لَفْظَة: أبي، والمنصوب يرجع إِلَى الْمُصَلِّي، وَالضَّمِير الْمَرْفُوع فِي: قَاتله، يرجع إِلَى الْمُصَلِّي والمنصوب يرجع إِلَى: الْمَار، وَالْوَجْه الآخر: أَن يكون لَفْظَة (إلَاّ أَن تُقَاتِلهُ) بِصِيغَة الْمُخَاطب: أَي إلَاّ أَن تقَاتل الْمَار (فقاتله) بِكَسْر التَّاء وَسُكُون اللَّام على صِيغَة الْأَمر للحاضر، وَهَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَالْأول رِوَايَة الْأَكْثَرين. فَإِن قلت: لَفْظَة: قَاتله، فِي الْوَجْه الثَّانِي جملَة أمرية، وَالْجُمْلَة الأمرية إِذا وَقعت جَزَاء للشرطية فَلَا بُد فِيهَا من الْفَاء. قلت: تَقْدِير الْكَلَام: فَأَنت قَاتله، قَالَ الْكرْمَانِي: وَيجوز حذف الْفَاء مِنْهَا نَحْو:
من يفعل الْحَسَنَات ايشكرها
قلت: حذف الْفَاء مِنْهَا لضَرُورَة الْوَزْن فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ، ويروى: فقاتله بِالْفَاءِ على الأَصْل.
النَّوْع الثَّالِث فِي أَن الْمَرْوِيّ عَن ابْن عمر هَهُنَا على سَبِيل التَّعْلِيق بِثَلَاثَة أَشْيَاء: الأول: رده الْمَار فِي التَّشَهُّد، وَقد وَصله أَبُو نعيم وَابْن أبي شيبَة كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب. الثَّانِي: رده فِي الْكَعْبَة، وَقد وَصله أَبُو نعيم أَيْضا كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَفِي حَدِيث يزِيد الْفَقِير: صليت إِلَى جنب ابْن عمر بِمَكَّة فَلم أر رجلا أكره أَن يمر بَين يَدَيْهِ مِنْهُ. الثَّالِث: أمره بالمقاتلة عِنْد عدم امْتنَاع الْمَار من الْمُرُور بَين يَدي الْمُصَلِّي، وَقد وَصله عبد الرَّزَّاق، وَلَفظه عَن ابْن عمر قَالَ: لَا تدع أحدا يمر بَين يَديك وَأَنت تصلي، فَإِن أبي إلَاّ أَن تُقَاتِلهُ فقاتله. وَهَذَا مُوَافق لرِوَايَة الْكشميهني.
905 -
حدّثنا أبُو مَعْمَرٍ قَالَ حدّثنا عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ حدّثنا يُونُسُ عنْ حُمَيْدِ بنِ هِلالٍ عنْ أبي صالِحٍ أنَّ أبَا سعِيدٍ قَالَ قَالَ النبيُّ (ح) وحدّثنا آدَمُ بنُ أبي إيَاسٍ قَالَ حدّثنا سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيرَةِ قَالَ حدّثنا حُمَيْدُ بنُ هِلَالٍ الْعَدَوى قَالَ حدّثنا أبُو صالِحٍ السَّمَّانُ قَالَ رَأيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ فِي يَوْم جُمُعَةٍ يُصَلِّي إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ فأرَادَ شَابٌّ من بَني أبي مُعَيْطٍ أنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدَفَعَ أبُو سَعِيدٍ فِي صَدْرِهِ فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغَاً إِلَاّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَعادَ لِيَجْتَازَ فَدَفَعَهُ أبُو سَعِيدٍ أشَدَّ مِنَ الأُولَى فَنَالَ مِنْ أبي سَعِيدٍ ثُمَّ دَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ
فَشَكَا إليْهِ مَا لَقِيَ مِنْ أبي سَعِيدٍ ودَخَلَ أبُو سًعيدٍ خَلْفَهُ عَلى مَرْوانَ فَقَالَ مَا لَكَ وَلاِبْنِ أخِيكَ يَا أبَا سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْت النبيَّ يَقُولُ إذَا صَلَّى أحَدُكُمْ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ فأرَادَ أحدٌ أنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ أبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فإِنمَا هُوَ شَيْطَانٌ. (الحَدِيث 905 طرفَة فِي: 4723) .
