الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رقبته يحمل عَلَيْهَا الْحِجَارَة، فَإِنِّي لأقبل مَعَهم كَذَلِك وَأدبر إِذْ لكمني لَا كم، مَا أرَاهُ إلَاّ لكمة وجيعة، ثمَّ قَالَ شدّ عَلَيْك إزارك. فَأَخَذته فشددته عَليّ ثمَّ جعلت أحمل الْحِجَارَة على رقبتي وإزاري عَليّ من بَين أَصْحَابِي) . وَقَالَ السُّهيْلي: وَحَدِيث ابْن إِسْحَاق هَذَا إِن صَحَّ فَهُوَ مَحْمُول على أَن هَذَا الْأَمر كَانَ مرَّتَيْنِ، فِي حَال صغره. وَعند بُنيان الْكَعْبَة. قَوْله:(وَعَلِيهِ إِزَار) ويروى: (عَلَيْهِ إزَاره) ، بالضمير، وَهَذِه الْجُمْلَة حَال بِالْوَاو، وَفِي بعض النّسخ بِلَا وَاو. قَوْله:(عَمه) مَرْفُوع لِأَنَّهُ عطف بَيَان. قَوْله: (لَو حللت)، جَوَاب: لَو، مَحْذُوف إِن كَانَت شَرْطِيَّة، وَتَقْدِير: لَو حللت إزارك لَكَانَ أسهل عَلَيْك، وَيجوز أَن تكون: لَو، لِلتَّمَنِّي فَلَا تحْتَاج إِلَى جَوَاب حينئذٍ. قَوْله:(فَجعلت) أَي الْإِزَار، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:(فَجَعَلته)، بالضمير. وَجَاء فِي رِوَايَة غير (الصَّحِيحَيْنِ) :(إِن الْملك نزل عَلَيْهِ فَشد إزَاره) . قَوْله: (قَالَ: فَحله)، يحْتَمل أَن يكون مقول جَابر أَو مقول من حَدثهُ. قَوْله:(فَسقط) أَي: رَسُول الله مغشياً عَلَيْهِ، أَي مغمى عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لانكشاف عَوْرَته. قَوْله:(فَمَا رُؤِيَ)، بِضَم الرَّاء بعْدهَا همزَة مَكْسُورَة وَيجوز كسر الرَّاء بعْدهَا يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة ثمَّ همزَة مَفْتُوحَة. وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ:(فَلم يتعرَّ بعد ذَلِك)، قَوْله:(عُريَانا) نصب على أَنه مفعول ثَان لرؤي.
ذكر مَا فِيهِ من الْفَوَائِد مِنْهَا: أَن النَّبِي كَانَ فِي صغره محمياً عَن القبائح، وأخلاق الْجَاهِلِيَّة، منزهاً عَن الرذائل والمعايب قبل النُّبُوَّة وَبعدهَا. وَمِنْهَا: أَنه كَانَ جبله اتعالى على أحسن الْأَخْلَاق وَالْحيَاء الْكَامِل حَتَّى كَانَ أَشد حَيَاء من الْعَذْرَاء فِي خدرها، فَلذَلِك غشي عَلَيْهِ، وَمَا رُؤِيَ بعد ذَلِك عُريَانا. وَمِنْهَا: أَنه لَا يجوز التعري للمرء بِحَيْثُ تبدو عَوْرَته لعين النَّاظر إِلَيْهَا، وَالْمَشْي عُريَانا بِحَيْثُ لَا يَأْمَن أعين الْآدَمِيّين إلَاّ مَا رخص فِيهِ من رُؤْيَة الحلائل لِأَزْوَاجِهِنَّ عُرَاة. قَالُوا: وَقد دلّ حَدِيث الْعَبَّاس الْمَذْكُور أَنه لَا يجوز التعري فِي الْخلْوَة، وَلَا لأعين النَّاس. وَقيل: إِنَّمَا مخرج القَوْل مِنْهُ للْحَال الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، فَحَيْثُ كَانَت قُرَيْش رجالها ونساؤها تنقل مَعَه الْحِجَارَة، فَقَالَ: نهيت أَن