الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبي حنيفَة وَمُحَمّد، وَقَالَ مَالك وَزفر: لَا شَيْء لَهُ عَلَيْهَا. وَفِي (الْأَحْكَام) لِابْنِ بزيزة: وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة وَمُحَمّد بن الْحسن: إِن كرهت نِكَاحه غرمت لَهُ قيمتهَا وَمضى النِّكَاح، فَإِن كَانَت معسرة استسعيت فِي ذَلِك. وَقَالَ مَالك وَزفر: إِن كرهت فَهِيَ حرَّة وَلَا شَيْء لَهُ عَلَيْهَا إلَاّ أَن يَقُول: لَا أعتق إلَاّ على هَذَا الشَّرْط، فَإِن كرهت لم تعْتق لِأَنَّهُ من بَاب الشَّرْط والمشروط، ثمَّ إِن الطَّحَاوِيّ اسْتدلَّ على الخصوصية بقوله تَعَالَى:{وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت} (الْأَحْزَاب: 05) الْآيَة وَجه الِاسْتِدْلَال أَن اتعالى لما أَبَاحَ لنَبيه أَن يتَزَوَّج بِغَيْر صدَاق كَانَ لَهُ أَن يتَزَوَّج على الْعتاق الَّذِي لَيْسَ بِصَدَاق، وَمِمَّا يُؤَيّد ذَلِك أَن النَّبِي أَخذ جوَيْرِية بنت الْحَارِث فِي غَزْوَة بني المصطلق فَأعْتقهَا وَتَزَوجهَا. وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من حَدِيث ابْن عمر، ثمَّ رُوِيَ عَن عَائِشَة كَيفَ كَانَ عتاقه جوَيْرِية الَّتِي تزَوجهَا عَلَيْهِ وَجعله صَدَاقهَا. قَالَت: لما أصَاب رَسُول الله سَبَايَا بني المصطلق وَقعت جوَيْرِية بنت الْحَارِث فِي سهم ثَابت بن قيس بن شماس، أَو لِابْنِ عَم لَهُ، فكاتبت على نَفسهَا. قَالَت: وَكَانَت امْرَأَة حلوة ملاحة لَا يكَاد يَرَاهَا أحد إلَاّ أخذت بِنَفسِهِ، فَأَتَت رَسُول الله لتستعينه فِي كتَابَتهَا، فوا مَا هِيَ إلَاّ إِن رَأَيْتهَا على بَاب الْحُجْرَة، وَعرفت أَنه سيرى مِنْهَا مثل مَا رَأَيْت، فَقَالَت: يَا رَسُول اأنا جوَيْرِية. بنت الْحَارِث بن أبي ضرار سيد قومه، وَقد أصابني من الْأَمر مَا لم يخف عَلَيْك، فَوَقَعت فِي سهم ثَابت بن قيس بن شماس، أَو ابْن عَم لَهُ، فكاتبته، فَجئْت رَسُول الله أَسْتَعِينهُ على كتابتي. فَقَالَ: فَهَل لَك فِي خير من ذَلِك؟ قَالَت: وَمَا هُوَ يَا رَسُول ا؟ قَالَ أَقْْضِي عَنْك كتابتك وأتزوجك؟ قَالَت: نعم. قَالَ: فقد فعلت.
وَخرج الْخَبَر إِلَى النَّاس أَن رَسُول الله تزوج جوَيْرِية بنت الْحَارِث، فَقَالُوا: صهر رَسُول ا، فأرسلوا مَا فِي أَيْديهم. قَالَت: فَلَقَد أعتق بتزويجه إِيَّاهَا مائَة من أهل بَيت من بني المصطلق، فَلَا نعلم امْرَأَة كَانَت أعظم بركَة على قَومهَا مِنْهَا. وَرَوَاهُ أَيْضا أَبُو دَاوُد، وَفِيه أَيْضا حكم يخْتَص بِالنَّبِيِّ دون غَيره، وَهُوَ أَن يُؤَدِّي كِتَابَة مُكَاتبَة غَيره لتعتق بذلك، وَيكون عتقه مهرهَا لتَكون زَوجته، فَهَذَا لَا يجوز: لأحد غير النَّبِي، وَهَذَا إِذا كَانَ جَائِزا للنَّبِي فَجعله عتق الَّذِي تولى عتقه هُوَ مهْرا لمن أعْتقهُ أولى وَأَحْرَى أَن يجوز. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ القَاضِي البرني: قَالَ لي يحيى بن أكتم: هَذَا كَانَ للنَّبِي خَاصَّة، وَكَذَا رُوِيَ عَن الشَّافِعِي أَنه حمله على التَّخْصِيص، وَمَوْضِع التَّخْصِيص أَنه أعْتقهَا مُطلقًا ثمَّ تزَوجهَا على غير مهر.
