الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطَّرِيق مُسْندًا فِي مُسْند إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه عَن سُفْيَان. إِلَى آخِره. وَا أعلم.
03
-
(بابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {واتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى}
(الْبَقَرَة: 521) .)
أَي هَذَا بَاب قَول اتعالى إِنَّمَا بوب بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة لِأَن فِيهَا بَيَان الْقبْلَة على مَا نذكرهُ، وَهَذَا أَيْضا هُوَ وَجه الْمُنَاسبَة فِي ذكر هَذَا الْبَاب بَين هَذِه الْأَبْوَاب الْمَذْكُورَة هَهُنَا الْمُتَعَلّقَة بالقبلة وأحكامها. قَوْله:(وَاتَّخذُوا) بِلَفْظ الْأَمر على الْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَاتَّخذُوا على إِرَادَة القَوْل أَي: وَقُلْنَا: اتَّخذُوا مِنْهُ مَوضِع صَلَاة تصلونَ فِيهِ، وَهُوَ على وَجه الِاخْتِيَار والاستحباب دون الْوُجُوب. وَقَالَ غَيره: وقرىء بِلَفْظ الْمَاضِي عطفا على {جعلنَا الْبَيْت مثابة للنَّاس وَأمنا وَاتَّخذُوا} (الْبَقَرَة: 521) وَقد اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي المُرَاد بالْمقَام مَا هُوَ؟ فَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: حدّثنا عَمْرو بن شيبَة النميري حدّثنا أَبُو خلف، يَعْنِي: عبد ابْن عِيسَى، حدّثنا دَاوُد بن أبي هِنْد عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} (الْبَقَرَة: 521) قَالَ: مقَام إِبْرَاهِيم الْحرم كُله، وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد وَعَطَاء مثل ذَلِك. وَقَالَ السّديّ: الْمقَام: الْحجر الَّذِي وَضعته زَوْجَة إِسْمَاعِيل تَحت قدم إِبْرَاهِيم عليه السلام، حَتَّى غسلت رَأسه، حَكَاهُ الْقُرْطُبِيّ وَضَعفه وَرجح غَيره، وَحَكَاهُ الرَّازِيّ فِي (تَفْسِيره) عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَقَتَادَة وَالربيع بن أنس، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: حدّثنا الْحسن بن مُحَمَّد بن الصَّباح حدّثنا عبد الْوَهَّاب بن عَطاء عَن ابْن جريج عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه سمع جَابِرا يحدث عَن حجَّة النَّبِي قَالَ: (لما طَاف النَّبِي قَالَ لَهُ عمر رَضِي اتعالى عَنهُ: هَذَا مقَام أَبينَا إِبْرَاهِيم عليه السلام؟ قَالَ: نعم. قَالَ: أَفلا نتخذه مصلى؟ فَأنْزل اعز وَجل: {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} (الْبَقَرَة: 521) .
وَقَالَ عُثْمَان بن أبي شيبَة: حدّثنا أَبُو أُسَامَة عَن زَكَرِيَّا عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي ميسرَة، قَالَ: قَالَ عمر: (قلت: يَا رَسُول اهذا مقَام خَلِيل رَبنَا؟ قَالَ: نعم. قَالَ: أَفلا نتخذه مصلى؟ فَنزلت: {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} (الْبَقَرَة: 521) . وَقَالَ ابْن مرْدَوَيْه؛ حدّثنا دعْلج بن أَحْمد حدّثنا غيلَان بن عبد الصَّمد حدّثنا مَسْرُوق بن الْمَرْزُبَان حدّثنا زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن أبي إِسْحَاق عَن عَمْرو بن مَيْمُون: (عَن عمر بن الْخطاب أَنه مر بمقام إِبْرَاهِيم عليه السلام فَقَالَ: يَا رَسُول األيس تقوم مقَام خَلِيل ا؟ قَالَ: بلَى. قَالَ: أَفلا نتخذه مصلى؟ فَلم يلبث إلَاّ يَسِيرا حَتَّى نزلت: (وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى)(الْبَقَرَة: 521) وَحكى ابْن بطال عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: الْحَج كُله مقَام إِبْرَاهِيم، وَقَالَ مُجَاهِد: الْحرم كُله مقَام إِبْرَاهِيم، وروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن ابْن أبي نجيح عَنهُ قَالَ: هُوَ عَرَفَة وَجمع وَمنى. وَقَالَ عَطاء: مقَام، إِبْرَاهِيم عَرَفَة والمزدلفة والجمار، وَاخْتلفُوا فِي قَوْله:{مصلى} (الْبَقَرَة: 521) فَقَالَ مُجَاهِد: مدعى، كَأَنَّهُ أَخذه من: صليت، بِمَعْنى: دَعَوْت. وَقَالَ الْحسن؛ قبْلَة، وَقَالَ السّديّ وَقَتَادَة: أمروا أَن يصلوا عِنْده، وَلَا شكّ أَن من صلى إِلَى الْكَعْبَة من غير الْجِهَات الثَّلَاث الَّتِي لَا تقَابل مقَام إِبْرَاهِيم فقد أدّى فَرْضه، فالفرض إِذا الْبَيْت لَا الْمقَام، وَقد صلى الشَّارِع خَارِجهَا، وَقَالَ: هَذِه الْقبْلَة، وَلم يسْتَقْبل الْمقَام حِين صلى داخلها، ثمَّ اسْتقْبل الْمقَام فَإِن الْمقَام إِنَّمَا يكون قبْلَة، إِذا جعله الْمصلى بَينه وَبَين الْقبْلَة.
60 -
(حَدثنَا الْحميدِي قَالَ حَدثنَا سُفْيَان قَالَ حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار قَالَ سَأَلنَا ابْن عمر عَن رجل طَاف بِالْبَيْتِ للْعُمْرَة وَلم يطف بَين الصَّفَا والمروة أَيَأتِي امْرَأَته فَقَالَ قدم النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - فَطَافَ بِالْبَيْتِ سبعا وَصلى خلف الْمقَام رَكْعَتَيْنِ وَطَاف بَين الصَّفَا والمروة وَقد لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة وَسَأَلنَا جَابر بن عبد الله فَقَالَ لَا يقربنها حَتَّى يطوف بَين الصَّفَا والمروة) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " وَصلى خلف الْمقَام "(ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول الْحميدِي بِضَم الْحَاء وَفتح الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف واسْمه عبد الله بن الزبير الْقرشِي الْأَسدي أَبُو بكر الْمَكِّيّ ونسبته إِلَى بطن من قُرَيْش يُقَال لَهُ حميد بن زُهَيْر بن الْحَارِث بن أَسد بن عبد الْعُزَّى. الثَّانِي سُفْيَان بن عُيَيْنَة. الثَّالِث عَمْرو بن دِينَار الْمَكِّيّ. الرَّابِع عبد الله بن عمر بن الْخطاب. الْخَامِس جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه السُّؤَال فِي موضِعين وَفِيه أَن رُوَاته الثَّلَاثَة مكيون وَلَا يدْخل هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند جَابر لِأَنَّهُ لم يرفعهُ إِنَّمَا هُوَ من مُسْند ابْن عمر قَالَه خلف
(ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ هَهُنَا وَفِي الْحَج عَن الْحميدِي وَفِي الْحَج أَيْضا عَن قُتَيْبَة وَعلي بن عبد الله فرقهم ثَلَاثَتهمْ عَن سُفْيَان وَعَن آدم عَن شُعْبَة وَعَن مكي بن إِبْرَاهِيم عَن ابْن جريج وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن زُهَيْر بن حَرْب عَن سُفْيَان وَعَن يحيى بن يحيى وَعَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي كِلَاهُمَا عَن حَمَّاد بن زيد وَعَن عبد الله بن حميد عَن مُحَمَّد بن بكر عَن ابْن جريج وَأخرج النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن مَنْصُور وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ فرقهم ثَلَاثَتهمْ عَن سُفْيَان وَعَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر عَن شُعْبَة وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد وَعَمْرو بن عبد الله كِلَاهُمَا عَن وَكِيع (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " طَاف بِالْبَيْتِ للْعُمْرَة " كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي " طَاف بِالْبَيْتِ للْعُمْرَة " بِحَذْف اللَّام من قَوْله " للْعُمْرَة " وَلَا بُد من تَقْدِيره إِذْ الْمَعْنى لَا يَصح بِدُونِهِ قَوْله " وَلم يطف " أَي لم يسع بَين الصَّفَا والمروة فَأطلق الطّواف على السَّعْي إِمَّا لِأَن السَّعْي نوع من الطّواف وَإِمَّا للمشاكلة ولوقوعه فِي مصاحبة طواف الْبَيْت قَوْله " يَأْتِي امْرَأَته " الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستفسار أَي أَيجوزُ لَهُ الْجِمَاع يَعْنِي أحصل لَهُ التَّحَلُّل من الْإِحْرَام قبل السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة أم لَا قَوْله " فَقَالَ " أَي ابْن عمر فِي جَوَابه قدم النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - إِلَى آخِره فَأجَاب ابْن عمر بِالْإِشَارَةِ إِلَى وجوب اتِّبَاع النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - لَا سِيمَا فِي أَمر الْمَنَاسِك لقَوْله صلى الله عليه وسلم َ - " خُذُوا عني مَنَاسِككُم " وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم َ - مَا تحلل قبل السَّعْي فَيجب التأسي بِهِ وَهُوَ معنى قَوْله " وَقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة " والأسوة بِضَم الْهمزَة وَكسرهَا أَي قدوة قَوْله " لَا يقربنها " جملَة فعلية مضارعية مأكدة بالنُّون الثَّقِيلَة وَهَذَا جَوَاب جَابر بن عبد الله بِصَرِيح النَّهْي عَنهُ وَإِنَّمَا خص إتْيَان الْمَرْأَة بِالذكر وَإِن كَانَ الحكم سَوَاء فِي جَمِيع الْمُحرمَات لِأَن إتْيَان الْمَرْأَة من أعظم الْمُحرمَات (ذكر مَا يستنبط مِنْهُ) فِيهِ أَن السَّعْي وَاجِب فِي الْعمرَة وَهُوَ مَذْهَب الْعلمَاء كَافَّة إِلَّا مَا حَكَاهُ عِيَاض عَن ابْن عَبَّاس أَنه أجَاز التَّحَلُّل بعد الطّواف وَإِن لم يسع وَهُوَ ضَعِيف ومخالف للسّنة. وَفِيه أَن الطّواف لَا بُد فِيهِ من سَبْعَة أَشْوَاط. وَفِيه الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ خلف الْمقَام فَقيل أَنَّهَا سنة وَقيل وَاجِبَة وَقيل تَابِعَة للطَّواف إِن كَانَ الطّواف سنة فَالصَّلَاة سنة وَإِن كَانَ وَاجِبا فَالصَّلَاة وَاجِبَة
61 -
(حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنَا يحيى عَن سيف قَالَ سَمِعت مُجَاهدًا قَالَ أُتِي ابْن عمر فَقيل لَهُ هَذَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - دخل الْكَعْبَة فَقَالَ ابْن عمر فَأَقْبَلت وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم َ - قد خرج وَأَجد بِلَالًا قَائِما بَين الْبَابَيْنِ فَسَأَلت بِلَالًا فَقلت أصلى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - فِي الْكَعْبَة قَالَ نعم رَكْعَتَيْنِ بَين الساريتين اللَّتَيْنِ على يسَاره إِذا دخلت ثمَّ خرج فصلى فِي وَجه الْكَعْبَة رَكْعَتَيْنِ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فصلى فِي وَجه الْكَعْبَة " أَي مواجه بَاب الْكَعْبَة وَهُوَ مقَام إِبْرَاهِيم صلى الله عليه وسلم. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول مُسَدّد بن مسرهد. الثَّانِي يحيى الْقطَّان. الثَّالِث سيف بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره فَاء ابْن سُلَيْمَان أَو ابْن أبي سُلَيْمَان المَخْزُومِي الْمَكِّيّ ثَبت صَدُوق مَاتَ سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَة. الرَّابِع مُجَاهِد الإِمَام الْمُفَسّر تكَرر ذكره. الْخَامِس عبد الله بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه السماع وَفِيه أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومكي. (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع هُنَا عَن مُسَدّد عَن يحيى وَأخرجه أَيْضا عَن أبي نعيم عَن يحيى عَن سيف وَفِي الْحَج عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث عَن ابْن شهَاب عَن سَالم وَحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - صلى بَين العمودين أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة وَفِي الْأَطْرَاف للمزي فِي الْمَغَازِي عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر وَعَن ابْن
مُحَمَّد عَن ابْن الْمُبَارك وَعَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك وَعَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَعَن مُحَمَّد بن شُرَيْح بن النُّعْمَان وَفِي الْجِهَاد عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث وَفِي الصَّلَاة عَن أبي النُّعْمَان وقتيبة كِلَاهُمَا عَن حَمَّاد بن زيد وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن رمح كِلَاهُمَا عَن اللَّيْث وَعَن حَرْمَلَة وَعَن يحيى بن يحيى وَعَن أبي الرّبيع وَعَن ابْن أبي عمر وَعَن أبي بكر ابْن أبي شيبَة وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَعَن زُهَيْر بن حَرْب وَعَن حميد بن مسْعدَة. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحَج عَن القعْنبِي وَعَن عبد الله بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق وَعَن عُثْمَان ابْن أبي شيبَة وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَعَن مُحَمَّد بن سَلمَة والْحَارث بن مِسْكين وَعَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم وَعَن أَحْمد بن سُلَيْمَان وَعَن عَمْرو بن عَليّ وَعَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " أَتَى ابْن عمر " بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله " خرج " أَي من الْكَعْبَة قَوْله " وَأَجد " على صِيغَة الْمُتَكَلّم وَحده من الْمُضَارع وَكَانَ الْمُنَاسب أَن يَقُول وَوجدت بعد قَوْله " فَأَقْبَلت " لكنه عدل عَن الْمَاضِي إِلَى الْمُضَارع حِكَايَة عَن الْحَال الْمَاضِيَة واستحضارا لتِلْك الْحَالة قَوْله " بِلَالًا " مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول أجد وَقَائِمًا مَنْصُوب لِأَنَّهُ حَال من بِلَال قَوْله " بَين الْبَابَيْنِ " قَالَ الْكرْمَانِي أَي مصارعي الْبَاب إِذا الْكَعْبَة لم يكن لَهَا حِينَئِذٍ إِلَّا بَاب وَاحِد وَأطلق ذَلِك بِاعْتِبَار مَا كَانَ من الْبَابَيْنِ لَهَا فِي زمن إِبْرَاهِيم عليه السلام أَو أَنه كَانَ فِي زمَان رِوَايَة الرَّاوِي لَهَا بَابَانِ لِأَن ابْن الزبير رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ جعل لَهَا بَابَيْنِ وَقَالَ بَعضهم بَين الْبَابَيْنِ أَي المصراعين وَحمله الْكرْمَانِي على حَقِيقَة التَّثْنِيَة وَقَالَ أَرَادَ بِالْبَابِ الثَّانِي الْبَاب الَّذِي لم تفتحه قُرَيْش حِين بنت الْكَعْبَة وَهَذَا يلْزم مِنْهُ أَن يكون ابْن عمر وجد بِلَالًا فِي وسط الْكَعْبَة وَفِيه بعد (قلت) الْكرْمَانِي