أَمْشِي عُريَانا فِي مثل هَذِه الْحَالة، لَو كَانَ ذَلِك نهيا عَن التعري فِي كل مَكَان لَكَانَ قد نَهَاهُ عَنهُ فِي غسل الْجَنَابَة فِي الْموضع الَّذِي قد أَمن أَن يرَاهُ فِيهِ أحد، وَلكنه نَهَاهُ عَن التعري بِحَيْثُ يرَاهُ فِيهِ أحد، وَالْقعُود بِحَيْثُ يرَاهُ من لَا يحل لَهُ أَن يرى عَوْرَته فِي معنى الْمَشْي عُريَانا، وَلذَلِك نهى الشَّارِع عَن دُخُول الْحمام بِغَيْر إِزَار فَإِن قلت: روى الْقَاسِم عَن أبي أُمَامَة مَرْفُوعا: (لَو أَسْتَطِيع أَن أواري عورتي من شعاري لواريتها) . وَقَالَ عَليّ رَضِي اتعالى عَنهُ: (إِذا كشف الرجل عَوْرَته أعرض عَنهُ الْملك) . وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ: (إِنِّي لأغتسل فِي الْبَيْت المظلم فَمَا أقيم صلبي حَيَاء من رَبِّي) . قلت: كل ذَلِك مَحْمُول على الِاسْتِحْبَاب لاستعمال السّتْر، لَا على الْحُرْمَة، وَفِي (التَّوْضِيح) : إِذا أَوجَبْنَا السّتْر فِي الْخلْوَة فَهَل يجوز أَن ينزل فِي مَاء النَّهر وَالْعين بِغَيْر مئزر؟ وَجْهَان: أَحدهمَا: لَا، للنَّهْي عَنهُ، وَالثَّانِي: نعم، لِأَن المَاء يقوم مقَام المئزر فِي ستر الْعَوْرَة، وَا أعلم.
9 -
(بَاب الصَّلَاةِ فِي القَمِيصِ والسَّرَاوِيلِ والتُّبَّانِ والقَبَاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الصَّلَاة فِي الْقَمِيص إِلَى آخِره. الْقَمِيص مَعْرُوف، وَجمعه: قمصان وأقمصة، وقمصه تقميصاً وتقمصة أَي؛ لبسه: والسراويل أعجمي عرّب، نقل سِيبَوَيْهٍ عَن يُونُس، وَزعم ابْن سَيّده أَنه فَارسي مُعرب يذكر وَيُؤَنث، وَلم يعرف الْأَصْمَعِي فِيهَا إِلَّا التَّأْنِيث، وَالْجمع سراويلات، وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: لَا تكسر لِأَنَّهُ لَو كسر لم يرجع إلَاّ إِلَى لفظ الْوَاحِد فَترك. وَيُقَال. هُوَ جمع سروالة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم السجسْتانِي: السَّرَاوِيل، مؤنث لَا يذكرهَا أحد علمناه، وَبَعض الْعَرَب يظنّ السَّرَاوِيل جمَاعَة، وَسمعت من الْأَعْرَاب من يَقُول: الشروال بالشين الْمُعْجَمَة. قلت: وَلما استعملته الْعَرَب بدلُوا الشين سيناً ثمَّ جَمَعُوهُ على سَرَاوِيل، وَقد يُقَال فِيهِ: سراوين، بالنُّون مَوضِع اللَّام، وَفِي (الْجَامِع) للقزاز: سَرَاوِيل وسروال وسرويل، ثَلَاث لُغَات. والتبان، بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة. قَالَ فِي (الْمُحكم) : التبَّان يشبه السَّرَاوِيل يذكر. وَفِي (الصِّحَاح) : التبَّان سَرَاوِيل صَغِير مِقْدَار شبر يستر الْعَوْرَة الْمُغَلَّظَة، فقد يكون للملاحين. قلت: وَهُوَ عِنْد الْعَجم من جلد بِلَا رجلَيْنِ يلْبسهُ المصارعون. والقبا، بِفَتْح الْقَاف وَالْبَاء الْمُوَحدَة المخففة. قَالَ الْكرْمَانِي: مَمْدُود، وَتَبعهُ على ذَلِك بَعضهم. قلت: لم يذكر غَيره، بل الظَّاهِر أَنه مَقْصُور. وَفِي كتاب الجواليقي: قَالَ بَعضهم: هُوَ فَارسي مُعرب، وَقيل: عَرَبِيّ واشتقاقه من: القبو، وَهُوَ الضَّم وَالْجمع
