المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب كراهية الصلاة في المقابر) - عمدة القاري شرح صحيح البخاري - جـ ٤

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌(كتاب التَّيَمُّم)

- ‌(بابُ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَاء ولَا تُرَاباً)

- ‌(بابُ التَّيمُّمِ فِي الحَضَرِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الماءَ وَخافَ فَوْتَ الصَّلاة)

- ‌(بَاب المُتَيَمِّمُ هَلْ يَنْفُخُ فِيهِمَا)

- ‌(بابٌ التَّيَمُّمُ لِلْوَجْهِ وَالكفَّيْنِ)

- ‌(بابٌ الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ المُسْلِمِ يَكْفِيهِ مِنَ الْماءِ)

- ‌(بَاب إِذَا خافَ الجُنُبُ على نَفْسِهِ المَرَضَ أَوَ المَوْتَ أوْ خَافَ الْعَطَشَ تيمَّم)

- ‌(بابُ التَيَمُّمِ ضَرْبَةً)

- ‌بَاب

- ‌(كِتَابُ الصَّلَاةِ)

- ‌(بابُ كَيْفَ فُرِضَتِ الصَّلواتُ فِي الإسْراءِ)

- ‌(بابُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الثِّيَابِ)

- ‌(بابُ عَقْدِ الإِزَارِ عَلَى القَفَا فِي الصَّلاةِ)

- ‌(بابٌ إذَا صَلَّى فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ فَلْيَجْعَلْ عَلَى عاتِقَيْهِ)

- ‌(بابٌ إذَا كانَ الثَّوْبُ ضَيِّقاً)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ فِي الْجُبَّةِ الشَّامِيَّةِ)

- ‌(بابُ كرَاهِيَةِ التعرِّي فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِها)

- ‌(بَاب الصَّلَاةِ فِي القَمِيصِ والسَّرَاوِيلِ والتُّبَّانِ والقَبَاءِ)

- ‌(بابُ مَا يَسْتُرُ مِنَ الْعَوْرَةِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ بغَيْرِ رِدَاءٍ)

- ‌(بابُ مَا يُذْكَرُ فِي الفَخِذِ)

- ‌(بابٌ فِي كَمْ تصَلِّي المَرْأةُ مِنَ الثِّيابِ)

- ‌(بابٌ إذَا صَلَّى فِي ثَوْب لهُ أعْلَامٌ وَنَظَر إِلَى عَلَمِها)

- ‌(بابٌ إنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مُصَلَّبٍ أوْ تصَاوِيرَ هَلْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَمَا يُنْهَى منْ ذَلِكَ

- ‌(بابُ مَنْ صَلَّى فِي فَرُّوجِ حَرِيرٍ ثُمَّ نَزَعَهُ)

- ‌(بابُ الصَّلاةِ فِي الثَّوْبِ الأحْمَرِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ فِي السُّطُوحِ وَالمِنْبَرِ والخَشَب)

- ‌(بابٌ إذَا أصابَ ثَوْبُ المصَلِّي امْرَأَتَهُ إذَا سَجَدَ)

- ‌(بابُ الصَّلاةِ عَلَى الحَصِيرِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ عَلى الفِرَاشِ)

- ‌(بابٌ السُّجُودِ عَلى الثَّوْبِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ فِي النعالِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ فِي الخِفَافِ)

- ‌(بابٌ إذَا لَمْ يُتِم السُّجُودَ)

- ‌(بابٌ يُبْدِي ضَبْعَيْهِ ويُجَافِي فِي السجُودِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ)

- ‌(بابُ قِبْلَةِ أهْلِ المَدِينةِ وأهْلِ الشَّأَمِ والمَشْرِقِ لَيْسَ فِي المَشْرِقِ ولَا فِي المَغْرِبِ قِبْلَة)

- ‌(بابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {واتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى}

- ‌(بابُ التَّوَجُّهِ نَحْوَ القِبْلَةِ حَيْث كانَ)

- ‌(بابُ مَا جاءَ فِي القِبْلَةِ وَمَنْ لَا يَرَى الإِعادَةَ عَلى منْ سَهَا فَصَلَّى إِلَى غَيْرِ القِبْلَةِ)

- ‌(بابُ حَكِّ البُزَاقِ بِاليَدِ مِنَ المَسْجِدِ)

- ‌(بَاب حَكِّ المُخَاطِ بِالحَصَى مِنَ المَسْجِدِ)

- ‌(بابٌ لَا يَبْصُقْ عنْ يَمِينِهِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بابٌ لِيَبْزُقْ عنْ يَسَارِهِ أوْ تحْتَ قَدَمِهِ اليُسْرَى)

