الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على شَيْئَيْنِ: أَولهمَا مبادرة البزاق، وَالْآخر هُوَ أَخذ الْمُصَلِّي بزاقه بِطرف ثَوْبه، وَفِي الحَدِيث مَا يُطَابق الثَّانِي وَهُوَ قَوْله:(ثمَّ أَخذ طرف رِدَائه فبزق فِيهِ) وَلَيْسَ للجزء الأول ذكر فِي الحَدِيث أصلا، وَلِهَذَا اعْترض عَلَيْهِ فِي ذَلِك، وَلَكِن يُمكن أَن يُقَال، وَإِن كَانَ فِيهِ تعسف: كَأَنَّهُ أَشَارَ بذلك إِلَى مَا فِي بعض طرق الحَدِيث، وَهُوَ مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر بِلَفْظ:(وليبصق عَن يسَاره تَحت رجله الْيُسْرَى، فَإِن عجلت بِهِ بادرة فَلْيقل بِثَوْبِهِ هَكَذَا، ثمَّ طوى بعضه على بعض) . وروى أَبُو دَاوُد: (فَإِن عجلت بِهِ بادرة فَلْيقل بِثَوْبِهِ هَكَذَا، وَضعه على فِيهِ ثمَّ دلكه) . قَوْله: (بادرة) أَي: حِدة، وبادرة الْأَمر: حِدته، وَالْمعْنَى: إِذا غلب غليه البصاق والنخامة فَلْيقل بِثَوْبِهِ هَكَذَا. وَقَوله: (وَضعه على فِيهِ) تَفْسِير لقَوْله: (فَلْيقل بِهِ)، وَلأَجل ذَلِك ترك العاطف أَي: وضع ثَوْبه على فَمه حَتَّى يتلاشى البزاق فِيهِ.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: مَالك بن إِسْمَاعِيل أَبُو غَسَّان النَّهْدِيّ، وَقد مر فِي بَاب المَاء الَّذِي يغسل بِهِ شعر الْإِنْسَان. الثَّانِي: زُهَيْر، بِالتَّصْغِيرِ: ابْن مُعَاوِيَة الْكُوفِي. الثَّالِث: حميد الطَّوِيل. الرَّابِع: أنس بن مَالك.
وَقد تقدم هَذَا الحَدِيث فِي بَاب حك البزاق بِالْيَدِ من الْمَسْجِد، وَذكرنَا هُنَاكَ مَا يتَعَلَّق بِهِ من الأبحاث. ولنذكر هَهُنَا مَا لم نذكرهُ هُنَاكَ. قَوْله:(كَرَاهِيَة)، مَرْفُوع بقوله: رُؤِيَ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله:(أَو رُؤِيَ كراهيته) شكّ من الرَّاوِي قَوْله: (لذَلِك) أَي: لأجل رُؤْيَة النخامة فِي الْقبْلَة. قَوْله: (وشدته عَلَيْهِ) يجوز فِيهِ الرّفْع والجر عطفا على الْكَرَاهِيَة أَو على لذَلِك قَوْله: (أَو ربه) مُبْتَدأ وَخَبره هُوَ قَوْله: (بَينه وَبَين الْقبْلَة)، وَالْجُمْلَة معطوفة على:(يُنَاجِي ربه)، عطف الْجُمْلَة الإسمية على الفعلية. قَوْله:(وَقَالَ) فِي بعض النّسخ: (فَقَالَ) ، بِالْفَاءِ.
