المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب قبلة أهل المدينة وأهل الشأم والمشرق ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة) - عمدة القاري شرح صحيح البخاري - جـ ٤

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌(كتاب التَّيَمُّم)

- ‌(بابُ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَاء ولَا تُرَاباً)

- ‌(بابُ التَّيمُّمِ فِي الحَضَرِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الماءَ وَخافَ فَوْتَ الصَّلاة)

- ‌(بَاب المُتَيَمِّمُ هَلْ يَنْفُخُ فِيهِمَا)

- ‌(بابٌ التَّيَمُّمُ لِلْوَجْهِ وَالكفَّيْنِ)

- ‌(بابٌ الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ المُسْلِمِ يَكْفِيهِ مِنَ الْماءِ)

- ‌(بَاب إِذَا خافَ الجُنُبُ على نَفْسِهِ المَرَضَ أَوَ المَوْتَ أوْ خَافَ الْعَطَشَ تيمَّم)

- ‌(بابُ التَيَمُّمِ ضَرْبَةً)

- ‌بَاب

- ‌(كِتَابُ الصَّلَاةِ)

- ‌(بابُ كَيْفَ فُرِضَتِ الصَّلواتُ فِي الإسْراءِ)

- ‌(بابُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الثِّيَابِ)

- ‌(بابُ عَقْدِ الإِزَارِ عَلَى القَفَا فِي الصَّلاةِ)

- ‌(بابٌ إذَا صَلَّى فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ فَلْيَجْعَلْ عَلَى عاتِقَيْهِ)

- ‌(بابٌ إذَا كانَ الثَّوْبُ ضَيِّقاً)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ فِي الْجُبَّةِ الشَّامِيَّةِ)

- ‌(بابُ كرَاهِيَةِ التعرِّي فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِها)

- ‌(بَاب الصَّلَاةِ فِي القَمِيصِ والسَّرَاوِيلِ والتُّبَّانِ والقَبَاءِ)

- ‌(بابُ مَا يَسْتُرُ مِنَ الْعَوْرَةِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ بغَيْرِ رِدَاءٍ)

- ‌(بابُ مَا يُذْكَرُ فِي الفَخِذِ)

- ‌(بابٌ فِي كَمْ تصَلِّي المَرْأةُ مِنَ الثِّيابِ)

- ‌(بابٌ إذَا صَلَّى فِي ثَوْب لهُ أعْلَامٌ وَنَظَر إِلَى عَلَمِها)

- ‌(بابٌ إنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مُصَلَّبٍ أوْ تصَاوِيرَ هَلْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَمَا يُنْهَى منْ ذَلِكَ

- ‌(بابُ مَنْ صَلَّى فِي فَرُّوجِ حَرِيرٍ ثُمَّ نَزَعَهُ)

- ‌(بابُ الصَّلاةِ فِي الثَّوْبِ الأحْمَرِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ فِي السُّطُوحِ وَالمِنْبَرِ والخَشَب)

- ‌(بابٌ إذَا أصابَ ثَوْبُ المصَلِّي امْرَأَتَهُ إذَا سَجَدَ)

- ‌(بابُ الصَّلاةِ عَلَى الحَصِيرِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلى الفِرَاشِ)

- ‌(بابٌ السُّجُودِ عَلى الثَّوْبِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ فِي النعالِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ فِي الخِفَافِ)

- ‌(بابٌ إذَا لَمْ يُتِم السُّجُودَ)

- ‌(بابٌ يُبْدِي ضَبْعَيْهِ ويُجَافِي فِي السجُودِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ)

- ‌(بابُ قِبْلَةِ أهْلِ المَدِينةِ وأهْلِ الشَّأَمِ والمَشْرِقِ لَيْسَ فِي المَشْرِقِ ولَا فِي المَغْرِبِ قِبْلَة)

- ‌(بابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {واتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى}

- ‌(بابُ التَّوَجُّهِ نَحْوَ القِبْلَةِ حَيْث كانَ)

- ‌(بابُ مَا جاءَ فِي القِبْلَةِ وَمَنْ لَا يَرَى الإِعادَةَ عَلى منْ سَهَا فَصَلَّى إِلَى غَيْرِ القِبْلَةِ)

- ‌(بابُ حَكِّ البُزَاقِ بِاليَدِ مِنَ المَسْجِدِ)

- ‌(بَاب حَكِّ المُخَاطِ بِالحَصَى مِنَ المَسْجِدِ)

