الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصمد هُوَ الْقَصْد فِي اللُّغَة. وَالثَّامِن: أَن ستْرَة الإِمَام ستْرَة للْقَوْم، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ. وَالتَّاسِع: ذكر أَصْحَابنَا أَن الْمُعْتَمد الغرز دون الْإِلْقَاء، والخط، لِأَن الْمَقْصُود هُوَ الدرء فَلَا يحصل بالإلقاء وَلَا بالخط، وَفِي (مَبْسُوط) شيخ الْإِسْلَام: إِنَّمَا يغرز إِذا كَانَت الأَرْض رخوة، فَإِذا كَانَت صلبة لَا يُمكنهُ فَيَضَع وضعا. لِأَن الْوَضع قد وري كَمَا رُوِيَ الغرز، لَكِن يضع طولا لَا عرضا. وروى أَبُو عصمَة عَن مُحَمَّد: إِذا لم يجد ستْرَة؟ قَالَ: لَا يخط بَين يَدَيْهِ، فَإِن الْخط وَتَركه سَوَاء، لِأَنَّهُ لَا يَبْدُو للنَّاظِر من بعيد. وَقَالَ الشَّافِعِي بالعراق: إِن لم يجد مَا يخط خطا طولا، وَبِه أَخذ بعض الْمُتَأَخِّرين. وَفِي (الْمُحِيط) : الْخط لَيْسَ بِشَيْء. وَفِي (الذَّخِيرَة) للقرافي: الْخط بَاطِل، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور، وَجوزهُ أَشهب فِي (الْعُتْبِيَّة) وَهُوَ قَول سعيد بن جُبَير وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ بالعراق، ثمَّ قَالَ بِمصْر: لَا يخط، والمانعون أجابوا عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور أَنه ضَعِيف. وَقَالَ عبد الْحق: ضعفه جمَاعَة ابْن حزم فِي (الْمحلى) : لم يَصح فِي الْخط شَيْء وَلَا يجوز القَوْل بِهِ. والعاشر: أَن الستْرَة إِذا كَانَت مَغْصُوبَة فَهِيَ مُعْتَبرَة عندنَا وَعَن أَحْمد تبطل صلَاته، وَمثله الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْمَغْصُوب عِنْده.
الثَّانِي من الْأَحْكَام أَن الدرء، وَهُوَ: دفع الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي هَل هُوَ وَاجِب أَو ندب؟ فَقَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا الْأَمر، أَعنِي قَوْله:(فليدفعه)، أَمر ندب متأكد وَلَا أعلم أحدا من الْفُقَهَاء أوجبه. قلت: قَالَ أهل الظَّاهِر بِوُجُوبِهِ لظَاهِر الْأَمر، فَكَأَن النَّوَوِيّ مَا أطلع على هَذَا، أَو اعْتد بخلافهم. وَقَالَ ابْن بطال: اتَّفقُوا على دفع الْمَار إِذا صلى إِلَى ستْرَة، فَأَما إِذا صلى إِلَى غير الستْرَة فَلَيْسَ لَهُ، لِأَن التَّصَرُّف وَالْمَشْي مُبَاح لغيره فِي ذَلِك الْموضع الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ، فَلم يسْتَحق أَن يمنعهُ إلَاّ مَا قَامَ الدَّلِيل عَلَيْهِ، وَهِي الستْرَة الَّتِي وَردت السّنة بمنعها.
الثَّالِث: إِنَّه يجوز لَهُ الْمَشْي إِلَيْهِ من مَوْضِعه ليَرُدهُ، وَإِنَّمَا يدافعه وَيَردهُ من مَوْضِعه، لِأَن مفْسدَة الْمَشْي أعظم من مروره بَين يَدَيْهِ، وَإِنَّمَا أُبِيح لَهُ قدر مَا يَنَالهُ من موقفه، وَإِنَّمَا يردهُ إِذا كَانَ بَعيدا مِنْهُ بِالْإِشَارَةِ وَالتَّسْبِيح، وَلَا يجمع بَينهمَا. وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: لَا يَنْتَهِي دفع الْمَار إِلَى منع مُحَقّق، بل يومىء وَيُشِير بِرِفْق فِي صَدره من يمر بِهِ، وَفِي الْكَافِي للروياني يَدْفَعهُ ويصر على ذَلِك، وَإِن أدّى إِلَى قَتله. وَقيل: يَدْفَعهُ دفعا شَدِيدا أَشد من الدرء، وَلَا يَنْتَهِي إِلَى مَا يفْسد صلَاته، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور عِنْد مَالك وَأحمد. وَقَالَ أَشهب فِي (الْمَجْمُوعَة) إِن قرب مِنْهُ درأه وَلَا ينازعه، فَإِن مَشى لَهُ ونازعه لم تبطل صلَاته، وَإِن تجاوزه لَا يردهُ لِأَنَّهُ مُرُور ثَان، وَكَذَا رَوَاهُ ابْن الْقَاسِم من أَصْحَاب مَالك، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد. وَقَالَ أَبُو مَسْعُود وَسَالم: يردهُ من حَيْثُ جَاءَ، وَإِذا مر بَين يَدَيْهِ مَا لَا تُؤثر فِيهِ إِلَّا الْإِشَارَة كالهرة. قَالَت الْمَالِكِيَّة: دَفعه بِرجلِهِ أَو ألصقه إِلَى السّتْر.