- ‌(بابُ كَفَّارَةِ البُزَاقِ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(حدّثنا آدَمُ قا حدّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدّثنا قَتَادَةُ قَالَ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ قَالَ قَالَ النبيُّ (البُزَاقُ فِي المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وكَفَّارَتُها دَفْنُها)

- ‌(بابُ دَفْنِ النُّخَامَةِ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابٌ إِذَا بَدَرَهُ البُزَاقُ فَلْيَأْخُذْ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ)

- ‌(بَاب عِظَةِ الإمامِ النَّاسَ فِي إتْمَامِ الصَّلاةِ وذِكْرِ القِبْلَةِ)

- ‌(بابٌ هَلْ يُقالُ مَسْجِدُ بَنِي فلَانٍ)

- ‌(بابُ الْقِسْمَةِ وتعلْيقِ الْقِنْوِ فِي الْمَسْجِد)

- ‌(بابُ مَنْ دَعا لِطَعَامٍ فى المَسْجِدِ وَمَنْ أجابَ مِنه)

- ‌(بابُ القَضاء واللِّعَانِ فِي المَسْجِدِ بَيْنَ الرِّجال والنِّساء)

- ‌(بابٌ إذَا دَخَلَ بَيْتاً يُصَلِّى حَيْثُ شاءَ أوْ حَيْثُ أمِرَ ولَا يَتَجَسَّسُ)

- ‌(بابُ المَسَاجِدِ فِي البُيُوتِ)

- ‌(بابٌ هَلْ تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكِي الجَاهِليَّةِ وَيُتَّخَذُ مَكانُهَا مَسَاجِدَ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ فِي مَوَاضِعِ الإِبِلِ)

- ‌(بابُ مَنْ صَلَّى وَقُدَّامَهُ تَنُّورٌ أَو نارٌ أَو شَيْءٌ مِمَّا يُعْبَد فَأَرَادَ بهِ وَجْهَ الله تَعَالَى)

- ‌(بابُ كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ فِي المَقَابِرِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ فِي مَوَاضِعِ الخَسْفِ وَالعَذَابِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ فِي البِيعَةِ)

- ‌(بَاب)

- ‌(بابُ قوْلِ النَّبيِّ جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً)

- ‌(بابُ نَوْمِ المَرْأةِ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ نَوْمِ الرِّجَالِ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ إذَا قَدِمَ منْ سَفَرٍ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ إذَا قَدِمَ منْ سَفَرٍ)

- ‌(بَاب إذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ المسْجِدَ فَليرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَن يَجْلِسَ)

- ‌(بابُ الحَدَثِ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ بُنْيَانِ المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ التَّعَاوُنِ فِي بِنَاءِ المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ الأَسْتِعَانَةِ بِالنَّجَّارِ والصُّنَّاعِ فِي أعْوَادِ المِنْبَرِ وَالمَسْجِدِ)

- ‌(بابُ مَنْ بَنَى مَسْجِداً)

- ‌(بابٌ يَأْخُذُ بِنُصُولِ النَّبْلِ إِذَا مَرَّ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ الشِّعْرِ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بَاب ذكر البيع وَالشِّرَاء على الْمِنْبَر فِي الْمَسْجِد)

- ‌(بابُ التقاضِي والمُلَازَمَة فيِ المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ كَنْسِ المَسْجِدِ والْتِقَاطِ الخِرَقِ والقَذَى وَالعِيدَانِ مِنْهُ)

- ‌(بابُ تحْرِيمِ تِجَارَةِ الخَمْرِ فِي المسْجِدِ)

- ‌(بابُ الخَدَمِ لِلْمَسْجِدِ)

- ‌(بابُ الأَسِيرِ أَو الغَرِيمِ يُرْبَطُ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ الإِغْتِسَالِ إِذَا أسْلَمَ وَرَبْطِ الأَسِيرِ أَيْضاً فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ الخَيْمَةِ فِي المَسْجِدِ لِلْمَرْضَى وَغَيْرِهِمْ)

- ‌(بابُ إدْخال البَعِيرِ فِي المَسجِدِ لِلْعِلَّةِ)

- ‌ بَاب

- ‌(بابُ الخَوْخَةِ وَالمَمَرِّ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ دُخولِ المُشْرِكِ المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ الحِلَقِ وَالْجُلُوسِ فِي المَسْجِدِ)

- ‌(بابُ الاسْتِلْقَاءِ فِي المَسْجِدِ وَمَدِّ الرِّجْلِ)

- ‌(بابُ المَسْجِدِ يَكُونُ فِي الطرِيقِ منْ غَرِ ضَرَرٍ بِالنَّاسِ)

- ‌(بابُ الصلَاةِ فِي مَسْجِدِ السُّوقِ)

- ‌(بَاب تَشْبِيكِ الأصَابِعِ فِي المَسْجِدِ وغَيْرِهِ)

- ‌(بابُ المَسَاجِدِ الَّتِي عَلَى طُرُقِ المَدِينَةِ وَالمَوِاضِعِ الَّتِي صَلَّى فِيها النبيُّ)

- ‌(بابٌ سُتْرَةُ الإِمامِ سُتْرَةُ مَنْ خَلْفَهُ)

- ‌(بابُ قَدْرِ كِمْ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ بَيْنَ المُصَلِّي وَالسُّتْرَةِ)

- ‌(بابُ الصَلَاةِ إلَى الحَرْبَةِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ إِلَى العَنَزَةِ)

- ‌(بابُ السُّتْرَةِ بِمَكَّةَ وغَيْرِها)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ إلىَ الاسطُوَانَةِ

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ بَيْنَ السَّوَارِي فَي غَيْرِ جَمَاعَةٍ)

- ‌(بابٌ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ إِلَى الرَّاحِلَةِ والبَعَيرِ والشَّجَرِ والرَّحْلِ)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ إِلَى السَّرِيرِ)

- ‌(بابٌ يِرُدُّ المُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ)

- ‌(بابُ إثْمِ المَارِ بَيْنَ يَدَيِ المصَلِّي)

- ‌(بابُ اسْتِقْبالِ الرَّجُلِ وَهُوَ يُصَلِّي)

- ‌(بابُ الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّائِمِ)

- ‌(بابُ التَّطَوُّعِ خَلْفَ المَرْأةِ)

- ‌(بابُ منْ قَالَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ)

- ‌(بابٌ منْ حَمَلَ جَارِيَةً صَغِيرَةً على عُنقِهِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بابٌ إذَا صَلَّى إلَى فِرَاشٍ فِيهِ حائِضٌ)

- ‌(بابٌ هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عِنْدَ السُّجُودِ لِكَيْ يَسْجُدَ)

- ‌(بابٌ المَرْأة تَطْرَحُ عَنِ المُصَلّى شَيْئاً مِنَ الأَذَى)

الفصل: ‌(باب كراهية الصلاة في المقابر)

جَمِيعًا، كلهم حكوا عَن النَّبِي:(لَا ينكسفان) ، بِالْكَاف، فَسُمي كسوف الشَّمْس وَالْقَمَر كسوفاً.

قلت: أغفل حَدِيث ابْن مَسْعُود من عِنْد البُخَارِيّ: لَا ينكسفان. قَوْله: (فصلى رَسُول ا) أَي: صَلَاة الْكُسُوف. قَوْله: (أريت) ، بِضَم الْهمزَة وَكسر الرَّاء، أَي: بصرت النَّار فِي الصَّلَاة. قَوْله: (كَالْيَوْمِ)، الْكَاف للتشبيه بِمَعْنى: مثل، وَهُوَ صفة لقَوْله:(منْظرًا)، وَهُوَ مَوضِع النّظر مَنْصُوب بقوله:(لم أر) . قَوْله: (أفظع)، بِالنّصب صفة لقَوْله:(منْظرًا)، وَفِيه حذف أَيْضا وَتَقْدِير الْكَلَام: فَلم أر منْظرًا أفظع مثل منظر الْيَوْم، وأفظع من الفظيع، وَهُوَ الشنيع الشَّديد، والمجاوز للمقدار، يُقَال: فظع الْأَمر بِالضَّمِّ، فظاعة فَهُوَ فظيع أَي: شَدِيد شنيع جَاوز الْمِقْدَار. وَكَذَلِكَ أفظع الْأَمر فَهُوَ مفظع، وأفظع الرجل، على مَا لم يسم فَاعله، أَي: نزل بِهِ أَمر عَظِيم. فَإِن قلت: أفظع أفعل، وَلَا يسْتَعْمل إلَاّ بِمن، قلت: أفظع هُنَا بِمَعْنى فظيع، فَلَا يحْتَاج إِلَى: من، أَو يكون على بَابه، وَحذف مِنْهُ من، كَمَا فِي اأكبر، أَي: أكبر من كل شَيْء. قَوْله: (قطّ) هَهُنَا لاستغراق زمَان مضى فتختص بِالنَّفْيِ، واشتقاقه من: قططته أَي: قطعته، فَمَعْنَى: مَا فعلته قطّ، مَا فعلته فِيمَا انْقَطع من عمري، وَهِي بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد الطَّاء المضمومة فِي أفْصح اللُّغَات، وَقد تكسر على أصل التقاء الساكنين، وَقد تتبع قافه طاءه فِي الضَّم، وَقد تخفف طاؤه مَعَ ضمهَا أَو اسكانها، وبنيت لتضمنها معنى: مذ، وَإِلَى إِذْ الْمَعْنى: مذ أَن خلقت إِلَى الْآن. وَإِنَّمَا بنيت على الْحَرَكَة لِئَلَّا يلتقي ساكنان، وعَلى الضمة تَشْبِيها بالغايات.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: فِيهِ اسْتِحْبَاب صَلَاة الْكُسُوف. وَفِيه: أَن النَّار مخلوفة الْيَوْم وَكَذَا الْجنَّة، إِذْ لَا قَائِل بِالْفرقِ خلافًا لمن أنكر ذَلِك من الْمُعْتَزلَة. وَفِيه: من معجزات النَّبِي، رُؤْيَته النَّار رَأْي عين حَيْثُ كشف اتعالى عَنهُ الْحجب، فرآها مُعَاينَة كَمَا كشف اله عَن الْمَسْجِد الْأَقْصَى. وَفِيه: على مَا بوب البُخَارِيّ عدم كَرَاهَة الصَّلَاة إِذا كَانَت بَين يَدي الْمُصَلِّي نَار وَلم يقْصد بِهِ إلَاّ وَجه اتعالى.

