الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله: (على فرَاش أَهله) ، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي:(على فرَاش)، وعَلى الرِّوَايَتَيْنِ هُوَ مُتَعَلق: بِقوم، مَعَ أَن الرِّوَايَة الأولى يحْتَمل تعلقهَا بِلَفْظ: يُصَلِّي، أَيْضا.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ بِهِ استدلت عَائِشَة وَالْعُلَمَاء بعْدهَا على أَن الْمَرْأَة لَا تقطع صَلَاة الرجل. وَفِيه: جَوَاز صَلَاة الرجل إِلَيْهَا، وَكَرَاهَة الْبَعْض لغير النَّبِي، عليه الصلاة والسلام، ولخوف الْفِتْنَة بهَا وبذكرها وإشتغال الْقلب بهَا بِالنّظرِ إِلَيْهَا، وَالنَّبِيّ،، منزه عَن ذَلِك كُله، مَعَ أَنه كَانَ فِي اللَّيْل والبيوت يَوْمئِذٍ لَيست فِيهَا مصابيح. وَفِيه: إستحباب صَلَاة اللَّيْل. وَفِيه: جَوَاز الصَّلَاة على الْفراش.
601 -
(بابٌ منْ حَمَلَ جَارِيَةً صَغِيرَةً على عُنقِهِ فِي الصَّلَاةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من حمل جَارِيَة صَغِيرَة على عُنُقه، يَعْنِي: لَا تفْسد صلَاته. وَقَالَ ابْن بطال: أَدخل البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث هُنَا ليدل أَن حمل الْمُصَلِّي الْجَارِيَة على الْعُنُق لَا يضر صلَاته، لِأَن حملهَا أَشد من مرورها بَين يَدَيْهِ، فَلَمَّا لم يضر حملهَا كَذَلِك لَا يضر مرورها. قلت: فَلذَلِك ترْجم هَذَا الْبَاب بِهَذِهِ التَّرْجَمَة، وَبَينه وَبَين الْأَبْوَاب الَّتِي قبله مُنَاسبَة من هَذَا الْوَجْه.
615 -
ح دّثنا عَبْدُ ااِ بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ عامِرِ بنِ عَبْد ااِ بنِ الزُّبَيْرِ عنْ عَمْرو بنِ سُلَيْمٍ الزُّرقِيِّ عنْ أبي قَتَادَةَ الأَنْصَاريِّ أنَّ رسولَ ااِ كانَ يُصَلِّي وَهُوَ حامِلٌ أُمامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتَ رسولِ ااِ ولأَبي العَاصِ بنِ رَبِيعَةَ بنِ عَبْدِ شمْسٍ فإِذَا سَجَدَ وَضَعَها وَإذَا قَامَ حَمَلَها. (الحَدِيث 615 طرفَة فِي: 6995) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. فَإِن قلت: أَيْن الظُّهُور وَقد خصص الْحمل بِكَوْنِهِ على الْعُنُق، وَلَفظ الحَدِيث أَعم من ذَلِك؟ قلت: كَأَنَّهُ أَشَارَ بذلك إِلَى الحَدِيث لَهُ طرق أُخْرَى مِنْهَا لمُسلم من طَرِيق بكير بن الْأَشَج عَن عَمْرو بن سليم، وَصرح فِيهِ:(على عُنُقه)، وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد لَهُ:(فَيصَلي رَسُول الله وَهِي على عَاتِقه)، وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد من طَرِيق ابْن جريج:(على رقبته) .
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: عبد ابْن يُوسُف التنيسِي. الثَّانِي: مَالك بن أنس. الثَّالِث: عَامر بن عبد ابْن الزبير بن الْعَوام. الرَّابِع: عَمْرو بن سليم، بِضَم السِّين: الزرقي، بِضَم الزَّاي وَفتح الرَّاء، وَهُوَ فِي الْأَنْصَار نِسْبَة إِلَى زُرَيْق بن عَامر بن زُرَيْق بن عبد حَارِثَة بن مَالك بن عصب بن جشم بن الْخَزْرَج. الْخَامِس: أَبُو قَتَادَة الْأنْصَارِيّ واسْمه الْحَارِث بن ربعي السّلمِيّ، وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ وَابْن إِسْحَاق: اسْمه النُّعْمَان. قَالَ الْهَيْثَم بن عدي: إِن عليا صلى عَلَيْهِ بِالْكُوفَةِ فِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ.
