الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يقومُونَ مَعَ النَّاس. وَقَالَ مَالك: وَأَنا أفعل ذَلِك، وَمَا قَامَ رَسُول ا، صلى اتعالى عَلَيْهِ وَسلم، إلَاّ فِي بَيته. وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عمر وَسَالم وَالقَاسِم وَإِبْرَاهِيم وَنَافِع أَنهم كَانُوا يَنْصَرِفُونَ وَلَا يقومُونَ مَعَ النَّاس. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَاخْتَارَ الشَّافِعِي أَن يُصَلِّي الرجل وَحده إِذا كَانَ قَارِئًا، ثمَّ احْتج الطَّحَاوِيّ بهؤلاء بِمَا رَوَاهُ زيد بن ثَابت عَن النَّبِي، صلى اتعالى عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ:(خير صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إلَاّ الْمَكْتُوبَة) ، ثمَّ روى عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَنه كَانَ لَا يُصَلِّي خلف الإِمَام فِي شهر رَمَضَان، وَرُوِيَ أَيْضا إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وَذهب إِلَيْهِ الطَّحَاوِيّ أَيْضا حَتَّى قَالَ فِي آخر الْبَاب: وَذَلِكَ هُوَ الصَّوَاب.
35 -
(بابُ الصَّلَاةِ فِي مَوَاضِعِ الخَسْفِ وَالعَذَابِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الصَّلَاة فِي الْأَمْكِنَة الَّتِي خسفت أَو نزل عَلَيْهَا الْعَذَاب، وَأبْهم حكمه حَيْثُ لم يبين: هَل هِيَ مَكْرُوهَة أَو غير جَائِزَة؟ وَلَكِن تَقْدِيره: يكره لدلَالَة أثر عَليّ، على ذَلِك، يُقَال: خسف الْمَكَان يخسف خسوفاً: ذهب فِي الأَرْض، وَخسف ابه الأَرْض خسفاً، أَي: غَابَ بِهِ فِيهَا، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى:{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْض} (الْقَصَص: 18) وَخسف هُوَ فِي الأَرْض، وَخسف بِهِ، وخسوف الْعين ذهابها فِي الرَّأْس، وخسوف الْقَمَر كسوفه. قَوْله:(وَالْعَذَاب) ، من بَاب عطف الْعَام على الْخَاص.
ويُذْكَرُ أنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَرِه الصَّلَاةَ بِخَسْفِ بابِلَ
مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ يدل أَيْضا على أَن مُرَاده من عقد هَذَا الْبَاب هُوَ الْإِشَارَة إِلَى أَن الصَّلَاة فِي مَوَاضِع الْخَسْف مَكْرُوهَة وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع، حدّثنا سُفْيَان حدّثنا عبد اللَّه بن شريك عَن عبد اللَّه بن أبي الْمحل العامري، قَالَ:(كُنَّا مَعَ عَليّ، رَضِي اتعالى عَنهُ، فمررنا على الْخَسْف الَّذِي بِبَابِل، فَلم يصلِّ حَتَّى أجَازه) أَي: تعداه، و: الْمحل، بِضَم الْمِيم وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام، وروى أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) : من حَدِيث حجاج بن شَدَّاد عَن أبي صَالح الْغِفَارِيّ (عَن عَليّ، رَضِي اتعالى عَنهُ، أَنه مر بِبَابِل وَهُوَ يسير، فَجَاءَهُ الْمُؤَذّن يُؤذن بِصَلَاة الْعَصْر، فَلَمَّا بدر مِنْهَا أَمر الْمُؤَذّن، فَأَقَامَ، فَلَمَّا فرغ من الصَّلَاة قَالَ: إِن حَبِيبِي، صلى اتعالى عَلَيْهِ وَسلم، نهاني أَن أُصَلِّي فِي الْمقْبرَة، ونهاني أَن أُصَلِّي فِي أَرض بابل، فَإِنَّهَا ملعونة) .