وَقَالَ أَبُو عَليّ: سمي قبَاء لتقبضه، وقبوت الشَّيْء: جمعته، وَقَالَ أَبُو عبيد: هُوَ اليلمق، فَارسي مُعرب، والقردماني. وَقَالَ السيرافي: قبَاء محشو، وَقَالَ فِي (الْجَامِع) : سمي قبَاء لِأَنَّهُ يضم لابسه. وَفِي (الصِّحَاح) : تقبيت إِذا لبست قبَاء، وَفِي (الْمُحكم) : قبا الشَّيْء قبواً جمعه بأصابعه، والقبوة انضمام مَا بَين الشفتين، والقباء من الثِّيَاب مُشْتَقّ من ذَلِك لانضمام أَطْرَافه، وَالْجمع: أقبية، وَفِي (مجمع الغرائب) للفارسي، عَن كَعْب: أول من لبس القباء سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَكَانَ إِذا أَدخل رَأسه فِي الثِّيَاب لنصت الشَّيَاطِين، يَعْنِي: فصلت أنوفها. وَزعم أَبُو مُوسَى فِي (المغيث) بِالسِّين: لنست.
563 -
ح دّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ قالَ حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ مُحَمَّدٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ قامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ فَسَأَلَهُ عنِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ فَقَالَ أَوَ كُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ ثُمَّ سأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ فَقالَ إذَا وَسَّعَ اللَّهُ فَأَوْسِعُوا جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثيابَهُ صَلَّى رَجُلٌ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ فِي إزَارٍ وَقَمِيصٍ فِي إزَارٍ وَقَباءٍ فِي سَراوِيلَ وَرِدَاءٍ فِي سَرَاوِيلَ وَقَمِيصٍ فِي سَرَاوِيلَ وَقَباءٍ فِي تُبَّانٍ وَقَمِيصٍ قالَ وَأحْسِبُهُ قالَ فِي تُبَّانٍ وَرِداءٍ. (انْظُر الحَدِيث 853) .
مُطَابقَة هَذَا للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهَا فِي ذكر الصَّلَاة فِي الْأَشْيَاء الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة، وصدرُ هَذَا الحَدِيث، أَعنِي الْمَرْفُوع مِنْهُ، قد تقدم الْكَلَام فِيهِ فِي آخر بَاب الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد ملتحفاً بِهِ، لِأَنَّهُ رَوَاهُ هُنَاكَ عَن عبد ابْن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة:(أَن سَائِلًا سَأَلَ رَسُول الله عَن الصَّلَاة فِي ثوب وَاحِد، فَقَالَ رَسُول ا: أَو لكلكم ثَوْبَان؟) . وَهَهُنَا عَن سُلَيْمَان بن حَرْب الخ.
وَأَيوب: هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين، وَقد تقدمُوا غير مرّة.