25 -

(بابُ كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ فِي المَقَابِرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَرَاهِيَة الصَّلَاة فِي الْمَقَابِر، وَفِي بعض النّسخ: كَرَاهَة الصَّلَاة. الْكَرَاهَة والكراهية كِلَاهُمَا مصدران، تَقول: كرهت الشَّيْء أكرهه كَرَاهَة وكراهية، فَهُوَ شَيْء: كريه ومكروه. وَبَين الْبَابَيْنِ تناسب من حَيْثُ الضِّدّ، والمقابر جمع مَقْبرَة، بِضَم الْبَاء، هُوَ المسموع، وَالْقِيَاس فتح الْبَاء. وَفِي (شرح الْهَادِي) : إِن مَا جَاءَ على: مفعلة بِالضَّمِّ يُرَاد بهَا أَنَّهَا مَوْضُوعَة لذَلِك ومتخذة لَهُ، فَإِذا قَالُوا: الْمقْبرَة بِالْفَتْح أَرَادوا مَكَان الْفِعْل، وَإِذا ضمُّوا أَرَادوا الْبقْعَة الَّتِي من شَأْنهَا أَن يقبر فِيهَا، وَكَذَلِكَ: الْمشْربَة والمشربة، والتأنيث فِي هَذِه الْأَسْمَاء لإِرَادَة الْبقْعَة، أَو للْمُبَالَغَة، ليدل على أَن لَهَا ثباتاً فِي أَنْفسهَا.

234 -

حدّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدّثنا يَحْيى عنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبرنِي نافِعٌ عنِ ابْن عُمَرَ عنِ النبيِّ قَالَ: اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ ولَا تَتَّخِذُوهَا قُبُوراً. (الحَدِيث 234 طرفه فِي: 7811) .

قيل: هَذَا الحَدِيث لَا يُطَابق التَّرْجَمَة لِأَنَّهَا فِي كَرَاهَة الصَّلَاة فِي الْمَقَابِر، وَالْمرَاد من الحَدِيث: أَن لَا تَكُونُوا فِي بُيُوتكُمْ كالأموات فِي الْقُبُور حَيْثُ انْقَطَعت عَنْهُم الْأَعْمَال، وَارْتَفَعت عَنْهُم التكاليف، وَهُوَ غير متعرض لصَلَاة الْأَحْيَاء فِي ظواهر الْمَقَابِر، وَلِهَذَا قَالَ: لَا تتخذوها قبوراً، وَلم يقل: مَقَابِر. وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: هَذَا الحَدِيث يدل على النَّهْي عَن الصَّلَاة فِي الْقَبْر لَا فِي الْمَقَابِر. وَقَالَ السفاقسي مَا ملخصه: إِن البُخَارِيّ تَأَول هَذَا الحَدِيث على منع الصَّلَاة فِي الْمَقَابِر، والهذا ترْجم بِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن منع الصَّلَاة فِي الْمَقَابِر أَو جَوَازهَا لَا يفهم مِنْهُ، وَقَالَ بَعضهم فِي رد مَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ. قلت: قد ورد بِلَفْظ: الْمَقَابِر، كَمَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ:(لَا تجْعَلُوا بُيُوتكُمْ مَقَابِر) . انْتهى. قلت: هَذَا عَجِيب، كَيفَ يُقَال: حَدِيث يرويهِ غَيره، بِأَنَّهُ مُطَابق لما ترْجم بِهِ؟ وَقَالَ بَعضهم أَيْضا، فِي رد مَا قَالَه السفاقسي: إِن أَرَادَ أَنه لَا يُؤْخَذ مِنْهُ بطرِيق الْمَنْطُوق فَسلم، وَإِن أَرَادَ نفي ذَلِك مُطلقًا فَلَا، فقد قدمنَا وَجه استنباطه. انْتهى. قلت: وَجه استنباطه أَنه قَالَ: استنبط من قَوْله فِي الحَدِيث: (وَلَا تتخذوها قبوراً) . أَن الْقُبُور لَيست بِمحل لِلْعِبَادَةِ، فَتكون الصَّلَاة فِيهَا مَكْرُوهَة، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَن مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ فِي ذَلِك حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي اعنه، مَرْفُوعا:(الأَرْض كلهَا مَسْجِد إلَاّ الْمقْبرَة وَالْحمام) . انْتهى.

