الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي لَيْلَة مظْلمَة ومعهما مئل المصباحين يضيئان بَين أَيْدِيهِمَا فَلَمَّا افْتَرقَا صَار مَعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا وَاحِد حَتَّى أَتَى أَهله) وَجه الْمُنَاسبَة والمطابقة قد ذَكرْنَاهُ الْآن (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول مُحَمَّد بن الْمثنى بِلَفْظ الْمَفْعُول من التَّثْنِيَة مر فِي بَاب حلاوة الْإِيمَان. الثَّانِي معَاذ بِضَم الْمِيم مر فِي بَاب من خص بِالْعلمِ قوما. الثَّالِث أَبوهُ هِشَام بن أبي عبد الله الدستوَائي الْبَصْرِيّ. الرَّابِع قَتَادَة بن دعامة السدُوسِي الْأَعْمَى الْبَصْرِيّ. الْخَامِس أنس بن مَالك (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وبالإفراد فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه أَن رِجَاله كلهم بصريون وَفِيه أَن الرَّاوِي عَن الصَّحَابِيّ كَانَ مَعَه غَيره فَلذَلِك أخبر بِصِيغَة الْجمع. (ذكر تعدد مَوْضِعه) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة متْنا وإسنادا وَفِي منقبة أسيد بن حضير وَعباد بن بشر فِي مَنَاقِب الْأنْصَارِيّ وَقَالَ فِيهِ وَقَالَ معمر عَن ثَابت عَن أنس أَن أسيد بن حضير ورجلا من الْأَنْصَار وَقَالَ حَمَّاد حَدثنَا ثَابت عَن أنس كَانَ أسيد وَعباد بن بشر عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " أَن رجلَيْنِ " هما عباد بن بشر وَأسيد بن حضير وَقَالَ السفاقسي الرّجلَانِ عباد بن بشر وعويم بن الساعدة وَأسيد بن حضير وَعباد بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَأسيد بِضَم الْهمزَة مصغر أَسد وحضير بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء وعويم بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو مصغر عوم قَوْله " مظْلمَة " بِكَسْر اللَّام يُقَال أظلم اللَّيْل وَقَالَ الْفراء ظلم اللَّيْل بِالْكَسْرِ وأظلم بِمَعْنى قَوْله " ومعهما " الْوَاو فِيهِ للْحَال قَوْله " يضيئان " من أَضَاء تَقول ضاءت النَّار وأضاءت مثله وأضاءته النَّار يتَعَدَّى وَلَا يتَعَدَّى قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ أَضَاء إِمَّا مُتَعَدٍّ بِمَعْنى نور وَإِمَّا غير مُتَعَدٍّ بِمَعْنى لمع وأظلم يحْتَمل أَن يكون غير مُتَعَدٍّ وَهُوَ الظَّاهِر وَأَن يكون مُتَعَدِّيا. قَوْله " بَين أَيْدِيهِمَا " أَي قدامهما وَهُوَ مفعول فِيهِ إِن كَانَ فعل الإضاءة لَازِما ومفعول بِهِ إِن كَانَ مُتَعَدِّيا قَوْله " مِنْهُمَا " أَي من الرجلَيْن قَوْله " وَاحِد " أَي من المصباحين وارتفاعه على أَنه فَاعل صَار (وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ) أَن فِيهِ دلَالَة ظَاهِرَة لكرامة الْأَوْلِيَاء وَلَا شكّ فِيهِ. وَفِيه رد على من يُنكر ذَلِك وَقد وَقع مثل هَذَا قَدِيما وحديثا. أما قَدِيما فَمن ذَلِك مَا ذكره ابْن عَسَاكِر وَغَيره " عَن قَتَادَة بن النُّعْمَان أَنه خرج من عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - وَبِيَدِهِ عرجون فأضاء العرجون " وَفِي دَلَائِل الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مَيْمُون بن زيد بن أبي عبس حَدثنِي أبي " أَن أَبَا عبس كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - الصَّلَوَات ثمَّ يرجع إِلَى بني حَارِثَة فَخرج فِي لَيْلَة مظْلمَة مطيرة فنورت لَهُ عَصَاهُ حَتَّى دخل دَار بني حَارِثَة " وَمن حَدِيث كثير بن زيد عَن مُحَمَّد بن حَمْزَة بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ عَن أَبِيه قَالَ " كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - فنفرنا فِي لَيْلَة مظْلمَة فَأَضَاءَتْ أصابعي حَتَّى جمعُوا عَلَيْهَا ظهْرهمْ وَمَا هلك مِنْهُم وَإِن أصابعي لتنير " وَفِي لفظ " نفرت دوابنا وَنحن فِي مشقة " الحَدِيث. وَأما حَدِيثا فَمن ذَلِك مَا ثَبت بالتواتر عَن جمَاعَة من طلبة الْعلم الثِّقَات أَنهم كَانُوا مَعَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة حسان الدّين الرهاوي مُصَنف الْبَحْر وَغَيره فِي وَلِيمَة بِمَدِينَة عينتاب وَكَانَت فِي لَيْلَة مظْلمَة شَاتِيَة فَلَمَّا تفَرقُوا أَرَادَ جمَاعَة أَن ينوروا على الشَّيْخ إِلَى بَاب دَاره لشدَّة الظلمَة فَمَا رَضِي بذلك فَرَجَعُوا وَتَبعهُ جمَاعَة من بعد فَقَالُوا وهم يحلفُونَ أَنهم شاهدوا نورين عظيمين مثل الفوانيس أَحدهمَا عَن يَمِين الشَّيْخ وَالْآخر عَن يسَاره فَلم يَزَالَا مَعَه إِلَى أَن وصل إِلَى بَاب دَاره فَلَمَّا فتح الْبَاب وَدخل الشَّيْخ ارْتَفع النوران وَلَقَد أخبروا عَنهُ بكرامات أُخْرَى غير ذَلِك وَهُوَ أحد مشايخي الَّذين أخذت عَنْهُم الْعلم وانتفعت بهم
08 -
(بابُ الخَوْخَةِ وَالمَمَرِّ فِي المَسْجِدِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَمر الخوخة الكائنة فِي الْمَسْجِد وَأمر الْمَمَر فِيهِ، وَهُوَ بِفَتْح الميمين وَتَشْديد الرَّاء: مَوضِع الْمُرُور،
وَالظَّاهِر أَن مُرَاد البُخَارِيّ من وضع هَذِه التَّرْجَمَة الْإِشَارَة إِلَى جَوَاز اتِّخَاذ الخوخة والممر فِي الْمَسْجِد، لِأَن حَدِيث الْبَاب يدل على ذَلِك.