قَوْله: (أَو لكلكم؟) بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام وواو الْعَطف، أَي: لَا يجد كل وَاحِد ثَوْبَيْنِ، فَلهَذَا تصح الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد. قَوْله:(ثمَّ سَأَلَ رجل عمر) أَي: سَأَلَ عَن الصَّلَاة فِي ثوب وَاحِد، وَلم يسم الرجل فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون ابْن مَسْعُود، لِأَنَّهُ اخْتلف هُوَ وَأبي بن كَعْب رَضِي اتعالى عَنْهُمَا؛ فِي ذَلِك. فَقَالَ أبي: الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد، يَعْنِي لَا تكره. وَقَالَ ابْن مَسْعُود: إِنَّمَا كَانَ ذَلِك وَفِي الثِّيَاب قلَّة، فَقَالَ عمر: القَوْل مَا قَالَ أبي، وَلم يأل ابْن مَسْعُود أَي: لم يقصر. قلت: اخْتِلَاف أبي وَابْن مَسْعُود فِي ذَلِك لَا يدل على أَن السَّائِل من عمر هُوَ ابْن مَسْعُود بِعَيْنِه، وَيحْتَمل أَن يكون أبي، وَالِاحْتِمَال مَوْجُود فيهمَا، مَعَ أَنه حدس وتخمين. وَأما اخْتِلَافهمَا فِي ذَلِك فقد أخرجه عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عُيَيْنَة عَن عمر وَعَن الْحسن قَالَ: اخْتلف أبي بن كَعْب وَابْن مَسْعُود فِي الصَّلَاة فِي ثوب وَاحِد، فَقَالَ أبي: لَا بَأْس بِهِ، وَقَالَ ابْن مَسْعُود: إِنَّمَا كَانَ ذَلِك إِذْ كَانَ النَّاس لَا يَجدونَ ثيابًا. فَأَما إِذا وجدوها فَالصَّلَاة فِي ثَوْبَيْنِ. فَقَامَ عمر على الْمِنْبَر فَقَالَ: الصَّوَاب مَا قَالَ أبي لَا مَا قَالَ ابْن مَسْعُود. قَوْله: (فَقَالَ: إِذا وسع ا) أَي: فَقَالَ عمر فِي جَوَاب الرجل الَّذِي سَأَلَهُ عَن الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد.
قَوْله: (جمع رجل عَلَيْهِ) الخ من بَقِيَّة قَول عمر. وتتمة كَلَامه، وَالضَّمِير فِي: عَلَيْهِ، يرجع إِلَى الرجل: أَي جمع رجل على نَفسه ثِيَابه، وَلَفظه: جمع، وَإِن كَانَت صِيغَة الْمَاضِي وَلَكِن المُرَاد مِنْهَا الْأَمر، وَكَذَلِكَ قَوْله:(صلى) . فَلذَلِك قَالَ ابْن بطال: يُرِيد ليجمع عَلَيْهِ ثِيَابه وَليصل فِيهَا، ذكره بِلَفْظ الْمَاضِي وَمرَاده الْمُسْتَقْبل، كَقَوْلِه تَعَالَى:{وَإِذ قَالَ ايا عِيسَى ابْن مَرْيَم أَأَنْت قلت للنَّاس} (الْمَائِدَة: 611) وَالْمعْنَى: يَقُول ا، يدل عَلَيْهِ قَول عِيسَى عليه الصلاة والسلام:{مَا قلت لَهُم إلَاّ مَا أَمرتنِي بِهِ} (الْمَائِدَة: 711) . قَوْله: (صلى رجل) . أَي: ليصل رجل فِي إِزَار ورداء، وَهَذِه تسع صور. الأولى: هَذِه، وَالْفرق بَين الْإِزَار والرداء بِحَسب الْعرف، لِأَن الْإِزَار لِلنِّصْفِ الْأَسْفَل، وَالرَّدّ لِلنِّصْفِ الْأَعْلَى. الثَّانِيَة: من الصُّور: هِيَ قَوْله: (فِي إِزَار وقميص) أَي: ليصل فِي إِزَار وقميص. الثَّالِثَة: قَوْله: (فِي إِزَار وقباء)، أَي: ليصل فيهمَا، وَإِنَّمَا قدم هَذِه الثَّلَاثَة لِأَنَّهَا أستر وَأكْثر اسْتِعْمَالا. الرَّابِعَة: قَوْله: (فِي سَرَاوِيل ورداء) أَي: ليصل فيهمَا. الْخَامِسَة: قَوْله: (فِي سَرَاوِيل وقميص) . السَّادِسَة: قَوْله: (فِي سَرَاوِيل وقباء) . السَّابِعَة: قَوْله: (فِي تبان وقباء) . الثَّامِنَة: قَوْله: (فِي تبان وقميص) . التَّاسِعَة: قَوْله: (فِي تبان ورداء) . وَلم يقْصد بذلك الْعدَد الْحصْر، بل ألحق بذلك مَا يقوم مقَامه.