11
- 50 مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله وهم ثَمَانِيَة: الأول: أَبُو معمر، بِفَتْح الميمين: واسْمه عبد ابْن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج المقعد الْبَصْرِيّ، مَاتَ بِالْبَصْرَةِ سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَقد تقدم فِي بَاب قَول النَّبِي: اللَّهُمَّ علمه الْكتاب. الثَّانِي: عبد الْوَارِث بن سعيد، تقدم أَيْضا فِي هَذَا الْبَاب. الثَّالِث: يُونُس بن عبيد، بِالتَّصْغِيرِ: ابْن دِينَار أَبُو عبد االبصري، مَاتَ سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. الرَّابِع: حميد، بِضَم الْحَاء: تَصْغِير الْحَمد بن هِلَال، بِكَسْر الْهَاء وَتَخْفِيف اللَّام: الْعَدوي، بِفَتْح الْعين وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ: التَّابِعِيّ الْجَلِيل. الْخَامِس: أَبُو صَالح ذكْوَان السمان، وَقد تكَرر، ذكره. السَّادِس: آدم بن أبي إِيَاس. السَّابِع سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة الْقَيْسِي الْبَصْرِيّ. الثَّامِن: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي اتعالى عَنهُ، واسْمه: سعد بن مَالك.
وَذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع من الْمَاضِي فِي سَبْعَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل والرؤية. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم بصريون إلَاّ أَبَا صَالح فَإِنَّهُ مدنِي، وآدَم فَإِنَّهُ عسقلاني. وَفِيه: أَن آدم من أَفْرَاد البُخَارِيّ. وَفِيه: أَن البُخَارِيّ لم يخرج لِسُلَيْمَان بن الْمُغيرَة شَيْئا مَوْصُولا إلَاّ هَذَا الحَدِيث، ذكره أَبُو مَسْعُود وَغَيره. وَفِيه: التَّحْوِيل من إِسْنَاد إِلَى إِسْنَاد آخر قبل ذكر الحَدِيث، وعلامته حرف: الْحَاء، المفردة. وَفِيه: فِي الْإِسْنَاد الأول: حميد عَن أبي صَالح أَن أَبَا سعيد، وَفِي الثَّانِي: قَالَ أَبُو صَالح: رَأَيْت أَبَا سعيد. وَالثَّانِي أقوى. وَفِيه: أَن فِي الثَّانِي ذكر قصَّة لَيست فِي الأول، وَقد سَاق البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي كتاب بَدْء الْخلق بِالْإِسْنَادِ الَّذِي سَاقه هُنَاكَ من رِوَايَة يُونُس بِعَيْنِه، وَهَهُنَا من لفظ سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة لَا من لفظ يُونُس.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن أبي معمر فِي صفة إِبْلِيس. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن شَيبَان بن فروخ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُوسَى ابْن اسماعيل.
ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله: (فَأَرَادَ شَاب من بني أبي معيط) وَوَقع فِي (كتاب الصَّلَاة) لأبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن، قَالَ: حدّثنا عبد ابْن عَامر عَن زيد بن أسلم، قَالَ:(بَيْنَمَا أَبُو سعيد قَائِم يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد فَأقبل الْوَلِيد بن عقبَة بن أبي معيط، فَأَرَادَ أَن يمر بَين يَدَيْهِ فَرده، فَأبى إلَاّ أَن يمر فَدفعهُ ولكمه) . فَهَذَا يدل على أَن هَذَا الشَّاب هُوَ الْوَلِيد بن عقبَة، وَفِي (المُصَنّف) لِابْنِ أبي شيبَة: حدّثنا أَبُو مُعَاوِيَة عَن عَاصِم عَن ابْن سِيرِين، قَالَ:(كَانَ أَبُو سعيد قَائِما يُصَلِّي فجَاء عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث ابْن هِشَام يمر بَين يَدَيْهِ فَمَنعه، فَأبى إلَاّ أَن يَجِيء فَدفعهُ أَبُو سعيد فطرحه. فَقيل لَهُ: تصنع هَذَا بِعَبْد الرَّحْمَن؟ فَقَالَ: وَا لَو أَبى إِلَّا أَن آخذ بِشعرِهِ لأخذت) . وروى عبد الرَّزَّاق حَدِيث الْبَاب عَن دَاوُد بن قيس عَن زيد بن أسلم عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد عَن أَبِيه فَقَالَ فِيهِ: إِذْ جَاءَ شَاب، وَلم يسمعهُ. وَعَن معمر عَن زيد بن أسلم فَقَالَ فِيهِ: فَذهب ذُو قرَابَة لمروان. وَمن طَرِيق أبي الْعَالِيَة عَن أبي سعيد فَقَالَ فِيهِ: فَمر رجل بَين يَدَيْهِ من بني مَرْوَان، وَالنَّسَائِيّ من وَجه آخر فَمر ابْن لمروان، وَسَماهُ عبد الرَّزَّاق من طَرِيق سُلَيْمَان بن مُوسَى دَاوُد بن مَرْوَان، وَلَفظه: أَرَادَ دَاوُد بن مَرْوَان أَن يمر بَين يَدي أبي سعيد، ومروان يَوْمئِذٍ أَمِير بِالْمَدِينَةِ، فَذكر الحَدِيث وَبِه جزم ابْن الْجَوْزِيّ، وَهَذَا كَمَا رَأَيْت الِاخْتِلَاف فِي تَسْمِيَة الْمُبْهم الَّذِي فِي الصَّحِيح، وَالْأَحْسَن أَن يُقَال بِتَعَدُّد الْوَاقِعَة لأبي سعيد مَعَ غير وَاحِد، لِأَن فِي تعْيين وَاحِد من هَؤُلَاءِ مَعَ كَون اتِّحَاد الْوَاقِعَة نظرا، لَا يخفى.
قَوْله: (من بني أبي معيط)، بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره طاء مُهْملَة. وَأَبُو معيط فِي قُرَيْش واسْمه: أبان بن أبي عَمْرو زكوان بن أُميَّة الْأَكْبَر هُوَ وَالِد عقبَة بن أبي معيط الَّذِي قَتله رَسُول الله صبرا. ومعيط تَصْغِير: أمعط، وَهُوَ الَّذِي لَا شعرعليه، والأمعط والأمرط سَوَاء. قَوْله:(أَن يجتاز)، بِالْجِيم من الْجَوَاز. قَوْله:(فَلم يجد مساغاً)، بِفَتْح الْمِيم وبالغين الْمُعْجَمَة أَي: طَرِيقا يُمكنهُ الْمُرُور مِنْهَا. يُقَال: سَاغَ الشَّرَاب فِي الْحلق إِذا نزل من غير الضَّرَر، وساغ الشَّيْء طَابَ. قَوْله:(من الأولى) أَي: من الْمرة
الأولى أَو الدفعة الأولى. قَوْله: (فنال من أبي سعيد) بالنُّون أَي: أصَاب من عرضة بالشتم، وَهُوَ من النّيل، وَهُوَ الْإِصَابَة. قَوْله:(ثمَّ دخل على مَرْوَان) ، وَهُوَ مَرْوَان بن الحكم، بِفَتْح الْكَاف: ر الْأمَوِي أَبُو عبد الْملك، يُقَال: إِنَّه رأى النَّبِي، قَالَه الْوَاقِدِيّ وَلم يحفظ عَنهُ شَيْئا، توفّي النَّبِي، وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين، مَاتَ بِدِمَشْق لثلاث خلون من رَمَضَان سنة خمس وَسِتِّينَ وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة، وَقد تقدم ذكره فِي بَاب البزاق والمخاط. قَوْله:(فَقَالَ: مَالك؟) أَي فَقَالَ مَرْوَان، فكلمة: مَا مُبْتَدأ و: لَك خَبره. (و: لِابْنِ أَخِيك) عطف عَلَيْهِ بِإِعَادَة الْخَافِض، وَأطلق الْأُخوة بِاعْتِبَار أَن الْمُؤمنِينَ أخوة، وَفِيه تأييد لقَوْل من قَالَ إِن الْمَار بَين يَدي أبي سعيد الَّذِي دَفعه غير الْوَلِيد، لِأَن أَبَاهُ عقبَة قتل كَافِرًا. فَإِن قلت: لِمَ لَمْ يقل: ولأخيك، بِحَذْف الأبن. قلت: نظرا إِلَى أَنه كَانَ شَابًّا أَصْغَر مِنْهُ.