الرَّابِع: هَل يقاتله؟ فِيهِ: فَإِن أَبى فليقاتله. قَالَ عِيَاض: أَجمعُوا على أَنه لَا تلْزمهُ مقاتلته بِالسِّلَاحِ، وَلَا بِمَا يُؤَدِّي إِلَى هَلَاكه فَإِن دَفعه بِمَا يجوز فَهَلَك من ذَلِك فَلَا قَود عَلَيْهِ بِاتِّفَاق الْعلمَاء، وَهل تجب دِيَته أم تكون هدرا؟ فِيهِ مذهبان للْعُلَمَاء، وهما قَولَانِ فِي مَذْهَب مَالك. قَالَ ابْن شعْبَان: عَلَيْهِ الدِّيَة فِي مَاله كَامِلَة، وَقيل: هِيَ على عَاقِلَته، وَقيل: هدر، ذكره ابْن التِّين. وَاخْتلفُوا فِي معنى: فليقاتله، وَالْجُمْهُور على أَن مَعْنَاهُ: الدّفع بالقهر لَا جَوَاز الْقَتْل، وَالْمَقْصُود: الْمُبَالغَة فِي كَرَاهَة الْمُرُور. وَأطلق جمَاعَة من الشَّافِعِيَّة أَن لَهُ أَن يقاتله حَقِيقَة، ورد ابْن الغربي ذَلِك، وَقَالَ: المُرَاد بالمقاتلة المدافعة. وَقَالَ بَعضهم: معنى فليقاتله، فليلعنه. قَالَ اتعالى. {قتل الخراصون} (الذاريات: 01) أَي: لعنُوا وَأنْكرهُ بَعضهم وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: يدْفع فِي نَحره أول مرّة، ويقاتله فِي الثَّانِيَة، وَهِي المدافعة. وَقيل: يؤاخذه على ذَلِك بعد إتْمَام الصَّلَاة ويؤنبه. وَقيل: يَدْفَعهُ دفعا أَشد من الرَّد مُنْكرا عَلَيْهِ. وَفِي (التَّمْهِيد) : الْعَمَل الْقَلِيل فِي الصَّلَاة جَائِز، نَحْو قتل البرغوث، وحك الْجَسَد، وَقتل الْعَقْرَب بِمَا خف من الضَّرْب مَا لم تكن الْمُتَابَعَة والطول، وَالْمَشْي إِلَى الْفرج إِذا كَانَ ذَلِك قَرِيبا، ودرء الْمُصَلِّي وَهَذَا كُله مَا لم يكثر، فَإِن كثر فسد.
الْخَامِس: فِيهِ أَن الْمَار كالشيطان، فِي أَنه يشغل قلبه عَن مُنَاجَاة ربه.
السَّادِس: فِيهِ أَنه يجوز أَن يُقَال للرجل إِذا فتن فِي الدّين: إِنَّه شَيْطَان.
السَّابِع: فِيهِ أَن الحكم للمعاني لَا للأسماء، لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل أَن يصير الْمَار شَيْطَانا بمروره بَين يَدَيْهِ.
الثَّامِن: فِيهِ أَن دفع الأسوأ إِنَّمَا بالأسهل فالأسهل.
التَّاسِع: فِيهِ أَن فِي المنازعات لَا بُد من الرّفْع إِلَى الْحَاكِم وَلَا ينْتَقم الْخصم بِنَفسِهِ.