قَوْله: (حلوة)، بِالضَّمِّ من: الْحَلَاوَة. قَوْله: (ملاحة) ، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد اللَّام، مَعْنَاهُ: شَدِيدَة الملاحة، وَهُوَ من أبنية الْمُبَالغَة. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَكَانَت امْرَأَة ملاحة، بتَخْفِيف اللَّام، أَي: ذَات ملاحة، وفعال مُبَالغَة فِي فعيل، نَحْو كريم وكرام، وكبير وكبار، وفعال بِالتَّشْدِيدِ أبلغ مِنْهُ، وَقد ناقش ابْن حزم فِي هَذَا الْموضع مناقشة عَظِيمَة، وخلاصة مَا ذكره أَنه قَالَ: دَعْوَى الخصوصية بِالنَّبِيِّ فِي هَذَا الْموضع كذب، وَالْأَحَادِيث الَّتِي ذكرت هَهُنَا غير صَحِيحَة، وَقد ردينا عَلَيْهِ فِي جَمِيع ذَلِك فِي شرحنا (لمعاني الْآثَار) للطحاوي، فَمن أَرَادَ الْوُقُوف عَلَيْهِ فَعَلَيهِ بالمراجعة إِلَيْهِ. وَمِنْهَا: أَن الزفاف فِي اللَّيْل، وَقد جَاءَ أَنه دخل عَلَيْهَا نَهَارا فَفِيهِ جَوَاز الْأَمريْنِ. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ دلَالَة على مطلوبية الْوَلِيمَة للعرس، وَأَنَّهَا بعد الدُّخُول، وَقَالَ الثَّوْريّ: وَيجوز قبله وَبعده، وَالْمَشْهُور عندنَا أَنَّهَا سنة، وَقيل: وَاجِبَة، وَعِنْدنَا إِجَابَة الدعْوَة سنة سَوَاء كَانَت وَلِيمَة أَو غَيرهَا، وَبِه قَالَ أَحْمد وَمَالك فِي رِوَايَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِجَابَة وَلِيمَة الْعرس وَاجِبَة، وَغَيرهَا مُسْتَحبَّة، وَبِه قَالَ مَالك فِي رِوَايَة، والوليمة: عبارَة عَن الطَّعَام الْمُتَّخذ للعرس، مُشْتَقَّة من: الولم، وَهُوَ الْجمع، لِأَن الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ فَتكون الْوَلِيمَة خَاصَّة بِطَعَام الْعرس، لِأَنَّهُ طَعَام الزفاف، والوكيرة: طَعَام الْبناء، والخرس طَعَام الْولادَة، وَمَا تطعمه النُّفَسَاء نَفسهَا خرسة، والإعذار طَعَام الْخِتَان، والنقيعة طَعَام القادم من سَفَره، وكل طَعَام صنع لدَعْوَة مأدبة ومأدبة جَمِيعًا، والدعوة الْخَاصَّة: التقري، والعامة: الجفلى والأجفلى.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ إدلال الْكَبِير لأَصْحَابه وَطلب طعامهم. فِي نَحْو هَذَا، ويستجب لأَصْحَاب الزَّوْج وجيرانه مساعدته فِي الْوَلِيمَة بِطَعَام من عِنْدهم. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ الْوَلِيمَة تحصل بِأَيّ طَعَام كَانَ، وَلَا تتَوَقَّف على شَاة، وَالسّنة تقوم بِغَيْر لحم، وَا سبحانه وتعالى أعلم.