قَالَ ابْن يُونُس أَبُو صَالح الْغِفَارِيّ: سعيد بن عبد الرَّحْمَن روى عَن عَليّ، وَمَا أَظُنهُ سمع مِنْهُ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: فِي سَنَده رجال لَا يعْرفُونَ. وَقَالَ عبد الْحق: هُوَ حَدِيث واهٍ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (الْمعرفَة) : إِسْنَاده غير قوي. وَقَالَ الْخطابِيّ: فِي سَنَده مقالٌ وَلَا أعلم أحدا من الْعلمَاء حرم الصَّلَاة فِي أَرض بابل، وَقد عَارضه مَا هُوَ أصح مِنْهُ، وَهُوَ قَوْله:(جعلت لي الأَرْض مَسْجِدا) وَيُشبه، إِن ثَبت الحَدِيث، أَن يكون نَهَاهُ أَن يتخذها وطناً ومقاماً، فَإِذا أَقَامَ بهَا كَانَت صلَاته بهَا، وَهَذَا من بَاب التَّعْلِيق فِي علم الْبَيَان قلت: أَرَادَ بهَا الْمُلَازمَة الشَّرْعِيَّة، لِأَن من لَازم إِقَامَة شخص بمَكَان أَن تكون صلَاته فِيهِ، فَيكون من بَاب إِطْلَاق الْمَلْزُوم وَإِرَادَة اللَّازِم، وَإِنَّمَا قيدنَا الْمُلَازمَة بالشرعية لانْتِفَاء الْمُلَازمَة الْعَقْلِيَّة. وَقَالَ الْخطابِيّ أَيْضا: لَعَلَّ النَّهْي لعَلي خَاصَّة، أَلا ترى أَنه قَالَ: نهاني، وَلَعَلَّ ذَلِك إنذار مِنْهُ مَا لَقِي من المحنة بِالْكُوفَةِ، وَهِي من أَرض بابل. قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ: بابل بالعراق مَدِينَة السحر مَعْرُوفَة. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: بابل، اسْم مَوضِع بالعراق ينْسب إِلَيْهِ السحر وَالْخمر، وَقَالَ الْأَخْفَش: لَا ينْصَرف لتأنيثه، وَذَلِكَ أَن اسْم كل شَيْء مؤنث إِذا كَانَ أَكثر من ثَلَاثَة أحرف فَإِنَّهُ لَا ينْصَرف فِي الْمعرفَة، وَقَالَ أَصْحَاب الْأَخْبَار: بنى نمْرُود المجدل، أَي: الْقصر بهَا، وَطوله فِي السَّمَاء خَمْسَة آلَاف ذِرَاع، وَهُوَ الْبُنيان الَّذِي ذكره اتعالى فِي كِتَابه الْعَزِيز، بقوله تَعَالَى:{فَأتى ابنيانهم من الْقَوَاعِد} (النَّحْل: 62) وَبَات النَّاس ولسانهم سرياني فَأَصْبحُوا وَقد تَفَرَّقت لغاتهم على اثْنَيْنِ وَسبعين لِسَانا، كل يتبلبل بِلِسَانِهِ، فَسمى الْموضع بابلاً. وَقَالَ الْهَمدَانِي: وَرُبمَا سموا الْعرَاق بابلاً، قَالَ عمر بن أبي ربيعَة، وأتى الْبَصْرَة فضافه ابْن الْهلَال الْمَعْرُوف بصديق الْجِنّ:
(يَا أهل بابل مَا نفست عَلَيْكُم
…
من عيشكم إلَاّ ثَلَاث خلال)
:
(مَاء الْفُرَات، وظل عَيْش بَادر
…
وغنى مسمعتين لِابْنِ هِلَال)
وَذكر الطَّبَرَانِيّ فِي تَفْسِيره: بابل، اسْم قَرْيَة أَو مَوضِع من مَوَاضِع الأَرْض، وَقد اخْتلف أهل التَّأْوِيل فِيهَا، فَقَالَ بَعضهم، وَهُوَ السّديّ: هِيَ بابل دنباوند، وَقَالَ بَعضهم: بل ذَلِك بالعراق، ورد ذَلِك فِي حَدِيث مَرْوِيّ عَن عَائِشَة، رَضِي اتعالى عَنْهَا
وَاعْلَم أَنه قد وَردت أَحَادِيث فِيهَا النَّهْي عَن الصَّلَاة فِي مَوَاضِع، مِنْهَا: حَدِيث ابْن عمر، رَضِي اتعالى عَنْهُمَا:(أَن رَسُول الله نهى أَن يصلى فِي سَبْعَة مَوَاطِن: فِي المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطَّرِيق وَفِي الْحمام وَفِي معاطن الْإِبِل وَفَوق ظهر بَيت ا)، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه. وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر ابْن الْعَرَبِيّ: الْمَوَاضِع الَّتِي لَا يصلى فِيهَا ثَلَاثَة عشر موضعا، فَذكر السَّبْعَة الْمَذْكُورَة وَزَاد: إِلَى الْمقْبرَة. وأمامك جِدَار مرحاض عَلَيْهِ نَجَاسَة والكنيسة والبيعة وَفِي قبلتك تماثيل وَفِي دَار الْعَذَاب. وَذكر غَيره، الصَّلَاة فِي الأَرْض الْمَغْصُوبَة وَإِلَى النَّائِم والمتحدث، وَالصَّلَاة فِي بطن الْوَادي وَالصَّلَاة فِي مَسْجِد الضرار، فَصَارَت الْجُمْلَة ثَمَانِيَة عشر موضعا.