ذكر لطائف اسناده) فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع، والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع، والعنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: فِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق: عَن مَالك سَمِعت أَبَا قَتَادَة، وَكَذَا فِي رِوَايَة أَحْمد من طَرِيق ابْن جريج: عَن عَامر عَن عَمْرو بن سليم أَنه سمع أَبَا قَتَادَة. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم مدنيون مَا خلا شيخ البُخَارِيّ. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن القعْنبِي وَيحيى بن يحيى وقتيبة، ثَلَاثَتهمْ عَن مَالك بِهِ، وَعَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث بِهِ، وَعَن ابتن أبي عَمْرو وَعَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن أبي بكر الْحَنَفِيّ وَعَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح وَهَارُون بن سعيد، كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي بِهِ، وَعَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن ابْن وهب بِهِ، وَعَن يحيى بن خلف عَن عبد الْأَعْلَى عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن مَالك بِهِ، وَعَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث بِهِ، وَعَن قُتَيْبَة عَن سُفْيَان وَعَن مُحَمَّد بن صَدَقَة الْحِمصِي عَن مُحَمَّد بن حَرْب.
رلا
ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه) قَوْله: (وَهُوَ حَامِل أُمَامَة) ، جملَة إسمية فِي مَحل النصب على الْحَال، وَلَفظ: حَامِل، بِالتَّنْوِينِ، وأمامة،
بِالنّصب، وَهُوَ الْمَشْهُور يرْوى بِالْإِضَافَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{إِن ابالغ أمره} (الطَّلَاق: 3) بالوحهين فِي الْقِرَاءَة وَقَالَ الْكرْمَانِي. فَإِن قلت: قَالَ النُّحَاة: فَإِن إسم الْفَاعِل للماضي وَجَبت الْإِضَافَة، فَمَا وَجه عمله؟ قلت: إِذا أُرِيد بِهِ حِكَايَة الْحَال الْمَاضِيَة جَازَ إعماله كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وكلبهم باسط ذِرَاعَيْهِ} (الْكَهْف: 81) و: أُمَامَة، بِضَم الْهمزَة وَتَخْفِيف الميمين: بنت زَيْنَب، رَضِي اتعالى عَنْهَا، كَانَت زَيْنَب أكبر بَنَات رَسُول ا، وَكَانَت فَاطِمَة أصغرهن وأحبهن إِلَى رَسُول ا، وَكَانَ أَوْلَاد رَسُول الله كلهَا من خَدِيجَة سوى إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ من مَارِيَة الْقبْطِيَّة، تزَوجهَا النَّبِي، عليه الصلاة والسلام، قبل الْبعْثَة. قَالَ الزُّهْرِيّ: وَكَانَ عمر يَوْمئِذٍ إِحْدَى وَعشْرين سنة، وَقيل: خمْسا وَعشْرين سنة زمَان بنيت الْكَعْبَة، قَالَه الْوَاقِدِيّ، وَزَاد: وَلها من الْعُمر خمس وَأَرْبَعُونَ سنة. وَقيل: كَانَ عمره،، ثَلَاثِينَ سنة وعمرها أَرْبَعِينَ سنة، فَولدت لَهُ: الْقَاسِم وَبِه كَانَ يكنى والطاهر وَزَيْنَب ورقية وَأم كُلْثُوم وَفَاطِمَة، وَتزَوج بِزَيْنَب: أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع فَولدت مِنْهُ عليا وأمامة هَذِه الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث، تزَوجهَا عَليّ بن أبي طَالب بعد موت فَاطِمَة، فَولدت مِنْهُ مُحَمَّدًا، وَكَانَت وَفَاة زَيْنَب فِي ثمانٍ. قَالَه الْوَاقِدِيّ. وَقَالَ قَتَادَة: فِي أول سنة ثَمَان.