قَوْله: (فليدفعه)، وَفِي رِوَايَة مُسلم:(فليدفع فِي نَحره) . قَالَ الْقُرْطُبِيّ: أَي بِالْإِشَارَةِ، ولطيف الْمَنْع. قَوْله:(فليقاتله)، بِكَسْر اللَّام الجازمة وبسكونها. قَوْله:(فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَان)، هَذَا من بَاب التَّشْبِيه حذف مِنْهُ أَدَاة التَّشْبِيه للْمُبَالَغَة أَي: إِنَّمَا هُوَ كشيطان، أَو يُرَاد بِهِ شَيْطَان الْإِنْس، وَإِطْلَاق الشَّيْطَان على المارد من الْإِنْس سَائِغ شَائِع، وَقد جَاءَ فِي الْقُرْآن قَوْله تَعَالَى:{شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ} (الْأَنْعَام: 211) وَقَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ أَن الشَّيْطَان يحملهُ على ذَلِك ويحركه إِلَيْهِ، وَقد يكون أَرَادَ بالشيطان الْمَار بَين يَدَيْهِ نَفسه، وَذَلِكَ أَن الشَّيْطَان هُوَ المارد الْخَبيث من الْجِنّ وَالْإِنْس. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: الْحَامِل لَهُ على ذَلِك الشَّيْطَان، وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث ابْن عمر عِنْد مُسلم:(لَا يدع أحدا يمر بَين يَدَيْهِ فَإِن أَبى فليقاتله فَإِن مَعَه القرين) . وَعند أبن مَاجَه: (قَالَ: القرين)، وَقَالَ المنكدري: فَإِنَّهُ مَعَه الْعُزَّى وَقيل: مَعْنَاهُ: إِنَّمَا هُوَ فعل الشَّيْطَان لشغل قلب الْمُصَلِّي، كَمَا يخْطر الشَّيْطَان بَين الْمَرْء وَنَفسه.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ من الْأَحْكَام وَهُوَ على وُجُوه. الأول: فِيهِ اتِّخَاذ الستْرَة للْمُصَلِّي، وَزعم ابْن الْعَرَبِيّ أَن النَّاس اخْتلفُوا فِي وجوب وضع الستْرَة بَين يَدي الْمُصَلِّي على ثَلَاثَة أَقْوَال. الأول: أَنه وَاجِب، فَإِن لم يجد وضع خطا، وَبِه قَالَ أَحْمد، كَأَنَّهُ اعْتمد حَدِيث ابْن عمر الَّذِي صَححهُ الْحَاكِم:(لَا تصلي إلَاّ إِلَى ستْرَة وَلَا تدع أحدا يمر بَين يَديك) . وَعَن أبي نعيم فِي (كتاب الصَّلَاة) : حدّثنا سُلَيْمَان، أَظُنهُ عَن حميد بن هِلَال، قَالَ عمر ابْن الْخطاب: لَو يعلم الْمُصَلِّي مَا ينقص من صلَاته مَا صلى إِلَّا إِلَى شَيْء يستره من النَّاس، وَعند ابْن أبي شيبَة، عَن ابْن مَسْعُود:(إِنَّه ليقطع نصف صَلَاة الْمَرْء الْمُرُور بَين يَدَيْهِ) . الثَّانِي: أَنَّهَا مُسْتَحبَّة، ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ. الثَّالِث: جَوَاز تَركهَا، وَرُوِيَ ذَلِك عَن مَالك. قلت: قَالَ أَصْحَابنَا: الأَصْل فِي الستْرَة أَنَّهَا مُسْتَحبَّة. وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: كَانُوا يستحبون إِذا صلوا فِي الفضاء أَن يكون بَين أَيْديهم مَا يسترهم. وَقَالَ عَطاء، لَا بَأْس بترك الستْرَة، وَصلى الْقَاسِم وَسَالم فِي الصَّحرَاء إِلَى غير ستْرَة، ذكر ذَلِك كُله ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) .