فَنَقُول: أما المزبلة فَهِيَ الْمَكَان الَّذِي يلقى فِيهِ الزبل، وَهُوَ السرجين، وفيهَا لُغَتَانِ: فتح الْبَاء وَضمّهَا، أما الصَّلَاة فِيهَا فَإِن كَانَت بهَا نَجَاسَة فَتحرم الصَّلَاة فِيهَا من غير حَائِل، وَإِن فرش عَلَيْهَا شَيْء حَائِل بَينه وَبَينهَا انْتَفَى التَّحْرِيم وَبقيت الْكَرَاهَة. وَأما المجرزة: فَهِيَ: بِفَتْح الزَّاي: الْمَكَان الَّذِي ينْحَر فِيهِ الْإِبِل ويذبح فِيهِ الْبَقر وَالْغنم، وَهِي أَيْضا مَحل الدِّمَاء والأرواث، وَالْكَلَام فِيهِ مثل الْكَلَام فِي المزبلة. وَأما الْمقْبرَة: فقد مر الْكَلَام فِيهَا. وَأما قَارِعَة الطَّرِيق: فَلَمَّا فِيهَا من شغل الخاطر بمرور النَّاس ولغطهم. وَأما الْحمام: فَقَالَ أَحْمد: لَا تصح الصَّلَاة فِيهَا، وَمن صلى فِيهَا أعَاد أبدا، وَعند الْجُمْهُور يكره وَلَا يبطل، ثمَّ قيل: الْعلَّة الغسالات، وَقيل: لِأَنَّهَا مأوى الشَّيَاطِين، فعلى الأول إِذا صلى فِي مَكَان طَاهِر فِيهَا لَا يكره، وَيلْزم من الثَّانِي أَن تكره الصَّلَاة فِي غير الْحمام أَيْضا لعدم خلو الْأَمْكِنَة من الشَّيَاطِين. وَأما معاطن الْإِبِل: فقد مر الْكَلَام فِيهَا. وَأما الصَّلَاة فَوق ظهر بَيت ا: فَفِيهِ خلاف وتفصيل عرف ذَلِك من الْفُرُوع. وَفِي (شرح التِّرْمِذِيّ) : وَلم يَصح فِيهِ حَدِيث. وَأما الصَّلَاة إِلَى جِدَار مر حاض: فَلَمَّا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن عبد اللَّه بن عَمْرو، قَالَ:(لَا يصلى إِلَى الحش) ، وَعَن عَليّ، رَضِي اتعالى عَنهُ:(لَا تصلي تجاه حش) . وَعَن إِبْرَاهِيم: (كَانُوا يكْرهُونَ ثَلَاثَة أَبْيَات الْقبْلَة وَذكر مِنْهَا الحش) . وَفِي (شرح التِّرْمِذِيّ) : وَقد نَص الشَّافِعِي على أَنه لَا تكره الصَّلَاة إِذا صلى وَبَين يَدَيْهِ جيفة، وَحكى الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي (شرح التَّنْبِيه) : أَنه يكره اسْتِقْبَال الْجِدَار النَّجس والمتنجس فِي الصَّلَاة، وَقَالَ ابْن حبيب من الْمَالِكِيَّة: من تعمد الصَّلَاة إِلَى نَجَاسَة بطلت صلَاته إلَاّ أَن يكون بَعيدا جدا. وَأما الصَّلَاة فِي الْكَنِيسَة والبيعة: فكرهها الْحسن الْبَصْرِيّ، وَفِي (مُصَنف ابْن أبي شيبَة) : إِن ابْن عَبَّاس كره الصَّلَاة فِي الْكَنِيسَة إِذا كَانَت فِيهَا تصاوير، وَلم ير الشّعبِيّ وَعَطَاء وَابْن أبي رَبَاح بِالصَّلَاةِ فِي الْكَنِيسَة والبيعة بَأْسا وَكَذَلِكَ ابْن سِيرِين، وَصلى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَعمر بن عبد الْعَزِيز فِي الْكَنِيسَة.