فسر قَوْله بَين الْبَابَيْنِ بِثَلَاثَة أوجه فَأخذ هَذَا الْقَائِل الْوَجْه الأول من تَفْسِيره وَلم يعزه إِلَيْهِ ثمَّ نسب إِلَيْهِ مَا لم تشهد بِهِ عِبَارَته لِأَن عبارَة الْكرْمَانِي فِي شَرحه مَا ذكرته الْآن ثمَّ قَالَ وَهَذَا يلْزم مِنْهُ أَن يكون ابْن عمر وجد بِلَالًا فِي وسط الْكَعْبَة (قلت) هَذِه الْمُلَازمَة مَمْنُوعَة لِأَن عبارَة الْكَلَام لَا تَقْتَضِي ذَلِك ثمَّ قَالَ وَفِيه بعد (قلت) مَا فِيهِ بعد بل الْبعد فِي الَّذِي اخْتَارَهُ من التَّفْسِير وَهُوَ ظَاهر لَا يخفى فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ " وَأَجد بِلَالًا قَائِما بَين النَّاس " بالنُّون وَالسِّين الْمُهْملَة قَوْله " أصلى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - " الْهمزَة فِيهِ للاستفهام قَوْله " قَالَ نعم رَكْعَتَيْنِ " أَي نعم صلى رَكْعَتَيْنِ قَوْله " بَين الساريتين " تَثْنِيَة سَارِيَة وَهِي الأسطوانة قَوْله " على يسَاره " الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الدَّاخِل بِقَرِينَة إِذا دخلت وَفِي بعض النّسخ " يسارك " وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسب أَو كَانَ يَقُول إِذا دخل وَوجه الأول أَن يكون من الِالْتِفَات أَو يكون الضَّمِير فِيهِ عَائِدًا إِلَى الْبَيْت قَوْله " ثمَّ خرج " أَي من الْبَيْت قَوْله " فِي وَجه الْكَعْبَة " أَي مواجه بَاب الْكَعْبَة وَهُوَ مقَام إِبْرَاهِيم عليه السلام أَو يكون الْمَعْنى فِي جِهَة الْكَعْبَة فَيكون أَعم من جِهَة الْبَاب قَوْله " رَكْعَتَيْنِ " مفعول قَوْله " فصلى "(ذكر مَا يستنبط مِنْهُ) فِيهِ جَوَاز الدُّخُول فِي الْبَيْت وَفِي الْمُغنِي وَيسْتَحب لمن حج أَن يدْخل الْبَيْت وَيُصلي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ كَمَا فعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - وَلَا يدْخل الْبَيْت بنعليه وَلَا خفيه وَلَا يدْخل الْحجر أَيْضا لِأَن الْحجر من الْبَيْت. وَفِيه اسْتِحْبَاب الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ فِي الْبَيْت فَإِن بِلَالًا أخبر فِي هَذَا الحَدِيث أَنه صلى الله عليه وسلم َ - صلى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ قَالَ النَّوَوِيّ أجمع أهل الحَدِيث على الْأَخْذ بِرِوَايَة بِلَال لِأَنَّهُ مُثبت وَمَعَهُ زِيَادَة علم فَوَجَبَ تَرْجِيحه وَأما نفي من نفى كأسامة فسببه أَنهم لما دخلُوا الْكَعْبَة أغلقوا الْبَاب وَاشْتَغلُوا بِالدُّعَاءِ فَرَأى أُسَامَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - يَدْعُو فاشتغل هُوَ أَيْضا بِالدُّعَاءِ فِي نَاحيَة من نواحي الْبَيْت وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - فِي نَاحيَة أُخْرَى وبلال قريب مِنْهُ ثمَّ صلى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - فَرَآهُ بِلَال بِقُرْبِهِ وَلم يره أُسَامَة لبعده مَعَ خفَّة الصَّلَاة وإغلاق الْبَاب واشتغاله بِالدُّعَاءِ وَجَاز لَهُ نَفيهَا عملا بظنه وَقَالَ بعض الْعلمَاء يحْتَمل أَنه صلى الله عليه وسلم َ - دخل الْبَيْت مرَّتَيْنِ فَمرَّة صلى فِيهِ وَمرَّة دَعَا فَلم يُصَلِّي وَلم تتضاد الْأَخْبَار (قلت) روى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ " دخل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - الْبَيْت فصلى بَين الساريتين رَكْعَتَيْنِ ثمَّ خرج فصلى بَين الْبَاب