قَوْله: (وَلأبي الْعَاصِ) بن الرّبيع بن عبد شمس، وَفِي أَحَادِيث (الْمُوَطَّأ) للدارقطني: قَالَ ابْن نَافِع وَعبد ابْن يُوسُف والقعنبي فِي رِوَايَة إِسْحَاق عَنهُ، وَابْن وهب وَابْن بكير وَابْن الْقَاسِم وَأَيوب بن صَالح عَن مَالك: وَلأبي الْعَاصِ بن ربيعَة عبد شمس. وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: وَلأبي الْعَاصِ بن الرّبيع، مثل قَول معن، وَأبي مُصعب. وَفِي (التَّمْهِيد) رَوَاهُ يحيى: وَلأبي الْعَاصِ بن ربيعَة، بهاء التَّأْنِيث، وَتَابعه الشَّافِعِي ومطرف وَابْن نَافِع، وَالصَّوَاب: ابْن الرّبيع، وَكَذَا أصلحه ابْن وضاح فِي رِوَايَة يحيى. قَالَ عِيَاض: وَقَالَ الْأصيلِيّ: هُوَ ابْن ربيع ابْن ربيعَة، فنسبه مَالك إِلَى جده قَالَ عِيَاض: وَهَذَا غير مَعْرُوف، وَنسبه عِنْد أهل الْأَخْبَار باتفاقهم أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع بن عبد الْعُزَّى بن عبد شمس بن عبد منَاف. وَقَالَ الْكرْمَانِي: البُخَارِيّ نسبه مُخَالفا للْقَوْم من جِهَتَيْنِ، قَالَ: ربيعَة، بِحرف التَّأْنِيث، وَعِنْدهم: الرّبيع، بِدُونِهِ. وَقَالَ: ربيعَة بن عبد شمس، وهم قَالُوا: ربيع بن عبد الْعُزَّى بن عبد شمس. قلت: لَو اطلع الْكرْمَانِي على كَلَام الْقَوْم لما قَالَ: نِسْبَة البُخَارِيّ مُخَالفا للْقَوْم من جِهَتَيْنِ، على أَن الَّذِي عندنَا فِي نسختنا: الرّبيع عبد شمس، بِالنِّسْبَةِ إِلَى جده، وَاخْتلف فِي اسْم أبي الْعَاصِ، قيل: يَاسر، وَقيل: لَقِيط، وَقيل: مهشم، وَقَالَ الزبير: عَن مُحَمَّد بن الضَّحَّاك عَن أَبِيه اسْمه الْقَاسِم، وَهُوَ أَكثر فِي اسْمه. وَقَالَ أَبُو عمر: وَالْأَكْثَر لَقِيط، وَيعرف بجر الْبَطْحَاء، وَرَبِيعَة عَمه، وَأم أبي الْعَاصِ: هدلة، وَقيل: هِنْد بنت خويلد أُخْت خَدِيجَة، رَضِي اتعالى عَنْهَا، لأَبِيهَا وَأمّهَا، وَأَبُو الْعَاصِ أسلم قبل الْفَتْح وَهَاجَر ورد عليه السلام، عَلَيْهِ إبنته زَيْنَب وَمَاتَتْ مَعَه. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: وَكَانَ أَبُو الْعَاصِ من رجال مَكَّة المعدومين مَالا وَأَمَانَة وتجارةً، وَكَانَت خَدِيجَة هِيَ الَّتِي سَأَلت رَسُول الله أَن يُزَوجهُ بابنتها زَيْنَب، وَكَانَ لَا يُخَالِفهَا، وَكَانَ ذَلِك قبل الْوَحْي، وَالْإِسْلَام فرق بَينهمَا. وَقَالَ ابْن كثير: إِنَّمَا حرم االمسلمات على الْمُشْركين عَام الْحُدَيْبِيَة سنة سِتّ من الْهِجْرَة، وَكَانَ أَبُو الْعَاصِ فِي غَزْوَة بدر مَعَ الْمُشْركين، وَوَقع فِي الْأسر. وَقَالَ ابْن هِشَام: كَانَ أسره خرَاش بن الصمَّة، أحد بني حرَام، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق، عَن عَائِشَة: لما بعث أهل مَكَّة فِي فدَاء أسرتهم بعثت زَيْنَب بنت رَسُول الله فِي فدَاء أبي الْعَاصِ بِمَال، وَبعثت فِيهِ بقلادة لَهَا، وَكَانَت خَدِيجَة رَضِي اتعالى عَنْهَا، أدخلتها بهَا على أبي الْعَاصِ حِين بنى عَلَيْهَا. قَالَت: فَلَمَّا رَآهَا رَسُول الله رق لَهَا رقة شَدِيدَة، وَقَالَ: إِن رَأَيْتُمْ أَن تطلقوا لَهَا أَسِيرهَا وتردوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا فافعلوا. قَالُوا: نعم يَا رَسُول ا، فأطلقوه وردوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: وَقد كَانَ رَسُول الله قد أَخذ عَلَيْهِ أَن يخلي سَبِيل زَيْنَب، يَعْنِي أَن تهَاجر إِلَى الْمَدِينَة فوفى أَبُو الْعَاصِ بذلك وَلَحِقت بأبيها، وَأقَام أَبُو الْعَاصِ بِمَكَّة على كفره، واستمرت زَيْنَب عِنْد أَبِيهَا بِالْمَدِينَةِ، ثمَّ آخر الْأَمر أسلم وَخرج حَتَّى قدم على رَسُول الله وَعَن ابْن عَبَّاس، رَضِي اتعالى عَنْهُمَا: رد عَلَيْهِ رَسُول الله ابْنَته زَيْنَب على النِّكَاح الأول لم يحدث شَيْئا، وَسَنذكر حَقِيقَة هَذَا الْكَلَام فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ اتعالى. فَإِن قيل: مَا اللَّام فِي: لأبي الْعَاصِ؟ أُجِيب بِأَن الْإِضَافَة فِي بنت بِمَعْنى: اللَّام، وَالتَّقْدِير فِي بنت لِزَيْنَب، فأظهر هُنَا مَا هُوَ مُقَدّر فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ.
قَوْله: (فَإِذا سجد وَضعهَا) ، وَفِي مُسلم من طَرِيق عُثْمَان بن أبي سُلَيْمَان وَمُحَمّد بن عجلَان وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق الزبيدِيّ، وَأحمد من طَرِيق ابْن جريج، وَابْن حبَان من طَرِيق أبي العميس، كلهم عَن عَامر بن عبد اشيخ مَالك فَقَالُوا:(إِذا ركع وَضعهَا) . وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد، من طَرِيق المَقْبُري عَن عَمْرو
بن سليم: (حَتَّى إِذا أَرَادَ أَن يرْكَع أَخذهَا فوضعها ثمَّ ركع وَسجد، حَتَّى إِذا فرغ من سُجُوده فَقَامَ أَخذهَا فَردهَا فِي مَكَانهَا) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: تكلم النَّاس فِي حكم هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا يدل لمَذْهَب الشَّافِعِي وَمن وَافقه أَنه يجوز حمل