664 -
ح دّثنا مُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ قَالَ حدّثنا فُلَيْحٌ قَالَ حدّثنا أبُو النَّضْرِ عنْ عُبَيْدِ بنِ حُنَيْنٍ عَنْ بُسْرِ بنِ سَعِيدٍ عَنْ أبي سعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ خَطَبَ النبيُّ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْداً بَيْنَ الدُّنْيا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ فَبَكَى أبُو بَكْر رضي الله عنه فَقُلْتُ فِي نَفْسِي مَا يُبْكِي هَذَا الشَّيْخَ إنْ يَكُنِ اللَّهُ خيَّرَ عَبْداً بَيْنَ الدُّنيْا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ فكانَ رَسولُ اللَّهِ هُوَ العَبْدَ وكانَ أبُو بَكْرٍ أعْلَمَنَا قَالَ يَا أبَا بَكْرٍ لَا تَبْكِ إنَّ أمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ ومالِهِ أبُو بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً خَلِيلاً مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ لَا يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ بابٌ إِلَاّ سُدَّ إِلَاّ بابُ أبي بَكْرٍ. (الحَدِيث 664 طرفاه فِي: 4563، 4093) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن الخوخة هِيَ الْبَاب الصَّغِير، وَقد تكون بمصراع وَاحِد وبمصراعين، وَأَصلهَا فتح فِي الْحَائِط، قَالَ الْجَوْهَرِي: هِيَ كوَّة فِي الْجِدَار تُؤدِّي الضَّوْء. فَإِن قلت: التَّرْجَمَة شَيْئَانِ: أَحدهمَا الخوخة، وَالْآخر الْمَمَر، فمطابقته للخوخة ظَاهِرَة، وَلَيْسَ فِيهِ ذكر الْمَمَر قلت: الْمَمَر من لَوَازِم الخوخة، فَذكرهَا يُغني عَن ذكره.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة. الأول: مُحَمَّد بن سِنَان، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة بعْدهَا النُّون، وَقد تقدم. الثَّانِي: فليح، بِضَم الْفَاء وَفتح اللَّام وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره حاء مُهْملَة: ابْن سُلَيْمَان، وَكَانَ اسْمه عبد الْملك، ولقبه: فليح، فغلب على اسْمه واشتهر بِهِ. الثَّالِث: أَبُو النَّضر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الصَّاد الْمُعْجَمَة: واسْمه سَالم بن أبي أُميَّة. الرَّابِع: عبيد، بِضَم الْعين، مصغر العَبْد ضد الْحر: ابْن حنين، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره نون أَيْضا: أَبُو عبد االمدني. الْخَامِس: بسر، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفِي آخِره رَاء: ابْن سعيد، بِفَتْح السِّين. السَّادِس: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ واسْمه: سعد بن مَالك.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: عَن عبيد بن حنين. وَفِيه: عَن بسر بن سعيد، هَكَذَا فِي أَكثر الرِّوَايَات، وَسقط فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: عَن أبي زيد ذكر بسر بن سعيد فَصَارَ: عَن عبيد بن حنين عَن أبي سعيد. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَقع فِي بعض النّسخ: أَبُو النَّضر عَن عبيد بن حنين عَن أبي سعيد، وَفِي بَعْضهَا: أَبُو النَّضر عَن بسر بن سعيد عَن أبي سعيد، وَفِي بَعْضهَا: أَبُو النَّضر عَن عبيد وَعَن بسر عَن أبي سعيد بِالْجمعِ بَينهمَا: بواو، الْعَطف. وَفِي بَعْضهَا: أَبُو النَّضر عَن عبيد عَن بسر عَن أبي سعيد بِدُونِ: الْوَاو، بَينهمَا قلت: قَالَ ابْن السكن: عَن الْفربرِي، قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل: هَكَذَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان. عَن فليح عَن أبي النَّضر عَن عبيد عَن بسر عَن أبي سعيد، وَهُوَ خطأ، وَإِنَّمَا هُوَ: عَن عبيد بن حنين وَعَن بسر بن سعيد يَعْنِي: بواو، الْعَطف.
وَكَذَا أخرجه مُسلم عَن سعيد بن مَنْصُور عَن فليح عَن أبي النَّضر عَن عبيد وَبسر بن سعيد جَمِيعًا عَن أبي سعيد، وَرَوَاهُ عَن فليح كَرِوَايَة سعيد بن يُونُس بن مُحَمَّد عَن ابْن أبي شيبَة، وَرِوَايَة أبي زيد الْمروزِي فِي (صَحِيح البُخَارِيّ) : حدّثنا مُحَمَّد بن سِنَان حدّثنا فليح حدّثنا أَبُو النَّضر عَن عبيد عَن ابْن سعيد، وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي فضل أبي بكر عَن عبيد ابْن مُحَمَّد عَن ابْن عَامر حدّثنا فليح حدّثنا سَالم عَن بسر عَن سعيد عَن أبي سعيد، وَفِي هِجْرَة النَّبِي؛ عَن إِسْمَاعِيل بن عبد احدثني مَالك عَن أبي النَّضر عَن عبيد بن حنين عَن أبي سعيد، بِلَفْظ:(أَن يؤتيه امن زهرَة الدُّنْيَا مَا شَاءَ)، وَفِيه:(فَبكى أَبُو بكر وَقَالَ: فَدَيْنَاك بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتنَا) . وَكَذَا رَوَاهُ مَالك: عَن عبد ابْن مسلمة وَابْن وهب ومعن ومطرف وَإِبْرَاهِيم بن طهْمَان وَمُحَمّد بن الْحسن وَعبد الْعَزِيز بن يحيى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَلم أره فِي (الْمُوَطَّأ) إلَاّ فِي (كتاب الْجَامِع) للقعنبي وَلم يذكر فِي (الْمُوَطَّأ) غَيره وَمن تَابعه، فَإِنَّمَا رَوَاهُ فِي غير (الْمُوَطَّأ) وَا تَعَالَى أعلم.
قلت: وَكَانَ هَذَا الِاخْتِلَاف إِنَّمَا أَتَى من فليح لِأَن الحَدِيث حَدِيثه وَعَلِيهِ يَدُور، وَهُوَ عِنْد بَعضهم: هُوَ ليّن الرِّوَايَة، وَحَاصِل الرِّوَايَة أَن فليحاً كَانَ يروي تَارَة
عَن عبيد وَعَن بسر كليهمَا، وَتارَة يقْتَصر على أَحدهمَا. وَأَخْطَأ من مُحَمَّد بن سِنَان حَيْثُ حذف الْوَاو العاطفة. فَافْهَم.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره. أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي فضل أبي بكر رَضِي اتعالى عَنهُ، عَن عبد ابْن مُحَمَّد. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل.
ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه: قَوْله: (عِنْده) أَي، عِنْد اوهو: الْآخِرَة. قَوْله: (مَا يبكي هَذَا الشَّيْخ) من الإبكاء، وَكلمَة: مَا، استفهامية. قَوْله:(إِن يكن اخير) ، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:(إِن يكن عبد خير)، فإعراب الأولى: هُوَ: أَن: إِن، بِالْكَسْرِ شَرط، ويكن، فعل الشَّرْط وَهُوَ مجزوم، وَلكنه لما اتَّصل بِلَفْظ: ا، كسر لِأَن الأَصْل فِي السَّاكِن إِذا حرك حرك بِالْكَسْرِ. قَالَ الْكرْمَانِي: الْجَزَاء مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ السِّيَاق. قلت: لَا حَاجَة إِلَى هَذَا، بل الْجَزَاء قَوْله:(فَاخْتَارَ مَا عِنْد ا)، قَوْله:(خير) على صِيغَة الْمَعْلُوم من: التَّخْيِير، وعبداً، مَفْعُوله و: الضَّمِير فِي: فَاخْتَارَ، يرجع إِلَى: العَبْد، و: مَا عِنْد ا، فِي مَحل النصب مَفْعُوله. وإعراب الرِّوَايَة الثَّانِيَة: هُوَ أَن: إِن أَيْضا كلمة شَرط، و: يكن، مجزوم بِهِ. وَقَوله: عبد، مُبْتَدأ وَخَبره هُوَ قَوْله: مقدما، وَقَوله: خير، على صِيغَة الْمَجْهُول فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهُ صفة لعبد، وَالْجَزَاء هُوَ قَوْله:(فَاخْتَارَ) . وَقَالَ السفاقسي: وَيصِح أَن تكون الْهمزَة، يَعْنِي همزَة: أَن، مَفْتُوحَة بِأَن يكون مَنْصُوبًا: بِأَن، فَيكون الْمَعْنى مَا يبكيه لأجل أَن يكون اخير عبدا. وَقَالَ بَعضهم: وَجوز ابْن التِّين فتحهَا، يَعْنِي: فتح: أَن، على أَنَّهَا تعليلية، وَفِي نظر. قلت: فِي نظره نظر، لِأَن التَّعْلِيل هُنَا لأجل فِرَاقه لَا على كَونه خيّر عبدا بَين الدُّنْيَا وَبَين مَا عِنْده. قَوْله:(هُوَ العَبْد)، أَي: الْمُخَير: قَوْله: (وَكَانَ أَبُو بكر أعلمنَا) حَيْثُ فهم أَنه رَسُول ا، وَإِنَّمَا قَالَ عليه السلام: عبدا، على سَبِيل الْإِبْهَام ليظْهر فهم أهل الْمعرفَة ونباهة أَصْحَاب الحذق، وَكَانَ ذَلِك فِي مرض مَوته كَمَا يَجِيء فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس بعده، إِن شَاءَ اتعالى. وَلما كَانَ أَبُو بكر أعلم الصَّحَابَة، إِذْ لم يُنكر أحد مِنْهُم مِمَّن حضر حِين قَالَ أَبُو سعيد: وَكَانَ أَبُو بكر أعلمنَا، اختصه الشَّارِع بالخصوصية الْعُظْمَى. وَقَالَ:(إِن أمنَّ النَّاس عليَّ) إِلَى آخِره فَظهر أَن للصديق من الْفَضَائِل والحقوق مَا لَا يُشَارِكهُ فِي ذَلِك مَخْلُوق. قَالَ الْعلمَاء: فِي ممعنى هَذَا الْكَلَام، مِنْهُم الْخطابِيّ: أَي أَكْثَرهم جوداً وسماحة لنا بِنَفسِهِ وَمَاله، وَلَيْسَ هُوَ من الْمَنّ الَّذِي هُوَ الِاعْتِدَاد بالصنيعة، لِأَنَّهُ مُبْطل للثَّواب، لِأَن الْمِنَّة وَلِرَسُولِهِ فِي قبُول ذَلِك. قَالَ الْخطابِيّ: والمن فِي كَلَام الْعَرَب الْإِحْسَان إِلَى من يُكَافِئهُ. قَالَ تَعَالَى: {هَذَا عطاؤنا فَامْنُنْ} (ص: 93) وَقَالَ: {وَلَا تمنن} (المدثر: 6) أَي: لَا تعط لتأْخذ من الْمُكَافَأَة أَكثر مَا أَعْطَيْت. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: وزن: أَمن، أفعل، من: الْمِنَّة، أَي الإمتنان أَي: أَكثر منَّة. وَمَعْنَاهُ: أَن أَبَا بكر لَهُ من الْحُقُوق مَا لَو كَانَ لغيره لَا متن بهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بَادر بالتصديق وَنَفَقَة الْأَمْوَال، وبالملازمة والمصاحبة إِلَى غير ذَلِك بانشراح صدر ورسوخ علم بِأَن اورسوله لَهما الْمِنَّة فِي ذَلِك وَالْفضل، لَكِن رَسُول ا، بجميل أخلاقه وكريم أعراقه اعْترف بذل عملا بشكر الْمُنعم، لَيْسَ كَمَا قَالَ الْأَنْصَار. وَفِي (جَامع التِّرْمِذِيّ)، من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا:(مَا لأحد عندنَا يَد إلَاّ كافأنا مَا خلا أَبَا بكر فَإِن لَهُ عندنَا يدا يُكَافِئهُ ابها يَوْم الْقِيَامَة) . قَوْله: (وَلَو كنت متخذاً خَلِيلًا)، الاتخاذ: افتعال من الْأَخْذ، وَاتخذ يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد، وَيَتَعَدَّى إِلَى مفعولين أَحدهمَا بِحرف الْجَرّ، فَيكون بِمَعْنى: اخْتَار وَاصْطفى، وَهنا سكت عَن أحد مفعوليه وَهُوَ الَّذِي دخل عَلَيْهِ حرف الْجَرّ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَو كنت متخذاً من النَّاس خَلِيلًا لاتخذت مِنْهُم أَبَا بكر. والخليل: المخال، وَهُوَ الَّذِي يخالك أَي: يوافقك فِي خلالك، أَو يسايرك فِي طريقتك، من الْخلّ وَهُوَ الطَّرِيق فِي الرمل، أَو يسد خللك كَمَا تسد خلله، أَو يداخلك خلال منازلك. وَقيل: صل الْخلَّة الِانْقِطَاع، فخليل االمنقطع إِلَيْهِ. وَقَالَ ابْن فورك: الْخلَّة صفاء الْمَوَدَّة بتخلل الْأَسْرَار. وَقيل: الْخَلِيل من لَا يَتَّسِع قلبه لغير خَلِيله. وَقَالَ عِيَاض: أصل الْخلَّة الافتقار والانقطاع، فخليل اأي: الْمُنْقَطع إِلَيْهِ لقصره حَاجته عَلَيْهِ. وَقيل: الْخلَّة الِاخْتِصَاص بِأَصْل الإصطفاء، وَسمي إِبْرَاهِيم عليه الصلاة والسلام، خَلِيل الأنه وَإِلَى فِيهِ وعادى فِيهِ. وَقيل: سمي بِهِ لِأَنَّهُ تخَلّل بخلال حَسَنَة وأخلاق كَرِيمَة، وخلة اتعالى لَهُ نَصره وَجعله ءماماً لمن بعده. وَزعم السفاقسي أَنه كَانَ اتخذ خَلِيلًا من الْمَلَائِكَة. وَلِهَذَا قَالَ:(لَو كنت متخذاً خَلِيلًا من أمتِي) . انْتهى يردة قَوْله: (وَلَكِن صَاحبكُم خَلِيل الرَّحْمَن)، وَفِي رِوَايَة:(لَو كنت متخذاً خَلِيلًا غير رَبِّي)، ومعنىء الحَدِيث: أَن أَبَا بكر متأهل لِأَن يَتَّخِذهُ خَلِيلًا لَوْلَا الْمَانِع الْمَذْكُور، وَهُوَ أَنه امْتَلَأَ قلبه بِمَا تخلله من معرفَة اتعالى ومحبته ومراقبته حَتَّى كَأَنَّهَا مزجت