وَفِيه من الْفَوَائِد: اسْتِحْبَاب إِزَالَة مَا يستقذر أَو يتنزه عَنهُ من الْمَسْجِد. وَفِيه: تفقد الإِمَام أَحْوَال الْمَسَاجِد وتعظيمها وصيانتها. وَفِيه: أَن للْمُصَلِّي أَن يبصق فِي الصَّلَاة وَلَا تفْسد صلَاته. وَفِيه: أَنه إِذا نفخ أَو تنحنح جَازَ، كَذَا قَالُوا، وَلَكِن هَذَا بالتفصيل وَهُوَ أَن التنحنح لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون بِغَيْر اخْتِيَاره فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ بِاخْتِيَارِهِ فَإِن حصلت مِنْهُ حُرُوف ثَلَاثَة تفْسد صلَاته، وَفِي الحرفين قَولَانِ، وَعَن أبي حنيفَة: إِن النفخ إِذا كَانَ يسمع فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْكَلَام يقطع الصَّلَاة. وَفِيه: إِن البصاق طَاهِر، وَكَذَا النخامة والمخاط، خلافًا لمن يَقُول: كل مَا تستقذره النَّفس حرَام. وَمن فَوَائده: أَن التحسين والتقبيح إِنَّمَا هُوَ بِالشَّرْعِ، لكَون الْيَمين مفضلة على الْيَسَار، وَالْيَد مفضلة على الْقدَم.
04 -
(بَاب عِظَةِ الإمامِ النَّاسَ فِي إتْمَامِ الصَّلاةِ وذِكْرِ القِبْلَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وعظ الإِمَام النَّاس بِأَن يتموا صلَاتهم وَلَا يتْركُوا مِنْهَا شَيْئا، والعظة على وزن: عِلّة، مصدر من: وعظ يعظ وعظاً وعظة وموعظة، وأصل: عظة: وعظ، فَلَمَّا حذفت مِنْهُ الْوَاو عوضت مِنْهَا التَّاء فِي آخِره، أما الْحَذف فلوجوده فِي فعله، وَأما كسر الْعين فَمن الْوَاو. فَافْهَم. والوعظ: النصح والتذكير بالعواقب، وَيُقَال: وعظته فاتعظ أَي: قبل الموعظة.
وَجه الْمُنَاسبَة فِي ذكر هَذَا الْبَاب عقيب الْأَبْوَاب الْمَذْكُورَة من حَيْثُ إِنَّه كَانَ فِيهَا أَمر وَنهي وَتَشْديد فيهمَا، وَهِي كلهَا وعظ ونصح، وَهَذَا الْبَاب أَيْضا فِي الْوَعْظ والنصح. قَوْله:(وَذكر الْقبْلَة) بِالْجَرِّ عطف على: (عظة) أَي: وَفِي بَيَان الْقبْلَة.
814 -
حدّثنا عَبْدُ اللَّه بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ أبي الزِّنَادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أَن رَسُول الله قَالَ (هلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي ههُنا فَوَا مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشوُعُكُمْ وَلَا رُكُوعُكُمْ إنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ ورَاءِ ظِهْرِي) . (الحَدِيث 814 طرفه فِي: 147) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِي هَذَا الحديبث وعظاً لَهُم وتذكيراً وتنبيهاً لَا يخفى عَلَيْهِ ركوعهم وسجودهم، يظنون أَنه لَا يراهم لكَونه مستدبراً لَهُم، وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، لِأَنَّهُ يرى من خَلفه مثل مَا يرى من بَين يَدَيْهِ.