31 -
(بابٌ فِي كَمْ تصَلِّي المَرْأةُ مِنَ الثِّيابِ)
بَاب منون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هَذَا بَاب، وَلَفظ: كم، لَهَا الصدارة سَوَاء كَانَت استفهامية أَو خبرية، وَلم تبطل صدارتها هَهُنَا لِأَن الْجَار وَالْمَجْرُور فِي حكم كلمة وَاحِدَة، ومميز: كم، مَحْذُوف تَقْدِيره: كم ثوبا.
وقالَ عِكْرَمَةُ لَوْ وَارَتْ جَسَدَها فِي ثَوْبٍ لأَجَزْتُهُ.
عِكْرِمَة: هَذَا هُوَ مولى ابْن عَبَّاس، أحد فُقَهَاء مَكَّة، هَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد الرَّزَّاق وَلَفظه:(لَو أخذت الْمَرْأَة ثوبا فَتَقَنَّعت بِهِ حَتَّى لَا يرى من جَسدهَا شَيْء أَجْزَأَ عَنْهَا) ، وروى ابْن أبي شيبَة حدّثنا أَبُو أُسَامَة عَن الْجريرِي عَن عِكْرِمَة، قَالَ:(تصلي الْمَرْأَة فِي درع وخمار خصيف) ، وحدّثنا أبان بن صمعة عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ:(لَا بَأْس بِالصَّلَاةِ فِي الْقَمِيص الْوَاحِد إِذا كَانَ صفيقاً) وَذكر عَن مَيْمُونَة أَنَّهَا صلت فِي درع وخمار، وَمن طَرِيق أُخْرَى صَحِيحَة أَنَّهَا صلت فِي درع وَاحِد فضلا، وَقد وضعت بعض كمها على رَأسهَا، وَمن طَرِيق مَكْحُول عَن عَائِشَة، وَعلي: تصلي فِي درع سابغ وخمار، وَكَذَا رُوِيَ عَن أم سَلمَة من طَرِيق أم مُحَمَّد بن زيد بن مهَاجر بن قنفذ، وَمن حَدِيث لَيْث عَن مُجَاهِد: لَا تصلي الْمَرْأَة فِي أقل من أَرْبَعَة أَثوَاب، وَعَن الحكم: فِي درع وخمار وَعَن حَمَّاد درع وَمِلْحَفَة تغطي رَأسهَا. قَوْله: (لَو وارت) أَي: سترت وغطت جَازَ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:(لأجزأته) ، بِفَتْح لَام التَّأْكِيد وَسُكُون الْجِيم من الْإِجْزَاء.
27383 -
ح دّثنا أبُو الْيَمَان قالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَن الزُّهْرِيِّ قالَ أخْبرنِي عُرْوَةُ أنَّ عائِشَةَ قالَتْ لَقَدْ كانَ رسولُ اللَّهِ يُصَلِّي الفجْرَ فَيشْهَدُ مَعَهُ نِساءٌ مِنَ المُؤْمِناتِ مُتَلَفِّعاتٍ فِي مُرُوطِهِنَّ ثمَّ يَرْجِعْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أحَدٌ..
