الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَخْتَلِفُونَ فِي إِسْنَادِهِ قَالَ إِنَّمَا قَصَّرَ بِهِ مالك وقد أسنده عدة منهم بن عَجْلَانَ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبٍي سَلَمَةَ
انْتَهَى
قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ دَلَالَةٌ قَوِيَّةٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ إِنَّ الشَّاكَّ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَلَا يَجْزِيهِ التَّحَرِّي
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا شَكَّ اسْتَقْبَلَ وَإِنِ اعْتَرَاهُ غَيْرُ مَرَّةٍ تَحَرَّى
وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ فَرْقٌ بَيْنَ اعْتَرَاهُ ذَلِكَ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَوْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ
وَقَالَ أَحْمَدُ الشَّكُّ عَلَى وَجْهَيْنِ الْيَقِينُ وَالتَّحَرِّي فَمَنْ رَجَعَ إِلَى الْيَقِينِ أَلْغَى الشَّكَّ وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَإِذَا رَجَعَ إِلَى التَّحَرِّي وَهُوَ أَكْثَرُ الْوَهْمِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ الَّذِي يَرْوِيهِ مَنْصُورٌ وَهُوَ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ
وَقَالَ جَمَاعَةٌ التَّحَرِّي هُوَ الرُّجُوعُ إِلَى الْيَقِينِ
وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُ الْخَبَرَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَأَيُّ تَحَرٍّ يَكُونُ لِمَنِ انْصَرَفَ وَهُوَ شَاكٌّ غَيْرُ مُتَيَقِّنٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ تَحَرَّى عَلَى أَغْلَبِ ظَنِّهِ أَنَّ شُعْبَةً مِنَ الشَّكِّ تَصْحَبُهُ
انْتَهَى
وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ رحمه الله
7 -
(بَاب مَنْ قَالَ يُتِمُّ عَلَى أَكْثَرِ ظَنِّهِ)
[1028]
قَالَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ كَانَ لَهُ ظَنٌّ بَنَى على غالب ظنه وإلا فبنى على اليقين وحجتهم حديث بن مَسْعُودٍ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ مُطْلَقًا فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا وَيَأْخُذُ بِحَدِيثِ الْخُدْرِيِّ وَحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عوف انتهى
قال النووي حديث بن مَسْعُودٍ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ عَلَى أَنَّ مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فِي عَدَدِ رَكَعَاتٍ تَحَرَّى وَبَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَقَلِّ وَالْإِتْيَانِ في الزيادة وظاهر حديث بن مَسْعُودٍ حُجَّةٌ لَهُمْ
ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ فِي طَائِفَةٍ هَذَا لِمَنِ اعْتَرَاهُ الشَّكُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ عَلَى عُمُومِهِ
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ إِلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ
فَإِنْ قَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ لَا يُخَالِفُ مَا قُلْنَا لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الشَّكِّ وَهُوَ مَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ وَمَنْ شَكَّ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ لَهُ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا مَثَلًا فَالْجَوَابُ أَنَّ تَفْسِيرَ الشَّكِّ بِمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ إِنَّمَا هُوَ اصْطِلَاحٌ طارىء لِلْأُصُولِيِّينَ وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَالتَّرَدُّدُ بَيْنَ وُجُودِ الشَّيْءِ وَعَدَمِهِ كُلُّهُ يُسَمَّى شَكًّا سَوَاءٌ الْمُسْتَوِي وَالرَّاجِحُ وَالْمَرْجُوحُ وَالْحَدِيثُ يُحْمَلُ
عَلَى اللُّغَةِ مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ أَوْ عُرْفِيَّةٌ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى مَا يَطْرَأُ لِلْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الِاصْطِلَاحِ
انْتَهَى كَلَامُهُ
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالَّذِي يَلُوحُ لِي أَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ أَحَادِيثِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ وَالْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ وَتَحَرِّي الصَّوَابِ وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ فِي اللُّغَةِ كَمَا عَرَفْتَ هُوَ طَلَبُ مَا هُوَ أَحْرَى إِلَى الصَّوَابِ وَقَدْ أمر به صلى الله عليه وسلم وأمر بِالْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ وَالْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ عِنْدَ عُرُوضِ الشَّكِّ فَإِنْ أَمْكَنَ الْخُرُوجُ بِالتَّحَرِّي عَنْ أَثَرَةِ الشَّكِّ وَلَا يَكُونُ إِلَّا بِالِاسْتِيقَانِ بِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ مِنَ الصَّلَاةِ كَذَا رَكَعَاتٍ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ لِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ شَرَطَ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ عَدَمَ الدِّرَايَةِ
كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَهَذَا الْمُتَحَرِّي قَدْ حَصَلَتْ لَهُ الدَّارِيَةُ
وَأُمِرَ الشَّاكُّ بِالْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَمَنْ بَلَغَ بِهِ تَحَرِّيهِ إِلَى الْيَقِينِ قَدْ بَنَى عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ
وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ وَأَنَّ التَّحَرِّيَ الْمَذْكُورَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ انْتَهَى كَلَامُهُ
قُلْتُ وَمَا قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ حَسَنٌ جِدًّا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ) لَمْ يَسْمَعْ أَبُو عُبَيْدَةَ مِنْ أَبِيهِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّهْذِيبِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِيهِ
وَفِي الْخُلَاصَةِ قَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ سَأَلْتُهُ هَلْ تَذْكُرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ شَيْئًا قَالَ لَا قُلْتُ وَقَدْ ثَبَتَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ السُّنَنِ لِلتِّرْمِذِيِّ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ (رَوَاهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ خُصَيْفٍ وَلَمْ يَرْفَعْهُ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَلَمَةَ تَفَرَّدَ بِرَفْعِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمَّا عَبْدُ الْوَاحِدِ وَسُفْيَانُ وَإِسْرَائِيلُ وَشَرِيكٌ فَهَؤُلَاءِ لَمْ يَرْفَعُوهُ وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَرَوَى خُصَيْفٌ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَلَفٌ فِي رَفْعِهِ وَمَتْنِهِ وَخُصَيْفٌ غَيْرُ قَوِيٍّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلٌ انْتَهَى
وَفِي خُصَيْفِ بْنِ عَبْدِ الرحمن الجزري أبو عون صدوق سيء الْحِفْظِ خَلَّطَ بِآخِرِهِ وَرُمِيَ بِالْإرْجَاءِ
وَفِي الْخُلَاصَةِ ضعفه أحمد ووثقه بن مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ انْتَهَى
فَالْحَدِيثُ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَّصِلِ الْإِسْنَادِ ضَعِيفٌ أَيْضًا فَالِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِمَنْ يَقُولُ يُتِمُّ عَلَى أَكْبَرِ ظَنِّهِ غير
صَحِيحٍ
وَلِذَا احْتَجَّ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ وَكَذَا الِاحْتِجَاجُ بِحَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ هَذَا عَلَى التَّشَهُّدِ الثَّانِي بَعْدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَشَهَّدُ فِيهِمَا وَيُسَلِّمُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ فِيهِمَا تَشَهُّدٌ وَتَسْلِيمٌ وَإِذَا سَجَدَهُمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَمْ يَتَشَهَّدْ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالَا إِذَا سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ لَمْ يَتَشَهَّدِ انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ عُبَيْدةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ خُصَيْفٍ وَلَمْ يَرْفَعْهُ وَوَافَقَ عَبْدَ الْوَاحِدِ أَيْضًا سُفْيَانُ وَشَرِيكٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَلَامِ فِي مَتْنِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يُسْنِدُوهُ انْتَهَى
[1029]
(فَلَمْ يَدْرِ زَادَ أَمْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ قَاعِدٌ) قَدِ اسْتَدَلَّ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ زَادَ أَوْ نَقَصَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا سَجْدَتَانِ عَمَلًا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَبْنِي عَلَى أَقَلَّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَعْمَلُ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُعِيدُ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِسَجْدَتَيْنِ عِنْدَ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِيهَا بَيَانُ مَا يَصْنَعُهُ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ
وَالْأَحَادِيثُ الْآخِرَةُ قَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى زِيَادَةٍ وَهِيَ بَيَانُ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ السُّجُودِ فَالْمَصِيرُ إِلَيْهَا وَاجِبٌ
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ وَقَوْلُهُ فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ وَقَوْلُهُ فِي حديث بن مَسْعُودٍ الْمُتَقَدِّمِ أَيْضًا وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ مَشْرُوعٌ فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ كَمَا هُوَ مَشْرُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا لِأَنَّ الْجُبْرَانَ وَإِرْغَامَ الشَّيْطَانِ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي النَّفْلِ كَمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْفَرْضِ
وذهب بن سِيرِينَ وَقَتَادَةُ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَنَقَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ عَنْ قَوْلِهِ الْقَدِيمِ إِلَى أَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يُسْجَدُ فِيهِ وَهَذَا يَبْتَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي اسْمِ الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ حقيقة مشروعية في الأفعال المخصوصة هل هو متواطىء فَيَكُونَ مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا
فَيَدْخُلَ تَحْتَهُ كُلُّ صَلَاةٍ أَوْ هُوَ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ بَيْنَ صَلَاتَيِ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ فَذَهَبَ الرَّازِيُّ إِلَى الثَّانِي لِمَا بَيْنَ صَلَاتَيِ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ مِنَ التَّبَايُنِ فِي بَعْضِ الشُّرُوطِ كَالْقِيَامِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِ الْعَدَدِ الْمَعْنَوِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ
قَالَ الْعَلَائِيُّ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ لِوُجُودِ الْقَدْرِ الْجَامِعِ بَيْنَ كُلِّ مَا يُسَمَّى صَلَاةً وَهُوَ التَّحْرِيمُ وَالتَّحْلِيلُ مَعَ مَا يَشْمَلُ الْكُلَّ مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تَنْفَكُّ
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَإِلَى كَوْنِهِ مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا ذَهَبَ جمهور أهل الأصول
قال بن رَسْلَانَ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ اللَّفْظِيَّ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَالتَّوَاطُؤُ خَيْرٌ مِنْهُ انْتَهَى
