الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَطاء بن أبي رَبَاح عَن عَائِشَة رَضِي اعنها أَن النَّبِي: (كَانَ يقصر فِي الصَّلَاة وَيتم وَيفْطر ويصوم) . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده صَحِيح، وَقد رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن طَلْحَة بن عَمْرو ودلهم بن صَالح والمغيرة بن زِيَاد، وثلاثتهم ضعفاء عَن عَطاء عَن عَائِشَة. قَالَ: وَالصَّحِيح عَن عَائِشَة مَوْقُوف.
وَالْجَوَاب عَن الحَدِيث الأول أَنه حجَّة لنا لِأَنَّهُ أَمر بِالْقبُولِ، فَلَا يبْقى خِيَار الرَّد شرعا، إِذْ الْأَمر للْوُجُوب. فَإِن قلت: الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ يكون مُخْتَارًا فِي قبُول الصَّدَقَة كَمَا فِي الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ من الْعباد. قلت: معنى قَوْله: (تصدق ابها عَلَيْكُم) حكم عَلَيْكُم، لِأَن التَّصَدُّق من افيما لَا يحْتَمل التَّمْلِيك يكون عبارَة عَن الْإِسْقَاط كالعفو من ا. وَالْجَوَاب عَن الحَدِيث الثَّانِي: أَنه معَارض بِحَدِيث آخر أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم عَن حَفْص بن عَاصِم عَن ابْن عمر قَالَ: (صَحِبت رَسُول الله فِي السّفر فَلم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبضه ا، وصحبت أَبَا بكر فَلم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبضه اتعالى، وصحبت عُثْمَان فَلم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبضه اتعالى)، وَقد قَالَ اتعالى:{لقد كَانَ لكم فِي رَسُول اأسوة حَسَنَة} (الْأَحْزَاب: 12) وَإِلَيْهِ ذهب عُلَمَاء أَكثر السّلف وفقهاء الْأَمْصَار، أَي: إِلَى أَن الْقصر وَاجِب، وَهُوَ قَول عمر وَعلي وَابْن عمر وَجَابِر وَابْن عَبَّاس، رُوِيَ ذَلِك عَن عمر بن عبد الْعَزِيز وَالْحسن وَقَتَادَة وَقَالَ حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان: يُعِيد من صلى فِي السّفر أَرْبعا. وَعَن مَالك: يُعِيد مَا دَامَ فِي الْوَقْت. وَقَالَ أَحْمد: السّنة رَكْعَتَانِ. وَقَالَ مرّة أُخْرَى: أَنا أحب الْعَافِيَة من هَذِه الْمَسْأَلَة. وَقَالَ الْخطابِيّ: وَالْأولَى أَن يقصر الْمُسَافِر الصَّلَاة لأَنهم أَجمعُوا على جَوَازهَا إِذا قصر، وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أتم، وَالْإِجْمَاع مقدم على الِاخْتِلَاف، وَسقط بِهَذَا كُله مَا قَالَه بَعضهم: وَيدل على أَنه أَي الْقصر رخصَة أَيْضا قَوْله عليه الصلاة والسلام: (صَدَقَة تصدق ابها عَلَيْكُم) . وَقَالَ أَيْضا؛ احْتج مخالفهم أَي: مُخَالف الْحَنَفِيَّة بقوله تَعَالَى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة} (النِّسَاء: 101) . لِأَن الْقصر إِنَّمَا يكون من شَيْء أطول مِنْهُ.