فَإِن قلت: كَانَ الْمُنَاسب أَن يَقُول: أَو كَذَا أَو كَذَا. بِحرف الْعَطف. فَلم ترك حرف الْعَطف؟ قلت: أخرج هَذَا على سَبِيل التعداد فَلَا حَاجَة إِلَى ذكر حرف
الْعَطف، كَمَا فِي قَوْله عليه الصلاة والسلام:(تصدق امْرُؤ من ديناره من درهمه من صَاع تمره) . وَيجوز أَن يُقَال: حذف حرف الْعَطف على قَول من يجوز ذَلِك من النُّحَاة، وَالتَّقْدِير حينئذٍ: صلى رجل فِي إِزَار ورداء، أَو فِي إِزَار وقميص، أَو فِي إِزَار وقباء. إِلَى آخِره كَذَلِك، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ من بَاب الْإِبْدَال. قلت: كَأَنَّهُ أَشَارَ بذلك إِلَى مَا قَالَه ابْن الْمُنِير: إِنَّه كَلَام فِي معنى الشَّرْط، كَأَنَّهُ قَالَ: إِن جمع رجل عَلَيْهِ ثِيَابه فَحسن، ثمَّ فصل الْجمع بصور على الْبَدَلِيَّة. قَوْله:(قَالَ وَأَحْسبهُ) أَي: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: وأحسب عمر قَالَ: فِي ثِيَاب ورداء. فَإِن قلت: كَيفَ يدْخل حرف الْعَطف بَين قَوْله ومقوله؟ قلت: هُوَ عطف على مُقَدّر تَقْدِيره: بَقِي شَيْء من الصُّور الْمَذْكُورَة، وَأَحْسبهُ قَالَ: فِي تبان ورداء.
فَإِن قلت: كَيفَ لم يجْزم بِهِ أَبُو هُرَيْرَة، بل ذكره بالحسبان؟ قلت: لِإِمْكَان أَن عمر أهمل ذَلِك، لِأَن التبَّان لَا يستر الْعَوْرَة كلهَا بِنَاء على أَن الْفَخْذ من الْعَوْرَة، فالستر بِهِ حَاصِل مَعَ القباء وَمَعَ الْقَمِيص، وَأما الرِّدَاء فقد لَا يحصل. وَرَأى أَبُو هُرَيْرَة أَن انحصار الْقِسْمَة يَقْتَضِي ذكر هَذِه الصُّور، وَأَن السّتْر قد يحصل بهَا إِذا كَانَ الرِّدَاء سابغاً. وَقَالَ ابْن بطال: اللَّازِم من الثِّيَاب فِي الصَّلَاة ثوب وَاحِد سَاتِر للعورة، وَقَول عمر رَضِي اتعالى عَنهُ؛ إِذا وسع ا، يدل عَلَيْهِ، وَجمع الثِّيَاب فِيهَا اخْتِيَار واستحسان. وَيُقَال: ذكر صوراً تسعا: ثَلَاثَة مِنْهَا سابغة: الرِّدَاء ثمَّ الْقَمِيص ثمَّ القباء، وَثَلَاثَة نَاقِصَة: الْإِزَار ثمَّ السَّرَاوِيل ثمَّ التبَّان، وأفضلها: الْإِزَار ثمَّ السَّرَاوِيل، وَمِنْهُم من عكس. وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك فِيمَن صلى فِي سَرَاوِيل وَهُوَ قَادر على الثِّيَاب، فَفِي (الْمُدَوَّنَة) : لَا يُعِيد فِي الْوَقْت وَلَا فِي غَيره. وَعَن ابْن الْقَاسِم مثله، وَعَن أَشهب عَلَيْهِ الْإِعَادَة فِي الْوَقْت، وَعنهُ أَن صلَاته تَامَّة إِن كَانَ ضيقا. وَأخرج أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد ابْن بُرَيْدَة عَن أَبِيه، قَالَ:(نهى رَسُول ا، أَن يُصَلِّي فِي لِحَاف وَلَا يوشح بِهِ) . وَالْآخر: أَن تصلي فِي سَرَاوِيل لَيْسَ عَلَيْك رِدَاء، وبظاهره أَخذ بعض أَصْحَابنَا. وَقَالَ: تكره الصَّلَاة فِي السَّرَاوِيل وَحدهَا، وَالصَّحِيح أَنه إِذا ستر عَوْرَته لَا تكره الصَّلَاة فِيهِ.