الْعَاشِر: فِيهِ أَن رِوَايَة الْعدْل مَقْبُولَة وَإِن كَانَ الرَّاوِي لَهُ مُنْتَفعا بِهِ.
101 -
(بابُ إثْمِ المَارِ بَيْنَ يَدَيِ المصَلِّي)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان إِثْم الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي، وأصل الْمَار: مارر، فاسكنت الرَّاء اللأولى وادغمت الثَّانِيَة، والإدغام فِي مثله وَاجِب.
015951 -
حدّثنا عَبْدُ ااِ بنُ يُوسُفَ أخْبَرَنا مالِكٌ عنْ أبي النَّضُرِ مَوْلَى عُمَرَ بنِ عُبَيْدِ ااِ عنْ بُسْرِ بنِ سعِيد أنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أرْسَلَهُ إلَى أبي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ ماذَا سَمِعَ مِن رَسُولِ ااِ فِي الْمَارِ بَيْنَ يَدَي الْمُصَلِّي فَقَالَ أبُو جُهَيْمٍ قَالَ رسُولُ ااِ لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَي الْمُصَلّي ماذَا لَكَانَ أنْ يَقِفَ أرْبَعِينَ خَيراً لَهُ مِنْ أنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ أبُو النَّضْرِ لَا أدْرِي أقَال أرْبَعِينَ يَوْماً أوْ شَهْراً أوْ سَنَةً.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة قد ذكرُوا. وَأَبُو النَّضر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: اسْمه سَالم ابْن أبي أُميَّة، و: بسر، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة: الْحَضْرَمِيّ الْمدنِي الزَّاهِد، مَاتَ سنة مائَة، وَلم يخلف كفناً. وَزيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ الصَّحَابِيّ، وَأَبُو جهيم، بِضَم الْجِيم وَفتح الْهَاء: واسْمه عبد ابْن جهيم.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد، والإخبار كَذَلِك. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: تَابِعِيّ وصحابيان. وَفِيه: أَبُو جهيم، بِالتَّصْغِيرِ مر فِي بَاب التَّيَمُّم فِي الْحَضَر، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: رَاوِي حَدِيث الْمُرُور هُوَ غير رَاوِي حَدِيث التَّيَمُّم، وَقَالَ الكلاباذي: أَبُو جهيم، وَيُقَال: أَبُو جهم بن الْحَارِث، روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي الصَّلَاة وَالتَّيَمُّم. وَقَالَ النَّوَوِيّ: أَبُو جهيم رَاوِي حَدِيث الْمُرُور وَحَدِيث التَّيَمُّم غير أبي الجهم مكبر الْمَذْكُور فِي حَدِيث الخميصة والأنبجانية، لِأَن اسْمه: عبد ا، وَهُوَ أَنْصَارِي، وَاسم ذَلِك عَامر، وَهُوَ عدوي وَقَالَ الذَّهَبِيّ: أَبُو الْجُهَيْم، يُقَال: أَبُو الجهم بن الْحَارِث بن الصمَّة، كَانَ أَبوهُ من كبار الصَّحَابَة، ثمَّ قَالَ: أَبُو جهيم عبد ابْن جهيم جعله، وَابْن الصمَّة وَاحِدًا أَبُو نعيم وَابْن مندة، وَكَذَا قَالَه مُسلم فِي بعض كتبه، وجعلهما ابْن عبد الْبر اثْنَيْنِ وَهُوَ أشبه، لَكِن متن الحَدِيث وَاحِد.