- ‌(بابٌ لَا يَبْصُقْ عنْ يَمِينِهِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بابٌ لِيَبْزُقْ عنْ يَسَارِهِ أوْ تحْتَ قَدَمِهِ اليُسْرَى)

- ‌(بابُ كَفَّارَةِ البُزَاقِ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(حدّثنا آدَمُ قا حدّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدّثنا قَتَادَةُ قَالَ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ قَالَ قَالَ النبيُّ (البُزَاقُ فِي المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وكَفَّارَتُها دَفْنُها)

- ‌(بابُ دَفْنِ النُّخَامَةِ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابٌ إِذَا بَدَرَهُ البُزَاقُ فَلْيَأْخُذْ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ)

- ‌(بَاب عِظَةِ الإمامِ النَّاسَ فِي إتْمَامِ الصَّلاةِ وذِكْرِ القِبْلَةِ)

- ‌(بابٌ هَلْ يُقالُ مَسْجِدُ بَنِي فلَانٍ)

- ‌(بابُ الْقِسْمَةِ وتعلْيقِ الْقِنْوِ فِي الْمَسْجِد)

- ‌(بابُ مَنْ دَعا لِطَعَامٍ فى المَسْجِدِ وَمَنْ أجابَ مِنه)

- ‌(بابُ القَضاء واللِّعَانِ فِي المَسْجِدِ بَيْنَ الرِّجال والنِّساء)

- ‌(بابٌ إذَا دَخَلَ بَيْتاً يُصَلِّى حَيْثُ شاءَ أوْ حَيْثُ أمِرَ ولَا يَتَجَسَّسُ)

- ‌(بابُ المَسَاجِدِ فِي البُيُوتِ)

- ‌(بابٌ هَلْ تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكِي الجَاهِليَّةِ وَيُتَّخَذُ مَكانُهَا مَسَاجِدَ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ فِي مَوَاضِعِ الإِبِلِ)

- ‌(بابُ مَنْ صَلَّى وَقُدَّامَهُ تَنُّورٌ أَو نارٌ أَو شَيْءٌ مِمَّا يُعْبَد فَأَرَادَ بهِ وَجْهَ الله تَعَالَى)

- ‌(بابُ كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ فِي المَقَابِرِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ فِي مَوَاضِعِ الخَسْفِ وَالعَذَابِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ فِي البِيعَةِ)

- ‌(بَاب)

- ‌(بابُ قوْلِ النَّبيِّ جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً)

- ‌(بابُ نَوْمِ المَرْأةِ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ نَوْمِ الرِّجَالِ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ إذَا قَدِمَ منْ سَفَرٍ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ إذَا قَدِمَ منْ سَفَرٍ)

- ‌(بَاب إذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ المسْجِدَ فَليرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَن يَجْلِسَ)

- ‌(بابُ الحَدَثِ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ بُنْيَانِ المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ التَّعَاوُنِ فِي بِنَاءِ المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ الأَسْتِعَانَةِ بِالنَّجَّارِ والصُّنَّاعِ فِي أعْوَادِ المِنْبَرِ وَالمَسْجِدِ)

- ‌(بابُ مَنْ بَنَى مَسْجِداً)

- ‌(بابٌ يَأْخُذُ بِنُصُولِ النَّبْلِ إِذَا مَرَّ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ الشِّعْرِ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بَاب ذكر البيع وَالشِّرَاء على الْمِنْبَر فِي الْمَسْجِد)

- ‌(بابُ التقاضِي والمُلَازَمَة فيِ المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ كَنْسِ المَسْجِدِ والْتِقَاطِ الخِرَقِ والقَذَى وَالعِيدَانِ مِنْهُ)

- ‌(بابُ تحْرِيمِ تِجَارَةِ الخَمْرِ فِي المسْجِدِ)

- ‌(بابُ الخَدَمِ لِلْمَسْجِدِ)

- ‌(بابُ الأَسِيرِ أَو الغَرِيمِ يُرْبَطُ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ الإِغْتِسَالِ إِذَا أسْلَمَ وَرَبْطِ الأَسِيرِ أَيْضاً فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ الخَيْمَةِ فِي المَسْجِدِ لِلْمَرْضَى وَغَيْرِهِمْ)

- ‌(بابُ إدْخال البَعِيرِ فِي المَسجِدِ لِلْعِلَّةِ)

- ‌ بَاب

- ‌(بابُ الخَوْخَةِ وَالمَمَرِّ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ دُخولِ المُشْرِكِ المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ الحِلَقِ وَالْجُلُوسِ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ الاسْتِلْقَاءِ فِي المَسْجِدِ وَمَدِّ الرِّجْلِ)