وَجه مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (متلفعات فِي مُرُوطهنَّ) لِأَن الْمُسْتَفَاد مِنْهُ صلاتهن فِي مروط، والمرط ثوب وَاحِد كَمَا سنفسره عَن قريب.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: أَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة، وَالزهْرِيّ بن مُحَمَّد بن مُسلم، وَعُرْوَة بن الزبير وَعَائِشَة رَضِي اعنها، وَالْكل تقدمُوا.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد والإخبار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل. وَفِيه: ان رُوَاته مَا بَين حمصي ومدني. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصحابية.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن عبد ابْن يُوسُف والقعنبي، وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن نصر بن عَليّ وَإِسْحَاق بن مُوسَى، كِلَاهُمَا عَن معن بن عِيسَى، ثَلَاثَتهمْ عَن مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن عمْرَة بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن مَالك بِهِ، وَعَن إِسْحَاق بن مُوسَى بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ. وَأخرجه ابْن ماجة من حَدِيث عُرْوَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لقد كَانَ) اللَّام فِيهِ جَوَاب قسم مَحْذُوف. قَوْله: (تشهد) أَي: تحضر، وَالنِّسَاء من الْجمع الَّذِي لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَهُوَ جمع امْرَأَة. قَوْله:(ملتفعات) نصب على الْحَال من النِّسَاء من التلفع، بِالْفَاءِ وَالْعين الْمُهْملَة، أَي: ملتحفات، وَرُوِيَ بِالْفَاءِ المكررة بدل الْعين، وَالْأَكْثَر على خِلَافه. قَالَ الْأَصْمَعِي: التلفع بِالثَّوْبِ أَن يشْتَمل بِهِ حَتَّى يُجَلل بِهِ جسده، وَهُوَ اشْتِمَال الصماء عِنْد الْعَرَب، لِأَنَّهُ لم يرفع جانباً مِنْهُ فَيكون فِيهِ فُرْجَة، وَهُوَ عِنْد الْفُقَهَاء مثل الاضطباع، إلَاّ أَنه فِي ثوب وَاحِد وَعَن يَعْقُوب: اللفاع: الثَّوْب تلتفع بِهِ الْمَرْأَة أَي: تلتحف بِهِ فيغيبها، وَعَن كرَاع وَهُوَ الملفع أَيْضا، وَعَن ابْن دُرَيْد: اللفاع الملحفة أَو الكساء، وَقَالَ أَبُو عمر: وَهُوَ الكساء، وَعَن صَاحب (الْعين) : تلفع بِثَوْبِهِ إِذا اضطبع بِهِ، وتلفع الرجل بالشيب كَأَنَّهُ غطى سَواد رَأسه ولحيته. وَفِي (شرح الْمُوَطَّأ) : التلفع أَن يلقِي الثَّوْب على رَأسه ثمَّ يلتف بِهِ، لَا يكون الالتفاع إلَاّ بتغطية الرَّأْس، وَقد أَخطَأ من قَالَ الالتفاع مثل الاشتمال. وَأما التلفف فَيكون مَعَ تَغْطِيَة الرَّأْس وكشفه، وَفِي (الْمُحكم) الملفعة مَا يلفع بِهِ من رِدَاء أَو لِحَاف أَو قناع. وَفِي (المغيث) : وَقيل: اللفاع النطع، وَقيل: الكساء الغليظ، وَفِي (الصِّحَاح) لفع رَأسه تلفيعاً أَي: غطاه.
قَوْله: (فِي مُرُوطهنَّ) المروط جمع مرط بِكَسْر الْمِيم، قَالَ الْقَزاز: المرط ملحفة يتزر بهَا. وَالْجمع أمراط ومروط، وَقيل: يكون المرط كسَاء من خَز أَو صوف أَو كتَّان وَفِي (الصِّحَاح) : المرط بِالْكَسْرِ. وَفِي (الْمُحكم) وَقيل: هُوَ الثَّوْب الْأَخْضَر. وَفِي (مجمع الغرائب) أكسية من شعر أسود وَعَن الْخَلِيل، هِيَ أكسية معلمة. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ الْإِزَار، وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل: لَا يكون المرط إلَاّ درعاً، وَهُوَ من خَز أَخْضَر، وَلَا يُسمى المرط إِلَّا أَخْضَر، وَلَا يلْبسهُ النِّسَاء. وَقَالَ عبد الْملك فِي (شرح الْمُوَطَّأ) : هُوَ