ص: 186

قلت: دَعْوَاهُ بِأَن البُخَارِيّ استنبط كَذَا، وَأَنه أَشَارَ إِلَى حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ أعجب وَأغْرب من الأول لِأَن معنى قَوْله، صلى اعليه وَآله وَسلم:(لَا تتخذوها قبوراً) ، لَا تتخذوها خَالِيَة من الصَّلَاة وتلاوة الْقُرْآن كالقبور حَيْثُ لَا يصلى فِيهَا وَلَا يقْرَأ الْقُرْآن، وَيدل على هَذَا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن سابط عَن أَبِيه، يرفعهُ:(نوروا بُيُوتكُمْ بِذكر اتعالى وَأَكْثرُوا فِيهَا تِلَاوَة الْقُرْآن، وَلَا تتخذوها قبوراً كَمَا اتخذها الْيَهُود وَالنَّصَارَى، فَإِن الْبَيْت الَّذِي يقْرَأ فِيهِ الْقُرْآن يَتَّسِع على أَهله وَيكثر خَيره واتحضره الْمَلَائِكَة، وتدحض عَنهُ الشَّيَاطِين، وَإِن الْبَيْت الَّذِي لَا يقْرَأ فِيهِ الْقُرْآن يضيق على أَهله ويقل خَيره وتنفر مِنْهُ الْمَلَائِكَة وتحضر فِيهِ الشَّيَاطِين) . انْتهى. وَأَيْضًا، فَإِن معنى هَذَا على التَّشْبِيه البليغ، فحذفت مِنْهُ أَدَاة التَّشْبِيه لِأَن مَعْنَاهُ لَا تجعلوها مثل الْقُبُور حَيْثُ لَا يصلى فِيهَا، وَلَا دلَالَة لهَذَا أصلا على أَنَّهَا لَيست بِمحل لِلْعِبَادَةِ بِنَوْع من أَنْوَاع الدلالات اللفظية.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: مُسَدّد بن مسرهد، وَيحيى الْقطَّان، وَعبيد اللَّه بن عمر الْعمريّ، وَنَافِع مولى ابْن عمر، وَعبد اللَّه بن عمر، وَالْكل ذكرُوا غَيره مرّة.

وَفِيه من لطائف الْإِسْنَاد: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، والإخبار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد، وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.