ذكر رِجَاله: وَقد تكَرر ذكرهم، وَأَبُو الزِّنَاد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف النُّون: عبد اللَّه بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا هَهُنَا عَن إِسْمَاعِيل عَن مَالك. وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة عَن مَالك.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (هَل ترَوْنَ قِبْلَتِي؟) اسْتِفْهَام على سَبِيل إِنْكَار مَا يلْزمه مِنْهُ، الْمَعْنى، أَنْتُم تحسبون قِبْلَتِي هَهُنَا، وإنني لَا أرى إلَاّ مَا فِي هَذِه الْجِهَة، فوا إِن رؤيتي لَا تخْتَص بِجِهَة قِبْلَتِي هَذِه، فَإِنِّي أرى من خَلْفي كَمَا أرى من جِهَة قِبْلَتِي، ثمَّ الْعلمَاء اخْتلفُوا هَهُنَا فِي موضِعين: الأول: فِي معنى هَذِه الرُّؤْيَة، فَقَالَ قوم: المُرَاد بهَا الْعلم إِمَّا بطرِيق أَنه كَانَ يُوحى إِلَيْهِ بَيَان كَيْفيَّة فعلهم، وَإِمَّا بطرِيق الإلهام، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء، لِأَنَّهُ لَو كَانَ ذَلِك بطرِيق الْعلم مَا كَانَت فَائِدَة فِي التَّقْيِيد بقوله:(من وَرَاء ظَهْري)، وَقَالَ قوم: المُرَاد بِهِ أَنه يرى من عَن يَمِينه وَمن عَن يسَاره، مِمَّن تُدْرِكهُ عينه مَعَ الْتِفَات يسير فِي بعض الْأَحْوَال وَهَذَا أَيْضا لَيْسَ بِشَيْء، وَهُوَ ظَاهر. وَقَالَ الْجُمْهُور، وَهُوَ الصَّوَاب: إِنَّه من خَصَائِصه، عليه الصلاة والسلام، وَإِن إبصاره إِدْرَاك حَقِيقِيّ انخرقت لَهُ فِيهِ الْعَادة، وَلِهَذَا أخرجه البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي عَلَامَات النُّبُوَّة، وَفِيه دلَالَة للأشاعرة حَيْثُ لَا يشترطون فِي الرُّؤْيَة مُوَاجهَة وَلَا مُقَابلَة، وجوزوا إبصار أعمى الصين بقْعَة أندلس قلت: هُوَ الْحق عِنْد أهل السّنة: إِن الرُّؤْيَة لَا يشْتَرط لَهَا عقلا عُضْو مَخْصُوص، وَلَا مُقَابلَة وَلَا قرب، فَلذَلِك حكمُوا بِجَوَاز رُؤْيَة اتعالى فِي الدَّار الْآخِرَة خلافًا للمعتزلة فِي الرُّؤْيَة مُطلقًا، وللمشبهة والكرامية فِي خلوها عَن المواجهة وَالْمَكَان، فَإِنَّهُم إِنَّمَا جوزوا رُؤْيَة اتعالى لاعتقادهم كَونه تَعَالَى فِي الْجِهَة وَالْمَكَان، وَأهل السّنة أثبتوا رُؤْيَة اتعالى بِالنَّقْلِ وَالْعقل، كَمَا ذكر فِي مَوْضِعه، وبينوا بالبرهان على أَن تِلْكَ الرُّؤْيَة مبرأة عَن الانطباع والمواجهة واتصال الشعاع بالمرئي. الْموضع الثَّانِي: اخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة رُؤْيَة النَّبِي، عليه الصلاة والسلام، من خلف ظَهره، فَقيل: كَانَت لَهُ عين خلف ظَهره يرى بهَا من وَرَائه دَائِما، وَقيل: كَانَت لَهُ بَين كَتفيهِ عينان مثل سم الْخياط، يَعْنِي: مثل خرق الإبرة يبصر بهما لَا يحجبهما ثوب وَلَا غَيره. وَقيل: بل كَانَت صورهم تنطبع فِي حَائِط قبلته كَمَا تنطبع فِي الْمرْآة أمثلتهم فِيهَا، فيشاهد بذلك أفعالهم. قَوْله:(لَا يخفى عَليّ ركوعكم وَلَا خُشُوعكُمْ) يَعْنِي: إِذا كنت فِي الصَّلَاة مستدبراً لكم؛ وَيجوز أَن يكون المُرَاد