الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخَواص غير الْكل، فَقَالَ:(لست كأحدكم) ، وَإِذا سلك طَرِيق غَيرهم، قَالَ:(إِنَّمَا أَنا بشر) ، فَرد إِلَى حَالَة الطَّبْع، فَنزع الخميصة لَيْسَ بِهِ من ترك كل شاغل.
وقالَ هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عَن عائِشَةَ قالَ النَّبيُّ كنْتُ أنْظُرُ إِلَى عَلَمِها وَأَنا فِي الصَّلَاةِ فأخَافُ أنْ تَفْتِنَنِي.
قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا عطف على قَوْله: قَالَ ابْن شهَاب، وَهُوَ من جملَة شُيُوخ إِبْرَاهِيم، وَيحْتَمل أَن يكون تَعْلِيقا. قلت: هَذَا رَوَاهُ مُسلم فِي (صَحِيحه) : عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن هِشَام، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عبيد اعن معَاذ عَن أَبِيه عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد عَنهُ، وَرَوَاهُ أَبُو معمر فَقَالَ: عمْرَة عَن عَائِشَة قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَلَعَلَّه غلط مِنْهُ، وَالصَّحِيح: عُرْوَة، وَلم يذكر أَبُو مَسْعُود هَذَا التَّعْلِيق، وَذكره خلف. قَوْله:(وَأَنا فِي الصَّلَاة) جملَة حَالية. قَوْله: (أَن تفتنني)، بِفَتْح التَّاء من: فتن يفتن من بَاب: ضرب يضْرب، وَيجوز أَن تكون بِالْإِدْغَامِ، وَأَن تكون بِضَم التَّاء من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ يُقَال: فتنه وأفتنه، وَأنْكرهُ الْأَصْمَعِي.
وَاعْلَم أَن فِي هَذِه الرِّوَايَة لم يَقع لَهُ شَيْء من الْخَوْف من الإلهاء لِأَنَّهُ قَالَ: (فَأَخَاف) وَهَذَا مُسْتَقْبل، وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا رِوَايَة مَالك:(فكاد يفتنني) ، فَهَذَا يدل على أَنه لم يَقع، وَالرِّوَايَة الأولى تدل على أَنه قد وَقع لِأَنَّهُ صرح بقوله:(فَإِنَّهَا ألهتني) والتوفيق بَينهمَا يُمكن بِأَن يُقَال: للنَّبِي حالتان: حَالَة بشرية وَحَالَة تخْتَص بهَا خَارِجَة عَن ذَلِك، فبالنظر إِلَى الْحَالة البشرية قَالَ:(ألهتني) ، وبالنظر إِلَى الْحَالة الثَّانِيَة لم يجْزم بِهِ، بل قَالَ:(أَخَاف) ، وَلَا يلْزم من ذَلِك الْوُقُوع. وَأَيْضًا فِيهِ تَنْبِيه لأمته ليحترزوا عَن مثل ذَلِك فِي صلَاتهم، لِأَن الصَّلَاة الْمُعْتَبرَة أَن يكون فِيهَا خشوع، وَمَا يلهي الْمُصَلِّي يُنَافِي الْخُشُوع والخضوع.
51 -
(بابٌ إنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مُصَلَّبٍ أوْ تصَاوِيرَ هَلْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَمَا يُنْهَى منْ ذَلِكَ
.)
بَاب: منون، خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِن صلى شخص حَال كَونه فِي (ثوب مصلب) بِضَم الْمِيم وَفتح اللَّام الْمُشَدّدَة. قَالَ بَعضهم: أَي فِيهِ صلبان. قلت: لَيْسَ الْمَعْنى كَذَلِك، بل مَعْنَاهُ: إِن صلى فِي ثوب منقوش بصور الصلبان. قَوْله: (أَو تصاوير) قَالَ الْكرْمَانِي: أَو تصاوير عطف على ثوب لَا على مصلب، والمصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول، أَو: على مصلب، لَكِن بِتَقْدِير أَنه فِي معنى ثوب مُصَور بالصليب، فَكَأَنَّهُ قَالَ: مُصَور بالصليب، أَو بتصاوير غَيره. وَقَالَ بَعضهم: أَو تصاوير، أَي فِي ثوب ذِي تصاوير، كَأَنَّهُ حذف الْمُضَاف لدلَالَة الْمَعْنى عَلَيْهِ. قلت: جعل الْكرْمَانِي: تصاوير، مصدرا بِمَعْنى الْمَفْعُول غير صَحِيح، لِأَن التصاوير إسم للتماثيل، كَذَا قَالَ أهل اللُّغَة. قَالَ الْجَوْهَرِي: التصاوير: التماثيل، وَقد جَاءَ التصاوير والتماثيل والتصاليب، فَكَأَنَّهَا فِي الأَصْل جمع: تَصْوِير وتمثال وتصليب، وَلَئِن سلمنَا كَون التصاوير مصدرا فِي الأَصْل جمع تَصْوِير، فَلَا يَصح أَن يُقَال، عِنْد كَونه عطفا على ثوب أَن يقدرا: أَو إِن صلى فِي ثوب مصورة، لعدم التطابق حينئذٍ بَين الصّفة والموصوف، مَعَ أَنه شَرط، وَالظَّاهِر أَنه عطف على: مصلب، مَعَ حذف حرف الصِّلَة، تَقْدِيره؛ إِن صلى فِي ثوب مُصَور بصلبان، أَو ثوب مُصَور بتصاوير، الَّتِي هِيَ التماثيل.
