الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال البيهقي والزيلعي وبن حَجَرٍ لَمْ يَثْبُتْ حَدِيثُ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا وَأَمَّا موقوفا فيصح
وقال بن الْهُمَامِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَكَفَى بِعَلِيٍّ قُدْوَةً وَإِمَامًا انْتَهَى
وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسْرَحًا فَلَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ
وَقَدْ عَارَضَهُ عَمَلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَرِجَالٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم
وَهَذِهِ الْآثَارُ مُطَابِقَةٌ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ فَهِيَ أَحْرَى بِالْقَبُولِ وَلِذَا قال الحافظ بن حَجَرٍ فَلَمَّا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى الْمَرْفُوعِ
قُلْتُ هَذَا هُوَ الْمُتَعَيِّنُ وَلَا يَحِلُّ سِوَاهُ
وَأَيْضًا لَا يُدْرَى مَا حَدُّ الْمِصْرِ الْجَامِعِ أَهِيَ الْقُرَى الْعِظَامُ أَمْ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ بَلْ هِيَ الْقُرَى الْعِظَامُ قِيلَ لَهُ فَقَدْ جَمَّعَ النَّاسُ فِي الْقُرَى الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ السَّلَفِ وَبِالرَّبَذَةِ عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَإِنَّمَا رَأَيْنَا الْجُمُعَةَ وُضِعَتْ عَنِ الْمُسَافِرِ وَالنِّسَاءِ وَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى فَلَمْ تُوضَعْ عَنْهُمْ
قَالَ فِي التَّعْلِيقِ الْمُغْنِي وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ أَدَاءَ الْجُمُعَةِ كَمَا هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ فِي الْأَمْصَارِ فَهَكَذَا فِي الْقُرَى مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا وَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ يُرِيدُ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ أَنْ يَتْرُكَ الْعَمَلَ عَلَى ظَاهِرِ آيَةِ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ الثَّابِتَةِ بِأَثَرٍ مَوْقُوفٍ لَيْسَ عَلَيْنَا حُجَّةٌ عَلَى صُورَةِ الْمُخَالَفَةِ لِلنُّصُوصِ الظَّاهِرَةِ
وَأَمَّا أَدَاءُ الظُّهْرِ بَعْدَ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ فَبِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ فَاعِلُهَا آثَمٌ بِلَا مِرْيَةَ فَإِنَّ هَذَا إِحْدَاثٌ فِي الدِّينِ وَاللَّهُ أعلم
(باب إذا وافق يوم الجمعة)
[1070]
فَاعِلُ وَافَقَ (يَوْمَ عِيدٍ) مَفْعُولُهُ
(قَالَ صَلَّى الْعِيدَ) فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ (ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ) أَيْ فِي صَلَاتِهَا (فَقَالَ مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ) أَيِ الْجُمُعَةَ (فَلْيُصَلِّ) هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ رَخَّصَ وَإِعْلَامٌ بِأَنَّهُ كَانَ التَّرْخِيصُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَسَيَأْتِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ من الجمعة وإنا مجمعون وأخرجه بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ
وَفِي إِسْنَادِهِ بَقِيَّةُ وَصَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ إِرْسَالَهُ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ صلاة العيد الدارقطني وغيره إرساله والحديث دليل على صَلَاةَ الْعِيدِ تَصِيرُ رُخْصَةً وَلَا يَجُوزُ فِعْلُهَا وَلَا تَرْكُهَا وَهُوَ خَاصٌّ بِمَنْ صَلَّى الْعِيدَ دُونَ مَنْ لَمْ يُصَلِّهَا
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَّا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَثَلَاثَةٍ مَعَهُ
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا لَا تَصِيرُ رُخْصَةً مُسْتَدِلِّينَ بِأَنَّ دَلِيلَ وُجُوبِهَا عَامٌّ لِجَمِيعِ الْأَيَّامِ وَمَا ذُكِرَ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ لَا يَقْوَى عَلَى تَخْصِيصِهَا لِمَا فِي أَسَانِيدِهَا مِنَ الْمَقَالِ
قَالَ فِي السُّبُلِ قُلْتُ حَدِيثُ زَيْدِ بن أرقم قد صححه بن خُزَيْمَةَ وَلَمْ يَطْعَنْ غَيْرُهُ فِيهِ فَهُوَ يَصْلُحُ لِلتَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ يُخَصُّ الْعَامُّ بِالْآحَادِ انْتَهَى
وَفِي النَّيْلِ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ إِيَاسُ بْنُ أَبِي رَمْلَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ انْتَهَى
وَذَهَبَ عَطَاءٌ إِلَى أَنَّهُ يَسْقُطُ فَرْضُهَا عَنِ الْجَمِيعِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فليصل ولفعل بن الزُّبَيْرِ فَإِنَّهُ صَلَّى بِهِمْ فِي يَوْمِ عِيدٍ صَلَاةَ الْعِيدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ ثُمَّ جِئْنَا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدانا
قال وكان بن عَبَّاسٍ فِي الطَّائِفِ فَلَمَّا قَدِمَ ذَكَرْنَا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ أَصَابَ السُّنَّةَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ بن الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَجَمَعْتُهُمَا فَصَلَّاهُمَا رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ
وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ الْأَصْلُ فِي يَوْمِهَا وَالظُّهْرُ بَدَلٌ فَهُوَ يَقْتَضِي صِحَّةَ هَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّهُ إِذَا سَقَطَ وُجُوبُ الْأَصْلِ مَعَ إِمْكَانِ أَدَائِهِ سَقَطَ الْبَدَلُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَيْضًا حَيْثُ رَخَّصَ لَهُمْ فِي الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ مَعَ تَقْدِيرِ إِسْقَاطِ الْجُمُعَةِ لِلظُّهْرِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ الْمَغْرِبِيُّ فِي شَرْحِ بُلُوغِ الْمَرَامِ وأيد مذهب بن الزُّبَيْرِ
قَالَ فِي السُّبُلِ قُلْتُ وَلَا يَخْفَى أن عطاء أخبر أنه لم يخرج بن الزُّبَيْرِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَصٍّ قَاطِعٍ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ فَالْجَزْمُ بأن مذهب بن الزُّبَيْرِ سُقُوطُ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ يَكُونُ عِيدًا عَلَى مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الْعِيدِ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ بَلْ فِي قَوْلِ عَطَاءٍ إِنَّهُمْ صَلَّوْا وِحْدَانًا أَيِ الظُّهْرَ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِسُقُوطِهِ وَلَا يُقَالُ إِنَّ مُرَادَهُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وِحْدَانًا فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا جَمَاعَةً إِجْمَاعًا
ثُمَّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَالظُّهْرُ بَدَلٌ عَنْهَا قَوْلٌ مَرْجُوحٌ بَلِ الظُّهْرُ هُوَ الْفَرْضُ الأصلي المفروض ليلة الاسراء والجمعة متأخرة فَرْضُهَا
ثُمَّ إِذَا فَاتَتْ وَجَبَ الظُّهْرُ إِجْمَاعًا فَهِيَ الْبَدَلُ عَنْهُ
وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي رِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ انْتَهَى كَلَامُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرِ
قال المنذري وأخرجه النسائي وبن ماجه
[1071]
(فَقَالَ أَصَابَ السُّنَّةَ) الْحَدِيثُ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَحُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا تَرْخِيصَ لِأَنَّ دَلِيلَ وُجُوبِهَا لَمْ يُفْصَّلْ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَحُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا أَنَّ التَّرْخِيصَ يَخْتَصُّ بِمَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِ عُثْمَانَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ الْعَوَالِي أَنْ يُصَلِّيَ مَعَنَا الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْصَرِفَ فَلْيَفْعَلْ وَرَدُّهُ بِأَنَّ قَوْلَ عُثْمَانَ لَا يُخَصِّصُ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
قَالَ فِي رَحْمَةِ الْأُمَّةِ إِذَا اتَّفَقَ يَوْمُ عِيدٍ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَسْقُطُ عَنْ أَهْلِ الْبَلَدِ بِصَلَاةِ الْعِيدِ وَأَمَّا مَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَالرَّاجِحُ عِنْدَهُ سُقُوطُهَا عَنْهُمْ فَإِذَا صَلَّوُا الْعِيدَ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَنْصَرِفُوا وَيَتْرُكُوا الْجُمُعَةَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ
وَقَالَ أَحْمَدُ لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ لَا عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَلَا عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ بَلْ يَسْقُطُ فَرْضُ الْجُمُعَةِ بِصَلَاةِ الْعِيدِ وَيُصَلُّونَ الظُّهْرَ
وَقَالَ عَطَاءٌ تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ وَالظُّهْرُ مَعًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعِيدِ إِلَّا الْعَصْرَ
انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حديث وهب بن كيسان عن بن عَبَّاسٍ نَحْوَهُ مُخْتَصَرًا
[1072]
(لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ وَفِيهِ أَنَّ الْجُمُعَةَ إِذَا سَقَطَتْ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ الْمُسَوِّغَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَى مَنْ سَقَطَتْ عَنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقُولُ بِذَلِكَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ الْأَصْلُ
وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الَّذِي افْتَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ هُوَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَإِيجَابُ صَلَاةِ الظُّهْرِ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ مُحْتَاجٌ إِلَى دَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ يَصْلُحُ لِلتَّمَسُّكِ بِهِ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُهُ
قُلْتُ هَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الأمير اليماني في سبل السلام
قال بن تَيْمِيَةَ فِي الْمُنْتَقَى بَعْدَ أَنْ سَاقَ الرِّوَايَةَ المتقدمة عن بن الزُّبَيْرِ قُلْتُ إِنَّمَا وَجْهُ هَذَا أَنَّهُ رَأَى تَقْدِمَةَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَقَدَّمَهَا وَاجْتَزَأَ بِهَا عَنِ الْعِيدِ انْتَهَى