كسَاء صوف رَقِيق خَفِيف مربع، كن النِّسَاء فِي ذَلِك الزَّمَان يتزرن بِهِ ويلتفعن. قَوْله:(مَا يعرفهن أحد) وَفِي (سنَن ابْن مَاجَه) : يَعْنِي من الْغَلَس، وَعند مُسلم: (مَا يعرفن من الْغَلَس. ثمَّ عدم معرفتهن يحْتَمل أَن يكون لبَقَاء ظلمَة من اللَّيْل، أَو لتغطيهن بالمروط غَايَة التغطي، وَقيل: معنى مَا يعرفهن أحد، يَعْنِي مَا يعرف أعيانهن، وَهَذَا بعيد، وَالْأَوْجه فِيهِ أَن يُقَال: مَا يعرفهن أحد، أَي: أنساء هن أم رجال؟ وَإِنَّمَا يظْهر للرائي الأشباح خَاصَّة.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ من الْأَحْكَام مِنْهَا: هُوَ الَّذِي ترْجم لَهُ، وَهُوَ أَن الْمَرْأَة إِذا صلت فِي ثوب وَاحِد بالالتفاع جَازَت صلَاتهَا، لِأَنَّهُ اسْتدلَّ بِهِ على ذَلِك. فَإِن قلت: لم لَا يجوز أَن يكون التفاعهن فِي مُرُوطهنَّ فَوق ثِيَاب أُخْرَى، فَلَا يتم لَهُ الِاسْتِدْلَال بِهِ. قلت: الحَدِيث سَاكِت عَن هَذَا بِحَسب الظَّاهِر، وَلَكِن الأَصْل عدم الزِّيَادَة، واختياره يُؤْخَذ فِي عَادَته من الْآثَار الَّتِي يترجم بهَا، وَهَذَا الْبَاب مُخْتَلف فِيهِ. قَالَ ابْن بطال: اخْتلفُوا فِي عدد مَا تصلي فِيهِ الْمَرْأَة من الثِّيَاب، فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: تصلي فِي درع وخمار، وَقَالَ عَطاء: فِي ثَلَاثَة درع وَإِزَار وخمار. وَقَالَ ابْن سِيرِين. فِي أَرْبَعَة، الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة، وَمِلْحَفَة. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: عَلَيْهَا أَن تستر جَمِيع بدنهَا إلَاّ وَجههَا وكفيها، سَوَاء سترته بِثَوْب وَاحِد أَو أَكثر، وَلَا أَحسب مَا رُوِيَ من الْمُتَقَدِّمين من الْأَمر: بِثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة، إلَاّ من طَرِيق الِاسْتِحْبَاب. وَزعم أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن أَن كل شَيْء من الْمَرْأَة عَورَة حَتَّى ظفرها، وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: قدم الْمَرْأَة عَورَة، فَإِن صلت وقدمها مكشوفة أعادت فِي الْوَقْت عِنْد مَالك، وَكَذَلِكَ إِذا صلت وشعرها مَكْشُوف. وَعند الشَّافِعِي تعيد أبدا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري: قدم الْمَرْأَة لَيست بِعَوْرَة فَإِن صلت وقدمها مكشوفة صحت صلَاتهَا. وَلَكِن فِيهِ رِوَايَتَانِ عَن أبي حنيفَة.
وَمِنْهَا: أَنه احْتج بِهِ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق أَن الْأَفْضَل فِي صَلَاة الصُّبْح التغليس، وَلنَا أَحَادِيث كَثِيرَة فِي هَذَا الْبَاب رويت عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم: رَافع بن خديج، روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث مَحْمُود بن لبيد عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول ا: (أَصْبحُوا بالصبح فَإِنَّهُ أعظم لأجركم أَو أعظم لِلْأجرِ) وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا. وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن ماجة أَيْضا. قَوْله:(أَصْبحُوا بالصبح) أَي: نوروا بِهِ، ويروى:(أَصْبحُوا بِالْفَجْرِ) ، وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه، وَلَفظه:(أسفروا