قلت: الْجَواب عَنهُ أَن المُرَاد من الْقصر الْمَذْكُور فِيهَا هُوَ الْقصر فِي الْأَوْصَاف من ترك الْقيام إِلَى الْقعُود، أَو ترك الرُّكُوع وَالسُّجُود إِلَى الْإِيمَاء لخوف الْعَدو بِدَلِيل أَنه علق ذَلِك بالخوف، إِذْ قصر الأَصْل غير مُتَعَلق بالخوف بِالْإِجْمَاع، بل مُتَعَلق بِالسَّفرِ، وَعِنْدنَا قصر الْأَوْصَاف مُبَاح لَا وَاجِب، مَعَ أَن رفع الْجنَاح فِي النَّص لدفع توهم النُّقْصَان فِي صلَاتهم بِسَبَب دوامهم على الْإِتْمَام فِي الْحَضَر، وَذَلِكَ مَظَنَّة توهم النُّقْصَان، فَرفع ذَلِك عَنْهُم. وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا، والزموا الْحَنَفِيَّة على قاعدتهم فِيمَا إِذا عَارض رَأْي الصَّحَابِيّ رِوَايَته، فَالْعِبْرَة بِمَا رُوِيَ بِأَنَّهُ ثَبت عَن عَائِشَة أَنَّهَا كَانَت تتمّ فِي السّفر. قلت: قَاعِدَة الْحَنَفِيَّة على أَصْلهَا، وَلَا يلْزم من إتْمَام عَائِشَة فِي السّفر النَّقْض على الْقَاعِدَة، لِأَن عَائِشَة كَانَت ترى الْقصر جَائِزا والإتمام جَائِزا، فَأخذت بِأحد الجائزين، وَإِنَّمَا يرد على قاعدتنا مَا ذكره أَن لَو كَانَت عَائِشَة تمنع الْإِتْمَام، وَكَذَلِكَ الْجَواب فِي إتْمَام عُثْمَان رَضِي اتعالى عَنهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذكره الْمُحَقِّقُونَ فِي تأويلهما. وَقيل: لِأَن عُثْمَان إِمَام الْمُؤمنِينَ وَعَائِشَة أمّهم فكأنهما كَانَا فِي منازلهما، وأبطل بِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام، كَانَ أولى بذلك مِنْهُمَا. وَقيل: لِأَن عُثْمَان تأهل بِمَكَّة وأبطل بِأَنَّهُ سَافر بأزواجه وَقصر، وَقيل: فعل ذَلِك من أجل الْأَعْرَاب الَّذين حَضَرُوا مَعَه لِئَلَّا يظنون أَن فرض الصَّلَاة رَكْعَتَانِ أبدا سفرا وحضراً، وأبطل بِأَن هَذَا الْمَعْنى إِنَّمَا كَانَ مَوْجُودا فِي زمن النَّبِي، بل اشْتهر أَمر الصَّلَاة فِي زمن عُثْمَان أَكثر مِمَّا كَانَ، وَقيل: لِأَن عُثْمَان نوى الْإِقَامَة بِمَكَّة بعد الْحَج، وأبطل بِأَن الْإِقَامَة بِمَكَّة حرَام على المُهَاجر فَوق ثَلَاث، وَقيل: كَانَ لعُثْمَان أَرض بمنى، وأبطل بِأَن ذَلِك لَا يَقْتَضِي الْإِتْمَام وَالْإِقَامَة.
2 -
(بابُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الثِّيَابِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب الصَّلَاة فِي الثِّيَاب، وَالْمرَاد: ستر الْعَوْرَة. وَقَالَ أَبُو الْوَلِيد بن رشد فِي (الْقَوَاعِد) : اتّفق الْعلمَاء على أَن ستر الْعَوْرَة فرض بِإِطْلَاق، وَاخْتلفُوا: هَل شَرط من شُرُوط صِحَة الصَّلَاة أم لَا؟ وَظَاهر مَذْهَب مَالك أَنَّهَا من سنَن الصَّلَاة، مستدلاً بِحَدِيث عَمْرو بن سَلمَة لما تقلصت بردته، فَقَالَت امْرَأَة: غطوا عَنَّا أست قارئكم، وَعند بَعضهم: شَرط عِنْد الذّكر دون النسْيَان، وَعند أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَعَامة الْفُقَهَاء وَأهل الحَدِيث: أَن ذَلِك شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة. فَرضهَا ونفلها، وَإِنَّمَا قَالَ فِي الثِّيَاب، بِلَفْظ الْجمع نَحْو قَوْلهم: فلَان يركب الْخُيُول ويلبس البرود.
وَوجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِنَّه ذكر فِي الْبَاب السَّابِق فَرضِيَّة الصَّلَاة، وَذكر فِي هَذَا أَن ذَلِك الْفَرْض لَا يقوم إلَاّ بستر الْعَوْرَة، لِأَنَّهُ فرض مثلهَا. فَإِن قلت: للصَّلَاة شُرُوط غير هَذَا فَمَا وَجه تَخْصِيصه بالتقديم على غَيره؟ قلت: لِأَنَّهُ ألزم من غَيره، وَفِي تَركه بشاعة عَظِيمَة بِخِلَاف غَيره من الشُّرُوط.
وقَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (الْأَعْرَاف: 13) .
هَذَا عطف على قَول: وجوب الصَّلَاة، وَالتَّقْدِير: وَفِي بَيَان معنى قَول اتعالى، أَرَادَ بالزينة: مَا يوراي الْعَوْرَة، وبالمسجد: الصَّلَاة، فَفِي الأول إِطْلَاق اسْم الْحَال على الْمحل. وَفِي الثَّانِي إِطْلَاق اسْم الْمحل على الْحَال لوُجُود الِاتِّصَال الذاتي بَين الْحَال وَالْمحل، وَهَذَا لِأَن أَخذ الزِّينَة نَفسهَا وَهِي عرض محَال، فَأُرِيد محلهَا وَهُوَ الثَّوْب مجَازًا، وَكَانُوا يطوفون عُرَاة وَيَقُولُونَ: لَا نعْبد افي ثِيَاب أَذْنَبْنَا فِيهَا، فَنزلت. لَا يُقَال: نزُول الْآيَة فِي الطّواف، فَكيف يثبت الحكم فِي الصَّلَاة؟ لأَنا نقُول: الْعبْرَة لعُمُوم اللَّفْظ لَا لخُصُوص السَّبَب، وَهَذَا اللَّفْظ عَام لِأَنَّهُ قَالَ: عِنْد كل مَسْجِد، وَلم يقل: عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام. فَيعْمل بِعُمُومِهِ، وَيُقَال:{خُذُوا زينتكم} (الْأَعْرَاف: 13) من قبيل إِطْلَاق الْمُسَبّب على السَّبَب، لِأَن الثَّوْب سَبَب الزِّينَة، وَمحل الزِّينَة الشَّخْص، وَقيل: الزِّينَة مَا يتزين بِهِ من ثوب وَغَيره، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{وَلَا يبدين زينتهن} (النُّور: 13) والستر لَا يجب لعين الْمَسْجِد بِدَلِيل جَوَاز الطّواف عُريَانا، فَعلم من هَذَا أَن ستره للصَّلَاة لَا لأجل النَّاس حَتَّى لَو صلى وَحده وَلم يستر عَوْرَته لم تجز صلَاته، وَإِن لم يكن عِنْده أحد. وَقَالَ بَعضهم، بعد قَوْله، وَقَول اعز وَجل:{خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد} (الْأَعْرَاف: 13) يُشِير بذلك إِلَى تَفْسِير طَاوس فِي قَوْله تَعَالَى: {خُذُوا زينتكم} (الْأَعْرَاف: 13) قَالَ: الثِّيَاب. قلت: هَذَا تخمين وحسبان، وَلَيْسَ عَلَيْهِ برهَان، وَقد اتّفق الْعلمَاء على أَن المُرَاد مِنْهُ ستر الْعَوْرَة، وَعَن مُجَاهِد: وار عورتك وَلَو بعباءة، وَفِي مُسلم من حَدِيث أبي سعيد مَرْفُوعا:(لَا ينظر الرجل إِلَى عَورَة الرجل، وَلَا الْمَرْأَة إِلَى عَورَة الْمَرْأَة) . وَعَن الْمسور، قَالَ لَهُ النَّبِي:(ارْجع إِلَى ثَوْبك فَخذه وَلَا تَمْشُوا عُرَاة) . وَفِي (صَحِيح ابْن خُزَيْمَة)، عَن عَائِشَة يرفعهُ:(لَا يقبل اصلاة امْرَأَة قد حَاضَت إِلَّا بخمار) . وَقَالَ ابْن بطال: أجمع أهل التَّأْوِيل على أَن نُزُولهَا فِي الَّذين كَانُوا يطوفون بِالْبَيْتِ عُرَاة، وَقَالَ ابْن رشد: من حمله على النّدب قَالَ: المُرَاد بذلك الزِّينَة الظَّاهِرَة من الرِّدَاء وَغَيره من الملابس الَّتِي هِيَ زِينَة، مستدلاً بِمَا فِي الحَدِيث أَنه كَانَ رجال يصلونَ مَعَ النَّبِي عاقدي أزرهم على أَعْنَاقهم كيهئة الصّبيان، وَمن حمله على الْوُجُوب اسْتدلَّ بِحَدِيث مُسلم عَن ابْن عَبَّاس: (كَانَت الْمَرْأَة تَطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَانَة فَتَقول: من يعيرني تطوافاً؟ وَتقول:
(الْيَوْم يَبْدُو بعضه أَو كُله))
فَنزلت {خُذُوا زينتكم} (الْأَعْرَاف: 13) .
