الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا بإلتقاطه للقيط، وكل هَذِه الصُّور فِيهَا خلاف بَين الْفُقَهَاء، وَمذهب الشَّافِعِي: لَا وَلَاء فِي شَيْء مِنْهَا للْحَدِيث. قلت: الْوَلَاء عِنْد أَصْحَابنَا نَوْعَانِ: أَحدهمَا: وَلَاء الْعتَاقَة، وَالْآخر: وَلَاء الْمُوَالَاة، وَقد كَانَت الْعَرَب تتناصر بأَشْيَاء: بِالْقَرَابَةِ والصداقة والمؤاخاة وَالْحلف والعصبة، وَوَلَاء الْعتَاقَة وَوَلَاء الْمُوَالَاة، وَقرر رَسُول الله تناصرهم بِالْوَلَاءِ بنوعين وهما: الْعتَاقَة وَوَلَاء الْمُوَالَاة، وَقَالَ:(إِن مولى الْقَوْم مِنْهُم وحليفهم مِنْهُم) . رَوَاهُ أَرْبَعَة من الصَّحَابَة، فَأَحْمَد فِي (مُسْنده) : من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عبيد بن رِفَاعَة بن رَافع الزرقي عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: قَالَ رَسُول ا: (مولى الْقَوْم مِنْهُم، وَابْن أختهم مِنْهُم، وحليفهم مِنْهُم) . وَالْبَزَّار فِي (سنَنه) : من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي، قَالَ:(حَلِيف الْقَوْم مِنْهُم وَابْن أختهم مِنْهُم) . والدارمي فِي (مُسْنده) : من حَدِيث عَمْرو بن عون أَن رَسُول ا، قَالَ:(ابْن أُخْت الْقَوْم مِنْهُم وحليف الْقَوْم مِنْهُم) . وَالطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه) : من حَدِيث عتبَة بن غَزوَان عَن النَّبِي نَحوه، وَالْمرَاد بالحليف مولى الْمُوَالَاة لأَنهم كَانُوا يؤكدون الْمُوَالَاة بِالْحلف.
الْعَاشِر: أَنه يسْتَحبّ للْإِمَام عِنْد وُقُوع بِدعَة أَن يخْطب النَّاس وَيبين لَهُم حكم ذَلِك وينكر عَلَيْهَا.
الْحَادِي عشر: فِيهِ أَنه يسْتَحبّ للْإِمَام أَن يحسن الْعشْرَة مَعَ رَعيته، أَلَا ترى أَنه، لما خطب لم يواجه صَاحب الشَّرْط بِعَيْنِه، لِأَن الْمَقْصُود يحصل لَهُ وَلغيره بِدُونِ فضيحة وشناعة عَلَيْهِ.
الثَّانِي عشر: فِيهِ الْمُبَالغَة فِي إِزَالَة الْمُنكر والتغليظ فِي تقبيحه.
الثَّالِث عشر: فِي جَوَاز كِتَابَة الْأمة دون زَوجهَا.
الرَّابِع عشر: فِيهِ أَن زوج الْأمة لَيْسَ لَهُ منعهَا من السَّعْي فِي كتَابَتهَا، وَقَالَ أَبُو عمر: لَو اسْتدلَّ مستدل من هَذَا الْمَعْنى بِأَن الزَّوْجَة لَيْسَ عَلَيْهَا خدمَة زَوجهَا كَانَ حسنا.
الْخَامِس عشر: فِيهِ دَلِيل على أَن العَبْد زوج الْأمة لَهُ منعهَا من الْكِتَابَة الَّتِي تؤول إِلَى عتقهَا وفراقها لَهُ، كَمَا أَن لسَيِّد الْأمة عتق أمته تَحت العَبْد، وَإِن أدّى ذَلِك إِلَى إبِْطَال نِكَاحه، وَكَذَلِكَ لَهُ أَن يَبِيعهَا من زَوجهَا الْحر وَإِن كَانَ فِي ذَلِك بطلَان عقده.