ذكر من أخرجه غَيره أخرجه بَقِيَّة السِّتَّة، قَالَ ابْن ماجة: حدّثنا هِشَام بن عمار حدّثنا ابْن عُيَيْنَة عَن أبي النَّضر عَن بسر، قَالَ:(أرسلوني إِلَى زيد بن خَالِد أسأله عَن الْمُرُور بَين يَدي الْمُصَلِّي فَأَخْبرنِي عَن النَّبِي، عليه الصلاة والسلام، قَالَ: لِأَن يقوم أَرْبَعِينَ خير لَهُ من أَن يمر بَين يَدَيْهِ. قَالَ سُفْيَان. وَلَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ سنة أَو شهرا أَو صباحاً أَو سَاعَة) . وَفِي (مُسْند الْبَزَّار) : أخبرنَا أَحْمد بن عَبدة حدّثنا سُفْيَان بِهِ، وَفِيه:(أَرْسلنِي أَبُو جهيم إِلَى زيد بن خَالِد. فَقَالَ: لِأَن يقوم أَرْبَعِينَ خَرِيفًا خير لَهُ من أَن يمر بَين يَدَيْهِ) . وَقَالَ أَبُو عمر فِي (التَّمْهِيد) : رَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة مقلوباً، وَالْقَوْل عندنَا قَول مَالك، وَمن تَابعه، وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي حَدِيث الْبَزَّار خطىء فِيهِ ابْن عُيَيْنَة وَلَيْسَ خَطؤُهُ بمتعين لاحْتِمَال أَن يكون أَبُو جهيم بعث بسراً إِلَى زيد، وَزيد بَعثه إِلَى أبي جهيم يستثبت كل وَاحِد مَا عِنْد الآخر، فَأخْبر كل مِنْهُمَا بمحفوظه فَشك أَحدهمَا وَجزم الآخر. وَاجْتمعَ ذَلِك كُله عِنْد أبي النَّضر. قلت: قَول مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) لم يخْتَلف عَلَيْهِ فِيهِ أَن الْمُرْسل هُوَ زيد، وَأَن الْمُرْسل إِلَيْهِ هُوَ أَبُو جهيم، وَتَابعه سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أبي النَّضر عِنْد مُسلم وَابْن مَاجَه وَغَيرهمَا، وَخَالَفَهُمَا ابْن عُيَيْنَة عَن أبي النَّضر فَقَالَ: عَن بسر بن سعيد، قَالَ:(أَرْسلنِي أَبُو جهيم إِلَى زيد بن خَالِد أسأله) فَذكر هَذَا الحَدِيث: قلت: هَذَا عكس متن (الصَّحِيحَيْنِ) لِأَن المسؤول فيهمَا هُوَ أَبُو جهيم، وَهُوَ الرَّاوِي عَن النَّبِي، عليه الصلاة والسلام، وَعند الْبَزَّار المسؤول زيد بن خَالِد.
ذكر مَعْنَاهُ. قَوْله: (مَاذَا عَلَيْهِ)، أَي: من الْإِثْم والخطيئة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:(مَاذَا عَلَيْهِ من الْإِثْم) ، وَلَيْسَت هَذِه الزِّيَادَة فِي شَيْء من الرِّوَايَات غَيره، وَكَذَا فِي (الْمُوَطَّأ) لَيست هَذِه الزِّيَادَة، وَكَذَا فِي سَائِر المسندات. وَفِي المستخرجات، غير أَنه وَقع فِي (مُصَنف ابْن أبي شيبَة) : مَاذَا عَلَيْهِ، يَعْنِي من الْإِثْم، وعيب على الْمُحب الطَّبَرِيّ حَيْثُ عزا هَذِه الزِّيَادَة فِي الْأَحْكَام للْبُخَارِيّ. قَوْله:(بَين يَدي الْمُصَلِّي) أَي: أَمَامه بِالْقربِ مِنْهُ، وَعبر باليدين لكَون أَكثر الشّغل يَقع بهما. قَوْله:(أَن يقف أَرْبَعِينَ)، وَقد ذكرنَا أَن فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه:(أَرْبَعِينَ سنة أَو شهرا أَو صباحاً أَو سَاعَة) . وَفِي رِوَايَة الْبَزَّار: (أَرْبَعِينَ خَرِيفًا) وَفِي (صَحِيح ابْن حبَان) : عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول ا: لَو يعلم أحدكُم مَا لَهُ فِي أَن يمر بَين يَدي أَخِيه مُعْتَرضًا فِي الصَّلَاة كَانَ لِأَن يُقيم مائَة عَام خيرا لَهُ من الخطوة الَّتِي خطأ) . وَفِي (الْأَوْسَط) للطبراني: عَن عبد ابْن عَمْرو مَرْفُوعا: (إِن
الَّذِي يمر بَين يَدي الْمُصَلِّي عمدا يتَمَنَّى يَوْم الْقِيَامَة أَنه شَجَرَة يابسة) . وَفِي المُصَنّف عَن عبد الحميد، عَامل عمر بن عبد الْعَزِيز، قَالَ:(لَو يعلم الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي مَا عَلَيْهِ لأحب أَن ينكسر فَخذه وَلَا يمر بَين يَدَيْهِ) . وَقَالَ ابْن مَسْعُود: (الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي أنقص من الْمَمَر عَلَيْهِ، وَكَانَ إِذا مر أحد بَين يَدَيْهِ الْتَزمهُ حَتَّى يردهُ) . وَقَالَ ابْن بطال: قَالَ عمر، رَضِي اعنه:(لَكَانَ يقوم حولا خير لَهُ من مروره) . وَقَالَ كَعْب الْأَحْبَار: (لَكَانَ أَن يخسف بِهِ خيرا لَهُ من أَن يمر بَين يَدَيْهِ) . قَوْله: (قَالَ أَبُو النَّضر) قَالَ الْكرْمَانِي: إِمَّا من كَلَام مَالك فَهُوَ مُسْند، وَإِمَّا تَعْلِيق من البُخَارِيّ. قلت: هُوَ كَلَام مَالك وَلَيْسَ هُوَ من تَعْلِيق البُخَارِيّ لِأَنَّهُ ثَابت فِي (الْمُوَطَّأ) من جَمِيع الطّرق، وَكَذَا ثَبت فِي رِوَايَة الثَّوْريّ وَابْن عُيَيْنَة. قَوْله:(أقَال؟) الْهمزَة فِيهِ للإستفهام، وفاعله: بسرا أَو رَسُول الله كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي. قلت: الظَّاهِر أَنه بسر بن أُميَّة.