وَيُذْكَرُ عَنْ سَلَمَة بنِ الأَكْوَعِ أنَّ النبيَّ قَالَ: (يَزُرُّهُ ولَوْ بِشَوْكَةٍ) .
هَذَا أخرجه أَبُو دَاوُد: حدّثنا القعْنبِي حدّثنا عبد الْعَزِيز يَعْنِي ابْن مُحَمَّد عَن مُوسَى بن إِبْرَاهِيم عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ: (قلت: يَا رَسُول اإني رجل أصيد أفأصلي فِي الْقَمِيص الْوَاحِد؟ قَالَ: نعم، وَإِزَاره وَلَو بشوكة) وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا قَوْله: (أفأصلي) ؟ الْهمزَة فِيهِ للاستفهام، فَلذَلِك قَالَ فِي جَوَابه: نعم، أَي: صل. قَوْله: (وَلَو بشوكة) الْبَاء فِيهِ تتَعَلَّق بِمَحْذُوف تَقْدِيره: وَلَو أَن تزره بشوكة، وَهَذِه اللَّفْظَة فِيمَا ذكره البُخَارِيّ بِالْإِدْغَامِ على صِيغَة الْمُضَارع، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد بالفك على صِيغَة الْأَمر، من زريزر، من بَاب نصر ينصر، وَيجوز فِي الْأَمر الحركات الثَّلَاث فِي الرَّاء، وَيجوز الفك أَيْضا فَهِيَ أَرْبَعَة أَحْوَال، كَمَا فِي مد الْأَمر، وَيجوز فِي مضارعه الضَّم وَالْفَتْح والفك. وَقَالَ ابْن سَيّده: الزر الَّذِي يوضع فِي الْقَمِيص، وَالْجمع أزرار وزرور، وأزر الْقَمِيص جعل لَهُ زراً وأزره شدّ عَلَيْهِ أزراره. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: زر الْقَمِيص إِذا كَانَ محلولاً فشده، وزر الرجل شدّ زره، وَأورد البُخَارِيّ هَذَا للدلالة على وجوب ستر الْعَوْرَة، وللإشارة إِلَى أَن المُرَاد بِأخذ الزِّينَة فِي الْآيَة السَّابِقَة لبس الثِّيَاب لَا تزيينها وتحسينها، إِنَّمَا أَمر بالزر ليأمن من الْوُقُوع عَن بدنه، وَمن وُقُوع نظره على عَوْرَته من زيقه حَالَة الرُّكُوع، وَمن هَذَا أَخذ مُحَمَّد بن شُجَاع من أَصْحَابنَا أَن من نظر إِلَى عَوْرَته من زيقه تفْسد صلَاته، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
وفِي إسْنَادِهِ نَظَرٌ.