من الْخُشُوع السُّجُود لِأَنَّهُ غَايَة الْخُشُوع، وَقد صرح فِي رِوَايَة مُسلم بِالسُّجُود، وَيجوز أَن يُرَاد بِهِ أَعم من ذَلِك. فَيتَنَاوَل جَمِيع أفعالهم فِي صلَاتهم. فَإِن قلت: إِذا كَانَ الْخُشُوع بِمَعْنى الْأَعَمّ يتَنَاوَل الرُّكُوع أَيْضا، فَمَا فَائِدَة ذكره، قلت: لكَونه من أكبر عمد الصَّلَاة، وَذَلِكَ لِأَن الرجل مَا دَامَ فِي الْقيام لَا يتَحَقَّق أَنه فِي الصَّلَاة، فَإِذا ركع تحقق أَنه فِي الصَّلَاة، وَيكون فِيهِ عطف الْعَام على الْخَاص. قَوْله:(فوا)، قسم مِنْهُ وَجَوَابه قَوْله:(لَا يخفى) . وَقَوله: (إِنِّي لأَرَاكُمْ) إِمَّا بَيَان وَإِمَّا بدل. قَوْله: (ركوعكم) بِالرَّفْع فَاعل (لَا يخفى) وَقَوله: (وَلَا خُشُوعكُمْ) ، عطف عَلَيْهِ، أَي: لَا يخفى عَليّ خُشُوعكُمْ، والهمزة فِي لأَرَاكُمْ مَفْتُوحَة، وَاللَّام للتَّأْكِيد.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ أَنه يَنْبَغِي للْإِمَام إِذا رأى أحدا مقصراً فِي شَيْء من أُمُور دينه أَو نَاقِصا للكمال مِنْهُ أَن ينهاه عَن فعله، ويحضه على مَا فِيهِ جزيل الْحَظ. أَلا ترى أَنه كَيفَ وبخ من نقص كَمَال الرُّكُوع وَالسُّجُود، ووعظهم فِي ذَلِك بِأَنَّهُ يراهم من وَرَاء ظَهره كَمَا يراهم من بَين يَدَيْهِ؟ وَفِي تَفْسِير سنيد: حدّثنا حجاج عَن ابْن أبي ذِئْب حدّثنا يحيى بن صَالح حدّثنا فليح عَن هِلَال ابْن عَليّ عَن أنس قَالَ: (صلى لنا رَسُول الله صَلَاة، ثمَّ رقى الْمِنْبَر فَقَالَ، فِي الصَّلَاة وَفِي الرُّكُوع إِنِّي لأَرَاكُمْ من ورائي كَمَا أَرَاكُم) . وَفِي لفظ: (أُقِيمَت الصَّلَاة فَأقبل علينا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: أقِيمُوا صفوفكم وتراصوا، فَإِنِّي أَرَاكُم من وَرَاء ظَهْري) . وَفِي لفظ: (أقِيمُوا الرُّكُوع وَالسُّجُود فوا إِنِّي لأَرَاكُمْ من بعدِي، وَرُبمَا قَالَ: من بعد ظَهْري، إِذا رَكَعْتُمْ وَإِذا سجدتم) . وَعند مُسلم: (صلى بِنَا ذَات يَوْم، فَلَمَّا قضى صلَاته أقبل علينا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: أَيهَا النَّاس: إِنِّي إمامكم فَلَا تسبقوني بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُود وَلَا بالانصراف، فَإِنِّي أَرَاكُم أَمَامِي وَمن خَلْفي، ثمَّ قَالَ. وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ، لَو رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْت لضحكتم قَلِيلا ولبكيتم كثيرا. قَالُوا: وَمَا رَأَيْت يَا رَسُول ا؟ قَالَ رَأَيْت: الْجنَّة وَالنَّار) .
81 -
(حَدثنَا يحيى بن صَالح قَالَ حَدثنَا فليح بن سُلَيْمَان عَن هِلَال بن عَليّ عَن أنس بن مَالك قَالَ صلى بِنَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - صَلَاة ثمَّ رقي الْمِنْبَر فَقَالَ فِي الصَّلَاة وَفِي الرُّكُوع إِنِّي لأَرَاكُمْ من ورائي كَمَا أَرَاكُم) مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة الحَدِيث الَّذِي قبله. (ذكر رِجَاله) وهم أَرْبَعَة. يحيى بن صَالح الوحاظي بِضَم