وَالْحجر رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ هَذِه الْقبْلَة ثمَّ دخل مرّة أُخْرَى فَقَامَ فِيهِ يَدْعُو ثمَّ خرج وَلم يصل (فَإِن قلت) روى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ " مَا أحب أَن أُصَلِّي فِي الْكَعْبَة من صلى فِيهَا فقد ترك شَيْئا خَلفه وَلَكِن حَدثنِي أخي أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - حِين دَخلهَا خر بَين العمودين سَاجِدا ثمَّ قعد فَدَعَا وَلم يصل " (قلت) هَذَانِ نفي وَإِثْبَات فِي رِوَايَتَيْنِ فرواية الْإِثْبَات مُقَدّمَة كَمَا ذكرنَا وَكَيف
وَقد صرح بِلَال فِي الحَدِيث الْمَذْكُور بقوله " نعم رَكْعَتَيْنِ "(فَإِن قلت) قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ الْمَشْهُور عَن ابْن عمر من طَرِيق نَافِع وَغَيره عَنهُ أَنه قَالَ " ونسيت أَن أسأله كم صلى " فَدلَّ على أَنه أخبرهُ بالكيفية وَهِي تعْيين الْموقف فِي الْكَعْبَة وَلم يُخبرهُ بالكمية وَنسي هُوَ أَن يسْأَله عَنْهَا (قلت) أُجِيب بِأَن المُرَاد من قَوْله صلى الصَّلَاة الْمَعْهُودَة وأقلها رَكْعَتَانِ لِأَنَّهُ لم ينْقل عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - أَنه تنفل فِي النَّهَار بِأَقَلّ من رَكْعَتَيْنِ فَكَانَت الركعتان متحققا وقوعهما وأصرح من هَذَا مَا رَوَاهُ عَمْرو بن أبي شيبَة فِي كتاب مَكَّة من طَرِيق عبد الْعَزِيز بن أبي دَاوُد عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فِي هَذَا الحَدِيث " فاستقبلني بِلَال فَقلت مَا صنع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - هَهُنَا فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَن صلى رَكْعَتَيْنِ بالسبابة وَالْوُسْطَى " فعلى هَذَا يحمل قَوْله " نسيت أَن أسأله كم صلى " على أَنه لم يسْأَله بِاللَّفْظِ وَلم يجبهُ بِاللَّفْظِ وَإِنَّمَا اسْتُفِيدَ مِنْهُ صلَاته الرَّكْعَتَيْنِ بِالْإِشَارَةِ لَا بالنطق وَقد قيل يجمع بَين الْحَدِيثين بِأَن ابْن عمر نسي أَن يسْأَل بِلَالًا ثمَّ لقِيه مرّة أُخْرَى فَسَأَلَ وَقَالَ بَعضهم فِيهِ نظر من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الْقِصَّة لم تَتَعَدَّد لِأَنَّهُ أَتَى فِي السُّؤَال بِالْفَاءِ المعقبة فِي الرِّوَايَتَيْنِ مَعًا فَقَالَ فِي هَذِه فَأَقْبَلت ثمَّ قَالَ فَسَأَلت بِلَالًا وَقَالَ فِي الْأُخْرَى فبدرت فَسَأَلت بِلَالًا فَدلَّ على أَن السُّؤَال عَن ذَلِك كَانَ وَاحِدًا فِي وَقت وَاحِد وَثَانِيهمَا أَن رَاوِي قَول ابْن عمر ونسيت هُوَ نَافِع مَوْلَاهُ وَيبعد مَعَ طول ملازمته لَهُ إِلَى وَقت مَوته أَن يسْتَمر على حِكَايَة النسْيَان وَلَا يتَعَرَّض لحكاية الذّكر أصلا (قلت) فِي نظره نظر من وُجُوه. الأول أَن قَوْله أَن الْقِصَّة لم تَتَعَدَّد دَعْوَى بِلَا برهَان فَمَا الْمَانِع من تعددها. وَالثَّانِي أَنه علل على ذَلِك بِالْفَاءِ لكَونهَا للتعقيب وَلقَائِل أَن يَقُول لَهُ فَلم لَا يجوز أَن تكون الْفَاء هَهُنَا بِمَعْنى ثمَّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ثمَّ خلقنَا النُّطْفَة علقَة فخلقنا الْعلقَة مُضْغَة} فَإِن الْفَاء فِي {فخلقنا المضغة} وَفِي {فكسونا} بِمَعْنى ثمَّ لتراخي معطوفاتها وَتارَة تكون بِمَعْنى الْوَاو كَمَا فِي قَول الشَّاعِر
(بَين الدُّخُول فحومل
…
)