66323 -
ح دّثنا عاصِمُ بنُ عَلِيَ قالَ حدّثنا ابنُ أبِي ذِئْبٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ سَالِمٍ عنِ ابنِ عُمَرَ قالَ سَألَ رَجُلٌ رسولَ الله فقالَ مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ فقالَ لَا يَلْبَسُ القَمِيصَ ولَا السَّرَاويلَ وَلَا البُرنسَ وَلَا ثَوْباً مَسَّهُ الزَّعْفَرانُ وَلَا وَرْسٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فلْيلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَينِ. .
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة من حَيْثُ جَوَاز الصَّلَاة بِدُونِ الْقَمِيص والسراويل.
وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي آخر الْعلم عَن عَاصِم بن عَليّ أَيْضا. وَأخرجه فِي الْعلم، وَفِي اللبَاس أَيْضا عَن آدم عَنهُ بِهِ. وَأخرجه أَيْضا فِي الْحَج عَن أَحْمد بن عبد ابْن يُونُس عَنهُ بِهِ، وَسَيَجِيءُ الْبَحْث فِيهِ فِي كتاب الْحَج مُسْتَوفى، إِن شَاءَ اتعالى.
وَعَاصِم بن عَليّ بن عَاصِم أَبُو الْحُسَيْن الوَاسِطِيّ، مَاتَ سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ بواسط. وَابْن أبي ذِئْب هُوَ: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذِئْب. وَالزهْرِيّ هُوَ: مُحَمَّد بن مُسلم.
قَوْله: (فَقَالَ) الْفَاء فِيهِ تفسيرية إِذْ هُوَ نفس: سَأَلَ. قَوْله: (وَلَا ثوبا) رُوِيَ بِالنّصب وَالرَّفْع، وَتقدم بَيَان جَوَازه فِي آخر كتاب الْعلم. قَوْله:(حَتَّى يَكُونَا) بِصُورَة التَّثْنِيَة، وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي:(حَتَّى يكون) ، بِالْإِفْرَادِ على تَقْدِير كل وَاحِد مِنْهُمَا.
وَعَنْ نَافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ عنِ النبيِّ مِثْلَهُ.
50
- 50 - 0 أَي: رُوِيَ عَن نَافِع مولى ابْن عمر عَنهُ عَن النَّبِي مثل حَدِيث سَالم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا تَعْلِيق من البُخَارِيّ، وَيحْتَمل أَن يكون عطفا على سَالم، فَيكون مُتَّصِلا. وشنع بَعضهم عَلَيْهِ. وَقَالَ: التجويزات الْعَقْلِيَّة لَا يجوز اسْتِعْمَالهَا فِي الْأُمُور النقلية. قلت: هَذَا تشنيع غير موجه، لِأَن الْكرْمَانِي إِنَّمَا قَالَ: هَذَا تَعْلِيق بِالنّظرِ إِلَى ظَاهر الصُّورَة، وَلم يجْزم بذلك، وَلِهَذَا قَالَ: وَيحْتَمل إِلَى آخِره، ثمَّ إِنَّه قَالَ: عطفا على سَالم، وَقَالَ بَعضهم: وَعَن نَافِع، عطف على قَوْله: عَن الزُّهْرِيّ، قلت: قَصده بذلك إِظْهَار الْمُخَالفَة بِأَيّ وَجه يكون، وإلَاّ فَلَا فَسَاد فِي الْمَعْنى، بل كِلَاهُمَا بِمَعْنى وَاحِد.
وَرِوَايَة نَافِع هَذِه أخرجهَا البُخَارِيّ فِي آخر كتاب الْعلم عَن آدم عَن