بِصَلَاة الصُّبْح فَإِنَّهُ أعظم لِلْأجرِ) . وَفِي لفظ لَهُ: (فَكلما أَصْبَحْتُم بالصبح فَإِنَّهُ أعظم لأجركم) . وَفِي لفظ للطبراني: (فَكلما أسفرتم بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أعظم لِلْأجرِ) . وَمِنْهُم: مَحْمُود بن لبيد، روى حَدِيثه أَحْمد فِي مُسْنده. نَحْو رِوَايَة أبي دَاوُد، وَلم يذكر فِيهِ رَافع بن خديج، ومحمود بن لبيد صَحَابِيّ مَشْهُور. كَذَا قيل: قلت: قَالَ الْمزي: مَحْمُود بن لبيد بن عصمَة بن رَافع بن امرىء الْقَيْس الأوسي، ثمَّ الأشْهَلِي. ولد على عهد رَسُول ا، وَفِي صحبته خلاف. انْتهى. قلت: ذكره مُسلم فِي التَّابِعين فِي الطَّبَقَة الثَّانِيَة، وَذكر ابْن أبي حَاتِم أَن البُخَارِيّ قَالَ: لَهُ صُحْبَة. قَالَ: وَقَالَ أبي: لَا يعرف لَهُ صُحْبَة. وَقَالَ أَبُو عمر: قَول البُخَارِيّ أولى، فعلى هَذَا يحْتَمل أَنه سمع هَذَا الحَدِيث من رَافع أَولا، فَرَوَاهُ عَنهُ ثمَّ سَمعه من النَّبِي فَرَوَاهُ عَنهُ، إلَاّ أَن فِي طَرِيق أَحْمد عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم، وَفِيه ضعف. وَمِنْهُم: بِلَال، روى حَدِيثه الْبَزَّار فِي مُسْنده نَحْو حَدِيث رَافع، وَفِيه: أَيُّوب بن يسَار، وَقَالَ الْبَزَّار: فِيهِ ضعف. وَمِنْهُم: أنس، روى حَدِيثه الْبَزَّار أَيْضا عَنهُ مَرْفُوعا. وَلَفظه:(أسفروا بِصَلَاة الصُّبْح فَإِنَّهُ أعظم لِلْأجرِ) . وَمِنْهُم: قَتَادَة ابْن النُّعْمَان، روى حَدِيثه الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه من حَدِيث عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة بن النُّعْمَان عَن أَبِيه عَن جده مَرْفُوعا نَحوه، وَرَوَاهُ الْبَزَّار أَيْضا. وَمِنْهُم: ابْن مَسْعُود، روى حَدِيثه الطَّبَرَانِيّ أَيْضا عَنهُ مَرْفُوعا نَحوه. وَمِنْهُم: أَبُو هُرَيْرَة، روى حَدِيثه ابْن حبَان عَنهُ مَرْفُوعا. وَمِنْهُم: رجال من الْأَنْصَار، أخرج حَدِيثهمْ النَّسَائِيّ من حَدِيث مَحْمُود بن لبيد عَن رجال من قومه من الْأَنْصَار، أَن النَّبِي قَالَ:(أسفروا بالصبح فَإِنَّهُ أعظم لِلْأجرِ) . وَمِنْهُم: أَبُو هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس رَضِي اعنهما، أخرج حَدِيثهمَا الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث حَفْص بن سُلَيْمَان عَن ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة:(لَا تزَال أمتِي على الْفطْرَة مَا أسفروا بِالْفَجْرِ) . وَمِنْهُم: أَبُو الدَّرْدَاء أخرجه أَبُو إِسْحَاق وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عبيد من حَدِيث أبي الزَّاهِرِيَّة عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي عليه السلام، قَالَ:(أسفروا بِالْفَجْرِ تفقهوا) . وَمِنْهُم: حَوَّاء الْأَنْصَارِيَّة، أخرج حَدِيثهَا الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن بجيد الْحَارِثِيّ عَن جدته الْأَنْصَارِيَّة، وَكَانَت من المبايعات، قَالَت: سَمِعت رَسُول الله يَقُول: (أسفروا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أعظم لِلْأجرِ) ، وَابْن بجيد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْجِيم بعْدهَا يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة: ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات، وجدته
حَوَّاء بنت زيد بن السكن أُخْت أَسمَاء بنت زيد بن السكن.
