الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
31 -
(بَاب إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ)
[1115]
(أَنَّ رَجُلًا جَاءَ) هُوَ سُلَيْكٌ بِضَمِّ السِّينِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ وَزَادَ مُسْلِمٌ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فَقَعَدَ سُلَيْكٌ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ (فَقَالَ) لَهُ صلى الله عليه وسلم (أَصَلَّيْتَ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ (قَالَ قُمْ فَارْكَعْ) وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ تُصَلَّى حَالَ الْخُطْبَةِ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَيُخَفِّفُهُمَا لِيَفْرُغَ لِسَمَاعِ الْخُطْبَةِ
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى عَدَمِ شَرْعِيَّتِهِمَا حَالَ الْخُطْبَةِ وَالْحَدِيثُ هَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَقَدْ تَأَوَّلُوهُ بِأَحَدَ عَشَرَ تَأْوِيلًا كُلُّهَا مَرْدُودَةٌ سَرَدَهَا الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي بِرُدُودِهَا واستدلوا بقوله تعالى فاستمعوا له وأنصتوا وَلَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا خَاصٌّ وَذَلِكَ عَامٌّ وَلِأَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ قُرْآنًا وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى الرَّجُلَ أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِهِ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ أَنْصِتْ وَهُوَ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا أَمْرُ الشَّارِعِ وَهَذَا أَمْرُ الشَّارِعِ فَلَا تَعَارُضِ بَيْنَ أَمْرَيْهِ بَلِ الْقَاعِدُ يُنْصِتُ وَالدَّاخِلُ يَرْكَعُ التَّحِيَّةَ كَذَا فِي السُّبُلِ
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ
[1116]
(سُلَيْكٌ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ (الْغَطَفَانِيُّ) بِفَتَحَاتِ (صَلِّ رَكْعَتَيْنِ) حَمَلَهُمَا الشَّافِعِيَّةُ عَلَى تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ عِنْدَهُمْ وَكَذَا عِنْدَ أَحْمَدَ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَمَّا لَمْ تَجِبْ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْخُطْبَةِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جابر فقط وأخرجه بن ماجه بالإسنادين
[1117]
(فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ أَنَّ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ حَالَ الْخُطْبَةِ يَقْتَصِرُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ
قَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَمَفْهُومُهُ يَمْنَعُ مِنْ تَجَاوُزِ الرَّكْعَتَيْنِ بِمُجَرَّدِ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ (يَتَجَوَّزُ فِيهِمَا) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّخْفِيفِ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ لِيَتَفَرَّغَ لِسَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا تُشْرَعُ صَلَاةُ التَّحِيَّةِ حَالَ الْخُطْبَةِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا صَرِيحَةٌ فِي الدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ إِذَا دَخَلَ الْجَامِعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَجَوَّزَ فِيهِمَا لِيَسْمَعَ بَعْدَهُمَا الْخُطْبَةَ
وَحُكِيَ هَذَا الْمَذْهَبُ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ
قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَا يُصَلِّيهِمَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهم وَحُجَّتُهُمُ الْأَمْرُ بِالْإِنْصَاتِ لِلْإِمَامِ وَتَأَوَّلُوا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَنَّهُ كَانَ عُرْيَانًا فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بِالْقِيَامِ لِيَرَاهُ النَّاسُ وَيَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ يَرُدُّهُ صَرِيحُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا وَهَذَا نَصٌّ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ التَّأْوِيلُ وَلَا أَظُنُّ عَالِمًا يَبْلُغُهُ هَذَا اللَّفْظُ صَحِيحًا فَيُخَالِفُهُ
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَيْضًا جَوَازُ الْكَلَامِ فِي الْخُطْبَةِ لِحَاجَةٍ وَفِيهَا جَوَازُهُ لِلْخَطِيبِ وَغَيْرِهِ وَفِيهَا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالْإِرْشَادُ إِلَى الْمَصَالِحِ فِي كُلِّ حَالٍ وَمَوْطِنٍ
وَفِيهَا أَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ رَكْعَتَانِ وَأَنَّ نَوَافِلَ النَّهَارِ رَكْعَتَانِ وَأَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ لَا تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ فِي حَقِّ جَاهِلِ حُكْمِهَا
وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيَّةُ فَوَاتَهَا بِالْجُلُوسِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَالِمِ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ
أَمَّا الْجَاهِلُ فَيَتَدَارَكُهَا على قرب لهذا الحديث
والمستنبط مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ لَا تُتْرَكُ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ وَأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ تُبَاحُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَيَلْحَقُ بِهَا كُلُّ ذَوَاتِ الْأَسْبَابِ كَقَضَاءِ الْفَائِتَةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ فِي حَالٍ لَكَانَ هَذَا الْحَالُ أَوْلَى بِهَا فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ فَلَمَّا تَرَكَ لَهَا اسْتِمَاعَ الْخُطْبَةِ وَقَطَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَهَا الْخُطْبَةَ وَأَمَرَهُ بِهَا بَعْدَ أَنْ قَعَدَ وَكَانَ هَذَا الْجَالِسُ جَاهِلًا حُكْمَهَا دَلَّ عَلَى تَأَكُّدِهَا وَأَنَّهَا لَا تُتْرَكُ بِحَالٍ وَلَا فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