السَّادِس عشر: فِيهِ دَلِيل على أَن بيع الْأمة ذَات الزَّوْج لَيْسَ بِطَلَاق لَهَا، لِأَن الْعلمَاء قد اجْتَمعُوا وَلم يخْتَلف فِي تِلْكَ الْأَحَادِيث أَيْضا أَن بَرِيرَة كَانَت حِين اشترتها عَائِشَة ذَات الزَّوْج، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي زَوجهَا: هَل كَانَ حرا أَو عبدا؟ وَقد اجْتمع عُلَمَاء الْمُسلمين على أَن الْأمة إِذا أعتقت وَزوجهَا عبد أَنَّهَا تخير، وَاخْتلفُوا إِذا كَانَ زَوجهَا حرا هَل تخير أم لَا؟ .
السَّابِع عشر: فِيهِ دَلِيل على جَوَاز أَخذ السَّيِّد نُجُوم الْمكَاتب من مَسْأَلَة النَّاس، لترك النَّبِي عليه الصلاة والسلام، زجرها عَن مَسْأَلَة عَائِشَة إِذا كَانَت تستعينها فِي أَدَاء نجمها، وَهَذَا يرد قَول من كره كِتَابَة الْمكَاتب الَّذِي يسْأَل النَّاس، وَقَالَ: يطعمني أوساخ النَّاس.
الثَّامِن عشر: فِيهِ دَلِيل على جَوَاز نِكَاح العَبْد الْحرَّة لِأَنَّهَا إِذا خيرت فاختارته بقيت مَعَه وَهِي حرَّة وَهُوَ عبد.
التَّاسِع عشر: قَالُوا: فِيهِ مَا يدل على ثُبُوت الْوَلَاء فِي سَائِر وُجُوه الْعتْق: كالكتابة وَالتَّعْلِيق بالصيغة وَغير ذَلِك.
الْعشْرُونَ: فِيهِ دَلِيل على قبُول خبر العَبْد وَالْأمة، لِأَن بَرِيرَة أخْبرت أَنَّهَا مُكَاتبَة، فأجابتها عَائِشَة بِمَا أجابت.
17 -
(بابُ التقاضِي والمُلَازَمَة فيِ المَسْجِدِ)
أَي: هَذَا الْبَاب فِي بَيَان حكم التقاضي، أَي فِي مُطَالبَة الْغَرِيم بِقَضَاء الدّين. قَوْله:(والملازمة) أَي: وَحكم مُلَازمَة الْغَرِيم فِي طلب الدّين. قَوْله: (فِي الْمَسْجِد) يتَعَلَّق بالتقاضي وبالملازمة أَيْضا بالتقدير، لِأَنَّهُ مَعْطُوف عَلَيْهِ.
754611 -
ح دّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدّثنا عُثْمانُ بنُ عُمَرَ قَالَ أخبرنَا يُونُسُ عنِ الزهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ كَعْبِ بنِ مالِكٍ عَنْ كَعْبٍ أنَّهُ تَقَاضَى ابنَ أبي حَدْرَدٍ دَيْناً كانَ لهُ عليهِ فِي المَسْجِدِ فَارْتَفَعتَ أصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسولُ اللَّهِ وهوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى يَا كعْبُ قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسولَ اللَّهِ قَالَ ضَعْ مِن دَيْنِكَ هَذَا وأوْمَأَ إِليْهِ أَي الشَّطْرَ قَالَ لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رسولَ اللَّهِ قالَ قُمْ فَاقْضِهِ. (الحَدِيث 754 أَطْرَافه فِي: 174، 8142، 4242، 6072، 0172) .