وَاعْلَم أَن الْكَلَام فِي هَذَا على عشرَة أَنْوَاع: الأول: أَن الستْرَة وَاجِبَة أَو لَا؟ وَقد مر الْآن. الثَّانِي: مِقْدَار مَوضِع يكره الْمُرُور فِيهِ، فَقيل: مَوضِع سُجُوده، وَهُوَ اخْتِيَار شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ وَشَيخ الْإِسْلَام قاضيخان، وَقيل: مِقْدَار صفّين أَو ثَلَاثَة، وَقيل: بِثَلَاثَة أَذْرع، وَقيل: بِخَمْسَة أَذْرع. وَقيل: بِأَرْبَعِينَ ذِرَاعا، وَقدر الشَّافِعِي وَأحمد بِثَلَاثَة أَذْرع، وَلم يحد مَالك فِي ذَلِك حدا إلاّ أَن ذَلِك بِقدر مَا يرْكَع فِيهِ وَيسْجد ويتمكن من دفع من مر بَين يَدَيْهِ. وَالثَّالِث: أَنه يسْتَحبّ لمن صلى فِي الصَّحرَاء أَن يتَّخذ أَمَامه ستْرَة، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله قَالَ:(إِذا صلى أحدكُم فليجعل تِلْقَاء وَجهه شَيْئا، فَإِن لم يجد فلينصب عَصا، فَإِن لم يكن لَهُ عَصا، فليخط خطا وَلَا يضرّهُ مَا مر أَمَامه) . وخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) وَذكر عبد الْحق أَن ابْن الْمَدِينِيّ وَأحمد بن حَنْبَل صَحَّحَاهُ، وَقَالَ عِيَاض: هَذَا الحَدِيث ضَعِيف وَإِن كَانَ قد أَخذ بِهِ أَحْمد. وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: لم نجد شَيْئا نَشد بِهِ هَذَا الحَدِيث. وَكَانَ إِسْمَاعِيل بن أُميَّة إِذا حدث بِهَذَا الحَدِيث يَقُول: عنْدكُمْ شَيْء تشدون بِهِ، وَأَشَارَ الشَّافِعِي إِلَى ضعفه. وَقَالَ النَّوَوِيّ: فِيهِ ضعف وأضطراب. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَلَا بَأْس بِهِ فِي مثل هَذَا الجكم.
الرَّابِع: مِقْدَار الستْرَة، قد ورد: قدر ذِرَاع، وَقد ذكرنَا الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِيمَا مضى عَن قريب. وَالْخَامِس: يَنْبَغِي أَن يكون فِي غلظ الإصبع لِأَن مَا دونه لَا يَبْدُو للنَّاظِر من بعيد. وَالسَّادِس: يقرب من الستْرَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي بَاب ستْرَة الإِمَام ستْرَة لمن خَلفه. وَالسَّابِع: أَن يَجْعَل الستْرَة على حَاجِبه الْأَيْمن، أَو على الْأَيْسَر، وَأخرج أَبُو دَاوُد من حَدِيث الْمِقْدَاد بن الْأسود، قَالَ:(مَا رَأَيْت سَوَّلَ الله يُصَلِّي إِلَى عود وَلَا عَمُود وَلَا شَجَرَة إلَاّ جعله على حَاجِبه الْأَيْمن أَو الْأَيْسَر، وَلَا يصمد لَهُ صمداً) ، يَعْنِي لم يَقْصِدهُ قصدا بالمواجهة،