وَقَول بَعضهم: لدلَالَة الْمَعْنى عَلَيْهِ، وَلم يبين أَن الْمَعْنى الدَّال عَلَيْهِ مَا هُوَ، وَالْقَوْل بِحَذْف حرف الصِّلَة أولى من القَوْل بِحَذْف الْمُضَاف، لِأَن ذَاك شَائِع ذائع. وَفرق بعض الْعلمَاء بَين الصُّورَة والتمثال، فَقَالَ: الصُّورَة تكون فِي الْحَيَوَان، والتمثال تكون فِيهِ وَفِي غَيره. وَيُقَال: التمثال مَا لَهُ جرم وشخص، وَالصُّورَة مَا كَانَ رقماً أَو تزويقاً فِي ثوب أَو حَائِط. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: قيل: التماثيل الصُّور، وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى:{وتماثيل} (سبأ: 31) إِنَّهَا صور العقبان والطواويس على كرْسِي سُلَيْمَان عليه الصلاة والسلام، وَكَانَ مُبَاحا. وَقيل: صور الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، من رُخَام أَو شبه لينشطوا فِي الْعِبَادَة بِالنّظرِ إِلَيْهِم. وَقيل: صور الْآدَمِيّين من نُحَاس، وَا تَعَالَى أعلم.
قَوْله: (هَل تفْسد صلَاته؟) اسْتِفْهَام على سَبِيل الاستفسار، جرى البُخَارِيّ فِي ذَلِك على عَادَته فِي ترك الْقطع فِي الشَّيْء الَّذِي فِيهِ اخْتِلَاف، لِأَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي النَّهْي الْوَارِد فِي الشَّيْء، فَإِن كَانَ لِمَعْنى فِي نَفسه فَهُوَ يَقْتَضِي الْفساد فِيهِ، وَإِن كَانَ لِمَعْنى فِي غَيره فَهُوَ يَقْتَضِي الْكَرَاهَة أَو الْفساد، فِيهِ خلاف. قَوْله:(وَمَا ينْهَى من ذَلِك) : أَي: وَالَّذِي ينْهَى عَنهُ من الْمَذْكُور، وَهُوَ؛ الصَّلَاة فِي ثوب مُصَور بصلبان أَو بتصاوير، وَفِي بعض النّسخ لَفْظَة: عَنهُ، مَوْجُودَة، وَفِي رِوَايَة: عَن ذَلِك، بِكَلِمَة: عَن، مَوضِع: من، وَالْأول أصح.
47304 -
ح دّثنا أبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بنُ عَمْرٍ وقالَ حدّثنا عَبْدُ الوَارِثِ قالَ حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ ابنُ صُهَيْبٍ عنْ أنَسٍ كانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جانِبَ بَيْتِها فقالَ النَّبيُّ: (أمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلَاتِي) .
وَجه مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن ستر الَّذِي فِيهِ التصاوير إِذا نهى عَنهُ الشَّارِع، فَمنع لبسه بِالطَّرِيقِ الأولى. فَإِن قلت: التَّرْجَمَة شَيْئَانِ، والْحَدِيث لَا يدل إلَاّ على شَيْء وَاحِد، وَهُوَ الثَّوْب الَّذِي فِيهِ الصُّورَة. قلت: يلْحق بِهِ الثَّوْب الَّذِي فِيهِ صور الصلبان لاشْتِرَاكهمَا فِي أَن كلاًّ مِنْهُمَا عبد من دونه اعز وَجل.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة، الْكل قد ذكرُوا: وَمعمر بِفَتْح الْمِيم، وَعبد الْوَارِث هُوَ ابْن سعيد.
وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، والعنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَرِجَاله كلهم بصريون.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره. أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس. وَأخرجه النَّسَائِيّ بِأَلْفَاظ، فَفِي لفظ:(يَا عَائِشَة أَخْرِجِي هَذَا فَإِنِّي إِذا رَأَيْته ذكرت الدُّنْيَا) . وَفِي لفظ: (فَإِن فِيهِ تِمْثَال طير مُسْتَقْبل الْبَيْت إِذا دخل الدَّاخِل) . وَفِي لفظ: (فِيهِ تصاوير، فَنَزَعَهُ رَسُول ا، فَقَطعه وسادتين، فَكَانَ يرتفق عَلَيْهِمَا) . وَفِي لفظ: (كَانَ فِي بَيْتِي ثوب فِيهِ تصاوير فَجَعَلته إِلَى سهوة فِي الْبَيْت، فَكَانَ رَسُول الله يُصَلِّي إِلَيْهِ ثمَّ قَالَ: يَا عَائِشَة أخرجيه عني، فنزعته فَجَعَلته وسائد) . وَفِي لفظ: (دخل عَليّ رَسُول الله وَقد اشْتريت بقرام فِيهِ تماثيل، فَلَمَّا رَآهُ تلون وَجهه ثمَّ هتكه بِيَدِهِ، وَقَالَ؛ إِن أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة الَّذين يشبهون بِخلق ا) . وَفِي لفظ: (قدم النَّبِي من سفر وَقد اشْتريت بقرام على سهوة لي فِيهِ تماثيل فَنَزَعَهُ) . وَفِي لفظ: (خرج رَسُول ا، خرجَة ثمَّ دخل وَقد علقت قراماً فِيهِ الْخَيل أولات الأجنحة، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: إنزعيه) .