الصَّبِي والصبية وَغَيرهمَا من الْحَيَوَان فِي صَلَاة النَّفْل، وَيجوز للْإِمَام وَالْمُنْفَرد وَالْمَأْمُوم قلت: أما مَذْهَب أبي حنيفَة فِي هَذَا مَا ذكر صَاحب (الْبَدَائِع) وَفِي بَيَان الْعَمَل الْكثير الَّذِي يفْسد الصَّلَاة والقليل الَّذِي لَا يُفْسِدهَا: فالكثير مَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى اسْتِعْمَال الْيَدَيْنِ، والقليل مَا لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى ذَلِك، وَذكر لَهما صوراً حَتَّى قَالَ: إِذا أَخذ قوساً وَرمى فَسدتْ صلَاته، وَكَذَا لَو حملت امْرَأَة صبيها فأرضعته، لوُجُود الْعَمَل الْكثير الَّذِي يفْسد الصَّلَاة، وَأما حمل الصَّبِي بِدُونِ الْإِرْضَاع فَلَا يُوجب الْفساد، ثمَّ روى الحَدِيث الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الصَّنِيع لم يكره مِنْهُ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجا إِلَى ذَلِك لعدم من يحفظها، أَو لبَيَان الشَّرْع بِالْفِعْلِ، وَهَذَا غير مُوجب فَسَاد الصَّلَاة. وَمثل هَذَا أَيْضا فِي زَمَاننَا لَا يكره لوَاحِد منَّا لَو فعل ذَلِك عِنْد الْحَاجة، أما بِدُونِ الْحَاجة فمكروه. انْتهى. وَذكر أَشهب عَن مَالك أَن ذَلِك كَانَ من رَسُول الله فِي صَلَاة النَّافِلَة، وَأَن مثل هَذَا الْفِعْل غير جَائِز فِي الْفَرِيضَة. وَقَالَ أَبُو عمر: حَسبك بتفسير مَالك، وَمن الدَّلِيل على صِحَة مَا قَالَه فِي ذَلِك أَنِّي لَا أعلم خلافًا أَن مثل هَذَا الْعَمَل فِي الصَّلَاة مَكْرُوه. وَقَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا التَّأْوِيل فَاسد، لِأَن قَوْله:(يؤم النَّاس) صَرِيح أَو كَالصَّرِيحِ فِي أَنه كَانَ فِي الْفَرِيضَة، قلت: هُوَ مَا رَوَاهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة بِسَنَدِهِ إِلَى أبي قَتَادَة الْأنْصَارِيّ، قَالَ:(رَأَيْت النَّبِي يؤم النَّاس وأمامة بنت أبي الْعَاصِ، وَهِي بنت زَيْنَب ابْنة رَسُول الله على عَاتِقه) . وَلِأَن الْغَالِب فِي إِمَامَة رَسُول الله كَانَت فِي الْفَرَائِض دون النَّوَافِل وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن أبي قَتَادَة صَاحب رَسُول ا، قَالَ:(بَيْنَمَا نَحن نَنْتَظِر رَسُول ا، للصَّلَاة فِي الظّهْر أَو الْعَصْر وَقد دَعَا بِلَال للصَّلَاة، إِذْ خرج إِلَيْنَا وأمامة بنت أبي الْعَاصِ، بنت ابْنَته، على عُنُقه، فَقَامَ رَسُول ا، فِي مُصَلَّاهُ وقمنا خَلفه) الحَدِيث.