وَجه مطابقته للتَّرْجَمَة فِي التقاضي ظَاهر، وَأما فِي الْمُلَازمَة فبوجهين. أَحدهمَا: أَن كَعْبًا لما طلب ابْن أبي حَدْرَد بِدِينِهِ فِي
مَسْجِد النَّبِي عليه الصلاة والسلام، لَازمه إِلَى أَن خرج النَّبِي عليه السلام، وَفصل بَينهمَا. وَالْآخر: أَنه أخرج هَذَا الحَدِيث فِي عدَّة مَوَاضِع كَمَا سنذكرها، فَذكر فِي بَاب الصُّلْح وَفِي بَاب الْمُلَازمَة عَن عبد ابْن كَعْب عَن أَبِيه أَنه كَانَ لَهُ على عبد ابْن أبي حَدْرَد مَال فَلَزِمَهُ
…
الحَدِيث، فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِلَفْظ الْمُلَازمَة هُنَا، إِلَى الحَدِيث الْمَذْكُور، على أَن مَا ذكره فِي عدَّة مَوَاضِع كلهَا حَدِيث وَاحِد، وَله عَادَة فِي بعض الْمَوَاضِع يذكر التراجم بِهَذِهِ الطَّرِيقَة.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: عبد ابْن مُحَمَّد بن عبد ابْن جَعْفَر بن الْيَمَان، أَبُو جَعْفَر الْجعْفِيّ البُخَارِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي، مَاتَ يَوْم الْخَمِيس لست ليالٍ بَقينَ من ذِي الْقعدَة سنة تسع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: عُثْمَان بن عمر، بِضَم الْعين: ابْن فَارس الْبَصْرِيّ. الثَّالِث: يُونُس بن يزِيد. الرَّابِع: مُحَمَّد بن الزُّهْرِيّ. الْخَامِس: عبد ابْن كَعْب بن مَالك الْأنْصَارِيّ السّلمِيّ الْمدنِي. السَّادِس: أَبُو كَعْب ابْن مَالك الْأنْصَارِيّ الشَّاعِر، أحد الثَّلَاثَة الَّذين تَابَ اعليهم وَأنزل افيهم:{وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} (التَّوْبَة: 811) رُوِيَ لَهُ ثَمَانُون حَدِيثا، للْبُخَارِيّ مِنْهَا أَرْبَعَة، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة خمسين، وَكَانَ ابْنه عبد اقائده حِين عمي.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين والإخبار بِصِيغَة الْجمع أَيْضا فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده. وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الْأَب. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بخاري وبصري ومدني.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصُّلْح وَفِي الْأَشْخَاص عَن عبد ابْن مُحَمَّد وَأخرجه أَيْضا فِي الْمُلَازمَة وَفِي الصُّلْح أَيْضا عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث. وَأخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن حَرْمَلَة عَن ابْن وهب بن وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن عُثْمَان بن عمر بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي القضايا عَن أَحْمد بن صَالح عَن ابْن وهب بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن أبي دَاوُد سُلَيْمَان بن سيف عَن عُثْمَان بن عمر بِهِ، وَعَن الرّبيع بن سُلَيْمَان عَن شُعَيْب بن اللَّيْث عَن أَبِيه، وَعَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن كَعْب بن مَالك مُرْسلا. وَأخرجه ابْن ماجة فِي الْأَحْكَام عَن مُحَمَّد بن يحيى الذهلي.
ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه قَوْله: (إِنَّه تقاضي) أَي: أَن كَعْبًا تقاضي أَي: طَالب ابْن أبي حَدْرَد بِالدّينِ، و: تقاضى، على وزن: تفَاعل، وأصل هَذَا الْبَاب لمشاركة أَمريْن فَصَاعِدا نَحوه: تشاركاً، قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مفعول وَاحِد وَهُوَ الابْن. قلت: إِذا كَانَ تفَاعل من فَاعل الْمُتَعَدِّي إِلَى مفعول وَاحِد: كضارب، لم يتعدَّ وَإِن كَانَ من الْمُتَعَدِّي إِلَى مفعولين: كجاذبته الثَّوْب، يتَعَدَّى إِلَى وَاحِد. وَقَالَ الْكرْمَانِي: دينا، مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: بدين قلت: إِنَّمَا وَجه بِهَذَا لأَنا قُلْنَا: إِن تفَاعل إِذا كَانَ من الْمُتَعَدِّي إِلَى مفعولين لَا يتَعَدَّى إِلَّا إِلَى مفعول وَاحِد. قَوْله: (ابْن أبي حَدْرَد)، اسْم ابْن أبي حَدْرَد: هُوَ عبد ابْن أبي سَلامَة: كَمَا صرح بِهِ البُخَارِيّ فِي أحد رواياته على مَا ذكرنَا، وَهُوَ صَحَابِيّ على الْأَصَح، شهد الْحُدَيْبِيَة وَمَا بعْدهَا، مَاتَ سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَسبعين عَن إِحْدَى وَثَمَانِينَ سنة. وَقَالَ الذَّهَبِيّ: عبد ابْن سَلامَة بن عُمَيْر هُوَ ابْن عبد ابْن أبي حَدْرَد الْأَسْلَمِيّ، أَمر على غير سَرِيَّة. وَقَالَ فِي بَاب الكنى: أَبُو حَدْرَد الْأَسْلَمِيّ سَلامَة بن عُمَيْر، روى عَنهُ ابْنه عبد اومحمد بن إِبْرَاهِيم وَغَيرهمَا، وحروف حَدْرَد كلهَا مُهْملَة، والحاء مَفْتُوحَة وَكَذَا الرَّاء وَالدَّال سَاكِنة. قَالَ الْجَوْهَرِي ثمَّ الصَّنْعَانِيّ: حَدْرَد اسْم رجل لم يَأْتِ من الْأَسْمَاء على فعلع بتكرير الْعين غَيره. قَوْله: (كَانَ لَهُ عَلَيْهِ) جملَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا صفة لقَوْله: (دينا) . قَوْله: (فِي مَسْجِد) يتَعَلَّق بقوله: (تقاضى) . قَوْله: (أصواتهما)، من قبيل قَوْله تَعَالَى:{فقد صغت قُلُوبكُمَا} (التَّحْرِيم: 4) وَيجوز اعْتِبَار الْجمع فِي: صوتيهما بِاعْتِبَار أَنْوَاع الصَّوْت. قَوْله: (وَهُوَ فِي بَيته) جملَة اسمية فِي مَحل النصب على الْحَال من رَسُول ا. قَوْله: (فَخرج إِلَيْهِمَا) وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج: (فَمر بهما النَّبِي) . فَإِن قلت: كَيفَ التَّوْفِيق بَين الرِّوَايَتَيْنِ لِأَن الْخُرُوج غير الْمُرُور؟ قلت: وفْق قوم بَينهمَا بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون مر بهما أَولا ثمَّ إِن كَعْبًا لما أشخص خَصمه للمحاكمة فتخاصما وَارْتَفَعت أصواتهما فسمعهما النَّبِي وَهُوَ فِي بَيته فَخرج إِلَيْهِمَا. وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ بعد، لِأَن فِي الطَّرِيقَيْنِ أَنه أَشَارَ إِلَى كَعْب بالوضيعة، وَأمر غَرِيمه بِالْقضَاءِ، فَلَو كَانَ أمره بذلك تقدم لما احْتج إِلَى إِعَادَته. قلت: الَّذِي استبعد فقد أبعد، لِأَن إعدته بذلك قد تكون للتَّأْكِيد، لِأَن الوضيعة أَمر مَنْدُوب والتأكيد بهَا مَطْلُوب، ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل: وَالْأولَى فِيمَا يظْهر لي أَن يحمل الْمُرُور على أَمر معنوي لَا حسي. قلت: إِن أَرَادَ بِالْأَمر الْمَعْنَوِيّ الْخُرُوج فَفِيهِ إِخْرَاج اللَّفْظ عَن مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ بِلَا ضَرُورَة، وَالْأولَى