وَأخرجه: مُسلم عَن مُحَمَّد بن الْمثنى. وَأَبُو دَاوُد عَن أَحْمد بن حَنْبَل ومسدد فرقهما. وَابْن مَاجَه عَن زيد بن أخزم وَعبد الرَّحْمَن بن عَمْرو مُخْتَصرا.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (من صَلَاتكُمْ)، قيل: أَي بعض صَلَاتكُمْ. قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ مفعول الْجعل، وَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى وَاحِد، كَقَوْلِه تَعَالَى:{وَجعل الظُّلُمَات والنور} (الْأَنْعَام: 1) وَهُوَ إِذا كَانَ بِمَعْنى: التصيير، يتَعَدَّى إِلَى مفعولين، كَقَوْلِه تَعَالَى:{وَهُوَ الَّذِي جعلكُمْ خلائف الأَرْض} (الْأَنْعَام: 561) قلت: معنى قَوْله: (اجعلوا فِي بُيُوتكُمْ من صَلَاتكُمْ) : صلوا فِيهَا وَلَا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصَّلَاة، وَالْمرَاد صَلَاة النَّافِلَة، أَي: صلوا النَّوَافِل فِي بُيُوتكُمْ. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: قيل هَذَا فِي الْفَرِيضَة، وَمَعْنَاهُ: اجعلوا بعض فرائضكم فِي بُيُوتكُمْ ليقتدي بكم من لَا يخرج إِلَى الْمَسْجِد من نسْوَة وَعبيد ومريض وَنَحْوهم. قَالَ: وَقَالَ الْجُمْهُور: بل هُوَ فِي النَّافِلَة لإخفائها، وَلِلْحَدِيثِ الآخر:(أفضل الصَّلَاة صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إلَاّ الْمَكْتُوبَة) . قلت: فعلى التَّقْدِير الأول يكون: من، فِي قَوْله:(من صَلَاتكُمْ) ، زَائِدَة، وَيكون التَّقْدِير: إجعلوا صَلَاتكُمْ فِي بُيُوتكُمْ، وَيكون المُرَاد مِنْهَا النَّوَافِل، وعَلى التَّقْدِير الثَّانِي تكون: من، للتَّبْعِيض مُطلقًا. وَيكون المُرَاد: من الصَّلَاة، مُطلق الصَّلَاة، وَيكون الْمَعْنى: اجعلوا بعض صَلَاتكُمْ وَهُوَ النَّفْل من الصَّلَاة الْمُطلقَة فِي بُيُوتكُمْ، وَالصَّلَاة الْمُطلقَة تَشْمَل النَّفْل وَالْفَرْض، على أَن الْأَصَح منع مَجِيء من، زَائِدَة فِي الْكَلَام الْمُثبت، وَلَا يجوز حمل الْكَلَام على الْفَرِيضَة لَا كلهَا وَلَا بَعْضهَا، لِأَن الْحَث على النَّفْل فِي الْبَيْت، وَذَلِكَ لكَونه أبعد من الرِّيَاء وأصون من المحبطات، وليتبرك بِهِ الْبَيْت وتنزل الرَّحْمَة فِيهِ وَالْمَلَائِكَة، وتنفر الشَّيَاطِين مِنْهُ على مَا دلّ عَلَيْهِ الحَدِيث الَّذِي أخرجه الطَّبَرَانِيّ الَّذِي ذَكرْنَاهُ عَن قريب قَوْله:(وَلَا تتخذوها قبوراً) من التَّشْبِيه البليغ البديع بِحَذْف حرف التَّشْبِيه للْمُبَالَغَة، وَهُوَ تَشْبِيه الْبَيْت الَّذِي لَا يصلى فِيهِ بالقبر الَّذِي لَا يتَمَكَّن الْمَيِّت من الْعِبَادَة فِيهِ. وَقَالَ الْخطابِيّ: يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: لَا تجْعَلُوا بُيُوتكُمْ أوطاتاً للنوم لَا تصلونَ فِيهَا، فَإِن النّوم أَخُو الْمَوْت. وَقَالَ: وَأما من أَوله على النَّهْي عَن دفن الْمَوْتَى فِي الْبيُوت فَلَيْسَ بِشَيْء، وَقد دفن رَسُول الله فِي بَيته الَّذِي كَانَ يسكنهُ أَيَّام حَيَاته. وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ شَيْء فِيهِ نظر، وَدفن رَسُول الله فِيهِ لَعَلَّه من خَصَائِصه، سِيمَا وَقد رُوِيَ:(الْأَنْبِيَاء يدفنون حَيْثُ يموتون) . قلت: هَذِه الرِّوَايَة رَوَاهَا ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن أبي بكر مَرْفُوعا: (مَا قبض نَبِي إلَاّ دفن حَيْثُ يقبض) . وَفِي إِسْنَاده: حُسَيْن بن عبد اللَّه الْهَاشِمِي، وَهُوَ ضَعِيف، وروى التِّرْمِذِيّ فِي (الشَّمَائِل) وَالنَّسَائِيّ فِي (الْكُبْرَى) من طَرِيق سَالم بن عبيد الْأَشْجَعِيّ:(عَن أبي بكر الصّديق، رَضِي اتعالى عَنهُ أَنه: قيل لَهُ: وَأَيْنَ يدْفن رَسُول ا؟ قَالَ: فِي الْمَكَان الَّذِي قبض افيه روحه، فَإِنَّهُ لم يقبض روحه إلَاّ فِي مَكَان طيب) ، وَهَذَا الْإِسْنَاد صَحِيح وَلكنه مَوْقُوف، وَحَدِيث ابْن مَاجَه أَكثر تَصْرِيحًا فِي الْمَقْصُود.