فَإِن قلت: كَانَ يَنْبَغِي أَن يكون الْإِسْفَار وَاجِبا لمقْتَضى الْأَوَامِر فِيهِ قلت: الْأَمر إِنَّمَا يدل على الْوُجُوب إِذا كَانَ مُطلقًا مُجَردا عَن الْقَرَائِن الصارفة إِلَى غَيره، وَهَذِه الْأَوَامِر لَيست كَذَلِك فَلَا تدل إلَاّ على الِاسْتِحْبَاب. فَإِن قلت: قد يؤول الِاسْتِحْبَاب فِي هَذِه الْأَحَادِيث بِظُهُور الْفجْر، وَقد قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق: معنى الْإِسْفَار أَن يصبح الْفجْر، وَلَا يشك فِيهِ، وَلم يرَوا أَن الْإِسْفَار تَأْخِير الصَّلَاة. قلت: هَذَا التَّأْوِيل غير صَحِيح، فَإِن الْغَلَس الَّذِي يَقُولُونَ بِهِ هُوَ اخْتِلَاط ظلام اللَّيْل بِنور النَّهَار، كَمَا ذكره أهل اللُّغَة، وَقبل ظُهُور الْفجْر لَا تصح صَلَاة الصُّبْح، فَثَبت أَن المُرَاد بالإسفار إِنَّمَا هُوَ التَّنْوِير، وَهُوَ التَّأْخِير عَن الْغَلَس وَزَوَال الظلمَة، وَأَيْضًا فَقَوله:(أعظم لِلْأجرِ) يقْضِي حُصُول الْأجر فِي الصَّلَاة بالغلس، فَلَو كَانَ الْإِسْفَار هُوَ وضوح الْفجْر وظهوره لم يكن فِي وَقت الْغَلَس أجر، لِخُرُوجِهِ عَن الْوَقْت، وَأَيْضًا يبطل تأويلهم ذَلِك مَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مسانيدهم، وَالطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه) من حَدِيث رَافع بن خديج، قَالَ: قَالَ رَسُول الله لِبلَال: (يَا بِلَال نوّر صَلَاة الصُّبْح حَتَّى يبصر الْقَوْم مواقع نبلهم من الْإِسْفَار) . وَحَدِيث آخر يبطل تأويلهم رَوَاهُ الإِمَام أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم بن ثَابت السَّرقسْطِي فِي كِتَابه (غَرِيب الحَدِيث) : حدّثنا مُوسَى بن هَارُون، حدّثنا مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى حدّثنا الْمُعْتَمِر سَمِعت بَيَانا أخبرنَا سعيد، قَالَ: سَمِعت أنسا يَقُول: (كَانَ رَسُول الله يُصَلِّي الصُّبْح حِين يفسح الْبَصَر) . انْتهى. يُقَال: فسح الْبَصَر وَانْفَسَحَ إِذا رأى الشَّيْء عَن بعد، يَعْنِي بِهِ إسفار الصُّبْح. فَإِن قلت: قد قيل: إِن الْأَمر بالإسفار إِنَّمَا جَاءَ فِي اللَّيَالِي المقمرة، لِأَن الصُّبْح لَا يستبين فِيهَا جدا فَأَمرهمْ بِزِيَادَة التبين استظهاراً بِالْيَقِينِ فِي الصَّلَاة. قلت: هَذَا تَخْصِيص بِلَا مُخَصص، وَهُوَ بَاطِل، وَيَردهُ أَيْضا مَا أخرجه ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: مَا اجْتمع أَصْحَاب مُحَمَّد على شَيْء مَا اجْتَمعُوا على التَّنْوِير بِالْفَجْرِ، وَأخرجه الطَّحَاوِيّ فِي (شرح الْآثَار) بِسَنَد صَحِيح، ثمَّ قَالَ: وَلَا يَصح أَن يجتمعوا على خلاف مَا كَانَ رَسُول ا. فَإِن قلت: قد قَالَ ابْن حزم: خبر الْأَمر بالإسفار صَحِيح، إلَاّ أَنه لَا حجَّة لكم فِيهِ إِذا أضيف إِلَى الثَّابِت من فعله فِي التغليس، حَتَّى إِنَّه لينصرف وَالنِّسَاء لَا يعرفن. قلت: الثَّابِت من فعله فِي التغليس لَا يدل على الْأَفْضَلِيَّة، لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون غَيره أفضل مِنْهُ، وَإِنَّمَا فعل ذَلِك للتوسعة على أمته، بِخِلَاف الْخَبَر الَّذِي فِيهِ الْأَمر، لِأَن قَوْله:(أعظم لِلْأجرِ) أفعل التَّفْضِيل، فَيَقْتَضِي أَجْرَيْنِ: أَحدهمَا أكمل من الآخر، لِأَن صِيغَة: أفعل، تَقْتَضِي الْمُشَاركَة فِي الأَصْل مَعَ رُجْحَان أحد الطَّرفَيْنِ، فحينئذٍ يَقْتَضِي هَذَا الْكَلَام حُصُول الْأجر فِي الصَّلَاة بالغلس، وَلَكِن حُصُوله فِي الْإِسْفَار أعظم وأكمل مِنْهُ، فَلَو كَانَ الْإِسْفَار لأجل تقصي طُلُوع الْفجْر لم يكن فِي وَقت الْغَلَس أجر لِخُرُوجِهِ عَن الْوَقْت.
فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن مَسْعُود: (أَنه صلى الصُّبْح بِغَلَس، ثمَّ صلى مرّة أُخْرَى فأسفر بهَا ثمَّ كَانَت صلَاته بعد ذَلِك بالغلس حَتَّى مَاتَ، لم يعد إِلَى أَن يسفر) . وَرَوَاهُ ابْن حبَان أَيْضا فِي (صَحِيحه)، كِلَاهُمَا من حَدِيث أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ. قلت: يرد هَذَا مَا أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن زيد عَن ابْن مَسْعُود، قَالَ:(مَا رَأَيْت رَسُول ا، صلى صَلَاة لغير وَقتهَا إِلَّا بِجمع، فَإِنَّهُ يجمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء بِجمع، وَصلى صَلَاة الصُّبْح من الْغَد قبل وَقتهَا) . انْتهى. قَالَت الْعلمَاء: يَعْنِي: وَقتهَا الْمُعْتَاد فِي كل يَوْم، لَا أَنه صلاهَا قبل الْفجْر، وَإِنَّمَا غلس بهَا جدا، ويوضحه رِوَايَة البُخَارِيّ:(وَالْفَجْر حِين بزغ) ، وَهَذَا دَلِيل على أَنه كَانَ يسفر بِالْفَجْرِ دَائِما، وَقل مَا صلاهَا بِغَلَس، وَبِه اسْتدلَّ الشَّيْخ فِي (الإِمَام) لِأَصْحَابِنَا. على أَن أُسَامَة بن زيد قد تكلم فِيهِ، فَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ بِشَيْء، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
فَإِن قلت: قد قَالَ الْبَيْهَقِيّ، رجح الشَّافِعِي حَدِيث عَائِشَة بِأَنَّهُ أشبه بِكِتَاب اتعالى، لِأَن اتعالى، يَقُول:{حَافظُوا على الصَّلَوَات} (الْبَقَرَة: 832) فَإِذا دخل الْوَقْت فَأولى الْمُصَلِّين بالمحافظة الْمُقدم للصَّلَاة، وَإِن رَسُول الله لَا يَأْمر بِأَن يُصَلِّي صَلَاة فِي وَقت يُصليهَا هُوَ فِي غَيره، وَهَذَا أشبه بسنن رَسُول ا. قلت: المُرَاد من الْمُحَافظَة هُوَ المداومة على إِقَامَة الصَّلَوَات فِي أَوْقَاتهَا، وَلَيْسَ فِيهَا دَلِيل على أَن أول الْوَقْت أفضل، بل الْآيَة دَلِيل لنا. لِأَن الَّذِي يسفر بِالْفَجْرِ يترقب الْإِسْفَار فِي أول الْوَقْت، فَيكون هُوَ المحافظ المداوم على الصَّلَاة، وَلِأَنَّهُ رُبمَا تقع صلَاته فِي التغليس قبل الْفجْر، فَلَا يكون محافظاً للصَّلَاة فِي وَقتهَا. فَإِن قلت: جَاءَ فِي الحَدِيث: