الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضرب يضْرب، يُقَال: ربض فِي الأَرْض إِذا لصق بهَا، وَأقَام ملازماً لَهَا، وَاسم الْمَكَان: مربض، وَهُوَ مأوى الْغنم، وربوض الْغنم مثل بروك الْإِبِل. وَفِي (الصِّحَاح) : ربوض الْغنم وَالْبَقر وَالْفرس وَالْكَلب مثل بروك الْإِبِل، وجثوم الطير. وَضبط بَعضهم المربض، بِكَسْر الْمِيم: وَهُوَ غلط.
وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب بِعَيْنِه طرف من الحَدِيث فِي الْبَاب السَّابِق لَكِن الْمَذْكُور هُنَاكَ أَنه كَانَ يحب الصَّلَاة حَيْثُ أَدْرَكته إِذا دخل وَقتهَا، سَوَاء كَانَ فِي مرابض الْغنم أَو غَيرهَا، وَالْمَذْكُور هَهُنَا: كَانَ يُصَلِّي فِي مرابض الْغنم قبل أَن يَبْنِي الْمَسْجِد.
924 -
حدّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدّثنا شعْبَةُ عنْ أبي التَّيَّاحِ عنْ أنَسٍ قَالَ كانَ النبيّ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ ثُمَّ سَمِعْتُهُ يقُولُ كانَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ قَبْلَ أنَّ يُبْنَى المَسْجِدُ. .
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو التياح مضى ذكره فِي الْبَاب السَّابِق. وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين والعنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي بَاب أَبْوَال الْإِبِل فِي كل الْوُجُوه.
قَوْله: (ثمَّ سمعته بعد يَقُول)، قَالَ بَعضهم: هُوَ شُعْبَة، يَعْنِي: يَقُول ثمَّ سَمِعت أَبَا التياح يَقُول، بِقَيْد بعد أَن قَالَ مُطلقًا، قلت: لِمَ لَا يجوز أَن يكون الْقَائِل هُوَ أَبَا التياح سمع من أنس أَولا بِإِطْلَاق، ثمَّ سمع بِقَيْد يَعْنِي: أَبُو التياح يَقُول ثمَّ سَمِعت أنسا بعد ذَلِك القَوْل يَقُول: كَانَ يُصَلِّي إِلَى آخِره، أَشَارَ بذلك إِلَى أَن قَوْله أَولا مُطلق وَقَوله ثَانِيًا مُقَيّد، فَالْحكم أَنَّهُمَا إِذا وردا سَوَاء يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد عملا بالدليلين، وَالْمرَاد بِالْمَسْجِدِ مَسْجِد رَسُول ا، صلى اتعالى عَلَيْهِ وَآله وَسلم.
05 -
(بابُ الصَّلَاةِ فِي مَوَاضِعِ الإِبِلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الصَّلَاة فِي مَوضِع الْإِبِل، وَفِي بعض النّسخ: فِي مَوَاضِع الْإِبِل، بِالْجمعِ ثمَّ إِن البُخَارِيّ إِن إراد من مَوَاضِع الْإِبِل معاطنها فَالصَّلَاة فِيهَا مَكْرُوهَة عِنْد قوم، خلافًا لآخرين، وَإِن أَرَادَ بهَا أَعم من ذَلِك فَالصَّلَاة فِيهَا غير مَكْرُوهَة بِلَا خلاف، وعَلى كل تَقْدِير لم يذكر فِي الْبَاب حَدِيثا يدل على أحد الْفَصْلَيْنِ، وَإِنَّمَا ذكر فِيهِ الصَّلَاة إِلَى الْبَعِير وَهُوَ لَا يُطَابق التَّرْجَمَة، وَعَن هَذَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: لَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيث بَيَان أَنه صلى فِي مَوضِع الْإِبِل، وَإِنَّمَا صلى إِلَى الْبَعِير لَا فِي مَوْضِعه، وَلَيْسَ إِذا أُنِيخ الْبَعِير فِي مَوضِع صَار ذَلِك عطناً أَو مأوىً للابل. انْتهى. قلت: لِأَن العطن اسْم لمبرك الْإِبِل عِنْد المَاء ليشْرب عللاً بعد نهل، فَإِذا استوفت ردَّتْ إِلَى المراعي، وَأجَاب بَعضهم عَن كَلَام الْإِسْمَاعِيلِيّ بقوله: إِن مُرَاده الْإِشَارَة إِلَى مَا ذكر من عِلّة النَّهْي عَن ذَلِك وَهِي كَونهَا من الشَّيَاطِين، كَأَنَّهُ يَقُول: لَو كَانَ ذَلِك مَانِعا من صِحَة الصَّلَاة لامتنع مثله فِي جعلهَا أَمَام الْمُصَلِّي، وَكَذَلِكَ صَلَاة راكبها، وَقد ثَبت أَنه، صلى اتعالى عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يُصَلِّي النَّافِلَة وَهُوَ على بعيره.
قلت: سُبْحَانَ اما أبعد هَذَا الْجَواب عَن موقع الْخطاب، فَإِنَّهُ مَتى ذكر عِلّة النَّهْي عَن الصَّلَاة فِي معاطن الْإِبِل حَتَّى يُشِير إِلَيْهِ، وَلم يذكر شَيْئا فِي كِتَابه من أَحَادِيث النَّهْي فِي ذَلِك، وَإِنَّمَا ذكره غَيره، فَمُسلم ذكر حَدِيث جَابر بن سَمُرَة من رِوَايَة جَعْفَر بن أبي ثَوْر عَنهُ:(أَن رجلا سَأَلَ رَسُول ا: أأتوضأ من لُحُوم الْغنم؟ قَالَ: إِن شِئْت فَلَا تتوضأ. قَالَ: أتوضأ من لُحُوم الْإِبِل؟ قَالَ: فَتَوَضَّأ من لُحُوم الْإِبِل. قَالَ: أُصَلِّي فِي مرابض الْغنم؟ قَالَ: نعم، قَالَ: أُصَلِّي فِي مبارك الْإِبِل؟ قَالَ: لَا.) وَأَبُو دَاوُد ذكر حَدِيث الْبَراء من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى. وَفِيه: (سُئِلَ عَن الصَّلَاة فِي مبارك الْإِبِل فَقَالَ: لَا تصلوا فِي مبارك الْإِبِل، فَإِنَّهَا من الشَّيَاطِين) . وَالتِّرْمِذِيّ ذكر حَدِيث أبي هُرَيْرَة من حَدِيث ابْن سِيرِين عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول ا،:(صلوا فِي مرابض الْغنم وَلَا تصلوا فِي أعطان الْإِبِل) . وَابْن مَاجَه ذكر حَدِيث سُبْرَة بن معبد من رِوَايَة عبد الْملك بن الرّبيع بن سُبْرَة ابْن معبد الْجُهَنِيّ أَخْبرنِي عَن أَبِيه أَن رَسُول الله قَالَ: (لَا تصلي فِي أعطان الْإِبِل وَتصلي فِي مراح الْغنم) . وَذكر ابْن مَاجَه أَيْضا حَدِيث عبد اللَّه بن مُغفل من رِوَايَة الْحسن عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول ا: (صلوا فِي مرابض الْغنم وَلَا تصلوا فِي أعطان الْإِبِل فَإِنَّهَا خلف من الشَّيَاطِين) . وَذكر أَيْضا حَدِيث ابْن عمر من حَدِيث محَارب بن دثار، يَقُول: سَمِعت
عبد اللَّه بن عمر يَقُول: سَمِعت رَسُول ا، صلى اتعالى عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول:(توضأوا من لُحُوم الْإِبِل) . الحَدِيث. وَفِيه: (وَلَا تصلوا فِي معاطن الْإِبِل) . وَذكر الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) حَدِيث أسيد بن حضير. قَالَ: قَالَ رَسُول ا، صلى اتعالى عَلَيْهِ وَسلم:(توضأوا من لُحُوم الْإِبِل وَلَا تصلوا فِي مناخها) . وَأخرج أَيْضا فِي (الْكَبِير) حَدِيث سليك الْغَطَفَانِي عَن النَّبِي يعلى فِي (مُسْنده) حَدِيث طَلْحَة بن عبيد اللَّه، قَالَ:(كَانَ رَسُول الله يتَوَضَّأ من ألبان الْإِبِل ولحومها وَلَا يُصَلِّي فِي أعطانها) . وَذكر أَحْمد فِي (مُسْنده) حَدِيث عبد اللَّه بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَن النَّبِي: (كَانَ يُصَلِّي فِي مرابض الْغنم وَلَا يُصَلِّي فِي مرابد الْإِبِل وَالْبَقر) وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) أَيْضا وَلَفظه: (لَا تصلوا فِي أعطان الْإِبِل وصلوا فِي مراح الْغنم) . وَذكر الطَّبَرَانِيّ أَيْضا، من حَدِيث عقبَة بن عَامر فِي (الْكَبِير) و (الْأَوْسَط) عَن النَّبِي قَالَ:(صلوا فِي مرابض الْغنم وَلَا تصلوا فِي أعطان الْإِبِل أَو فِي مبارك الْإِبِل) . وَذكر أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ أَيْضا حَدِيث يعِيش الْجُهَنِيّ الْمَعْرُوف بِذِي الْغرَّة من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَنهُ، قَالَ:(عرض أَعْرَابِي لرَسُول ا) . الحَدِيث، وَفِيه:(تدركنا الصَّلَاة وَنحن فِي أعطان الْإِبِل فنصلي فِيهَا؟ فَقَالَ رَسُول ا: لَا) . وَأخرجه أَحْمد أَيْضا. .
فَهَذَا كَمَا رَأَيْت وَقع فِي مَوضِع: مبارك الْإِبِل، وَفِي مَوضِع: أعطان الْإِبِل، وَفِي مَوضِع: مناخ الْإِبِل، وَفِي مَوضِع: مرابد الْإِبِل. وَوَقع عِنْد الطَّحَاوِيّ فِي حَدِيث جَابر بن سَمُرَة: (أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول اأصلي فِي مباءة الْغنم؟ قَالَ: نعم، قَالَ: أُصَلِّي فِي مباءة الْإِبِل؟ قَالَ: لَا، والمباءة الْمنزل الَّذِي تأوي إِلَيْهِ الْإِبِل) . والأعطان جمع عطن وَقد فسرناه، وَالْمبَارك جمع مبرك وَهُوَ مَوضِع بروك الْجمل فِي أَي مَوضِع كَانَ، والمناخ، بِضَم الْمِيم وَفِي آخِره خاء مُعْجمَة: الْمَكَان الَّذِي تناخ فِيهِ الْإِبِل، والمرابد هِيَ، بِالدَّال الْمُهْملَة: الْأَمَاكِن الَّتِي تحبس فِيهَا الْإِبِل وَغَيرهَا من الْبَقر وَالْغنم. وَقَالَ ابْن حزم: كل عطن فَهُوَ مبرك، وَلَيْسَ كل مبرك عطناً، لِأَن العطن هُوَ الْموضع الَّذِي تناخ فِيهِ عِنْد وُرُودهَا المَاء فَقَط، والمبرك أَعم، لِأَنَّهُ الْموضع الْمُتَّخذ لَهُ فِي كل حَال، فَإِذا كَانَ كَذَلِك تكره الصَّلَاة فِي مبارك الْإِبِل ومواضعها، سَوَاء كَانَت عطناً أَو منَاخًا أَو مباءةً أَو مرابد أَو غير ذَلِك. فَدلَّ هَذَا كُله أَن عِلّة النَّهْي فِيهِ كَونهَا خلقت من الشَّيَاطِين وَلَا سِيمَا فَإِنَّهُ علل ذَلِك بقوله:(فَإِنَّهَا خلقت من الشَّيَاطِين)، وَقد مر فِي رِوَايَة أبي دَاوُد:(فَإِنَّهَا من الشَّيَاطِين)، وَفِي راوية ابْن مَاجَه:(فَإِنَّهَا خلقت من الشَّيَاطِين) ، فَهَذَا يدل على أَن الْإِبِل خلقت من الْجِنّ، لِأَن الشَّيَاطِين من الْجِنّ على الصَّحِيح من الْأَقْوَال، وَعَن هَذَا قَالَ يحيى بن آدم: جَاءَ النَّهْي من قبل أَن الْإِبِل يخَاف وثوبها فتعطب من تلاقي حينئذٍ أَلا ترى أَنه يَقُول: إِنَّهَا جن، وَمن جن خلقت، واستصوب هَذَا أَيْضا القَاضِي عِيَاض.
وَذكروا أَيْضا أَن عِلّة النَّهْي فِيهِ من ثَلَاثَة أوجه أُخْرَى:
أَحدهَا: من شريك بن عبد اللَّه أَنه كَانَ يَقُول: نهي عَن الصَّلَاة فِي أعطان الْإِبِل لِأَن أَصْحَابهَا من عَادَتهم التغوط بِقرب إبلهم وَالْبَوْل، فينجسون بذلك أعطان الْإِبِل، فَنهى عَن الصَّلَاة فِيهَا لذَلِك، لَا لعِلَّة الْإِبِل، وَإِنَّمَا هُوَ لعِلَّة النَّجَاسَة الَّتِي تمنع من الصَّلَاة فِي أَي مَوضِع مَا كَانَت، بِخِلَاف مرابض الْغنم، فَإِن أَصْحَابهَا من عَادَتهم تنظيف مواضعهم وتترك الْبَوْل فِيهَا والتغوط، فأبيحت الصَّلَاة فِي مرابضها لذَلِك، وَهَذَا بعيد جدا مُخَالف لظَاهِر الحَدِيث.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن عِلّة النَّهْي هِيَ كَون أبوالها وأرواثها فِي معاطنها، وَهَذَا أَيْضا بعيد أَيْضا لِأَن مرابض الْغنم تشركها فِي ذَلِك.
وَالْوَجْه الثَّالِث: ذكره يحيى بن آدم. أَن الْعلَّة فِي اجْتِنَاب الصَّلَاة فِي معاطن الْإِبِل: الْخَوْف من قبلهَا، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن، بِخِلَاف الْغنم، لِأَنَّهُ لَا يخَاف مِنْهَا مَا يخَاف من الْإِبِل. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: إِن كَانَت الْعلَّة هِيَ مَا قَالَ شريك فَإِن الصَّلَاة مَكْرُوهَة حَيْثُ يكون الْغَائِط وَالْبَوْل سَوَاء كَانَ عطنا أَو غَيره، وَإِن كَانَ مَا قَالَه يحيى، فَإِن الصَّلَاة مَكْرُوهَة حَيْثُ يخَاف على النُّفُوس، سَوَاء كَانَ عطناً أَو غَيره، وغمز بَعضهم فِي الطَّحَاوِيّ بقوله: قَالَ إِن النّظر يَقْتَضِي عدم التَّفْرِقَة بَين الْإِبِل وَالْغنم فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا، كَمَا هُوَ مَذْهَب أَصْحَابه، وَتعقب بِأَنَّهُ مُخَالف للأحاديث الصَّحِيحَة المصرحة بالتفرقة، فَهُوَ قِيَاس فَاسد الِاعْتِبَار.
قلت: هَذَا الْكَلَام فَاسد الِاعْتِبَار لِأَن الطَّحَاوِيّ مَا قَالَ قطّ: إِن النّظر يَقْتَضِي عدم التَّفْرِقَة، وَإِنَّمَا قَالَ: حكم هَذَا الْبَاب من طَرِيق النّظر أَنا رأيناهم لَا يَخْتَلِفُونَ فِي مرابض الْغنم أَن الصَّلَاة فِيهَا جَائِزَة، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي أعطان الْإِبِل، فقد رَأينَا حكم لحْمَان الْإِبِل كَحكم لحْمَان الْغنم فِي طَهَارَتهَا، ورأينا حكم أبوالها كَحكم أبوالها فِي طَهَارَتهَا أَو نجاستها، فَكَانَ يَجِيء فِي النّظر أَيْضا أَن يكون حكم الصَّلَاة فِي مَوَاضِع الْإِبِل
كَهُوَ فِي مَوَاضِع الْغنم قِيَاسا، ونظراً على مَا ذكرنَا، فَمن تَأمل مَا قَالَه علم أَن الْقيَاس الَّذِي ذكره لَيْسَ من جِهَة عدم التَّفْرِقَة، وَلَيْسَ هُوَ بمخالف للأحاديث الصَّحِيحَة المصرحة بالتفرقة، وَإِنَّمَا ذهب إِلَى عدم التَّفْرِقَة من حَيْثُ مُعَارضَة حَدِيث صَحِيح تِلْكَ الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة. وَهُوَ قَوْله:(جعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا) ، فعمومه يدل على جَوَاز الصَّلَاة فِي أعطان الْإِبِل وَغَيرهَا بعد أَن كَانَت طَاهِرَة، وَهُوَ مَذْهَب جُمْهُور الْعلمَاء، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَآخَرُونَ وكرهها الْحسن الْبَصْرِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر، وَعَن أَحْمد فِي رِوَايَة مَشْهُورَة عَنهُ أَنه إِذا صلى فِي أعطان الْإِبِل فَصلَاته فَاسِدَة، وَهُوَ مَذْهَب أهل الظَّاهِر. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: لَا بَأْس بِالصَّلَاةِ فِيهَا. وَقَالَ أصبغ: يُعِيد فِي الْوَقْت وَفِي (شرح التِّرْمِذِيّ) وَحمل الشَّافِعِي وَجُمْهُور الْعلمَاء النَّهْي عَن الصَّلَاة فِي معاطن الْإِبِل على الْكَرَاهَة إِذا كَانَ بَينه وَبَين النَّجَاسَة الَّتِي فِي أعطانها حَائِل، فَإِن لم يكن بَينهمَا حَائِل لَا تصح صلَاته.
قلت: إِذا لم يكن بَين الْمُصَلِّي وَبَين النَّجَاسَة حَائِل لَا تجوز صلَاته فِي أَي مَكَان كَانَ، وَجَوَاب آخر عَن الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة: إِن النَّهْي فِيهَا للتنزيه كَمَا أَن الْأَمر فِي مرابض الْغنم للْإِبَاحَة وَلَيْسَ للْوُجُوب اتِّفَاقًا وَلَا للنذب. فَإِن قلت: فِي حَدِيث الْبَراء عِنْد أبي دَاوُد: (وَسُئِلَ عَن الصَّلَاة فِي مرابض الْغنم؟ فَقَالَ: صلوا فَإِنَّهَا بركَة) . وَعند الطَّبَرِيّ فِي حَدِيث عبد اللَّه بن مُغفل: (فَإِنَّهَا بركَة من الرَّحْمَن)، وَفِي رِوَايَة أَحْمد:(فَإِنَّهَا أقرب من الرَّحْمَة)، وَعند الْبَزَّار من حَدِيث أبي هُرَيْرَة:(فَإِنَّهَا من دَوَاب الْجنَّة) . فَكل هَذَا يدل على اسْتِحْبَاب الصَّلَاة فِي مرابض لما فِيهَا من الْبركَة، وَقرب الرَّحْمَة قلت: ذكر هَذَا للترغيب فِي الْغنم لإبعادها عَن حكم الْإِبِل، إِذا وصف أَصْحَاب الْإِبِل بالغلظ وَالْقَسْوَة، وَوصف أَصْحَاب الْغنم بِالسَّكِينَةِ، وَلَا تعلق لاستحباب الصَّلَاة بمرابض الْغنم، فَإِن قلت: مرابد الْبَقر هَل تلْحق بمرابض الْغنم أم بمرابد الْإِبِل؟ قلت: ذكر أَبُو بكر بن الْمُنْذر أَنَّهَا مُلْحقَة بمرايد الْغنم، فَلَا تكره الصَّلَاة فِيهَا. فَإِن قلت: فِي حَدِيث عبد اللَّه بن عَمْرو من مُسْند أَحْمد إلحاقها بِالْإِبِلِ كَمَا تقدم قلت: فِي إِسْنَاده عبد اللَّه بن لَهِيعَة، وَالْكَلَام فِيهِ مَشْهُور.
91 -
(حَدثنَا صَدَقَة بن الْفضل قَالَ أخبرنَا سُلَيْمَان بن حَيَّان قَالَ حَدثنَا عبيد الله عَن نَافِع قَالَ رَأَيْت ابْن عمر يُصَلِّي إِلَى بعيره وَقَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - يَفْعَله) قد ذكرنَا أَن هَذَا الحَدِيث يخبر أَنه يصلى إِلَى الْبَعِير لَا فِي مَوْضِعه فَلَا تطابق لَهُ للتَّرْجَمَة وَقد ذكر بَعضهم فَقَالَ كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى أَن الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي التَّفْرِقَة بَين الْإِبِل وَالْغنم لَيست على شَرطه لَكِن لَهَا طرق قَوِيَّة مِنْهَا حَدِيث جَابر بن سَمُرَة عِنْد مُسلم وَحَدِيث الْبَراء بن عَازِب عِنْد أبي دَاوُد وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد التِّرْمِذِيّ وَحَدِيث عبد الله بن مُغفل عِنْد النَّسَائِيّ وَحَدِيث سُبْرَة بن معبد عِنْد ابْن ماجة وفيهَا كلهَا التَّعْبِير بمعاطن الْإِبِل انْتهى (قلت) لَيْت شعري مَا وَجه هَذِه الْإِشَارَة وَبِمَا دلّ على مَا ذكر وَقَوله وفيهَا كلهَا التَّعْبِير بمعاطن الْإِبِل لَيْسَ كَذَلِك فَإِن الْمَذْكُور فِي حَدِيث جَابر بن سَمُرَة مبارك الْإِبِل وَالْمبَارك غير المعاطن لِأَن المبرك أَعم وَقد ذَكرْنَاهُ وَكَذَلِكَ الْمَذْكُور فِي رِوَايَة أبي دَاوُد لفظ الْمُبَارك. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول صَدَقَة بن الْفضل أَبُو الْفضل الْمروزِي مَاتَ سنة ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَقد تقدم فِي بَاب الْعلم والعظة بِاللَّيْلِ. الثَّانِي سُلَيْمَان بن حَيَّان بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون منصرفا وَغير منصرف أَبُو خَالِد الْأَحْمَر الْأَزْدِيّ الْجَعْفَرِي الْكُوفِي الإِمَام مَاتَ سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَة. الثَّالِث عبيد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب كَانَ من سَادَات أهل الْمَدِينَة فضلا وَعبادَة وَتُوفِّي سنة سبع وَأَرْبَعين وَمِائَة. الرَّابِع نَافِع مولى ابْن عمر تقدم. الْخَامِس عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه القَوْل والرؤية فِي موضِعين وَفِيه أَن رُوَاته مَا بَين مروزي وكوفي ومدني. (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا يَأْتِي ذكره عَن قريب وَترْجم عَلَيْهِ بَاب الصَّلَاة إِلَى الرَّاحِلَة وَالْبَعِير وَالشَّجر والرحل عَن مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي الْبَصْرِيّ قَالَ حَدثنَا مُعْتَمر بن سُلَيْمَان إِلَى آخِره وَأخرجه مُسلم مُنْقَطِعًا وروى الشّطْر الأول عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَابْن نمير عَن أبي خَالِد الْأَحْمَر قَالَ ابْن أبي شيبَة كَانَ يُصَلِّي إِلَى رَاحِلَته وَقَالَ ابْن نمير صلى إِلَى بعير وروى الشّطْر الثَّانِي