- ‌(بابُ المَسْجِدِ يَكُونُ فِي الطرِيقِ منْ غَرِ ضَرَرٍ بِالنَّاسِ)

- ‌(بابُ الصلَاةِ فِي مَسْجِدِ السُّوقِ)

- ‌(بَاب تَشْبِيكِ الأصَابِعِ فِي المَسْجِدِ وغَيْرِهِ)

- ‌(بابُ المَسَاجِدِ الَّتِي عَلَى طُرُقِ المَدِينَةِ وَالمَوِاضِعِ الَّتِي صَلَّى فِيها النبيُّ)

- ‌(بابٌ سُتْرَةُ الإِمامِ سُتْرَةُ مَنْ خَلْفَهُ)

- ‌(بابُ قَدْرِ كِمْ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ بَيْنَ المُصَلِّي وَالسُّتْرَةِ)

- ‌(بابُ الصَلَاةِ إلَى الحَرْبَةِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ إِلَى العَنَزَةِ)

- ‌(بابُ السُّتْرَةِ بِمَكَّةَ وغَيْرِها)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ إلىَ الاسطُوَانَةِ

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ بَيْنَ السَّوَارِي فَي غَيْرِ جَمَاعَةٍ)

- ‌(بابٌ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ إِلَى الرَّاحِلَةِ والبَعَيرِ والشَّجَرِ والرَّحْلِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ إِلَى السَّرِيرِ)

- ‌(بابٌ يِرُدُّ المُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ)

- ‌(بابُ إثْمِ المَارِ بَيْنَ يَدَيِ المصَلِّي)

- ‌(بابُ اسْتِقْبالِ الرَّجُلِ وَهُوَ يُصَلِّي)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّائِمِ)

- ‌(بابُ التَّطَوُّعِ خَلْفَ المَرْأةِ)

- ‌(بابُ منْ قَالَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ)

- ‌(بابٌ منْ حَمَلَ جَارِيَةً صَغِيرَةً على عُنقِهِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بابٌ إذَا صَلَّى إلَى فِرَاشٍ فِيهِ حائِضٌ)

- ‌(بابٌ هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عِنْدَ السُّجُودِ لِكَيْ يَسْجُدَ)

- ‌(بابٌ المَرْأة تَطْرَحُ عَنِ المُصَلّى شَيْئاً مِنَ الأَذَى)

الفصل: ‌(باب قبلة أهل المدينة وأهل الشأم والمشرق ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة)

92 -

(بابُ قِبْلَةِ أهْلِ المَدِينةِ وأهْلِ الشَّأَمِ والمَشْرِقِ لَيْسَ فِي المَشْرِقِ ولَا فِي المَغْرِبِ قِبْلَة)

هَذَا الْموضع يحْتَاج إِلَى تَحْرِير قوي، فَإِن أَكثر من تصدى لشرحه لم يغنِ شَيْئا بل بَعضهم ركب البعاد وخرط القتاد، فَنَقُول، وبا التَّوْفِيق: إِن قَوْله: بَاب، إِمَّا أَن يُضَاف إِلَى مَا بعده أَو يقطع عَنهُ، وَإِن لَفْظَة: قبْلَة، بعد قَوْله: وَلَا فِي الْمغرب، إِمَّا أَن تكون مَوْجُودَة أَو لَا، وَلكُل وَاحِد من ذَلِك وَجه.

فَفِي الْقطع وَعدم وجود لَفْظَة: قبْلَة، يكون لَفْظَة. بَاب، منوناً على تَقْدِير: هَذَا بَاب. وَيجوز أَن يكون سَاكِنا مثل تعداد الْأَسْمَاء لِأَن الْإِعْرَاب لَا يكون إلَاّ بِالْعقدِ والتركيب، وَيكون قَوْله: قبْلَة أهل الْمَدِينَة، الَّذِي هُوَ كَلَام إضافي مُبْتَدأ، أَو، قَوْله: وَأهل الشَّام، بِالْجَرِّ عطفا على الْمُضَاف إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَوْله: والمشرق، بِالْجَرِّ. وَقَوله: لَيْسَ فِي الْمشرق، خبر الْمُبْتَدَأ. وَلَكِن لَا بُد فِيهِ من تقديرين: أَحدهمَا: أَن يقدر لفظ: قبْلَة، الَّذِي هُوَ الْمُبْتَدَأ بِلَفْظ: مُسْتَقْبل أهل الشَّام، لوُجُوب التطابق بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي التَّذْكِير والتأنيث. وَالثَّانِي: أَن يؤول لفظ: الْمشرق، بالتشريق، وَلَفظ: الْمغرب، بالتغريب، وَالْعرب تطلق الْمشرق وَالْمغْرب لِمَعْنى التَّشْرِيق والتغريب، قَالَه ثَعْلَب وَأنْشد.