أَجزَاء قلبه بذلك فَلم يَتَّسِع قلبه لخليل آخر، فعلى هَذَا لَا يكون الْخَلِيل، إلَاّ وَاحِدًا، وَمن لم ينْتَه إِلَى ذَلِك مِمَّن تعلق الْقلب بِهِ فَهُوَ حبيب، وَلذَلِك أثبت لأبي بكر وَعَائِشَة أَنَّهُمَا أحب النَّاس إِلَيْهِ، وَنفى عَنْهُمَا الْخلَّة الَّتِي هِيَ فَوق الْمحبَّة، وَقد اخْتلف أَرْبَاب الْقُلُوب فِي ذَلِك، فَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَن الْخلَّة أَعلَى تمسكاً بِهَذَا الحَدِيث، وَذهب ابْن فورك: إِلَى أَن الْمحبَّة أَعلَى لِأَنَّهَا صفة نَبينَا مُحَمَّد، وَهُوَ أفضل من الْخَلِيل. وَقيل: هما سَوَاء فَلَا يكون الْخَلِيل إلَاّ حبيباً، وَلَا الحبيب إلَاّ خَلِيلًا، وَزعم الْفراء أَن مَعْنَاهُ. فَلَو كنت أخص أحدا بِشَيْء من الْعلم دون النَّاس لخصصت بِهِ أَبَا بكر، لِأَن الْخَلِيل من تفرد بخلة من الْفضل لَا يُشَارِكهُ لَهُ فِيهَا أحد، وَقيل: معنى الحَدِيث: لَو كنت مُنْقَطِعًا إِلَى غير الانقطعت إِلَى أبي بكر، لَكِن هَذَا مُمْتَنع لِامْتِنَاع ذَلِك. فَإِن قلت: قَالَ بعض الصَّحَابَة: سَمِعت خليلي. قلت: لَا بَأْس فِي الِانْقِطَاع إِلَى النَّبِي، لِأَن الِانْقِطَاع إِلَيْهِ انْقِطَاع إِلَى اتعالى، وَفِي حكم ذَلِك.
قَوْله: (وَلَكِن أخوة الْإِسْلَام) كَذَا هُوَ بِالْألف فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْأَصْلِيّ:(وَلَكِن خوة الْإِسْلَام) بِحَذْف الْألف. قَالَ الْكرْمَانِي: وتوجيهه أَن يُقَال: نقلت حَرَكَة الْهمزَة إِلَى نون: لَكِن، وحذفت الْهمزَة، فَعرض بعد ذَلِك استثقال ضمة من كسرة وضمة فسكن النُّون تَخْفِيفًا، فَصَارَ: وَلَكِن خوة، وَسُكُون النُّون بعد هَذَا الْعَمَل غير سكونه الْأصيلِيّ، ثمَّ نقل عَن ابْن مَالك أَن فِيهِ ثَلَاثَة أوجه: سُكُون النُّون، وَثُبُوت الْهمزَة بعْدهَا مَضْمُومَة، وَضم النُّون وَحذف الْهمزَة، وسكونه وَحذف الْهمزَة. فَالْأول أصل، وَالثَّانِي فرع، وَالثَّالِث فرع فرع. انْتهى. قلت: كل هَذَا تكلّف خَارج عَن الْقَاعِدَة، وَلَكِن الْوَجْه أَن يُقَال: إِن: لَكِن، على حَالهَا سَاكِنة النُّون، وحذفت الْهمزَة من أخوة، اعتباطاً، وَلِهَذَا قَالَ ابْن التِّين: روينَاهُ بِغَيْر همزَة، وَلَا أصل لهَذَا، وَكَأن الْهمزَة سَقَطت هُنَا، وَهِي ثَابِتَة فِي بَاقِي الْمَوَاضِع: ثمَّ إِن قَوْله: إخْوَة الْإِسْلَام، كَلَام إضافي مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره: وَلَكِن أخوة الْإِسْلَام أفضل، وَنَحْو ذَلِك، وَيُؤَيِّدهُ أَن فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس الَّذِي بعده وَقع هَكَذَا. قَوْله:(ومودته) أَي: مَوَدَّة الْإِسْلَام، وَالْفرق بَين الْخلَّة والمودة بِاعْتِبَار الْمُتَعَلّق مَعَ أَنَّهُمَا بِمَعْنى وَاحِد، وَهُوَ أَنه أثبت الْمَوَدَّة لِأَنَّهَا بِحَسب الْإِسْلَام وَالدّين، وَنفى الْخلَّة للمعنى الَّذِي ذَكرْنَاهُ، وَالدَّلِيل على أَنَّهُمَا بِمَعْنى وَاحِد هُوَ قَوْله فِي الحَدِيث الَّذِي بعده. وَلَكِن خلة الْإِسْلَام، بدل لفظ الْمَوَدَّة. وَقد قيل: إِن الْخلَّة أخص وَأَعْلَى مرتبَة من الْمَوَدَّة فنفى الْخَاص وَأثبت الْعَام. فَإِن قيل: المُرَاد من السِّيَاق أَفضَلِيَّة أبي بكر، وكل الصَّحَابَة داخلون تَحت أخوة الْإِسْلَام، فَمن أَيْن لزم أفضليته؟ وَأجِيب: بِأَنَّهَا تعلم مِمَّا قبله وَمِمَّا بعده. قَوْله: (لَا يبْقين)، بالنُّون الْمُشَدّدَة: للتوكيد. وَقَالَ الْكرْمَانِي: بِلَفْظ مَجْهُول، ويروى بِلَفْظ: الْمَعْرُوف أَيْضا. قلت: فِي صِيغَة الْمَجْهُول يكون لفظ: بَاب، مَرْفُوعا على أَنه مفعول نَاب عَن الْفَاعِل، وَالتَّقْدِير: لَا يبْقى أحد فِي الْمَسْجِد بَابا إلَاّ بَاب أبي بكر، وَفِي صِيغَة الْمَعْلُوم يكون: بَاب، مَرْفُوعا على أَنه فَاعل، وَلَا يُقَال: كَيفَ نهى الْبَاب عَن الْبَقَاء وَهُوَ غير مُكَلّف، لأَنا نقُول: إِنَّه كِنَايَة لِأَن عدم الْبَقَاء لَازم للنَّهْي عَن الْإِبْقَاء فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يبقيه أحد حَتَّى لَا يبْقى؟ وَذَلِكَ كَمَا يُقَال: لَا أرينك هَهُنَا أَي لَا تقعد عِنْدِي حَتَّى لَا أَرَاك؟ قَوْله: (إِلَاّ سُدَّ) الاستنثاء مفرغ تَقْدِيره: لَا يبْقين بَاب بِوَجْه من الْوُجُوه إِلَاّ بِوَجْه السد إِلَاّ بَاب أبي بكر، أَو يكون التَّقْدِير إِلَاّ بَابا سد، حَتَّى لَا يُقَال: الْفِعْل وَقع مُسْتَثْنى ومستثنى مِنْهُ. فَافْهَم.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ من الْفَوَائِد الأولى: مَا قَالَه الْخطابِيّ: وَهُوَ أَن أمره بسد الْأَبْوَاب غير الْبَاب الشَّارِع إِلَى الْمَسْجِد إِلَاّ بَاب أبي بكر، يدل على اخْتِصَاص شَدِيد لأبي بكر، وإكرام لَهُ، لِأَنَّهُمَا كَانَا لَا يفترقان. الثَّانِيَة: فِيهِ دلَالَة على أَنه قد أفرده فِي ذَلِك بِأَمْر لَا يُشَارك فِيهِ، فَأولى مَا يصرف إِلَيْهِ التَّأْوِيل فِيهِ أَمر الْخلَافَة، وَقد أَكثر الدّلَالَة عَلَيْهَا بأَمْره إِيَّاه بِالْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاة الَّتِي بنى لَهَا الْمَسْجِد، قَالَ الْخطابِيّ: وَلَا أعلم أَن إِثْبَات الْقيَاس أقوى من إِجْمَاع الصَّحَابَة على اسْتِخْلَاف أبي بكر، مستدلين فِي ذَلِك باستخلافه إِيَّاه فِي أعظم أُمُور الدّين، وَهُوَ الصَّلَاة، فقاسوا عَلَيْهَا سَائِر الْأُمُور، وَلِأَنَّهُ كَانَ يخرج من بَاب بَيته وَهُوَ فِي الْمَسْجِد للصَّلَاة، فَلَمَّا غلق الْأَبْوَاب إلَاّ بَاب أبي بكر دلّ على أَنه يخرج مِنْهُ للصَّلَاة، فَكَأَنَّهُ أَمر بذلك على أَن من بعده يفعل ذَلِك هَكَذَا، فَإِن قلت: رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: (سدوا الْأَبْوَاب إلَاّ بَاب عَليّ) قلت: قَالَ التِّرْمِذِيّ: هُوَ غَرِيب، وَقَالَ البُخَارِيّ: حَدِيث: إلَاّ بَاب أبي بكر أصح. وَقَالَ الْحَاكِم: تفرد بِهِ مِسْكين بن بكير الْحَرَّانِي عَن شُعْبَة، وَقَالَ ابْن عَسَاكِر: وَهُوَ وهم، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَتَابعه
إِبْرَاهِيم بن الْمُخْتَار. الثَّالِثَة: قَالَ ابْن بطال: فِيهِ: التَّعْرِيض بِالْعلمِ للنَّاس، وَإِن قل فهماؤهم خشيَة أَن يدْخل عَلَيْهِم مساءة أَو خزي. الرَّابِعَة: فِيهِ أَنه لَا يسْتَحق أَخذ الْعلم حَقِيقَة إلَاّ من فهم، والحافظ لَا يبلغ دَرَجَة الْفَهم، وَإِنَّمَا يُقَال لِلْحَافِظِ: عَالم بِالنَّصِّ لَا بِالْمَعْنَى. الْخَامِسَة: فِيهِ دَلِيل على أَن أَبَا بكر أعلم الصَّحَابَة. السَّادِسَة: فِيهِ الحض على اخْتِيَار مَا عِنْد اوالزهد فِي الدُّنْيَا والإعلام بِمن اخْتَار ذَلِك من الصَّالِحين. السَّابِعَة: فِيهِ أَن على السُّلْطَان شكر من أحسن صحبته ومعونته بِنَفسِهِ وَمَاله، واختصاصه بالفضيلة الَّتِي لم يُشَارك فِيهَا. الثَّامِنَة: فِيهِ ائتلاف النُّفُوس بقوله: (وَلَكِن أخوة الْإِسْلَام أفضل) . التَّاسِعَة: فِيهِ أَن الْمَسَاجِد تصان عَن تطرق النَّاس إِلَيْهَا من خوخات وَنَحْوهَا إلَاّ من أَبْوَابهَا إلَاّ من حَاجَة مهمة. الْعَاشِرَة: فِيهِ أَن الْخَلِيل فَوق الصّديق وَالْأَخ.