وَأما الصَّلَاة إِلَى قبْلَة فِيهَا تماثيل:، فقد مر الْكَلَام فِيهَا. وَأما الصَّلَاة فِي دَار الْعَذَاب: فَلَمَّا رُوِيَ عَن عَليّ، رَضِي اتعالى عَنهُ، وَقد ذكر عَن قريب. وَأما الصَّلَاة فِي الأَرْض الْمَغْصُوبَة: فَلَمَّا فِيهِ من اسْتِعْمَال حق الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه فَيحرم وَتَصِح وَلَا ثَوَاب فِيهَا. وَأما الصَّلَاة إِلَى النَّائِم والمتحدث: فَلَمَّا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس النَّهْي فِي ذَلِك رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه. وَأما الصَّلَاة فِي بطن الْوَادي؛ فَهُوَ خوف السَّيْل السالب للخشوع، قَالَه الرَّافِعِيّ، وَإِن لم يتَوَقَّع ذَلِك. فَيجوز أَن يُقَال: لَا كَرَاهَة. وَأما الصَّلَاة فِي مَسْجِد الضرار: فَلقَوْله تَعَالَى: {لَا تقم فِيهِ أبدا} (التَّوْبَة: 801) وَقَالَ ابْن حزم: لَا تصح الصَّلَاة فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوضِع صَلَاة، وَقَالَ: لَا تجوز الصَّلَاة أَيْضا فِي مَسْجِد يستهزأ فِيهِ با أَو بِرَسُولِهِ، أَو بِشَيْء من الدّين، أَو فِي مَكَان يكفر فِيهِ بِشَيْء، فَإِن لم يُمكنهُ الزَّوَال وَلَا قدرَة صلى، وأجزأته صلَاته.
33449 -
حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حدّثني مالِكٌ عنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ دِينَارٍ عنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رَضِي اعنهما أنَّ رسولَ قَالَ لَا تَدْخلُوا عَلى هَؤُلَاءِ المُعَذَّبِينَ إلَاّ أنْ تَكُونُوا باكِينَ فإِنْ لَمْ تكُونُوا باكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ لَا يُصِيبُكُمْ مَا أصَابَهُمْ. (الحَدِيث 334 أَطْرَافه فِي: 0833، 1833، 9144، 0244، 2074) .
هَذَا الحَدِيث مُطَابق لأثر عَليّ من حَيْثُ عدم النُّزُول من النَّبِي لما مر بِالْحجرِ ديار ثَمُود فِي حَال توجهه إِلَى تَبُوك، وَمن عَليّ كَذَلِك حَيْثُ لم ينزل لما أَتَى خسف بابل، فأثر عَليّ، رَضِي اتعالى عَنهُ، مُطَابق للتَّرْجَمَة للْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ، فَكَذَلِك حَدِيث ابْن عمر مُطَابق للتَّرْجَمَة، لِأَن المطابق للمطابق للشَّيْء مُطَابق لذَلِك الشَّيْء، وَعدم نزولهما فيهمَا مُسْتَلْزم لعدم الصَّلَاة فيهمَا، وَعدم الصَّلَاة لأجل الْكَرَاهَة وَالْبَاب مَعْقُود لبَيَان الْكَرَاهَة، فحصلت الْمُطَابقَة فَافْهَم.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة، ذكرُوا