أبعد مغربهم بَغْدَاد ساحتها

وَقَالَ ثَعْلَب: مَعْنَاهُ أبعد تغريبهم؟ فَإِن قلت: لم لم يذكر: الْمغرب، بعد قَوْله: والمشرق، مَعَ أَن الْعلَّة فيهمَا مُشْتَركَة؟ قلت: اكْتفى بذلك عَنهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {سرابيل تقيكم الْحر} (النَّحْل: 18) أَي: وَالْبرد، وَأما تَخْصِيص الْمشرق فَلِأَن أَكثر بِلَاد الْإِسْلَام فِي جِهَة الْمشرق.

وَأما فِي الْإِضَافَة، وَتَقْدِير وجود لفظ: قبْلَة، بعد قَوْله: وَلَا فِي الْمغرب، فتقديره؛ هَذَا بَاب فِي بَيَان قبْلَة أهل الْمَدِينَة وقبلة أهل الشَّام وقبلة أهل الْمشرق، ثمَّ بَين ذَلِك بِالْجُمْلَةِ الاستئنافية، وَهِي قَوْله: لَيْسَ فِي الْمشرق وَلَا فِي الْمغرب قبْلَة، وَلِهَذَا ترك العاطف، وَالْجُمْلَة الاستئنافية فِي الْحَقِيقَة جَوَاب عَن سُؤال مُقَدّر، وَهُوَ أَنه: لما قَالَ: بَاب قبْلَة أهل الْمَدِينَة وَأهل الشَّام والمشرق، انتصب سَائل فَقَالَ: كَيفَ قبْلَة هَذِه الْمَوَاضِع؟ فَقَالَ: لَيْسَ فِي الْمشرق وَلَا فِي الْمغرب قبْلَة. وَقَالَ السفاقسي: يُرِيد أَن قبْلَة هَؤُلَاءِ الْمُسلمين لَيست فِي الْمشرق مِنْهُم وَلَا فِي الْمغرب، بِدَلِيل أَن النَّبِي، أَبَاحَ لَهُم قَضَاء الْحَاجة فِي جِهَة الْمشرق مِنْهُم وَالْمغْرب. قلت: مَعْنَاهُ: الْقبْلَة مَا بَينهمَا، لما روى التِّرْمِذِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ النَّبِي: (مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب قبْلَة) . ثمَّ قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن غير وَاحِد من أَصْحَاب النَّبِي: مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب قبْلَة، مِنْهُم عمر بن الْخطاب وَعلي بن أبي طَالب وَابْن عَبَّاس، وَقَالَ ابْن عمر:(إِذا جعلت الْمغرب عَن يَمِينك والمشرق عَن يسارك فَمَا بَينهمَا قبْلَة إِذا اسْتقْبلت الْقبْلَة) وَقَوله: (مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب قبْلَة) ، لَيْسَ عَاما فِي سَائِر الْبِلَاد، وَإِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة، وَمَا وَافق قبلتها، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (الخلافيات) : وَالْمرَاد، وَا أعلم، أهل الْمَدِينَة. وَمن كَانَت قبلته على سمت أهل الْمَدِينَة. وَقَالَ أَحْمد بن خَالِد الذَّهَبِيّ: قَول عمر بن الْخطاب، رَضِي اتعالى عَنهُ: مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب قبْلَة، قَالَه بِالْمَدِينَةِ، فَمن كَانَت قبلته مثل قبْلَة الْمَدِينَة فَهُوَ من سَعَة مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب، ولسائر الْبلدَانِ من السعَة فِي الْقبْلَة مثل ذَلِك بَين الْجنُوب وَالشمَال، وَنَحْو ذَلِك؛ وَقَالَ ابْن بطال: تَفْسِير هَذِه التَّرْجَمَة يَعْنِي: وقبلة مشرق الأَرْض كلهَا إلَاّ مَا قَابل مشرق مَكَّة من الْبِلَاد الَّتِي تكون تَحت الْخط الْمَار عَلَيْهَا من الْمشرق إِلَى الْمغرب، فَحكم مشرق الأَرْض كلهَا كَحكم مشرق أهل الْمَدِينَة وَالشَّام فِي الْأَمر بالانحراف عِنْد الْغَائِط، لأَنهم إِذا شرقوا أَو غربوا لم يستقبلوا الْقبْلَة وَلم يستدبروها. قَالَ: وَأما مَا قَابل مشرق مَكَّة من الْبِلَاد الَّتِي تكون تَحت الْخط الْمَار عَلَيْهَا من مشرقها، إِلَى مغْرِبهَا فَلَا يجوز لَهُم اسْتِعْمَال هَذَا الحَدِيث، وَلَا يَصح لَهُم أَن يشرقوا. وَلَا أَن يغربوا لأَنهم إِذا شرقوا استدبروا الْقبْلَة، وَإِذا غربوا استقبلوها، وَكَذَلِكَ من كَانَ موازياً بمغرب مَكَّة إِن غرب استدبر الْقبْلَة، وَإِن شَرق اسْتَقْبلهَا، وَإِنَّمَا ينحرف إِلَى الْجنُوب أَو الشمَال، فَهَذَا هُوَ تغريبه وتشريقه.