فَمَنْ قَالَ إِنَّ لَفْظَ الصَّلَاةِ مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ قَالَ بِمَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ السَّهْوِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَمَنْ قَالَ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ فَلَا عُمُومَ لَهُ حِينَئِذٍ إِلَّا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إِنَّ الْمُشْتَرَكَ يَعُمُّ جَمِيعَ مُسَمَّيَاتِهِ
وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ عَلَى بَابِ السَّهْوِ فِي الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ وَذَكَرَ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ وِتْرِهِ وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ (إِلَّا مَا وَجَدَ رِيحًا بِأَنْفِهِ) أَيِ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ أَحْدَثَ قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ أَبَانٍ) دُونَ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ (وَقَالَ مَعْمَرٌ وعلي بن المبارك) والحاصل أن هشام الدَّسْتُوَائِيَّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ عِيَاضٌ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ أَبِيهِ وَقَالَ أَبَانٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ هِلَالِ بْنِ عِيَاضٍ وَأَمَّا مَعْمَرٌ وَعَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ فَقَالَا عِيَاضُ بْنُ هِلَالٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عِيَاضُ بْنُ أَبِي زُهَيْرٍ قَالَ الْحَافِظُ عِيَاضُ بْنُ هِلَالٍ وقيل بن أَبِي زُهَيْرٍ الْأَنْصَارِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِلَالُ بْنُ عِيَاضٍ وَهُوَ مَرْجُوحٌ مَجْهُولٌ تَفَرَّدَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ انْتَهَى
[1030]
(إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي) فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (فَلَبَسَ عَلَيْهِ) بِتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْضًا أَيْ خَلَطَ عَلَيْهِ أَمْرَ صَلَاتِهِ وَشَوَّشَ خَاطِرَهُ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَبَسْتُ الْأَمْرَ بِالْفَتْحِ أُلْبِسَهُ إِذَا خَلَطْتَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَمِنْهُ قوله تعالى وللبسنا عليهم ما
يلبسون وَرُبَّمَا شُدِّدَ لِلتَّكْثِيرِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا هُوَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ خَلَطَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَهُوَ شَبَّهَهَا عَلَيْهِ وَشَكَّكَهُ فِيهَا (حَتَّى لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى) أَيْ رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ غَيْرَهُمَا لِاشْتِغَالِ قَلْبِهِ (فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ) أَيِ التَّرَدُّدَ وَعَدَمَ الْعِلْمِ (سَجْدَتَيْنِ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا زِيَادَةَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ سَهَا بِأُمُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
(وَكَذَا) أَيْ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَانْتَهَى حَدِيثُهُ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ جَالِسٌ مِنْ غَيْرِ ذكر جملة قبل أن يسلم (رواه بن عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٌ وَاللَّيْثُ) أَيْضًا فَهَؤُلَاءِ الْحُفَّاظُ مِنْ أصحاب الزهري مالك وبن عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٌ وَاللَّيْثُ لَمْ يَقُولُوا قَبْلَ أَنْ يسلم وإنما ذكرها بن إسحاق وبن أخي الزهري كلاهما عن بن شِهَابٍ كَمَا سَيَأْتِي
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا محمول عند مالك والليث وبن وَهْبٍ وَجَمَاعَةٍ عَلَى الْمُسْتَنْكَحِ الَّذِي لَا يَكَادُ يَنْفَكُّ عَنْهُ وَيَكْثُرُ عَلَيْهِ السَّهْوُ وَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ لَكِنَّ الشَّيْطَانَ يُوَسْوِسُ لَهُ فَيَجْزِيهِ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ دُونَ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَنُوبَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي بِهِ وَأَمَّا مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ صَلَاتَهُ فَيَبْنِي عَلَى يَقِينِهِ فَإِنِ اعْتَرَاهُ ذَلِكَ أَيْضًا فِيمَا يَبْنِي لَهَى عَنْهُ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ بن الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا غَيْرُ حَدِيثِ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَاوِي حَدِيثِ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ الْمُتَقَدِّمِ رَوَى أَيْضًا حَدِيثَ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَمْ يَدْرِ أَزَادَ أَمْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ قَاعِدٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
وَمُحَالٌ أن يكون معناهما واحد الاختلاف أَلْفَاظِهِمَا بَلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْضِعٌ كَمَا ذَكَرْنَا انْتَهَى كَذَا فِي شَرْحِ الزُّرْقَانِيِّ عَلَى الْمُوَطَّأِ
[1032]
(فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْوَارِدَةُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ لِأَجْلِ الشَّكِّ كَحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عند أحمد والترمذي وبن مَاجَهْ وَأَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهَا قَاضِيَةٌ بِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ لِهَذَا السَّبَبِ يَكُونُ قَبْلَ السَّلَامِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْآتِي لَا يَنْتَهِضُ لِمُعَارَضَتِهَا لَا سِيَّمَا مَعَ ما