أَي: وَفِي إِسْنَاد الحَدِيث الْمَذْكُور نظر، وَجه النّظر من مُوسَى بن إِبْرَاهِيم، وَزعم ابْن الْقطَّان أَنه مُوسَى بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث التَّيْمِيّ، وَهُوَ مُنكر الحَدِيث، فَلَعَلَّ البُخَارِيّ أَرَادَهُ. فَلذَلِك قَالَ: فِي إِسْنَاده نظر، وَذكره مُعَلّقا بِصِيغَة التمريض، وَلَكِن أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) عَن نصر بن عَليّ عَن عبد الْعَزِيز عَن مُوسَى بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: سَمِعت سَلمَة، وَفِي رِوَايَة:(وَلَيْسَ على إلَاّ قَمِيص وَاحِد، أوجبه وَاحِدَة، فأزره؟ قَالَ: نعم وَلَو بشوكة) . وَرَوَاهُ ابْن حبَان أَيْضا فِي (صَحِيحه) : عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم حدّثنا ابْن أبي عمر حدّثنا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن مُوسَى بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن ربيعَة عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع،
(قلت: يَا رَسُول اإني أكون فِي الصَّيْد، وَلَيْسَ عليَّ إلَاّ قَمِيص وَاحِد قَالَ: فأزرره وَلَو بشوكة) . رَوَاهُ الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) قَالَ: وَهَذَا حَدِيث مدنِي صَحِيح، فَظهر بِهَذِهِ الرِّوَايَة أَن مُوسَى هَهُنَا غير مُوسَى ذَاك الَّذِي ظَنّه ابْن الْقطَّان، وَفِيه ضعف أَيْضا، لكنه دون ذَاك وروى الطَّحَاوِيّ: حدّثنا ابْن أبي دَاوُد، قَالَ: حدّثنا ابْن قُتَيْبَة، قَالَ: أخبرنَا الداراوردي عَن مُوسَى بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع، وَهَذَا اخْتِلَاف آخر. وَقَالَ بَعضهم: من صحّح هَذَا الحَدِيث فقد اعْتمد على رِوَايَة الدَّرَاورْدِي. قلت: يجوز أَن يكون وَجه ذَلِك اعْتِمَادًا على رِوَايَة مُوسَى بن إِبْرَاهِيم المَخْزُومِي، لَا على رِوَايَة مُوسَى بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، والمخزومي هُوَ مُوسَى بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عبد ابْن أبي ربيعَة بن عبد ابْن عمر بن مَخْزُوم الْقرشِي المَخْزُومِي، وَهَذَا هُوَ الْوَجْه فِي تَصْحِيح من صَححهُ، وَيشْهد لما قُلْنَا رِوَايَة ابْن حبَان، وَلَا يبعد أَن يكون كل وَاحِد من المَخْزُومِي والتيمي روى هَذَا الحَدِيث عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع، وَحمل عَنْهُمَا الدَّرَاورْدِي وَرَوَاهُ، وَقَالَ هَذَا الْقَائِل: ذكر مُحَمَّد فِيهِ شَاذ. قلت: حكمه بشذوذه إِن كَانَ من جِهَة انْفِرَاد الطَّحَاوِيّ بِهِ فَلَيْسَ بِشَيْء، لِأَن الشاذ من ثِقَة مَقْبُول.
ومَنْ صَلَّى فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُجَامِعُ فِيهِ مَا لَمْ يَرَ فِيهِ أَذىً.
قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ من تَتِمَّة التَّرْجَمَة، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَهَذَا مِنْهُ دَال على الِاكْتِفَاء بِالظَّنِّ فِيمَا يُصَلِّي فِيهِ لَا الْقطع، وَقَالَ بَعضهم، يُشِير، إِلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان من طَرِيق مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان:(أَنه سَأَلَ اخته أم حَبِيبَة: هَل كَانَ رَسُول الله يُصَلِّي فِي الثَّوْب الَّذِي يُجَامع فِيهِ؟ قَالَت: نعم إِذا لم ير فِيهِ أَذَى) . قلت: لما قَالَه الْكرْمَانِي وَجه لِأَنَّهُ اقتبس هَذَا من الحَدِيث الْمَذْكُور، وَأَرَادَ بِهِ إِدْخَاله فِي تَرْجَمَة الْبَاب، وَهَذَا كَمَا رَأَيْته قد أَخذ من ثَلَاثَة أَحَادِيث وأدخلها فِي تَرْجَمَة الْبَاب. الأول: حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع، وَقد مر. وَالثَّانِي: حَدِيث أم حَبِيبَة، أخرجه أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: حدّثنا عِيسَى بن حَمَّاد الْمصْرِيّ، قَالَ: حدّثنا اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن سُوَيْد بن قيس عَن مُعَاوِيَة بن خديج عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان: (أَنه سَأَلَ أُخْته أم حَبِيبَة، زوج النَّبِي، هَل كَانَ رَسُول ا، يُصَلِّي فِي الثَّوْب الَّذِي يُجَامِعهَا فِيهِ؟ فَقَالَت: نعم إِذا لم ير فِيهِ أَذَى) . وَأخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه. وَالثَّالِث: حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي اتعالى عَنهُ، على مَا نذكرهُ عَن قريب. قَوْله:(مَا لم ير فِيهِ أَذَى)، سقط لَفْظَة: فِيهِ، من رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي، وَفِي رِوَايَة:(إِذا لم ير فِيهِ دَمًا) والأذى: النَّجَاسَة.
وَأَمَرَ النبيُّ أَنْ لَا يَطُوفَ بالبَيْتِ عرْيانٌ.
وَفِي بعض النّسخ: وَأمر النَّبِي، هَذَا أَيْضا اقتباس من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَقد وَصله البُخَارِيّ فِي الْبَاب الثَّامِن بعد هَذَا الْبَاب، قَالَ:(بَعَثَنِي أَبُو بكر فِي تِلْكَ الْحجَّة فِي مؤذنين يَوْم النَّحْر نؤذن بمنى: أَن لَا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك، وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان) . وَاسْتدلَّ بِهِ على اشْتِرَاط ستر الْعَوْرَة فِي الصَّلَاة لِأَنَّهُ إِذا كَانَ شرطا فِي الطّواف الَّذِي هُوَ يشبه الصَّلَاة، فاشتراطه فِي الصَّلَاة أولى وأجدر. وَقَالَ بَعضهم: أَشَارَ بذلك إِلَى حَدِيث أبي هُرَيْرَة. وَلَكِن لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيح بِالْأَمر. قلت: قد ذكرت لَك أَن هَذَا اقتباس، والاقتباس هَهُنَا اللّغَوِيّ لَا الاصطلاحي، لِأَن الاصطلاحي هُوَ أَن يضمن الْكَلَام شَيْئا من الْقُرْآن أَو الحَدِيث، لَا على أَنه مِنْهُ، وَهَهُنَا لَيْسَ كَذَلِك، بل المُرَاد هَهُنَا أَخذ شَيْء من الحَدِيث وَالِاسْتِدْلَال بِهِ على حكم، كَمَا كَانَ يسْتَدلّ بِهِ من الحَدِيث الْمَأْخُوذ مِنْهُ، فَحَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور يدل على اشْتِرَاط ستر الْعَوْرَة فِي الصَّلَاة بِالْوَجْهِ الَّذِي ذَكرْنَاهُ، وَهُوَ يتَضَمَّن أَمر أبي بكر، وَأمر أبي بكر بذلك من أَمر النَّبِي. وَأخذ البُخَارِيّ من ذَلِك المتضمن صُورَة أَمر، فَقَالَ: وَأمر رَسُول الله أَن لَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان، وَاقْتصر من الحَدِيث على هَذَا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُطَابق تَرْجَمَة الْبَاب. فَافْهَم. فَإِنَّهُ دَقِيق لم يُنَبه عَلَيْهِ أحد من الشُّرَّاح. قَوْله:(أَن لَا يطوف) بِالنّصب لِأَنَّهُ فِي الحَدِيث الْمَأْخُوذ مِنْهُ عطف على الْمَنْصُوب. وَهُوَ قَوْله: (أَن لَا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك) .
15371 -
ح دّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ قَالَ حدّثنا يَزِيدُ بنُ إبْراهيمَ عنْ مُحَمدٍ عَن أُمِّ عَطِيَّة