قَالَ: وَتَقْدِير التَّرْجَمَة: بَاب قبْلَة أهل الْمَدِينَة وَأهل الشَّام والمشرق وَالْمغْرب لَيْسَ فِي التَّشْرِيق وَلَا فِي التَّغْرِيب يَعْنِي أَنهم عِنْد الانحراف للتشريق والتغريب لَيْسُوا مواجهين للْقبْلَة وَلَا مستدبرين لَهَا.

لقوْلِ النَّبيِّ (لَا تسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ بِغَائِطٍ أوْ بَوْلٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أوْ غَرِّبُوا) . هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ النَّسَائِيّ مَوْصُولا. فَقَالَ: أخبرنَا مَنْصُور، قَالَ: حدّثنا سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن عَطاء بن يزِيد عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ أَن النَّبِي، قَالَ:(لَا تستقبلوا الْقبْلَة بغائط وَلَا بَوْل وَلَكِن شرقوا أَو غربوا) . وَاحْتج البُخَارِيّ

ص: 128

بِعُمُوم هَذَا الحَدِيث، وَسوى بَين الصَّحَارِي والأبنية، وَجعله دَلِيلا للتَّرْجَمَة الَّتِي وَضعهَا، وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن فِي نفس حَدِيثه الَّذِي ذكره أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) وَالْبُخَارِيّ أَيْضا على مَا يَجِيء الْآن، مَا يدل على عكس مَا أَرَادَهُ وَذَلِكَ أَن أَبَا أَيُّوب رَضِي اتعالى عَنهُ، قَالَ فِي حَدِيثه، (فقدمنا الشَّام فَوَجَدنَا مراحيض قد بنيت نَحْو الْكَعْبَة، لَكنا ننحرف عَنْهَا، ونستغفر اعز وَجل) . قلت: لَا يرد عَلَيْهِ هَذَا أصلا لِأَن الْمَنْع لأجل تَعْظِيم الْقبْلَة وَهُوَ مَوْجُود فِي الصَّحرَاء والبنيان، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو أَيُّوب:(لَكنا ننحرف عَنْهَا ونستغفر اعز وَجل) ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة، وَبِه قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة، وَذهب الشَّافِعِي وَمَالك إِلَى أَنه يحرم اسْتِقْبَال الْقبْلَة فِي الصَّحرَاء بالبول وَالْغَائِط، وَلَا يحرم ذَلِك فِي الْبُنيان، وَقد استقصينا الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الْوضُوء.

49395 -

ح دّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حدّثنا سُفْيانُ قَالَ حدّثنا الزُّهْرِيُّ عنْ عَطاءِ بنِ يَزِيدَ عنْ أبي أيُّوب الأَنْصارِيِّ أنَّ النبيَّ قَالَ: (إِذَا أَتَيْتُمُ الْغائِطَ فَلَا تَسْتَقْبلوا القِبْلَةَ ولَا تَسْتَدْبِرُوها ولَكنْ شَرِّقُوا أوْ غَرِّبُوا) قَالَ أبُو أيُّوبَ فَقَدِمْنا الشَّأَمَ فَوَجَدْنا مَراحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ القِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى. (انْظُر الحَدِيث 441) .

مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (شرقوا أَو غربوا) لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا: لَيْسَ فِي الْمشرق وَلَا فِي الْمغرب قبْلَة، فَإِذا لم تكن فيهمَا قبْلَة يتَوَجَّه المستنجي إِلَيْهَا إِمَّا يشرق وَإِمَّا يغرب.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: عَليّ بن عبد االمديني، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب، وَاسم أبي أَيُّوب خَالِد بن زيد رَضِي اتعالى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومكي ومدني.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطَّهَارَة عَن آدم بن أبي إِيَاس عَن ابْن أبي ذِئْب عَن الزُّهْرِيّ، وَأخرجه مُسلم فِيهَا عَن يحيى بن يحيى وَزُهَيْر وَابْن نمير، وَأَبُو دَاوُد فِيهَا أَيْضا عَن مُسَدّد، وَالتِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي، خمستهم عَن سُفْيَان بِهِ، وَالنَّسَائِيّ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور عَن سُفْيَان بِهِ، وَابْن مَاجَه كَذَلِك عَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح عَن ابْن وهب عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ نَحوه.

ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: (الْغَائِط)، اسْم للْأَرْض المطمئنة لقَضَاء الْحَاجة. قَوْله:(فقدمنا الشَّام) ، وَهُوَ إقليم مَشْهُور يذكر وَيُؤَنث، وَيُقَال مهموزاً ومسهلاً، وَسميت بسام بن نوح عليه الصلاة والسلام، لِأَنَّهُ أول من نزلها، فَجعلت السِّين شيناً مُعْجمَة تغييراً للفظ الأعجمي، وَقيل: سميت بذلك لِكَثْرَة قراها وتداني بَعْضهَا من بعض فشبهت بالشامات. قَوْله: (مراحيض)، بِفَتْح الْمِيم وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة وَالضَّاد الْمُعْجَمَة: جمع مرحاض، بِكَسْر الْمِيم، وَهُوَ الْبَيْت الْمُتَّخذ لقَضَاء حَاجَة الْإِنْسَان، أَي: التغوط، قَوْله:(قبل الْكَعْبَة) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، أَي: مقابلها. قَوْله: (فننحرف) أَي: عَن جِهَة الْقبْلَة من الانحراف. ويروى: (فنتحرف) من التحرف. قَوْله: (ونستغفر اتعالى)، قيل: نَسْتَغْفِر الْمَنّ بناها فَإِن الاسْتِغْفَار للمذنبين سنة. وَقيل: نَسْتَغْفِر امن الِاسْتِقْبَال، وَقيل: نَسْتَغْفِر امن ذنُوبه. وَيُقَال: لَعَلَّ أَبَا أَيُّوب لم يبلغهُ حَدِيث ابْن عمر فِي ذَلِك وَلم يره مُخَصّصا. وَحمل مَا رَوَاهُ على الْعُمُوم، وَهَذَا الاسْتِغْفَار لنَفسِهِ لَا للنَّاس على هَذِه الْهَيْئَة. فَإِن قلت: الغالط والساهي لم يفعل إِثْمًا فَلَا حَاجَة فِيهِ إِلَى الاسْتِغْفَار. قلت: أهل الْوَرع والمناصب الْعلية فِي التَّقْوَى قد يَفْعَلُونَ مثل هَذَا بِنَاء على نسبتهم التَّقْصِير إِلَى أنفسهم فِي التحفظ ابْتِدَاء، وَقد مر مَا يستنبط مِنْهُ فِيمَا مضى فِي كتاب الْوضُوء.

وعنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عَطاءٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا أيُّوبَ عنِ النبيِّ مِثْلَهُ.

قَوْله: (وَعَن الزُّهْرِيّ) عطف على قَوْله: (حدّثنا سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ) يَعْنِي بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور أَيْضا عَن الزُّهْرِيّ عَن عَطاء بن يزِيد الْمَذْكُور، سَمِعت أَبَا أَيُّوب. وَفَائِدَة ذكره مكرراً أَن فِي الطّرق الأول عنعن الزُّهْرِيّ عَن عَطاء عَن أبي أَيُّوب، وَفِي هَذَا الطَّرِيق صرح عَطاء بِالسَّمَاعِ عَن أبي أَيُّوب، وَالسَّمَاع أقوى من العنعنة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: السماع أقوى من العنعنة. وَهِي أقوى من أَن، لَكِن فِيهِ ضعف من جِهَة التَّعْلِيق عَن الزُّهْرِيّ. قلت: الظَّاهِر مَعَ الْكرْمَانِي، وَلَكِن الحَدِيث بِهَذَا

ص: 129