126 -
(حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ قَالَ حَدثنَا وهب بن جرير قَالَ حَدثنَا أبي قَالَ سَمِعت يعلى بن حَكِيم عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ عاصبا رَأسه بِخرقَة فَقعدَ على الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ إِنَّه لَيْسَ من النَّاس أحد أَمن عَليّ فِي نَفسه وَمَاله من أبي بكر بن أبي قُحَافَة وَلَو كنت متخذا من النَّاس خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا وَلَكِن خلة الْإِسْلَام أفضل سدوا عني كل خوخة فِي هَذَا الْمَسْجِد غير خوخة أبي بكر) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. (ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة. الأول عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالفاء المسندي. الثَّانِي وهب بن جرير بِفَتْح الْجِيم. الثَّالِث أَبوهُ جرير بن حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي الْعَتكِي. الرَّابِع يعلى بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة ابْن حَكِيم بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة الثَّقَفِيّ الْمَكِّيّ سكن الْبَصْرَة وَمَات بِالشَّام. الْخَامِس عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس. السَّادِس عبد الله بن عَبَّاس. (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَفِيه السماع وَالْقَوْل وَفِيه رِوَايَة الابْن عَن الْأَب. والْحَدِيث يَأْتِي فِي الْفَرَائِض بِزِيَادَة وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن عَمْرو بن عَليّ عَن وهب. (بَيَان مَعْنَاهُ) قَوْله " عاصبا رَأسه " انتصاب عاصبا على أَنه حَال وَرَأسه مَنْصُوب بِهِ ويروى " عاصب رَأسه " بِالْإِضَافَة وَقَالَ ابْن التِّين الْمَعْرُوف عصب رَأسه تعصيبا (قلت) ذكر صَاحب دستور اللُّغَة عصب بِالتَّخْفِيفِ أَيْضا فَقَالَ عصب شدّ ذكره فِي بَاب فعل يفعل بِفَتْح الْعين فِي الْمَاضِي وَكسرهَا فِي الْمُسْتَقْبل قَوْله " فَحَمدَ الله " أَي على وجود الْكَمَال وَأثْنى أَي على عدم النُّقْصَان قَوْله " ابْن أبي قُحَافَة " بِضَم الْقَاف وَتَخْفِيف الْحَاء الْمُهْملَة وَبعد الْألف فَاء واسْمه عُثْمَان بن عَامر التَّيْمِيّ أسلم يَوْم الْفَتْح وعاش إِلَى خلَافَة عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَاتَ وَله سبع وَتسْعُونَ سنة وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة من فِي نَسْله ثَلَاثَة بطُون صحابيون إِلَّا هُوَ قَوْله " أَنه " أَي أَن الشَّأْن لَيْسَ من النَّاس أحدا من عَليّ فِي نَفسه وَمَاله من أبي بكر بن أبي قُحَافَة وَفِي حَدِيث أبي سعيد السَّابِق " أَن أَمن النَّاس عَليّ فِي صحبته وَمَاله أَبُو بكر " وَالْفرق بَين العبارتين أَن الأولى أبلغ لِأَن الثَّانِيَة يحْتَمل أَن يكون لَهُ من يُسَاوِيه فِي الْمِنَّة إِذْ الْمَنْفِيّ هُوَ الْأَفْضَلِيَّة لَا الْمُسَاوَاة قَوْله " وَلَكِن خلة الْإِسْلَام " بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَقَالَ ابْن بطال وَقع فِي الحَدِيث " وَلَكِن خوة الْإِسْلَام " وَلَا أعرف مَعْنَاهُ قَالَ وَقد وجدت الحَدِيث بعده " خلة " بدل خوة وَهُوَ الصَّوَاب لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم َ - صرف الْكَلَام على مَا تقدمه من ذكر الخلالة فَأتى بِلَفْظ مُشْتَقّ مِنْهَا وَلم أجد خوة بِمَعْنى خلة فِي كَلَام الْعَرَب. وَمِمَّا يُسْتَفَاد من هَذَا الحَدِيث جَوَاز الْخطْبَة قَاعِدا قَالَه الْكرْمَانِي (قلت) هَذِه الْخطْبَة لم تكن وَاجِبَة وَبَاب التَّطَوُّع وَاسع قَوْله " سدوا " بِضَم السِّين وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ قَوْله " غير خوخة أبي بكر " كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " إِلَّا خوخة أبي بكر "
18 -