ذكر مَعَانِيه قَوْله: (قرام)، بِكَسْر الْقَاف وَتَخْفِيف الرَّاء: وَهُوَ ستر رَقِيق من صوف ذُو ألوان. وَقَالَ أَبُو سعد: القرام: صوف غليظ جدا. يفرش فِي الهودج. وَفِي (الْمُحكم) : هُوَ ثوب من صوف ملون، وَالْجمع: قرم. وَعَن ابْن الْأَعرَابِي، جمعه: قروم، هُوَ ثوب من صوف فِيهِ ألوان من عهن، فَإِذا خيط صَار كَأَنَّهُ بَيت، فَهُوَ كلة. وَقَالَ الْقَزاز وَابْن دُرَيْد: هُوَ السّتْر الرَّقِيق وَرَاء السّتْر الغليظ على الهودج وَغَيره. وَقَالَ الْخَلِيل: يتَّخذ سترا أَو يغشى بِهِ هودج أَو كلة، وَزعم الْجَوْهَرِي أَنه: ستر فِيهِ رقم ونقوش. وَقَالَ: وَكَذَلِكَ المقرم والمقرمة. قَوْله: (أميطي) أَي: أزيلي، وَهُوَ أَمر من أماط يميط. قَالَ ابْن سَيّده: يُقَال: مَاطَ عني ميطاً ومياطاً وأماط: تنحى وَبعد، وماطه عني وأماطه: نحاه وَدفعه. قَالَ بَعضهم؛ مطت بِهِ وأمطته، على حكم مَا يتَعَدَّى إِلَيْهِ الْأَفْعَال غير المتعدية بِالنَّقْلِ فِي الْغَالِب، وماط الْأَذَى ميطاً وأماطه: نحاه وَدفعه. قَوْله: (لَا تزَال تصاوير) ، بِدُونِ الضَّمِير، وَفِي بعض الرِّوَايَة: تصاويره، بإضافته إِلَى الضَّمِير، وَالضَّمِير فِي: فَإِنَّهُ للشأن. وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي بالضمير: يحْتَمل أَن يرجع إِلَى الثَّوْب. قَوْله: (تعرض) بِفَتْح التَّاء وَكسر الرَّاء أَي: تلوح، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ. (تعرض) . بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الرَّاء، وَأَصله: تتعرض، فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ كَمَا فِي {نَارا تلظى} (اللَّيْل: 41) .
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: قَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ: دَلِيل على أَن الصُّور كلهَا مَنْهِيّ عَنْهَا، سَوَاء كَانَت أشخاصاً ماثلة أَو غير ماثلة، كَانَت فِي ستر أَو بِسَاط أَو فِي وَجه جِدَار أَو غير ذَلِك. وَقَالَ ابْن بطال: علم من الحَدِيث النَّهْي عَن اللبَاس الَّذِي فِيهِ التصاوير بِالطَّرِيقِ الأولى، وَهَذَا كُله على الْكَرَاهَة، فَإِن من صلى فِيهِ فَصلَاته مجزئة، لِأَنَّهُ لم يعد الصَّلَاة، وَلِأَنَّهُ ذكر أَنَّهَا عرضت لَهُ، وَلم يقل: إِنَّهَا قطعتها. وَمن صلى بذلك أَو نظر إِلَيْهِ فَصلَاته مجزئة عِنْد الْعلمَاء. وَقَالَ الْمُهلب: وَإِنَّمَا أَمر باجتناب هَذَا لإحضار الْخُشُوع فِي الصَّلَاة وَقطع دواعي الشّغل. وَقيل: إِنَّه مَنْسُوخ بِحَدِيث سهل بن حنيف، رَوَاهُ مَالك بن أنس:(عَن أبي النَّضر عَن عبيد ابْن عبد اأنه دخل على طَلْحَة الْأنْصَارِيّ يعودهُ، فَوجدَ عِنْده سهل بن حنيف، فَأمر أَبُو طَلْحَة إنْسَانا ينْزع نمطاً تَحْتَهُ، فَقَالَ لَهُ سهل: لِمَ تنزعه؟ قَالَ: لِأَن فِيهِ تصاوير، وَقد قَالَ رَسُول ا: مَا قد علمت قَالَ: ألم يقل: إلَاّ مَا كَانَ رقماً فِي ثوب؟ قَالَ؛ بلَى، وَلكنه أطيب للنَّفس) . وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن عَليّ بن شُعَيْب عَن معن عَن مَالك بِهِ، وَاحْتج أَصْحَابنَا