وَفِي كتاب (النّسَب) للزبير بن بكار: عَن عَمْرو بن سليم أَن ذَلِك كَانَ فِي صَلَاة الصُّبْح. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَادّعى بعض الْمَالِكِيَّة أَنه مَنْسُوخ. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: هُوَ مَرْوِيّ عَن مَالك أَيْضا. وَقَالَ أَبُو عمر: وَلَعَلَّ هَذَا نسخ بِتَحْرِيم الْعَمَل والاشتغال بِالصَّلَاةِ وَقد رد هَذَا بِأَن قَوْله: (إِن فِي الصَّلَاة لشغلاً) ، كَانَ قبل بدر عِنْد قدوم عبد ابْن مَسْعُود من الْحَبَشَة، وَأَن قدوم زَيْنَب وبنتها إِلَى الْمَدِينَة كَانَ ذَلِك، وَلَو لم يكن الْأَمر كَذَلِك لَكَانَ فِيهِ إِثْبَات النّسخ بِمُجَرَّد الِاجْتِهَاد، وروى أَشهب وَابْن نَافِع عَن مَالك: أَن هَذَا كَانَ للضَّرُورَة، وَادّعى بعض الْمَالِكِيَّة أَنه خَاص بِالنَّبِيِّ، ذكره القَاضِي عِيَاض. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وكل هَذِه الدَّعَاوَى بَاطِلَة ومردودة، فَإِنَّهُ لَا دَلِيل عَلَيْهَا وَلَا ضَرُورَة إِلَيْهَا، بل الحَدِيث صَحِيح صَرِيح فِي جَوَاز ذَلِك، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُخَالف قَوَاعِد الشَّرْع، لِأَن الْآدَمِيّ طَاهِر وَمَا فِي جَوْفه من النَّجَاسَة مَعْفُو عَنهُ لكَونه فِي معدنه، وَثيَاب الْأَطْفَال وأجسادهم على الطَّهَارَة، وَدَلَائِل الشَّرْع متظاهرة على أَن هَذِه الْأَفْعَال فِي الصَّلَاة لَا تبطلها إِذا قلت أَو تَفَرَّقت، وَفعل النَّبِي، هَذَا بَيَانا للْجُوَاز وتنبيهاً عَلَيْهِ.
قلت: وَقد قَالَ بعض أهل الْعلم: إِن فَاعِلا لَو فعل مثل ذَلِك لم أر عَلَيْهِ إِعَادَة من أجل هَذَا الحَدِيث، وَإِن كنت لَا أحب لأحد فعله، وَقد كَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يُجِيز هَذَا. قَالَ الْأَثْرَم: سُئِلَ أَحْمد: يَأْخُذ الرجل وَلَده وَهُوَ يُصَلِّي؟ قَالَ: نعم. وَاحْتج بِحَدِيث أبي قَتَادَة. قَالَ الْخطابِيّ: يشبه أَن يكون هَذَا الصَّنِيع من رَسُول الله لَا عَن قصد وتعمد لَهُ فِي الصَّلَاة. وَلَعَلَّ الصبية لطول مَا ألفته واعتادته من ملابسته فِي غير الصَّلَاة كَانَت تتَعَلَّق بِهِ حَتَّى تلابسه وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَلَا يَدْفَعهَا عَن نَفسه وَلَا يبعدها، فَإِذا أَرَادَ أَن يسْجد وَهِي على عَاتِقه، وَضعهَا بِأَن يحطهَا أَو يرسلها إِلَى الأَرْض حَتَّى يفرغ من سُجُوده، فَإِذا أَرَادَ الْقيام. وَقد عَادَتْ الصبية إِلَى مثل الْحَالة الأولى، لم يدافعها وَلم يمْنَعهَا، حَتَّى إِذا قَامَ بقيت مَحْمُولَة مَعَه. هَذَا عِنْدِي وَجه الحَدِيث. وَلَا يكَاد يتَوَهَّم عَلَيْهِ أَنه كَانَ يتَعَمَّد لحملها ووضعها وإمساكها فِي الصَّلَاة تَارَة بعد أُخْرَى، لِأَن الْعَمَل فِي ذَلِك قد يكثر فيتكرر، وَالْمُصَلي يشْتَغل بذلك عَن صلَاته، وَإِذا كَانَ علم الخميصة يشْغلهُ عَن صلَاته حَتَّى يسْتَبْدل بهَا الأنبجانية، فَكيف لَا يشْتَغل عَنْهَا بِمَا هَذَا صفته من الْأُمُور؟ وَفِي ذَلِك بَيَان مَا تأولناه. وَقَالَ النَّوَوِيّ، بعد أَن نقل ملخص كَلَام الْخطابِيّ: هَذَا الَّذِي ذكره بَاطِل وَدَعوى مُجَرّدَة، وَمِمَّا يرد عَلَيْهِ قَوْله فِي (صَحِيح مُسلم) :(فَإِذا قَامَ حملهَا) .