ذكر إعرابه) قَوْله: (مَاذَا عَلَيْهِ؟) كلمة مَا: اسْتِفْهَام وَمحله الرّفْع على الِابْتِدَاء، وَكلمَة: ذَا، إِشَارَة خَبره، وَالْأولَى أَن تكون: ذَا مَوْصُولَة بِدَلِيل افتقاره إِلَى شَيْء بعده لِأَن تَقْدِيره: مَاذَا عَلَيْهِ من الْإِثْم، ثمَّ إِن: مَاذَا عَلَيْهِ، فِي مَحل النصب على أَنه سد مسد المفعولين لقَوْله:(لَو يعلم)، وَقد علق عمله بالإستفهام. قَوْله:(لَكَانَ) جَوَاب: لَو، وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة، وَالتَّقْدِير: لَو يعلم الْمَار مَا الَّذِي عَلَيْهِ من الْإِثْم من مروره بَين يَدي الْمُصَلِّي لَكَانَ وُقُوفه أَرْبَعِينَ خيرا لَهُ من أَن يمر؟ أَي: من مروره بَين يَدَيْهِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: جَوَاب: لَو، لَيْسَ هُوَ الْمَذْكُور، إِذْ التَّقْدِير: لَو يعلم مَاذَا عَلَيْهِ لوقف أَرْبَعِينَ، لَو وقف أَرْبَعِينَ لَكَانَ خيرا لَهُ. قلت: لَا ضَرُورَة إِلَى هَذَا التَّقْدِير وَهُوَ تصرف فِيهِ تعسف، وَحقّ التَّرْكِيب مَا ذَكرْنَاهُ. قَوْله:(خيرا) فِيهِ رِوَايَتَانِ: النصب وَالرَّفْع. أما النصب فَظَاهر لِأَنَّهُ خبر: لَكَانَ، وَاسم، كَانَ، هُوَ قَوْله: أَن يقف، لأَنا قُلْنَا: إِن كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة، وَأَن التَّقْدِير: لَكَانَ وُقُوفه أَرْبَعِينَ خيرا لَهُ. وَأما وَجه الرّفْع، فقد قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: هُوَ اسْم: وَلم يذكر خبر مَا هُوَ، وَخبر هُوَ قَوْله: أَن يقف، وَالتَّقْدِير: لَو يعلم الْمَار مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ خير وُقُوفه أَرْبَعِينَ، وتعسف بَعضهم فَقَالَ: يحْتَمل أَن يُقَال: اسْمهَا ضمير الشَّأْن وَالْجُمْلَة خَبَرهَا.