(بابُ الأَبْوابِ والغَلَقِ لِلْكَعْبَةِ والمَسَاجِدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اتِّخَاذ الْأَبْوَاب للكعبة ولغيرها من الْمَسَاجِد لأجل صونها عَمَّا لَا يصلح فِيهَا، وَلأَجل حفظ مَا فِيهَا من الْأَيْدِي العادية، وَلِهَذَا قَالَ ابْن بطال: اتِّخَاذ الْأَبْوَاب للمساجد وَاجِب، وَعلل الْوُجُوب بِمَا ذكرنَا. قَوْله:(والغلق) بتحريك اللَّام، وَهُوَ المغلاق وَهُوَ مَا يغلق بِهِ الْبَاب.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بنُ مُحَمَّدِ حدّثنا سُفْيَانُ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ لِي ابنُ أبي مُلَيْكَةَ يَا عَبْدَ المَلِكِ لَوْ رَأيْتَ مَسَاجِدَ ابنِ عبَّاسٍ وَأبْوَابَهَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: الْأَبْوَاب. قَوْله: (قَالَ أَبُو عبد ا) ، المُرَاد بِهِ البُخَارِيّ نَفسه، وَعبد ابْن مُحَمَّد هُوَ الْجعْفِيّ المسندي، مضى ذكره فِي الْبَاب السَّابِق، وسُفْيَان: هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَابْن جريج هُوَ عبد ابْن جريج، وَابْن أبي مليكَة هُوَ عبد ابْن عبد الرَّحْمَن بن أبي مليكَة، بِضَم الْمِيم، وَاسم أبي مليكَة: زُهَيْر بن عبد ابْن جدعَان التَّيْمِيّ الْأَحول الْمَكِّيّ القَاضِي. قَوْله: (لَو رَأَيْت) ، جَزَاؤُهُ مَحْذُوف، أَي: رَأَيْتهَا كَذَا وَكَذَا، وَيحْتَمل أَن تكون: لَو، للتمنى فَلَا تحْتَاج إِلَى الْجَزَاء، وَهَذَا الْكَلَام يدل على أَن هَذِه الْمَسَاجِد كَانَت لَهَا أَبْوَاب، وأغلاق بِأَحْسَن مَا يكون، وَلَكِن كَانَت فِي الْوَقْت الَّذِي قَالَ ابْن أبي مليكَة لِابْنِ جريج: خربَتْ واندرست.
127 -
(حَدثنَا أَبُو النُّعْمَان وقتيبة قَالَا حَدثنَا حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - قدم مَكَّة فَدَعَا عُثْمَان بن طَلْحَة فَفتح الْبَاب فَدخل النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - وبلال وَأُسَامَة بن زيد وَعُثْمَان بن طَلْحَة ثمَّ أغلق الْبَاب فَلبث فِيهِ سَاعَة ثمَّ خَرجُوا قَالَ ابْن عمر فبدرت فَسَأَلت بِلَالًا فَقَالَ صلى فِيهِ فَقلت فِي أَي قَالَ بَين الأسطوانتين قَالَ ابْن عمر فَذهب عَليّ أَن أسأله كم صلى) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَفتح الْبَاب " وَفِي قَوْله " ثمَّ أغلق ". (ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة. الأول أَبُو النُّعْمَان بِضَم الْمِيم مُحَمَّد بن الْمفضل السدُوسِي الْبَصْرِيّ. الثَّانِي قُتَيْبَة بن سعيد وَقد تكَرر ذكره. الثَّالِث حَمَّاد بن زيد وَقد تقدم غير مرّة. الرَّابِع أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ. الْخَامِس نَافِع مولى ابْن عمر. السَّادِس عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه روى البُخَارِيّ عَن شيخين وَفِيه أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومدني. (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر وَعَن أَحْمد بن مُحَمَّد عَن ابْن الْمُبَارك وَعَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك وَعَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَعَن مُحَمَّد بن النُّعْمَان وَفِي الْجِهَاد عَن يحيى بن بكير وَعَن مُسَدّد عَن يحيى وَعَن أبي نعيم وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن قُتَيْبَة وَعَن مُحَمَّد بن رمح وَعَن يحيى بن يحيى عَن مَالك وَعَن أبي الرّبيع وقتيبة أبي كَامِل ثَلَاثَتهمْ عَن حَمَّاد بِهِ وَعَن ابْن أبي عَمْرو عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَعَن زُهَيْر بن حَرْب وَعَن حميد بن مسْعدَة وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحَج عَن القعْنبِي وَعَن عبد الله بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق وَعَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث وَعَن مُحَمَّد بن مسلمة والْحَارث بن مِسْكين وَعَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم وَعَن أَحْمد بن سُلَيْمَان وَعَن عَمْرو بن عَليّ وَعَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم دُحَيْم وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " عُثْمَان بن طَلْحَة " هُوَ عُثْمَان بن طَلْحَة بن أبي طَلْحَة عبد الله بن عبد الْعُزَّى الْعَبدَرِي الحَجبي