وَقَالَ بَعضهم: وَإِذا حمل دَفنه فِي بَيته على الِاخْتِصَاص لم يبعد نهي غَيره عَن ذَلِك، بل هُوَ مُتَّجه لِأَن اسْتِمْرَار الدّفن فِي الْبيُوت رُبمَا يصيرها مَقَابِر فَتَصِير الصَّلَاة فِيهَا مَكْرُوهَة. وَلَفظ أبي هُرَيْرَة عِنْد مُسلم أصرح من حَدِيث الْبَاب، وَهُوَ قَوْله:(لَا تجْعَلُوا بُيُوتكُمْ مَقَابِر)، فَإِن ظَاهره يَقْتَضِي النَّهْي عَن الدّفن فِي الْبيُوت مُطلقًا. قلت: لَا نسلم هَذَا الِاقْتِضَاء من ظَاهر اللَّفْظ، بل الْمَعْنى الَّذِي يدل عَلَيْهِ ظَاهر اللَّفْظ: لَا تجْعَلُوا بُيُوتكُمْ

ص: 187

خَالِيَة عَن الصَّلَاة كالمقابر، فَإِنَّهَا لَيست بِمحل لِلْعِبَادَةِ، وَلِهَذَا احتجت بِهِ طَائِفَة على كَرَاهَة الصَّلَاة فِي الْمَقَابِر.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: قَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ: دَلِيل على أَن الصَّلَاة لَا تجوز فِي الْمَقَابِر. قلت: الحَدِيث لَا يدل على هَذَا، بل تَرْجَمَة الْبَاب تساعده على ذَلِك، وَقد حققنا الْكَلَام فِيهِ. وَقد وَردت أَحَادِيث عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة تدل على كَرَاهَة الصَّلَاة فِي الْمَقَابِر، بل استدلت بهَا جمَاعَة على عدم الْجَوَاز كَمَا ذكرنَا فِيمَا مضى، وَهِي مَا رُوِيَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَعلي وَعبد اللَّه بن عَمْرو وَأبي هُرَيْرَة وَجَابِر وَابْن عَبَّاس وَحُذَيْفَة وَأنس وَأبي أُمَامَة وَأبي ذَر، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حدّثنا ابْن أبي عمر أَبُو عمار الْحُسَيْن بن حُرَيْث، قَالَ: أخبرنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول ا: (الأَرْض كلهَا مَسْجِدا إلَاّ الْمقْبرَة وَالْحمام) . ثمَّ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن عَليّ، وَذكر من ذَكَرْنَاهُمْ إِلَى آخِره، وللعلماء قَولَانِ فِي معنى حَدِيث الْبَاب: أَحدهمَا: أَنه ورد فِي صَلَاة النَّافِلَة لِأَنَّهُ قد سنّ الصَّلَوَات فِي جمَاعَة كَمَا هُوَ مُقَرر فِي الشَّرْع. وَالثَّانِي: أَنه ورد فِي صَلَاة الْفَرِيضَة ليقتدي بِهِ من لَا يَسْتَطِيع الْخُرُوج إِلَى الْمَسْجِد، وَقد ذَكرْنَاهُ مفصلا عَن قريب، من صلى فِي بَيته جمَاعَة فقد أصَاب سنة الْجَمَاعَة وفضلها. وَقَالَ إِبْرَاهِيم: إِذا صلى الرجل مَعَ الرجل فهما جمَاعَة، وَلَهُمَا التَّضْعِيف خمْسا وَعشْرين دَرَجَة، وَرُوِيَ أَن إِسْحَاق وَأحمد وَعلي بن الْمدنِي اجْتَمعُوا فِي دَار أَحْمد فَسَمِعُوا النداء، فَقَالَ أحدهم أخرج بِنَا إِلَى الْمَسْجِد، فَقَالَ أَحْمد: خروجنا إِنَّمَا هُوَ للْجَمَاعَة وَنحن جمَاعَة، فأقاموا الصَّلَاة وصلوا فِي الْبَيْت: وَقد رُوِيَ عَن جمَاعَة أَنهم كَانُوا لَا يتطوعون فِي الْمَسْجِد، مِنْهُم حُذَيْفَة والسائب بن يزِيد وَالربيع بن خثيم وسُويد بن غلفة، وَمن هَذَا أَخذ علماءونا أَن الْأَفْضَل فِي غير الْفَرَائِض الْمنزل، وروى ابْن أبي شيبَة بِسَنَد جيد عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ يرفعهُ:(صلوا فِي بُيُوتكُمْ وَلَا تتخذوها قبوراً)، وَرُوِيَ أَيْضا من حَدِيث جَعْفَر بن إِبْرَاهِيم عَن ولد ذِي الجناحين حَدثنِي عَليّ بن عمر عَن أَبِيه جَعْفَر الطيار عَن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه عَن جده يرفعهُ:(لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عيداً وَلَا بُيُوتكُمْ قبوراً) . وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: حدّثنا أَبُو بكرَة قَالَ: حدّثنا أَبُو الْمطرف بن أبي الْوَزير قَالَ: حدّثنا مُحَمَّد بن مُوسَى عَن سعيد بن إِسْحَاق عَن أَبِيه عَن جده: (أَن النَّبِي صلى الْمغرب فِي مَسْجِد بني عبد الْأَشْهَل، فَلَمَّا فرغ رأى النَّاس يسبحون، فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِنَّمَا هَذِه الصَّلَاة فِي الْبيُوت) .

وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه أَيْضا، وروى الطَّحَاوِيّ أَيْضا عَن بَحر بن نصر بِإِسْنَادِهِ عَن عبد اللَّه بن سعد، قَالَ:(سَأَلت النَّبِي عَن الصَّلَاة فِي بَيْتِي وَالصَّلَاة فِي الْمَسْجِد فَقَالَ: قد ترى مَا أقرب بَيْتِي من الْمَسْجِد، فَلِأَن أُصَلِّي فِي بَيْتِي أحب إِلَيّ من أَن أُصَلِّي فِي الْمَسْجِد إلَاّ أَن تكون صَلَاة مَكْتُوبَة) . وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ أَيْضا، ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: بَاب الْقيام فِي شهر رَمَضَان هَل هُوَ فِي الْمنَازل أفضل أم مَعَ الإِمَام؟ ثمَّ روى حَدِيث أبي ذَر، رَضِي اتعالى عَنهُ، قَالَ:(صمت مَعَ النَّبِي)

الحَدِيث وَفِيه: (إِن الْقَوْم إِذا صلوا مَعَ الإِمَام حَتَّى ينْصَرف كتب لَهُم قيام تِلْكَ اللَّيْلَة) . ثمَّ قَالَ: فَذهب قوم إِلَى أَن الْقيام فِي شهر رَمَضَان مَعَ الإِمَام أفضل مِنْهُ فِي الْمنَازل، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا ذكرنَا، وَأَرَادَ بهؤلاء: اللَّيْث بن سعد وَعبد اللَّه بن الْمُبَارك وَإِسْحَاق وَأحمد فَإِنَّهُم قَالُوا: الْقيام مَعَ الإِمَام فِي شهر رَمَضَان أفضل مِنْهُ فِي الْمنَازل. وَقَالَ أَبُو عمر: قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: الْقيام فِي الْمَسْجِد مَعَ الإِمَام أحب إِلَيّ وَأفضل من صَلَاة المرأ فِي بَيته. وَقَالَ بِهِ قوم من الْمُتَأَخِّرين من أَصْحَاب أبي حنيفَة وَأَصْحَاب الشَّافِعِي، فَمن أَصْحَاب أبي حنيفَة: عِيسَى بن أبان وبكار بن قُتَيْبَة وَأحمد بن أبي عمرَان. وَمن أَصْحَاب الشَّافِعِي: إِسْمَاعِيل بن يحيى الْمُزنِيّ وَمُحَمّد بن عبد اللَّه بن الحكم. وَقَالَ أَحْمد: كَانَ جَابر وَعلي وَعبد اللَّه يصلونها فِي جمَاعَة.

قلت: ويحكى ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب وَمُحَمّد بن سِيرِين وَطَاوُس، وَهُوَ مَذْهَب أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة. وَقَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) يسْتَحبّ أَن يجْتَمع النَّاس فِي شهر رَمَضَان بعد الْعشَاء فَيصَلي بهم إمَامهمْ خمس ترويحات، ثمَّ قَالَ: وَالسّنة فِيهَا الْجَمَاعَة على وَجه الْكِفَايَة، حَتَّى لَو امْتنع أهل مَسْجِد عَن إِقَامَتهَا كَانُوا مسيئين، وَلَو أَقَامَهَا الْبَعْض فالمتخلف عَن الْجَمَاعَة تَارِك للفضيلة، لِأَن أَفْرَاد الصَّحَابَة يرْوى عَنْهُم التَّخَلُّف، ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ فَقَالُوا: بل صلَاته فِي بَيته أفضل من صلَاته مَعَ الإِمَام، وَأَرَادَ بهؤلاء الْقَوْم: مَالِكًا وَالشَّافِعِيّ وَرَبِيعَة وَإِبْرَاهِيم وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالْأسود وعلقمة، فَإِنَّهُم قَالُوا: بل صلَاته فِي بَيته أفضل من صلَاته مَعَ الإِمَام. وَقَالَ أَبُو عمر: اخْتلفُوا فِي الْأَفْضَل من الْقيام مَعَ النَّاس أَو الِانْفِرَاد فِي شهر رَمَضَان، فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: صَلَاة الْمُنْفَرد فِي بَيته أفضل، وَقَالَ مَالك: وَكَانَ ربيعَة وَغير وَاحِد من عُلَمَائِنَا يَنْصَرِفُونَ

ص: 188