. وَلَئِن سلمنَا أَنَّهَا للتعقيب وَهُوَ فِي كل شَيْء بِحَسبِهِ أَلا ترى أَنه يُقَال تزوج فلَان فولد لَهُ إِذا لم يكن بَينهمَا إِلَّا مُدَّة الْحمل وَإِن كَانَ مُدَّة متطاولة وَدخلت الْبَصْرَة فبغداد إِذا لم يقم فِي الْبَصْرَة وَلَا بَين البلدتين. وَالثَّالِث أَن قَوْله وَيبعد مَعَ طول ملازمته إِلَى آخِره غير بعيد فَإِن الْإِنْسَان مَأْخُوذ من النسْيَان (فَإِن قلت) قَالَ عِيَاض أَن قَوْله رَكْعَتَيْنِ غلط من يحيى بن سعيد الْقطَّان لِأَن ابْن عمر قد قَالَ نسيت أَن أسأله كم صلى وَإِنَّمَا دخل الْوَهم عَلَيْهِ من ذكر الرَّكْعَتَيْنِ (قلت) لم ينْفَرد يحيى بن سعيد بذلك حَتَّى يغلط فقد تَابعه أَبُو نعيم عِنْد البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو عَاصِم عِنْد ابْن خُزَيْمَة وَعمر بن عَليّ بن الْإِسْمَاعِيلِيّ وَعبد الله بن نمير عِنْد أَحْمد عَنهُ كلهم عَن سيف وَلم ينْفَرد بِهِ سيف أَيْضا فقد تَابعه عَلَيْهِ خصيف عَن مُجَاهِد عِنْد أَحْمد وَلم ينْفَرد بِهِ مُجَاهِد عَن ابْن عمر فقد تَابعه عَلَيْهِ ابْن أبي مليكَة عِنْد أَحْمد. وَالنَّسَائِيّ وَعَمْرو بن دِينَار عِنْد أَحْمد أَيْضا بِاخْتِصَار وَمن حَدِيث عُثْمَان بن طَلْحَة عِنْد أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد قوي وَمن حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد الْبَزَّار وَمن حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن صَفْوَان قَالَ " فَلَمَّا خرج سَأَلت من كَانَ مَعَه فَقَالُوا صلى رَكْعَتَيْنِ عِنْد السارية الْوُسْطَى " أخرجه الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح وَمن حَدِيث شيبَة بن عُثْمَان قَالَ " لقد صلى رَكْعَتَيْنِ عِنْد العمودين " أخرجه الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد جيد فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَكيف يقدم عِيَاض على تغليط حَافظ جهبذ من غير تَأمل فِي بَابه. وَفِيه حجَّة لمن يَقُول الأولى فِي نفل النَّهَار رَكْعَتَانِ وَالشَّافِعِيّ يَقُول الْأَفْضَل فِي النَّوَافِل مثنى مثنى فِي اللَّيْل وَالنَّهَار وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد مثنى أفضل بِاللَّيْلِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْأَرْبَع أفضل فِي اللَّيْل وَالنَّهَار وَاحْتج فِي ذَلِك بِحَدِيث ابْن عَبَّاس حِين بَات عِنْد خَالَته مَيْمُونَة يرقب صَلَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - وَفِيه " كَانَ يُصَلِّي أَرْبعا لَا تسْأَل عَن حسنهنَّ وطولهن ". وَفِيه حجَّة على ابْن جرير الطَّبَرِيّ حَيْثُ قَالَ بِعَدَمِ جَوَاز الصَّلَاة فِي الْكَعْبَة فرضا كَانَ أَو نفلا وَقَالَ مَالك لَا تصلى فِيهِ الْفَرِيضَة وَلَا رَكعَتَا الطّواف الْوَاجِب فَإِن صلى أعَاد فِي الْوَقْت وَيجوز أَن يُصَلِّي فِيهِ النَّافِلَة وَفِي المسالك لِابْنِ الْعَرَبِيّ روى مُحَمَّد عَن أصبغ أَن من صلى فِي الْبَيْت أعَاد أبدا وَقَالَ مُحَمَّد لَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَقَالَ أَشهب من صلى على ظهر الْبَيْت أعَاد أبدا وَعند أبي حنيفَة يجوز الْفَرْض وَالنَّفْل فِيهِ وَبِه قَالَ الشَّافِعِي
89326 -
حدّثنا إسْحَاقُ بنُ نَصْرٍ قَالَ حدّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ عنْ عَطاءٍ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عبَّاسٍ قَالَ لَمَّا دَخَلَ النبيُّ البَيْتَ دَعا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا وَلَمْ يُصَلِّ