قَوْله: (أقَال: أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَو شهرا أَو سنة؟) لِأَنَّهُ ذكر الْعدَد أَعنِي أَرْبَعِينَ، وَلَا بُد من مُمَيّز، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن هَذِه الْأَشْيَاء، وَقد أبهم ذَلِك هَهُنَا. فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِيهِ؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: وَأبْهم الْأَمر ليدل على الفخامة، وَأَنه مِمَّا لَا يقدر قدره وَلَا يدْخل تَحت الْعبارَة. انْتهى. قلت: الْإِبْهَام هَهُنَا من الرَّاوِي، وَفِي نفس الْأَمر الْعدَد معِين، ألَا ترى كَيفَ تعين فِيمَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة (لَكَانَ أَن يقف مائَة عَام؟) الحَدِيث؟ كَمَا ذكرنَا، وَكَذَا عين فِي مُسْند الْبَزَّار من طَرِيق سُفْيَان بن عُيَيْنَة:(لَكَانَ أَن يقف أَرْبَعِينَ خَرِيفًا) . وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: هَل للتخصيص بالأربعين حِكْمَة مَعْلُومَة؟ قلت: أسرار أَمْثَالهَا لَا يعلمهَا إلَاّ الشَّارِع، وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك لِأَن الْغَالِب فِي أطوار الْإِنْسَان أَن كَمَال كل طور بِأَرْبَعِينَ، كاطوار النُّطْفَة، فَإِن كل طور مِنْهَا بِأَرْبَعِينَ، وَكَمَال عدل الْإِنْسَان فِي أَرْبَعِينَ سنة، ثمَّ الْأَرْبَعَة أصل جَمِيع الْأَعْدَاد، لِأَن أجزاءه وَهِي عشرَة، وَمن العشرات المآت، وَمِنْهَا الألوف، فَلَمَّا أُرِيد التكثير ضوعف كل إِلَى عشرَة أَمْثَاله. انْتهى. قلت: غفل الْكرْمَانِي عَن رِوَايَة الْمِائَة حَيْثُ قصر فِي بَيَان الْحِكْمَة على الْأَرْبَعين، وَقَالَ بَعضهم، فِي التنكيت على الْكرْمَانِي: بِأَن هَذِه الرِّوَايَة تشعر بِأَن إِطْلَاق الْأَرْبَعين للْمُبَالَغَة فِي تَعْظِيم الْأَمر لَا لخُصُوص عدد معِين. قلت: لَا يُنَافِي رِوَايَة الْمِائَة عَن بَيَان وَجه الْحِكْمَة فِي الْأَرْبَعين، بل يَنْبَغِي أَن يطْلب وَجه الْحِكْمَة فِي كل مِنْهُمَا، لِأَن لقَائِل أَن يَقُول: لِمَ أطلق الْأَرْبَعين للْمُبَالَغَة فِي تَعْظِيم الْأَمر. ولِمَ لَمْ يذكر الْخمسين أَو سِتِّينَ أَو نَحْو ذَلِك؟ وَالْجَوَاب الْوَاضِح الشافي فِي ذَلِك أَن تعْيين الْأَرْبَعين للْوَجْه الَّذِي ذكره الْكرْمَانِي، وَأما وَجه ذكر الطَّحَاوِيّ أَنه قيد بِالْمِائَةِ بعد التَّقْيِيد بالأربعين للزِّيَادَة فِي تَعْظِيم الْأَمر على الْمَار، لِأَن الْمقَام مقَام زجر وتخويف وَتَشْديد. فَإِن قلت: من أَيْن علم أَن التَّقْيِيد بِالْمِائَةِ بعد التَّقْيِيد بالأربعين؟ قلت: وقوعهما مَعًا مستعبد، لِأَن الْمِائَة أَكثر من الْأَرْبَعين، وَكَذَا وُقُوع الْأَرْبَعين بعد الْمِائَة لعدم الْفَائِدَة، وَكَلَام الشَّارِع كُله حِكْمَة وَفَائِدَة، والمناسبة أَيْضا تَقْتَضِي تَأْخِير الْمِائَة عَن الْأَرْبَعين. فَإِن قلت: قد علم فِيمَا مضى وَجه الْحِكْمَة فِي الْأَرْبَعين، فَمَا وَجه الْحِكْمَة فِي تعْيين الْمِائَة؟ قلت: الْمِائَة وسط بِالنِّسْبَةِ إِلَى العشرات والألوف، وَخير الْأُمُور أوسطها، وَهَذَا مِمَّا تفردت بِهِ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ من الْأَحْكَام) فِيهِ: أَن الْمُرُور بَين يَدي الْمُصَلِّي مَذْمُوم، وفاعله مرتكب الْإِثْم. وَقَالَ النَّوَوِيّ: فِيهِ دَلِيل على تَحْرِيم الْمُرُور، فَإِن فِي الحَدِيث النَّهْي الأكيد والوعيد الشَّديد، فَيدل على ذَلِك. قلت: فعلى مَا ذكره يَنْبَغِي أَن